دروس مغربية في التعامل مع قضية "التطبيع":

تاريخ الإضافة الأحد 7 تشرين الثاني 2010 - 5:26 م    عدد الزيارات 493    التعليقات 0

        

 

دروس مغربية في التعامل مع قضية "التطبيع":
 
كيف ندعم صمود عرب فلسطين عمليا ونتواصل معهم دون علاقات طبيعية مع محتل أرضهم؟
 
كتب: هيثم شلبي
 
شهد المغرب خلال الأيام القليلة الماضية حدثين، تنبهت لهما الصحافة العربية والدولية بطرق مختلفة، دون أن تخرج مقاربتها لهما عن سياق السجال المعروف بين المعسكرات المختلفة تجاه قضية "التطبيع"، مع أنهما يستحقان برأيي قراءة مختلفة، أو على الأقل تسليط الضوء على جوانب مختلفة لم تلفت انتباه كثيرين ممن تناولوهما.
الحدث الأول تمثل في اعتذار العاهل المغربي الملك محمد السادس عن استقبال الرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز، على هامش مشاركته في اجتماع المنتدى الاقتصادي العالمي حول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، الذي احتضنته مدينة مراكش في الفترة ما بين السادس والعشرين والثامن والعشرين من تشرين أول (أكتوبر) الماضي، اما الحدث الثاني فكان اعتذار جميع المسؤولين المغاربة، بمن فيهم رئيس البرلمان عن لقاء رئيس الكنيست الإسرائيلي المشارك بمؤتمر برلماني دولي في العاصمة المغربية الرباط، بل وتحدثت الأنباء أن مواعيده قد ألغيت دون سابق إنذار، وهي المعلومات التي تحتاج لتدقيق طبعا.
بداية، من الواضح أن المغرب، وجهة مفضلة ليهود العالم، ومنهم ساسة إسرائيل، وذلك للسياسة المعتدلة التي اختطها المغفور له جلالة الملك الحسن الثاني، ويتابعها خلفه الملك محمد السادس، وكذا العلاقة الخاصة التي لليهود مع هذا البلد، بسبب كون اليهود المغاربة هم الجالية الأكبر في إسرائيل (إذا استثنينا المسيحيين من صفوف المهاجرين الروس إليها)، بل وربما ليهود العالم كافة إثر تشكيله ملجأ آمنا لهم في مناسبتين حاسمتين، إثر سقوط غرناطة، وخلال الحرب العالمية الثانية، عندما تم التنكيل بهم خلالهما.
جاذبيته المغرب هذه للساسة الإسرائليين، لا ينتقص منها لديهم كونهم لا يحصلون عادة على البضاعة التي يرغبون بها، والمواقف السياسية التي يودون سماعها- كما يحصل لهم في دول عربية أخرى، من تلك التي وقعت معهم اتفاقيات سلام أو تلك التي تحتضن مكاتب تمثيل تجاري- لأن هؤلاء الساسة بطبعهم، والنخبة الإسرائيلية عموما من اقتصاديين وإعلاميين، لا يملون من محاولة إثبات، أو يمنون النفس، بأن بإمكانهم الحصول على البضاعة والاحتفاظ بثمنها في نفس الوقت، أي يستمرون في احتلال الأراضي العربية، ويحصلون على علاقات طبيعية مع باقي الدول العربية، وهو الأمر الذي لم يحققوه، حتى مع الدول التي وقعت معهم اتفاقات سلام، حيث لا زال الرفض الشعبي، بل والرسمي إلى حد بعيد، يقف حاجزا أمام هذا "التطبيع".
لقد أرسل رفض العاهل المغربي لاستقبال الرئيس الإسرائيلي أكثر من رسالة، أولها للساسة الإسرائيليين أنفسهم، بأن لممارساتهم ثمن لا بد أن يدفعوه، وأن تعنتهم في مسألة الاستيطان لن يترك لهم حتى المنابر الإعلامية التي يقولون من خلالها أن هناك من يتفهم منطقهم من الطرف العربي، وأن على الفلسطينيين أن يقللوا من تشددهم في هذه المسألة، وهي الرسالة التي التقطها الرئيس الإسرائيلي، وهاجم على إثرها من على منبر الكنيست رئيس وزراءه بنيامين نتنياهو على موقفه من مسألة تجميد الاستيطان، مؤكدا له أن هذا هو وقت "الزعامات التي تتخذ قرارات حاسمة تاريخية". وفي هذا السياق، يقول الصحفي الإسرائيلي شالوم يروشالمي في مقال نشرته صحيفة معاريف بتاريخ 18/10/2010 أن بيريز فقد إيمانه بنتنياهو الذي كان يدافع عنه حتى وقت قصير، وأن قضية المغرب (يقصد إلغاء زيارته لها) ستزيد القطيعة بين الإثنين.
