لمواجهة التحرك القاتل ضد الأقليات

تاريخ الإضافة السبت 9 تشرين الأول 2010 - 11:24 ص    عدد الزيارات 540    التعليقات 0

        

لمواجهة التحرك القاتل ضد الأقليات
بقلم سليم نصار

عندما أطلع البابا بينيدكتوس السادس عشر على برنامج زيارته لبريطانيا، ادرك ان الملكة اليزابيت الثانية حريصة على محو تلك الحقبة المظلمة من تاريخ علاقات الكنيستين، الكاثوليكية والانغليكانية. ذلك ان برنامج الدعوة الرسمية اشتمل على زيارة الموقع الذي اعدم فيه السير توماس مور بأمر من الملك هنري الثامن (تموز 1535). وكان حكم الاعدام بقطع الرأس عقب محاكمة صورية، الجزاء الذي ناله توماس مور لأنه تجرأ على رفض الارادة الملكية. وبما انه كان ينتمي الى الطائفة الكاثوليكية، فقد طوّبه الفاتيكان قديسا.
تمت زيارة البابا لهذا الموقع برفقة اسقف كانتربري الدكتور روان وليامز، الذي استقبله في قاعة "قصر لامبات" كشهادة علنية على محو مئات السنوات من العداء بين الكنيستين.
وكما حقق المصالحة مع الكنيسة الانغليكانية هكذا فعل البابا مع الكنيسة الارثوذكسية اثناء زيارته لقبرص. ومن نيقوسيا اطلق الوثيقة التي سيناقشها سينودس الاساقفة الذي يعقد غدا الاحد (10 /10 /2010) في حاضرة الفاتيكان. ومن خلال رحلاته الى تركيا والاردن وفلسطين، استطاع البابا بينيدكتوس السادس عشر، تأمين حضور اساقفة وممثلي طوائف اخرى من بلدان الشرق الاوسط.
وكانت السكرتاريا العامة لسينودس الاساقفة قد طلبت من الكنائس الكاثوليكية في الشرق الاوسط، الاجابة بوضوح عن احوالهم في المجتمعات ذات الغالبية المسلمة، مثل تركيا وايران والعراق ومصر.
ومن المتوقع ان تناقش هذه الاجابات على امتداد اسبوعين من هذا الشهر، بين الاساقفة وممثلي الجماعات الاسلامية واليهودية. واستند البابا في مبادرته الى اعلان المجمع المسكوني الثاني الذي يقول: تنظر الكنيسة بتقدير الى المسلمين الذين يعبدون الله الاحد القيوم والقدير، فاطر السموات والارض.
وعلى هذا الاساس، تمت في السنوات الاخيرة لقاءات مع جمعيات اسلامية في كولونيا (المانيا). وخلال زيارته لاسطنبول حرص على زيارة "المسجد الازرق" كدلالة على رغبته في فتح حوار ديني مع قادة الديانات الاخرى. وهذا ما فعله السنة الماضية اثناء زيارته لمسجد الحسين بن طلال في عمان (الاردن).
وبسبب حرصه على اطلاع كل القيادات المسيحية المهتمة بقضية الشرق الاوسط، عقد البابا اجتماعا مع فلاديمير بوتين اثناء زيارته روما، باعتباره الصديق الشخصي لبطريرك روسيا الاتحادية اليكسي الثاني. وقد نقل بوتين الى البطريرك رسالة شفهية تتعلق بفكرة زيارة موسكو من اجل احياء مبادرة السلام المتعثرة.
وعقد البابا وبوتين لقاء منفردا استمر نصف ساعة، فيما كان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف يجتمع مع وزير خارجية الفاتيكان دومينيك مامبرتي.
وجاء في البيان المشترك الذي اصدره الفريقان ما خلاصته: ان الاثنين ابديا اهتماما خاصا بمسائل التطرف والتعصب وكل السلبيات التي تشكل تهديدا للسلام بين الشعوب.
ومع ان الوثائق المعدة للمراجعة والنقاش ستكون بعيدة عن الشؤون السياسية والعقائدية، الا ان معضلاتها الاجتماعية ستؤثر على مصير اكثر من 17 مليون مسيحي في المنطقة، بينهم خمسة ملايين كاثوليكي. ويتبين من نصوص المساهمات التي رفعت الى اللجنة التحضيرية، عمق الهواجس التي تقلق مسيحيي الشرق الاوسط.
