التخلي عن المحكمة أكثر خطورة من التمسك بها

تاريخ الإضافة الجمعة 1 تشرين الأول 2010 - 6:55 ص    عدد الزيارات 538    التعليقات 0

        

من حقيبة "النهار" الديبلوماسية
التخلي عن المحكمة أكثر خطورة من التمسك بها
الشهود الزور لم يصنعوا الإنقلاب اللبناني - السوري

"مسؤول أوروبي كبير معني بالملف اللبناني شدد خلال إتصالات ولقاءات مع شخصيات لبنانية وعربية رسمية بارزة على أن الإمتناع عن كشف حقائق جريمة إغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه وهويات المتورطين فيها وفي جرائم سياسية أخرى مرتبطة بها والتوقف عن محاسبة هؤلاء أمام المحكمة الخاصة بلبنان، يعني بوضوح أن المجتمع الدولي متواطئ مع المشاركين في هذه الجرائم ويريد حمايتهم، وانه يخفي معلومات وأدلة حصل عليها المحققون الدوليون في السنوات الخمس الاخيرة، وانه يتخلى عن العدالة وعن مجموعة قرارات أصدرها مجلس الأمن وتم بموجبها تشكيل لجنة تحقيق دولية ومحكمة خاصة بمساندة دولية وعربية واسعة. ونبّه المسؤول الأوروبي الى أن أي تواطؤ دولي كهذا يؤمن تغطية لمواصلة إعتماد نهج الإغتيالات السياسية وإستخدام السلاح والعنف لمعالجة الخلافات والمشاكل، ويعني معاقبة أهل الضحايا والمتمسكين بالعدالة، ويشكل إستسلاماً فاضحا لمنطق القوة وتهديداً بالغ الخطورة للأمن والإستقرار في لبنان ودول أخرى، وهو ما يرفضه رفضاً قاطعاً وحاسماً مجلس الأمن ومعه الدول البارزة والمؤثرة. وطلب المسؤول الأوروبي من بعض هذه الشخصيات نقل رسالة الى معارضي المحكمة مفادها أن الدول البارزة المعنية بها على إقتناع تام بأن التخلي عن المحكمة أكثر خطورة بالنسبة الى لبنان والمنطقة من التمسك بها، ولذلك فهي لن تتراجع عن دعمها الكامل لهذه العملية القضائية الدولية. وأوضح المسؤول الأوروبي أن المجتمع الدولي ممثلاً بمجلس الأمن لن يقبل قراراً ظنياً ضعيفاً يصدره المدعي العام الدولي دانيال بلمار، لكنه سيدعم بكل إمكاناته قراراً ظنياً يكشف الحقائق إستناداً الى معلومات صحيحة وأدلة وقرائن قوية وصلبة وقاطعة ويمهد لمحاسبة المتورطين في جريمة إغتيال الحريري وفي جرائم أخرى مرتبطة بها".
هذا ما أطلعتنا عليه مصادر ديبلوماسية أوروبية في باريس وثيقة الإطلاع على تطورات هذه القضية. وأوضحت، إستناداً الى معلومات تلقتها من بيروت ودمشق وعواصم أخرى، أن معارضي المحكمة يريدون في الواقع دفع رئيس الحكومة سعد الحريري الى "الإنتحار سياسياً" وتجريده من كل أوراقه تمهيداً لإسقاط الحكومة لاحقاً، وذلك من خلال تركيز حملاتهم وضغوطهم وتهديداتهم عليه، ومطالبته بتقديم ثلاثة تنازلات جوهرية كبرى لهم هي الآتية:
أولاً - التنازل الأول يقضي بأن يعلن الحريري رسميا نزع الشرعية اللبنانية عن المحكمة تمهيداً لوقف عملها ولمنع بلمار من إصدار القرار الظني، وهو ما يتناقض أساساً مع كل مواقف رئيس الحكومة وموقف حلفائه الإستقلاليين ومع نص البيان الوزاري لحكومة الوحدة الوطنية المتمسك بالمحكمة ومع قرارات هيئة الحوار الوطني.
ثانياً - التنازل الثاني يقضي بأن يتراجع الحريري مع حلفائه عن كل المكاسب والإنجازات المهمة التي حققها الإستقلاليون خلال السنوات الخمس الاخيرة وأبرزها إنهاء الهيمنة السورية على لبنان وتثبيت إستقلاله وسيادته وتشكيل لجنة تحقيق دولية ومحكمة خاصة وتأمين رعاية دولية رسمية لهذا البلد ولمسار العلاقات اللبنانية - السورية وإيجاد رأي عام إستقلالي قوي يمثل الغالبية الواسعة من اللبنانيين. ويرى معارضو المحكمة أن هذه المكاسب تحققت نتيجة إتهام النظام السوري باغتيال الحريري ورفاقه ونتيجة الإعتماد على إفادات شهود زور ضللوا التحقيق في هذه الجريمة، وهذا ليس صحيحاً.
ثالثاً - التنازل الثالث يقضي بأن يجعل الحريري عملية اعادة العلاقات الطبيعية بين لبنان وسوريا مدخلاً الى إقامة روابط وثيقة بين البلدين مجدداً وكما كان الحال في مرحلة الهيمنة السورية، من خلال إحياء العمل بمعاهدة الإخوة والتعاون والتنسيق التي أنشأت علاقة وحدوية بين البلدين كرسها وجود المجلس الأعلى المشترك، ومن خلال إعطاء الأولوية لتأمين المصالح السورية ولو تناقضت مع المصالح اللبنانية المشروعة، ومن خلال تعزيز التكامل بين البلدين عبر الإتفاقات الثنائية التي تشمل مختلف المجالات، ومن خلال جعل لبنان جزءاً من الإستراتيجية السورية في المنطقة لإنهاء الدعم الدولي والعربي لهذا البلد ولإستقلاله وسيادته.
وقالت المصادر الأوروبية المطلعة، إستناداً الى المعلومات التي جمعتها، إن معارضي المحكمة يأملون في أن يقدم لهم الحريري هذه التنازلات من دون الإقدام على تفجير الأوضاع. وهم يريدون، بعد إنتزاع التنازلات، إسقاط الحكومة الحالية والعمل على تشكيل حكومة جديدة برئاسة شخصية أخرى غير الحريري مقربة منهم من أجل "البناء على ما حققوه" وإعادة الأوضاع في لبنان الى مرحلة ما قبل الإنسحاب السوري دونما حاجة الى قوات سورية، ووضع سائر الدول أمام الأمر الواقع.

