محور حول المسيحيين المشرقيين والمسؤولية العربية والاسلامية

تاريخ الإضافة الجمعة 8 تشرين الأول 2010 - 7:22 ص    عدد الزيارات 562    التعليقات 0

        


 

محور حول المسيحيين المشرقيين والمسؤولية العربية والاسلامية

مديونية اليوتوبيا العربية تجاه المسيحية المشرقية
محمد نعمة

صحيح أن هجرة الأقليات المسيحية من أوطانها العربية مزمنة ومقلقة وخاصة من مصر والعراق ولبنان. وصحيح أنه لم يبقَ من أتباع المسيح في فلسطين سوى 2% على ابعد تقدير، إلا أن الصحيح أيضا هو انه ليس بالديموغرافيا تحيا قضايا الشعوب. إن تأثير المسيحيين المشرقيين على قضايا العرب لا تنحصر في معاش الاحتلال كما هي الحال في فلسطين بحيث أن الأطفال المسيحيين كإخوتهم المسلمين يذهبون إلى المدارس المشتركة نفسها في القدس ورام الله وبيت لحم ونابلس أو في مدن وقرى الجليل. وهم ينضمون إلى المجموعات والمنظمات السياسية – الاجتماعية والرياضية نفسها. وما يجمعهم هو الاحتلال وأيضا الشغف بالتخلص منه. ويقيمون في ما بينهم علاقات التكاتف المديدة، وهذا ما أثبتته التجارب المعاشة والمؤلمة لهم: تجربة النكبة والتشتت في عام 1948 وتجربة الهوان والإذلال إبان اجتياح عام 1967، ثم تجربة "انتفاضة أطفال الحجارة" الأولى سنة 1987، ومن ثم تجربة "انتفاضة الأقصى" الثانية سنة 2000.
وكما يحصل في العراق، إن المسيحيين الفلسطينيين قد دفعوا ضريبة الدم والقهر مثل إخوتهم المسلمين. ورغم كل هذا فإن ثمة إجحافاً بحقهم من قبل الانتليجنسيا العربية وكأنهم لا اثر لهم في مسار الكفاح التحرري. لقد تناست هذه الانتليجنسيا أن المسيحيين المشرقيين وتحديدا الفلسطينيين منهم وبرغم كونهم تاريخيا واثنيا فئات متعددة اختلطت وامتزجت بهذه الأرض المقدسة، هم، وبالفعل، ورثة جماعة المؤمنين الأولى الذين آمنوا بيسوع المسيح والتفوا حول الصليب النازف، وهم الذين أعطوا للأرض المقدسة وريدا روحيا نابضا أبدا وذاكرة قيمية تختلج دائما، ولو أن الاحتلال قد حولها جلجلة روتينية.
كما تجاهلت هذه الانتليجنسيا أن المسيحيين المشرقيين كانوا السباقين في التجديد الروحي العربي، وذلك من خلال دفاعهم المستميت وقيادتهم الدؤوبة لنهضة العرب الأولى في وجه التتريك، وذلك عبر صون وتفعيل لغتهم ورفد شعوبنا بالاعتزاز بحضارتها المميزة. لقد كانوا الاوائل لحظة بلورتهم فلسفة الدولة – الأمة العربية بحداثتها المنشودة. هنا المفكرون المسيحيون أمثال مكرم عبيد وفارس ألخوري وجورج جبور وقسطنطين زريق وخليل سكاكيني ورئيف خوري لهم اليد الطولى في نسج فلسفة الكبرياء القومي وبلورة الشحن النرجسي للهوية العربية. هذه الكبرياء وهذا الشحن الضروريان من اجل صقل وثبات أية هوية، قد تجند لهما وأبدع بتمظهرهما مسيحيو العرب. إن التأثير المسيحي على قضايا العرب بمسالة الاستقلال والتحرر والتشبث بقضية فلسطين وقدسها لا نجده فقط من خلال أعلامهم الخفاقة والمتجسدة بزعماء كبار والذين لا تمحوهم السنون ولا التبدلات: أمثال جورج حبش وانطون سعادة وميشال عفلق وفرج الله الحلو وادوار سعيد، أو فقط برموز روحية وهّاجة في دنيا العرب كالمطران ايلاريون كبوجي الطيب الذكر، أو الأب الراحل يعقوب حنا الذي قاوم في الأربعينات من القرن الماضي حركات الاستيطان الإسرائيلية، مما حدا بالميليشيات الصهيونية إلى طرده وعائلته من فلسطين إلى لبنان، وأخيرا مطران القدس الحالي عطا الله حنا ذو النزعة السيادية الفلسطينية والخلفية الصلبة المناوئة للاحتلال.