ومن مصادر هذا القلق المتنامي يطل عنوان الجلسة الثانية على النحو التالي: لقد صرنا بقية صغيرة بفعل التاريخ. وانما نستطيع بفضل سلوكنا ان نصبح اصحاب حضور كبير. خصوصا ان حالات اليأس لم تولد من فراغ، بل جاءت نتيجة عدم الحسم في الصراع الفلسطيني – الاسرائيلي على امتداد ستين سنة. وكان طبيعيا ان ينتج عن اختلال توازن القوى وضع من التردي قاد الى هجرات جماعية نال منها المسيحيون النصيب الاكبر.
عقب الاعتداءات المتكررة على مسيحيي العراق في مدينة الموصل وغيرها، اضطر البابا بينيدكتوس السادس عشر الى اطلاق نداء دعا فيه الى ضرورة توفير الحماية للعائلات التي تعرضت للاضطهاد والطرد. وذكر تقرير صدر عن الامم المتحدة، ان هناك اكثر من خمسة آلاف شخص فروا من الموصل خلال فترة لا تتعدى العشرة ايام. وحذر التقرير من انخفاض نسبة المسيحيين الذين تضاءلت اعدادهم منذ سبعينات القرن الماضي بسبب تردي وضعهم الاقتصادي، وانعدام الامن، والقتل على الهوية من قبل جماعات ارهابية متعصبة. صحيح ان هجرة المسيحيين الى الولايات المتحدة والسويد والمانيا، بدأت قبل غزو العراق ولكن الصحيح ايضا ان السنوات السبع الاخيرة شهدت نزوحا جماعيا في اتجاه سوريا، اضطر رجال الامن الى التدخل لمنعه. كما اضطر بطريرك السريان الكاثوليك اغناطيوس يوسف الثالث، الى رفع الشكوى الى رئيس الوزراء نوري المالكي الذي وعد باتخاذ اقسى التدابير الامنية. ولم تثبت حال الهدوء اكثر من شهر واحد اضطرت الدولة بعد ذلك الى ارسال قوة من الجيش لحماية الطلاب في المدارس.
وفي الورقة التي قدمت الى الفاتيكان، معلومات موثقة تشير الى هرب ثمانين الف نسمة من السريان الكاثوليك الى سوريا والاردن ولبنان وتركيا واوستراليا. كما تشير ايضا الى ان عدد المسيحيين العراقيين كان 750 الف نسمة قبل الغزو الاميركي. ولكنه انخفض بنسبة الثلثين خلال السنوات السبع الاخيرة بحيث اصابت موجهات الهجرة الضخمة الاشوريين والصابئة والايزيديين والمندائيين.
وتعاني الحكومة السورية من نتائج هذه المأساة لأنها استقبلت اعداداً كبيرة من العراقيين المشردين ينتمون الى مختلف المذاهب. وقد أعلنت المفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة في مكتب دمشق، انها شهدت خلال
السنة الماضية هجرة أكثر من 57 ألف عراقي كلاجئين انسانيين.
في رسالته الى المسلمين لمناسبة شهر رمضان المبارك، دعا رئيس مجلس الحوار بين الاديان الكاردينال جان - لوي توران، السلطات في دول الشرق الاوسط، الى تطبيق العدالة الحقيقية لوقف موجات العنف. وطالب بعدم استغلال الدين لاغراض سياسية، متمنياً أن يكون شهر الصوم فرصة لتوثيق العلاقات بين العائلات الروحية.
ومع ان لبنان كان يعتبر البلد الوحيد في هذه المنطقة، الذي يضم أكبر وجود مسيحي فاعل، الا ان الحرب الاهلية (1975-1989) فرضت هجرة أكثر من مليون ونصف مليون لبناني، بينهم نسبة 58 في المئة من المسيحيين. ثم جاء اتفاق الطائف ليعيد  توزيع السلطات بين الطوائف ويجعل مقاعد البرلمان مناصفة بين المسلمين والمسيحيين. ومع تعديل الصلاحيات الدستورية سلبت من رئيس الجمهورية الماروني، امتيازاته السابقة كلها ومنحت لمجلس الوزراء مجتمعاً.
وبحسب مؤسسات الاحصاء، فإن الارقام الاخيرة تشير الى تحقيق الطائفة الشيعية، أكبر نسبة نمو على الاطلاق بحيث بلغ تعدادها مليون نسمة و350 ألفاً. في حين تقلص عدد المسيحيين وتراجع دورهم بحيث وصل الى 13 في المئة من عدد السكان. علماً بأن نصف المقاعد المسيحية في البرلمان يحددها الصوت المسلم، وخصوصاً في الجنوب والبقاع والشمال.