ثاني الرسائل ربما تكون للولايات المتحدة، التي لا تمل ترداد أن على العرب أن يقوموا بتشجيع إسرائيل على "التوجه نحو السلام" باتخاذ خطوات تطبيعية، دون أن تكلف نفسها عناء توضيح هذه الجملة، بأن تشرح للعرب ما هو ثمن السلام الذي ستقدمه إسرائيل للعرب بالمقابل وما هي مواصفاته، فأي خطوات تطبيعية يمكن أن تشجع شخصا كنتنياهو وحكومة كحكومته على تفهم منطق بسيط يقول باستحالة البناء في أرض تتفاوض على إرجاعها لأصحابها، وهكذا شكل رفض الملك محمد السادس للقاء ولو برتوكولي شكلي مع بيريز، جوابا عمليا على المنطق الأمريكي السابق.
ثالث الرسائل هي للرأي العام المحلي والعربي، بأن همّ "رفض التطبيع" ليس حكرا على هيئات المجتمع المدني، وأن الغضب تجاه الممارسات الإسرائيلية هو أمر تشترك فيه الحكومات والشعوب، وبالتالي، جاء قرار العاهل المغربي منسجما مع توقعات شعبه والشعوب العربية التي لم تكن لتستوعب صورة تتناقلها وسائل الأنباء العربية والعالمية، لمصافحة الزعيمين بابتسامة بروتوكولية.
هذه الرسالة تحديدا تربطنا بالحدث الثاني المتمثل في مقاطعة جميع البرلمانيين المغاربة والعرب للوفد البرلماني الإسرائيلي (باستثناء الجلسات العامة)، ورئيسه بالتحديد، وإلغاء جميع ارتباطاته الرسمية. وهي مناسبة لإثارة نقطة طالما أثارت اللغط بين دعاة ومناهضي التطبيع.
إن دعوة مسؤولين إسرائيليين لمؤتمرات دولية تعقد في دول عربية، هي شأن تختص به سكرتاريا هذه المنظمات الدولية، ولا شأن للدول المنظمة به، والدول العربية لا تملك هنا إلا خيارين، قبول تنظيم المؤتمر بما فيها مشاركة إسرائيليين، أو رفض تنظيم المؤتمر برمته حتى لا تستقبلهم. وهكذا يصبح النقاش منصبا حول مدى أهمية هذا المؤتمر أو ذاك لهذه الدولة أو تلك، لتقبل أو لترفض احتضانه، وينتهي الجدل العقيم حول احتضان المؤتمر دون توجيه دعوات للإسرائيليين. إن الدرس البرلماني المغربي قد أعطى صيغة خلاقة، للتوفيق بين الإيفاء بالالتزامات الدولية، واستغلال هذه المنابر الدولية المهمة لإيصال الرسائل العربية للعالم، وبين عدم منح المسؤولين الاسرائيليين المشاركين أي سراب ثمن يمكن أن يقبضوه لا على المستوى الثنائي (مع البلد المنظم) ولا الجماعي (مع الحضور العربي)، بحيث تتحول مشاركات الوفود الإسرائيلية إلى جحيم، يمضون كل وقتهم في الرد على السهام العربية والدولية واتقائها دون تحقيق أية مكاسب كما كانت عادتهم.
إن تركيز النقاش حول مدى الاستفادة أو المخاسر العربية لهذا البلد أو ذاك من استضافة مؤتمر يحضره إسرائيليون، هي أجدى بما لا يقاس من استمرار اللغط حول "التطبيع" المتمثل في دخول اسرائيليين لهذا البلد أو ذاك، لأن كثيرا من المشاركات الفاشلة للإسرائليين، هي التي تغذي النقاش الدائر حاليا هناك، حول الثمن الباهض الذي تدفعه هذه الدولة المحتلة، نتيجة لما يسمى "معركة نزع الشرعية الدولية عن إسرائيل"، والتي تتجسد ملامحها في كل منبر يحضره الإسرائيليون ويجدون أن لا أحد قد أصبح يستمع لمنطقهم المكرور ولا يقيم وزنا لحججهم الواهية، التي يسوقونها في معرض تبرير احتلالهم للأراضي العربية.