 

الخطر الداخلي والخطر الإسرائيلي

وأفادت أن اهداف معارضي المحكمة ومطالبهم هذه لن تتحقق للأسباب الأساسية الآتية:
أولاً - يرفض الحريري رفضاً قاطعاً تقديم هذه التنازلات ليس فقط لأنها بمثابة "إنتحار سياسي" له ولأن المطالبين بها لن يقدموا له شيئاً في المقابل سوى الإمتناع عن تفجير الأوضاع، بل لأن رئيس الحكومة على إقتناع، مع حلفائه ومع الغالبية الواسعة من اللبنانيين، بأن التمسك بالمحكمة وبتحقيق العدالة ليس مجرد مطلب شخصي بل إنه مطلب وطني عادل ومشروع ومدعوم عربياً ودولياً، كما إنه عامل أساسي للحفاظ على إستقلال لبنان وسيادته ولحماية السلم الأهلي ولمنع إخضاع اللبنانيين لمنطق القوة والعنف ولوضع حد لنهج الإغتيالات السياسية. وليس مصادفة أن الإغتيالات السياسية إستهدفت فقط شخصيات وطنية إستقلالية.
ثانياً - لن يتوقف عمل المحكمة نتيجة إقدام خصومها على تفجير الأوضاع الأمنية وإسقاط الحكومة ونشر الفوضى في لبنان، لأن المجتمع الدولي ممثلاً بمجلس الأمن والدول الكبرى يدرك تماماً أن الرضوخ للقوة والعنف ولأعمال المتضررين من تحقيق العدالة لن ينقذ لبنان ولن يحقق الإستقرار فيه، بل إنه سيكون بداية مرحلة بالغة الخطورة تشهد إنشقاقاً عميقاً في البلد ومن شأنها أن تؤدي، نتيجة عوامل عدة، الى تفجير حرب إقليمية تهدد الأمن والسلم الإقليميين والدوليين. وحينذاك سيجد معارضو المحكمة أنفسهم في مواجهة مع عملية قضائية دولية تتمتع بالشرعية وفي مواجهة كذلك مع المجتمع الدولي ومع دول بارزة ومؤثرة وليس فقط مع فريق من اللبنانيين يتمسك بالعدالة.
ثالثاً - يدرك الحريري أن إنفتاحه مع الإستقلاليين على سوريا يتمتع بشرعية لبنانية واسعة وبدعم عربي ودولي ليس لأنه يهدف الى إعادة العلاقات بين البلدين الى مرحلة ما قبل الإنسحاب السوري، بل لأنه يهدف أساساً الى تحسين وتطوير العلاقات بين الدولتين المستقلتين اللبنانية والسورية على أساس المساواة والإحترام المتبادل والحرص على تأمين المصالح الحيوية المشروعة للبلدين والشعبين معاً. ولذلك يرفض الحريري والإستقلاليون إعادة ربط لبنان بسوريا كما كان الحال سابقاً لأن "العلاقة الوحدوية" بين هذين البلدين ألحقت أضراراً بالمصالح الحيوية المشروعة للبنانيين وانتهت بمواجهة.
رابعاً - لن يستطيع معارضو المحكمة فرض إرادتهم ومطالبهم بالقوة والعنف على الإستقلاليين واللبنانيين عموماً لأن تحقيق ذلك يتطلب تنفيذ إنقلاب مسلح وتسلم السلطة كاملة، وهو أمر ليس ممكناً إنجازه إذ إن مثل هذه المحاولة ستفجر حرباً أهلية يخسر فيها الجميع وستؤدي الى سقوط الدولة ومؤسساتها وتفكيك الجيش والقوى الأمنية. وقد تشجع تطورات دراماتيكية كهذه إسرائيل على مهاجمة لبنان وإحتلال أجزاء منه خصوصاً أن حكومة بنيامين نتنياهو أعدت خططاً لتنفيذ عمليات عسكرية واسعة النطاق ضد مواقع "حزب الله" ومنشآته وقواعده المختلفة تشمل إحتلال بعض المناطق اللبنانية "بذريعة حماية أمن الدولة العبرية من أخطار الحزب وحلفائه الإقليميين"، إستناداً الى معلومات جهات أوروبية رسمية. ولهذه الأسباب كلها تبدو مطالب معارضي المحكمة مستحيلة التحقيق وهو ما يشكل نقطة ضعف كبرى لهم، وفقاً للمصادر الأوروبية المطلعة.

 