في مناسبة عيد مار مارون، دعا البطريرك نصرالله صفير في شباط الماضي الى قداس حضره الرئيس ميشال سليمان ورئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة سعد الحريري. واستغلت سوريا هذه المناسبة لتوجيه دعوة الى الرئيس السابق اميل لحود والجنرال ميشال عون والنائب سليمان فرنجيه، لحضور قداس في بلدة براد، مسقط رأس مار مارون ومكان دفنه.
وكانت الدولة السورية تريد التذكير بأن مؤسس المارونية جاء من سوريا، وان ممثليه الوطنيين التحقوا به في براد للاحتفال بذكرى مرور ألف وستمئة سنة على وفاته.
وفي الكلمة التي القاها المطران مطر في كنيسة مار جرجس، استعار عبارة البابا يوحنا بولس الثاني الذي وصف دور لبنان بأنه: "رسالة التعايش"، ومع ان الكنيسة المارونية انطلقت من شمال سوريا، الا ان بيروت - في نظره - هي مدينة كل الكنائس، لأنها صارت بامتياز مساحة التلاقي الارحب بين المسيحية والاسلام. كما صار لبنان - في رأيه - أكثر من وطن، لأنه موقع الحرية والمساواة والكرامة الوطنية.
الشهر الماضي، اثارت مسألة اختفاء كاميليا شحاتة في مصر، حفيظة الاقباط الذين تعرضوا لتهجمات الجماعات الاسلامية المتعصبة. وبما ان كاميليا هي زوجة أحد الكهنة في دير مواس بمحافظة المنيا جنوب مصر، فقد تحولت قضيتها الشخصية الى مشكلة طائفية بين المسلمين والمسيحيين.
وخشية ان تتحول الخلافات الشخصية الى نزاعات يومية، تدخل بابا الاقباط الارثوذكس والكرازة المرقسية الانبا شنوده الثالث، ليطالب المتوترين والمتشددين بالتعقل وانصاف الاقباط. كذلك تبارى عدد من الكتاب والمفكرين في استذكار الدور الريادي، الوطني، الذي قام به احبار الاقباط والسياسيون منهم. ذلك ان الباب شنوده مثلاً، بقي لمدة أربعين سنة رمزاً وطنياً لكونه رفض ضغوط أنور السادات للتطبيع مع اسرائيل. كما رفض السماح لأي مصري مسيحي بزيارة الاراضي المقدسة تحت الاحتلال. وتذكر بعض الكتاب دور مكرم عبيد باشا، سكرتير عام "حزب الوفد" والشخصية الفريدة التي ساهمت في صهر الاقباط داخل الحركة الوطنية المصرية.
الانبا شنوده الثالث يقول ان عدد اقباط مصر يصل الى 12 مليون نسمة. في حين تقول الاحصاءات الموضوعية ان التهجير والاعتداءات، أوصلت العدد الى ثمانية ملايين. وهم يتوقعون ان تخف موجة النزوح اذا ما نجح سينودس الاساقفة من أجل الشرق الاوسط في رأب التصدع وإزالة التوتر ومعالجة مستقبل التعايش بما لا يرضي اسرائيل واسامة بن لادن الطامح الى بناء شرق أوسط جديد خال من 17 مليون مسيحي.
المعالجة التي طرحها امين عام الأمم المتحدة السابق بطرس غالي، تركز على الاستيعاب والمشاركة وتطبيق قواعد المواطنة وفقاً لنصوص الدستور الذي يكفل المساواة والحقوق لكل مواطن مصري. وحول هذا التحرك القاتل ضد الاقليات في المنطقة، كتب المطران جورج خضر يقول: ان الحل في أيدي المسلمين العاقلين الاطهار والاقوياء معاً. ازاء الفظائع التي ترتكب ضد المسيحيين، لا يستطيع الوجدان الاسلامي أن يبقى متفرجاً، خصوصاً ان الالسنة والاقلام تتكلم من زمان طويل جداً عن سماحة الاسلام.
ثم يتساءل: هل يبقى هذا في حدود الامنيات أم تصبح المجتمعات الاسلامية حقاً مجتمعات حرة لكل مخلوق عاقل؟!
 


(كاتب وصحافي لبناني مقيم في لندن )      

 

ملف الصراع بين ايران..واسرائيل..

 الخميس 18 نيسان 2024 - 5:05 ص

مجموعة السبع تتعهد بالتعاون في مواجهة إيران وروسيا .. الحرة / وكالات – واشنطن.. الاجتماع يأتي بعد… تتمة »

عدد الزيارات: 154,037,416

عدد الزوار: 6,931,823

المتواجدون الآن: 78