إن تأثير المسيحيين على قضايا العرب وبالأخص المسألة الفلسطينية هو أكبر وأعمق من هذا كله. إننا نجد جذوره في لب التكوين الفكري الحديث للعقل العربي، وتحديدا من حيث محتوى اليوتوبيا الخاصة بهذا الفكر ألا وهو ثلاثية: الرقي – الاستقلال – العدل.
من الصعب بمكان الفصل بين النشاط الإبداعي للمثقف المسيحي المشرقي والنظرة العامة المعاصرة لكيانية العرب. لقد جسد بالفعل ومنذ البدء الحاضنة لكيانية الأمة هذه وذلك عبر مدها، أولاً، بخطاب تبريري لنشأتها ولانفصالها عن جذرها الديني، وثانياً، بـ"منظومة مفاهيمية" جديدة تسمح ببلورة هوية ونظرة جديدتين للذات الجمعية. فإن تهاوي التتريك ثم انبعاث العربية كلغة وكثقافة قد تعاقبت كمحصلة لهذا الجهد الفكري المسيحي العربي. هنا لا تعترضنا صعوبات تذكر في أن نجد إجماعا ما لدى الباحثين في اركيولوجيا المفاهيم العربية الحديثة. إن المنظومة المفاهيمية المعاصرة والتي أتى بها المثقفون المسيحيون في القرنين الماضيين قد أهّلت لدى الانتليجنسيا العربية الأرضية الفكرية الحديثة والتي تتجاوب، أولاً، مع إشباع الرغبة النرجسية الدفينة للذات العربية بكسر الاستتباع والاحتلال، وثانياً، مع إلحاح متطلبات التغيير البنيوي المنشود للمجتمع ككل، وثالثاً، مع شرعنة الاستعارة الثقافية من المجتمعات الأخرى وخاصة الأوروبية ذات الثقافة المتقدمة والمهيمنة في الآن نفسه. إن المفاهيم الثقافية الجديدة والمرتبطة بضرورة بناء الدولة – الأمة ببعدها الحداثي كانت محكومة في مخيال المثقف المسيحي بهاجس فلسفي وقيمي قائم على ركيزتي العدل والمساواة بين الجماعات وليس على ركيزة فصل الدين عن الدولة كما كانت الحال في أوروبا الحديثة.
إن الحالة الوجودية الاقلوية لهذا المثقف والتي تعكسها من جهة هامشية حضوره الديموغرافي في المحيط الإسلامي الشاسع ذي التزاوج بين العاملين الديني والدنيوي، ومن جهة ثانية إخلاصه لأرضه ووفائه لحضارته المتعددة الفرع الروحي، قد دفعا به إلى صقل منظومة مفاهيمية تسمح له بالبقاء سويا مع الآخر ضمن شروط الرقي والكرامة المشتركة.
إن اقانيم اليوتوبيا العربية الثلاثة: استقلال – رقي – عدل قد تم حفرها ثم تظهيرها بفضل دفق الهاجس النفسي لدى المثقف المسيحي المشرقي. إنه هاجس الملاءمة والمواءمة بين ولعه بهذه الأرض وعشقه لقوس القزح الروحي لحضارته من جهة، وغريزة البقاء لذاته الاقلّوية ولنرجسيته من جهة أخرى. تلك النرجسية التي لم ترتوِ ولن ترتوي إلا من ينبوع الحرية، حرية المعتقد كمثال. وبالتالي فإن الاستقلال هو استتباع دون هذه الحرية، والرقي هو تقهقر دون هذا الحق، والعدل هو ظلم دون شرعنة التمايز الطبيعي للمعتقدات.
إن يوتوبيا العرب هذه مرادفة لهذا الهاجس المسيحي المشرقي في تلك الحرية الى درجة إن احد مفكريهم المثير للجدل، شارل مالك، قد اختصر فلسفته بفكرة "أن "ضمير" الإنسان ( بالمعنى المعتقدي كما نظن) وعقله هما أكثر ما في الإنسان قداسة".