لكن في المقابل، فمن الإنصاف القول أن مناهضي التطبيع محقون عندما يقفون ضد استدعاء بعض المنتديات والمؤتمرات الأكاديمية والعلمية العربية لإسرائيليين، باعتبارها عملا مضرّا ومرفوضا، لأن الدعوة في هذا السياق ليست إكراها دوليا تحتمه عليك التزاماتك، وإنما خيار منظمين، لا زالوا يؤمنون بأن بإمكانهم أن يحصلوا على مكاسب من نقاشهم مع نظرائهم الإسرائيليين، أكثر من تلك التي يحصلون عليها عندما يلتقونهم في مؤتمرات عديدة خارج الوطن العربي.
إن تحديد قواعد عامة لهذه الجدل بين معسكري التطبيع، تفيد في تجنيبنا حالة السجال التي لا تنتهي بين الطرفين عندما يتعلق الأمر بأي شأن يخص الإسرائيليين. ولعل من إفرازات هذا الأمر المضرة بالقضية الفلسطينية (وهنا أسرد عناوين لأن المجال لا يسمح للدخول في تفاصيلها): حالة المقاطعة التي فرضناها على عرب فلسطين الذين صمدوا في أرضهم منذ عام 1948 بحجة لون جواز سفرهم الأزرق، الموت البطيء الذي فرضناه على قدسنا الشريف، لأننا رفضنا أن نزور أهلها الأسرى ترفعا عن طلب الإذن من سجانيهم، وأخيرا القطيعة الحاصلة بين الجاليات العربية والإسلامية التي يحمل أفرادها جوازات سفر تتيح لهم زيارة فلسطين بأكملها دون حاجة لطلب تأشيرة دخول إسرائيلية، وما يمكن أن يكون لهذه الروابط من أثر إيجابي اقتصادي وسياسي ونفسي على عرب فلسطين.
ربما يكون درس العاهل المغربي وبرلمانييه، فرصة للتمييز بين الفعل الحقيقي ولغط القول، بين حدود حركة وإمكانيات المسؤول الرسمي، المستمع لنبض شارعه المراعي لمشاعر أبنائه عند اتخاذ خطوات دبلوماسية، وبشكل يرد عمليا على الخلط الدائر بخصوص "اتخاذ خطوات تشجع إسرائيل على الاعتدال"، وبين ما يمكن للمسؤولين السياسيين والبرلمانيين أن يقوموا به بدورهم، بشكل لا يخل بالأعراف الدولية، لكن لا يعطي كذلك للإسرائيليين أية فرصة لتحقيق أي مكسب، ولا يتركون الساحة الدولية فارغة لهم يصولون فيها ويجولون. كما ويشكل مناسبة لإعادة فتح النقاش العام حول "خطاب التطبيع" لتدقيقه من جهة، ووضع قواعد عامة لا تخضع فقط للجانب "النفسي والعقائدي"، على أهميته، لهذا الطرف أو ذاك الذي لا يتصور أن يتعامل مع إسرائيليين بأي شكل من الأشكال، ولكن تراعي كذلك المصالح الحقيقية لأهل فلسطين، وسبل تدعيم صمودهم بعيدا عن البلاغة الخطابية التي لم تنفعهم على مدى أزيد من ستين عاما.
إن التوفيق بين بحث أبناء هذا المعسكر عن "الطهارة" برفض أي تعامل مع الإسرائيليين، وبحث أبناء المعسكر الثاني عن "الفعالية" بالتخلي عن هذا التحفظ، هو الرهان الحقيقي الذي يجب أن تقودنا الشجاعة فيه إلى معادلة، نتواصل فيها مع أبنائنا المسجونين في فلسطين، دون أن تكون علاقتنا طبيعية مع سجانيهم، بشكل يشعرهم عمليا أنهم جزء من أمة عربية وإسلامية، تهتم لهمهم، وتأسى لأساهم، وتفعل المستحيل للوقوف العملي معهم في محنتهم. وبكلام أوضح، نريد أن نثق بأن مبالغة مناهضي التطبيع في مواقفهم اللفظية لا تعبر أو تقود إلى استقالتهم من ساحة الفعل، أي ليست عنوان "إفلاس"، وعلى نفس الدرجة نريد أن نثق بأن حماس المتبنين للموقف المعاكس لا يعبر أو يقود إلى تنصل من التزاماتهم تجاه أهلهم وقضاياهم، أو عنوانا لبحثهم عن مصالحهم الشخصية الضيقة، أي ليس "انتهازية"،، فهل مثقفونا قادرون على رفع هذا الرهان والتحدي؟؟؟  

“حرب الظل” الإيرانية-الإسرائيلية تخاطر بالخروج عن السيطرة..

 الإثنين 15 نيسان 2024 - 9:21 م

“حرب الظل” الإيرانية-الإسرائيلية تخاطر بالخروج عن السيطرة.. https://www.crisisgroup.org/ar/middle… تتمة »

عدد الزيارات: 153,320,317

عدد الزوار: 6,886,009

المتواجدون الآن: 79