(باريس)
ناشر ومدير مجلة مدارات غربية
 
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 
وصية الشيخ شمس الدين "المسيحية"
ابرهيم شمس الدين

في ما يلي نص من وصايا الشيخ محمد مهدي شمس الدين، يتعلّق بفاعلية ووجود المسيحيين في الشرق. وهذه النص -الموقف يجيب على تساؤلات عديدة ويبني ويؤسس ويعكس موقفًا إسلاميًّا واضحًا من ضرورة استمرار الوجود المسيحي وفاعليته:

الفاعليّةُ المسيحيّةُ في لبنانَ والشّرق
"من الوصايا الأساسيّةِ التي أركّزُ عليها بالنسبةِ إلى المسلمين اللبنانيين، وبالنسبةِ إلى العربِ جميعاً، هي الحرصُ الكاملُ التّامُ على ضرورةِ وجودِ وفاعليّةِ المسيحييّن في لبنانَ، وعلى تكاملِهم وعلى شعورِهم بالانتماءِ الكاملِ والرِّضى الكاملِ، وعلى عدمِ أيِّ شعورٍ بالإحباطِِ، أو بالحرمانِ، أو بالنّقصِ، أو بالانتقاص، أو بالخوفِ على المستقبلِ، وما إلى ذلك. وهذه الرؤيةُ ليست قائمةً على المجاملةِ وعلى الحسِّ الإنسانيِّ فقط، وإنّما هي قائمةٌ على حقائقَ موضوعيّةٍ أساسيّةٍ لا بدَّ من مراعاتها.
"وينسحبُ على هذا القضيّةُ التي بدأت تُثيرُ قلقاً متزايداً في الأوساطِ المسيحيّةِ العربيّةِ والأجنبيّة، وهي وجودُ المسيحيّةِ في الشّرقِ، وحضورُ المسيحيّةِ في الشّرق. وأنا أرى أنَّ من مسؤوليّةِ العربِ والمسلمين أن يشجِّعوا كلَّ الوسائلِ التي تجعلُ المسيحيّةَ في الشرقِ تستعيدُ كاملَ حضورِها وفاعليّتِها ودورِها في صُنْعِ القرارات، وفي تسييرِ حركةِ التاريخ، وأن تكونَ هناك شراكةٌ كاملةٌ في هذا الشّأنِ بين المسلمينَ والمسيحيينَ في كلِّ أوطانهم وفي كلِّ مجتمعاتهم. ومن هنا فإني أشعرُ أنَّ المراجعَ الدينيّةَ الإسلاميّةَ الكبرى مسؤولةٌ عن هذا الأمر، وأنَّ المراجعَ الفكريّةَ والتوجيهيّةَ في الإعلامِ وفي الثّقافةِ وغيرِهما يجب أن تُركِّزَ على هذه النقطةِ بكلِّ ما يمكنُ من قوّةٍ وفاعلية".
إحياء الدور المسيحي في المشرق العربي؛ هل الإحياءُ هو عملٌ أو مهمةٌ تقوم بها جهةٌ خارجةٌ عن موضوعِ الإحياء؟  هل المقصود أنّ المطلوبَ هو جهةٌ تحيي الدورَ المسيحي؟ هل المطلوبُ هو جهةٌ من غير المسيحيين أم من المسيحيين أنفسِهم أم هي مهمّة ومسؤولية مشتركة للمسيحيين وللمسلمين تحديدًا؟ وهنا تُطرح أسئلةٌ عن آليّاتِ تنظيمِ هذه المسؤولية وكيفيتها.
وبتبسيط عملي أقول، إن الذي يستطيع أن يُحيي يستطيع أن يُميتَ أيضاً؛ ولتقريبِ الفكرةِ أكثرَ أقولُ، إن الذي يعطي يستطيعُ أن يأخذَ أيضاً أو يستطيعُ استرجاعَ ما أعطاه، وهنا يبقى احتمال الاسترهان دائماُ. ما هي شروط وظروف الإعطاء أو الإحياء؟ هل ما هو مطلوب أن يعطى هو حقٌّ أم أنه هبة أو منحة؟ إذا كان حقًّا فلماذا كان محبوسًا ولماذا يتنازل عنه من حبسه؟ وإذا كان هبة فالهبة أو العطية قد تسترد في أي وقت يعتقد المانح أن له فيه مصلحة.
في الدور، ما هو الدور المسيحي؟ صار يحتوي هذا التعبير على إطلاق استعماله وكثرته - على غموض كبير رغم وجود "ال" التعريف فيه والذي يُقصد منه بداهة فهمه وشيوع معناه. إنّه الدور! ما هو هذا الدور؟ وأعود هنا إلى كلام العالم الجليل الدكتور كمال صليبي والعالم معالي الدكتور طارق متري في كلامهما عن الدور المسيحي حيث تساءل الأول عن وجود دور خاص أصلاً وعن استمراره، وتكلّم الثاني عن أدوار للمسيحيين بما يُخرج الدورَ عن خصوصيّة مسيحيّة، وأنا أقول أن ما يمكن أن يُنسب إلى المسيحيين كدور خاص متميّز في السياق التاريخي، هو المبادرة إلى تأسيس لبنان كوطن و دولة مستقلة. وهذا الدور تم واكتمل مع التأسيس ولاقاهم وأتخذه المسلمون اللبنانيون معهم  بتأكيد هذا التأسيس بتثبيت نهائية الوطن. إن لبنان هو وطن نهائي لجميع أبنائه وهذه ثابتة من ثوابت الدستور.
الدور المسيحي الدائم والأكيد هو دور المواطنة؛ أن يكونوا مواطنين وأن يلتزموا وطنهم لبنان وقضاياه مع اللبنانيين الآخرين. هذا الوطن الذي لا يبنى من الخارج بل من الداخل بالوجود فيه والثبات فيه؛ لبنان الذي تأسّس هو حقيقة ثابتة وليس غلطة تاريخية وليس مؤامرة أجنبية. دور المسيحيين في لبنان وفي كل وطن من أوطانهم أن يبنوا وطنهم كلّ يوم وأن يحموه كل يوم وأن يصنعوه كل يوم وفق تعبير الشيخ محمد مهدي شمس الدين،  وهو أيضاً الوطن الرسالة على تعبير البابا الراحل يوحنا بولس الثاني. هذه الرسالة التي تحتاج إلى رسولها ورسلها يوميًّا ودائمًا.
دور المسيحيين في الوطن العربي وفي كل وطن من أوطانهم الخاصة إعادة الإمساك المتين والكامل مع مواطنيهم بقضية الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، أحد أوطان المسيحيين الكبرى والأولى والدائمة والثابتة. الدفاع عن فلسطين وإدانة الاحتلال والمطالبة والعمل لزواله هو دور دائم ورسالة دائمة تحيي الوجود المسيحي وتمنع نزيفه وتهجيره  وقتله واحتلاله، وتحمي المسيحية نفسها في منبتها ومهدها.
المسيحيون العرب في أوطانهم بما فيها لبنان، ليسوا وافدين وليسوا زوّارًا وليسوا عمّالاً أجانب مستوطنين وليسوا من الأجانب الذين اكتسبوا الجنسية بمرور الزمن. هم من أهل الأرض وسكّانها وعمّارِها وعروبتهم ووطنيتهم في أوطانهم الخاصة ثابتة لا يُجادل فيها عاقل. وبالتالي، إنّ المسيحيين ليسوا أقلية ولا يجوز أبدًا التعامل معهم على أنهم أقلية ومن الخطأ أن ينظروا إلى أنفسهم على أنهم أقلية وأن يتصرفوا ويتدبروا أمورهم على هذا الأساس.
المسيحيون ليسوا أقلية والمسلمون الشيعة ليسوا أقلية. مقولة الأقليّات أساساً مقولة مرفوضة وخطرة. لا أقليات في العالم العربي. توجد أكثريتان كبيرتان: الأكثرية العربية والأكثرية الإسلامية. المسيحيون هم جزء من الأكثرية العربية والشيعة هم جزء من الأكثرية الإسلامية والأكثرية العربية. المسيحيون هم جزء من الأكثرية العربية التي لديها إيمانها الخاص؛ ليسوا عرقاً مختلفاً، هم عرب أقحاح، وليسوا لوناً مختلفاً بل لونهم مثل لون الآخرين، وحياتهم مثل حياة الآخرين. لا أستطيع أن أقارن المسيحيين بالسود في أميركا، أصلاً هم أفارقة اميركيون ولا أحد في أميركا أصيل كأصالة المسيحيين العرب في أرضهم. مشكلة الأفارقة الاميركيين هي مشكلة عرق وتمييز عنصري وليست مشكلة أقلية وأكثرية، وإلا الأقلية البيضاء في جنوب أفريقيا كانت تستعمر وتستعبد الأكثرية الوطنية السوداء.
التمييز السياسي على أساس الانتماء الديني غير عادل وغير صحيح للمسيحيين في لبنان، والمشكلة ليست في كونهم أقلية، وهم ليسوا كذلك، المشكلة هي في الصيغة السياسية، المشكلة هي في صيغة السلطة وليست مع الأكثرية المسلمة.
في لبنان، وهو مركز الثقل للوجود المسيحي في المشرق العربي، وهو الأمل المرتجى والحضور القوي للصيغة الميثاقية، ليست المشكلة في لبنان قلة عدد المسيحيين ولا كثرة عدد المسلمين فيه؛ المشكلة هي في تلاشي الدولة ووهنها. القضية في لبنان هي إحياء دور الناس، دور المواطنين. سيبقى عدد المسلمين على الأرجح دائماً أكبر من عدد المسيحيين. ليست المشكلة في العدد، ولكن المشكلة هي في السلطة.
السلطة في لبنان مشتتة في أمكنة عديدة والدولة منزوية أو محشورة في مكان مختلف. الدولة هي وعاء السلطة وبدونها تكون السلطة غاشمة. الهجرة ليست المشكلة بل هي تعبير حاد عن مشكلة حقيقية هي كيفية إدارة السلطة واستعمالها.
الهجرة تكون في طلب الرزق أو في طلب الأمن أو في حفظ الإيمان. المسيحية وإيمان المسيحيين بخير في لبنان، طلب الرزق يهاجر المسلم والمسيحي في سبيله، وقلة الرزق في لبنان ليس سببها قلة الموارد بل ضمور الدولة التي توفر مصادر الرزق. وطلب الأمن أيضاً يهاجر المسلم والمسيحي في سبيله، المواطنون المسلمون ليسوا في أمان أكثر من المواطنين المسيحيين. المسيحيون والمسلمون معاً يعانون من ظلامة التسلط وغياب الدولة الحامية. وبالتالي يجب معالجة أسباب مشكلة الهجرة وليس الهجرة بذاتها.
ينبغي ألاّ تتحوّل هجرة المسيحيين اللبنانيين من لبنان إلى موضوع عاشورائي مسيحي. الندب والرثاء لن يعيدا مهاجراً بل سيزيدان النزيف إذ يكون الأمر كمن يضع إصبعه بعد الجرح وليس قبله وثقوا أن هجرة اللبنانيين مسيحيين ومسلمين هي على الأرجح موضع رضا خفي لدى بعض السياسيين، مسلمين ومسيحيين، لأن اللبناني المهاجر لا وطأة له، صوته خافت أو لا صوت له في مقابل لبناني مقيم وثابت في وطنه لكنه يطلب ويسأل ويحاسب ويحاكم.
إحياء الدور المسيحي في لبنان يكون بتطبيق اتفاق الطائف وتحرير الدولة من آسريها في داخلها ومحاصريها من خارجها. اتفاق الطائف كان وليداً شرعياً مباركاً لشراكة لبنانية مسيحية إسلامية، إتفاق الطائف يُهجَر ويُهَجَّر رويداً رويداً، خلسة في أكثر الأحيان وبفظاظة في بعض الأحيان. التصدي لتهجير الطائف هو دور كبير كبير وعظيم عظيم، يجب أن تُستعاد الشراكة في وضعه موضع التنفيذ بعد الشراكة في توليده، واتفاق الطائف هو اتفاق الاختيار. هو كان اتفاق الضرورة لكنه صار اتفاق الاختيار على تعبير الشيخ محمد مهدي شمس الدين، ونحن نعلم جميعاً أن قوى سياسية في لبنان على ضفتي المسلمين والمسيحيين لا  تريد للطائف أن يطبّقَ كاملاً لأنّه يحرر الدولة من تسلطهم ومن أطماعهم. إحياء الدور المسيحي، ثقوا لن يكون إلا بإحياء حقيقي للدولة في لبنان.
لا أرى في المسيحي اللبناني إلا شريكاً كاملاً وأخاً كريماً ومعيناً في البلاء ونديماً في الرخاء. يندمج المسلمون والمسيحيون في لبنان كما تندمج مكونات الماء، الماء الذي جعل الله منه كل شيء حيّ، ذرّتان من هيدروجين لا أكثر وذرّة واحدة من أوكسيجين لا أقل. مهما كثر عدد المسلمين عدد بسيط منهم نحتاجة (H2)، ومهما  قلّ عدد المسيحيين واحد كامل منهم نحتاجة (O) لنصنع معاً ماء الحياة لأننا معًا ماء حياة لبنان.

 
وزير سابق
 
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الدور المسيحي والمسؤوليات غير المسيحية
حبيب افرام

 الدور المسيحي في الشرق؛ اعتبر نفسي مجبولاً بهذه القضية مذ وعيت، بلْ ربما من قبل، ورثتها بالدم من حكايات المجازر التي رواها جدي عما نسميه نحن السريان سيفو والارمن المجزرة الأرمنية في بدايات القرن الماضي. هو نجا منها الى بيروت وأنا ابن الجيل الثالث بصمتني.
انها قضية تأكل من صحني. انها نضال عمري.
 المسيحية المشرقية مرتبطة بتركيا وايران والاكراد والعرب واليهود في تاريخها والمستقبل.
1- ان أخطر ما يواجه المسيحية المشرقية هو سياسة النكران والتجاهل والاستخفاف والنعامة التي تنتهجها غالبية القيادات الرسمية حين نتكلم عن دور أو حقوق. ليس من مشكلة هو الجواب غير الشافي.
2- ان غالبية الأنظمة على اختلاف طبيعتها ملكية أو عسكرية او ثورية او حزبية او عائلية، وعلى اختلاف قومياتها ايرانية او تركية او عربية او كردية على علاقة شبه ملتبسة أصلاً بشعبها او شعوبها، وتفتقد المعنى العميق لما هو معروف اليوم بحقوق الانسان وحقوق الجماعات وحقوق الاقليات.
3- ان غالبية الأنظمة آحادية انصهارية الغائية شوفينية، على درجات متنوعة، لا تعترف بالتاريخ الحقيقي للمنطقة ولا لجذورها ولا لحضاراتها، ولا تقبل تحت اي بند القبول بالتعدد القومي (أكراد تركيا وسوريا وايران، المشكلة نفسها) تخاف من التنوع الديني والمذهبي (الشيعة في السعودية، السنة في ايران المشكلة نفسها).
4- ان الأنظمة تتعاطى بعقليات متنوعة مع قضية المسيحية المشرقية.
أ – منها اسلامية ثورية لكنها تعترف بالقوميات وتمثلها على قلة عددها في البرلمان وتعطيها حق تعليم اللغة.
ب – ومنها علمانية اسلامية لكنها ترث ذكريات مجازر وبقايا شعوب شواهد.
ج – ومنها حزبية علمانية تريح المسيحيين في حرياتهم الدينية لكنها لا تعترف بأحزابهم وتمثيلهم في الدستور.
د – ومنها برغم ديموقراطية على فوضى تعترف بالتنوع القومي ومع ذلك لم تعطِ المسيحيين في الكوتا النيابية حقهم بل فقط 5 نواب بدل 15.
هـ – ومنها قومية اسلامية غير عربية تحاول إعطاء صورة متحضرة عبر تمثيل في الإدارة والبرلمان والحكومة والمساعدة في تعليم اللغة ودعم المؤسسات الثقافية.
و – منها في الخليج تتسامح اكثر في العقيدة، ومنها أقل.
فهل هناك عند احد اقتناع راسخ متأصل يريد ترجمته على الورق في الدستور حول حقوق المسيحيين او غيرهم من تلاوين الوطن؟
5- لم تتعاطَ الأنظمة والقيادات على قاعدة التمييز الإيجابي للمسيحيين.
مثلاً في مصر 12 مليون قبطي. لكن لا يمثلون في المجلس النيابي ولا الوزارات ولا الإدارات كما يستحقون. لماذا لا يساهم النظام في ذلك. لماذا لا يعطي إشارات إيجابية . هل هو اقتناعه الراسخ؟ هل يمالىء القوى الأصولية السلفية؟ هل يخاف؟
6- قضية المسيحية المشرقية، لمن يريد أن يعرف، ليست عدداً ولا منّة، ولا حماية ولا حراسة ولا بناء كنائس، ولا ترميمها ولا قبة ولا قرع جرس ولا تسامحاً، وهم ليسوا حصان طروادة لأحد، إنها قضية الشعور التام بالمساواة كمواطنين والحقوق التامة كمجموعات وطنية أصيلة أصليّة لها هي أيضاً قومياتها ولغاتها وعاداتها وحضاراتها. إنها قضية المشاركة السياسية في صناعة القرار الوطني.
7- صحيح إن المسيحيّة المشرقية تنزف في مهد إنطلاقها في الأراضي المقدسة وان المسؤولية الإسرائيلية جسيمة في التهجير وفي محو هذا الحضور. وان رمزية بقاء المسيحية هناك لها بعد مذهل. فهل يمكن أن يعود السيد المسيح والشرق خالٍ من مسيحييه ومن يستقبله؟ لكن هناك محاولة غير بريئة للإيحاء وكأن مشكلة المسيحية المشرقية هي فقط مع الفكر الصهيوني.
8- إن المسيحية المشرقية، رغم بعض العثرات التاريخية السياسية في مراحل، هي بنت هذه الأرض وقضاياها ، وهي رائدة في الدفاع عنها. لكنها في الوقت نفسه  والجرأة نفسها ترفض أن تكون كبش فداء لتيارت أصولية تقتلعها وتهجرها وتكفرها وتخونها وتفجر كنائسها وتغتال رهبانها،  والعالم العربي والإسلامي شبه صامت أو متواطىء أو متفرّج. إنها مسؤولية أمام الله والتاريخ والإنسانية.
9- إننا نتكلم عن ناس وبشر وشعوب وليس عن "شوية أقليات". نحن أكثر من 17 مليون مسيحي مشرقي نعيش هنا بتراثاتنا وقومياتنا وهوياتنا وتواريخنا ولغاتنا ونحن ملايين في الإنتشار أيضاً. ماذا يضير القادة والعالم العربي والإسلامي وجامعة الدول العربية أن يظهر الآن بهذه الأنظمة بهذه القيادات إلتفاتات متنوعة ومبادرات دستورية وقانونية وتربوية تساهم ليس فقط قي تنمية فكر العيش الواحد وقبول الآخر بل في إعطائه حقوقه كاملة.
10- ان اسوأ ما يصيبنا في أي نقاش  حول مصير المسيحية المشرقية هو العودة بنا إلى النص أو التاريخ او الظن ان المطلوب فقط حوار أديان على أهميته او حفلة علاقات عامة. أنا أقول للنخب والقيادات نريد حلولاً الآن. منكم أنتم. لا من الخلفاء ولا ما حصل في العصر العباسي، ولا نحن كأهل ذمة ولا أنتم كفاتحين. بل نحن معاً كمواطنين متساويين.
11- على أن أخطر من كل هذا وذاك هو الأنسان المسيحي المشرقي. فإذا كان يفكر بأرجله يريد المغادرة وجواز سفر اجنبي فلا قضية له ولا حلول. وإذا كان لاغياً لنفسه ولهويته ولذاتيته ولخصوصيته فلماذا أصلاً يطالب ويناضل؟ وإذا كان ينتظر حلولاً آتية من الغرب على شكل علب جاهزة أو اساطيل تحمي أو أساطير ورهانات غبية في السياسة والثقافة، فهو لم يفهم شيئاً. وإذا كان يهاجر في التاريخ متقوقعاً في حارات نصارى أو في حقبات من عز فهو أيضاً غير واقعي، وإذا كان متلهياً بالحساسيات المذهبية و الدينية والقومية والكنسية فلا أمل له. القضية هي أولاً وقبل كل شيء نحن المسيحيين ماذا نريد؟ اذا كنا نفضل سودرتاليا على القامشلي، وشيكاغو على أور، ومونتريال على القدس فبئس قضية.
هل نطلب المستحيل؟ قالت لي مسؤولة غربية في لقاء كيف تنتظر معاملة جيدة للأقليات والأنظمة تقمع أكثرياتها؟ صحيح نحن نريد نهضة في عقل الأنظمة في نظرتها إلى حالها وإلى شعبها وإلى تنوعها. في كل الأحوال إنها قضيتنا نحن. كلما راحت القيادات نحو الفكر الحر المنفتح وكرامة الإنسان والحق والقانون والمساواة كلما شعر المسيحي المشرقي أنه في أرضه ووطنه.
فيبقى يشهد. وتبقى هذه المنطقة ساحة إلتقاء الحضارات كما كانت مهد إنطلاقتها. عام 1980 أنشأنا رفاق لي وأنا "اللجنة المشرقية"  لإلقاء الضوء على هذه القضية وكانوا يسألوننا ماذا يعني مشرقية الآن على الأقل نعرف من نحن.
بكل الأحوال الكلمة تحيي وتميت وهي جسر الذاكرة. وأمل كل لقاء.

رئيس الرابطة السريانية - أمين عام اتحاد الرابطات اللبنانية المسيحية
 

ملف خاص..200 يوم على حرب غزة..

 الأربعاء 24 نيسان 2024 - 4:15 ص

200 يوم على حرب غزة.. الشرق الاوسط...مائتا يوم انقضت منذ اشتعال شرارة الحرب بين إسرائيل و«حماس» ع… تتمة »

عدد الزيارات: 154,077,657

عدد الزوار: 6,933,907

المتواجدون الآن: 80