قضية الشهود الزور

ضمن هذا السياق تحدث ديبلوماسي أوروبي بارز معني بالملف اللبناني عن قضية الشهود الزور، فقال: "إن "حزب الله" يؤكد بلسان مسؤوليه الكبار إنه يمتلك ملفاً متيناً وصلباً يتعلق بالشهود الزور. لكن دراسة متأنية لهذه القضية تظهر أن موقف الحزب وحلفائه في ما يتعلق بالشهود الزور وبدورهم ضعيف ومرتبك ويستند الى معلومات خاطئة". وأضاف: "يؤكد "حزب الله" وحلفاؤه أن الشهود الزور في جريمة إغتيال الحريري هم الذين ضللوا التحقيق الدولي وأساؤوا الى المحكمة ووجهوا الإتهام الى سوريا، وهم الذين أحدثوا التحول الكبير لمصلحة الإستقلاليين في العلاقة اللبنانية - السورية والذي أدى الى الإنسحاب السوري. لكن موقف "حزب الله" هذا يتناقض مع الحقائق الواضحة التي يعرفها الجميع ويشكل محاولة لإعادة كتابة التاريخ وفقاً لما يلائم الحزب وحلفائه الإقليميين وليس وفقاً للوقائع الثابتة".
وركز الديبلوماسي الأوروبي على الأمور الأساسية الآتية لتأكيد ما يقوله:
أولاً - ان لجنة التحقيق الدولية في جريمة إغتيال الحريري بدأت عملها برئاسة القاضي ديتليف ميليس في حزيران 2005 بعد أسابيع من الإنسحاب السوري من لبنان، ما يعني أن الشهود قدموا إفاداتهم ومعلوماتهم الصحيحة أو الكاذبة والمضللة الى لجنة التحقيق بعد الإنسحاب السوري، وما يعني أيضاً أن هؤلاء الشهود ليسوا هم الذين أحدثوا التحول الكبير في العلاقة اللبنانية – السورية.
ثانياً - الحقيقة الأساسية هي أن جريمة إغتيال الحريري هي التي أحدثت الإنقلاب الكبير في العلاقة اللبنانية - السورية، ذلك أن هذه الجريمة هي التي فجرت إنتفاضة 14 آذار الشعبية السلمية الضخمة ليس فقط رداً على إغتيال الزعيم الكبير بل أيضاً تعبيراً عن رفض اللبنانيين في غالبيتهم الكبرى الهيمنة السورية عليهم وعلى بلدهم. ولقيت هذه الإنتفاضة الشعبية دعماً دولياً وعربياً واسعاً وهو ما أدى الى الإنسحاب السوري وسقوط النظام الأمني - السياسي المشترك اللبناني - السوري. ولم يكن للشهود الزور أي وجود آنذاك.
ثالثاً - العلاقات بين سوريا ودول عربية وأجنبية عدة بارزة وعلى رأسها السعودية ومصر وفرنسا وأميركا تأزمت بل تدهورت مباشرة بعد إغتيال الحريري. وجريمة الإغتيال هذه دفعت تلك الدول الى مطالبة مجلس الأمن بتشكيل لجنة تحقيق دولية ثم محكمة خاصة. واتخذت هذه الدول موقفها هذا من النظام السوري إستناداً الى معلوماتها الخاصة وتقويمها لمسار الأوضاع في لبنان وللدور السوري فيه ولطبيعة العلاقات بين رفيق الحريري ودمشق، وليس إستناداً الى الشهود الزور.
رابعاً - ليس ممكناً، من الناحيتين القانونية والواقعية، التحدث عن شهود زور ضللوا التحقيق وأفسدوه قبل الإطلاع على مضمون التحقيق الرسمي والنهائي أي قبل أن يصدر بلمار قراره الظني الذي سيكشف حقائق جريمة إغتيال الحريري وربما حقائق جرائم أخرى. ولذلك فالشهود الزور ليست لهم قيمة الآن ولن تكون لهم قيمة بعد صدور قرار ظني يرفض أي شهادات مزورة أو معلومات خاطئة ويستند في مضمونه الى معلومات صحيحة وأدلة وقرائن قوية وصلبة وقاطعة. ذلك أن أي قرار ظني يستند الى شهادات مزورة ومضللة يسقط تلقائياً وتسقط معه المحكمة.
ولاحظ الديبلوماسي الأوروبي أن الأمر الذي يسترعي الانتباه "هو أن "حزب الله" يرفض إنتظار إنتهاء التحقيق وصدور القرار الظني بل انه يعمل من أجل منع صدور هذا القرار ويريد التعامل مع قضية الشهود الزور على انها هي القضية الأساسية وانها أكثر أهمية من عمل لجنة التحقيق والمحكمة، ويريد كذلك أن يقبل الجميع موقفه هذا ويتبنوه. ولكن يبدو واضحاً، من الناحية القانونية، انه ليس ممكناً القول إن الشهود الزور ضللوا التحقيق وأفسدوا عمل المحكمة إذا ما رفض بلمار وقضاة المحكمة كل معلومات الشهود الزور وإفاداتهم".
ولخص هذا الديبلوماسي الأوروبي الوضع بقوله : "إن "حزب الله" وحلفاءه يخطئون إذ يحاولون إعادة كتابة تاريخ العلاقات اللبنانية - السورية وفقاً لتصوراتهم وإقتناعاتهم ومصالحهم وخلافاً للحقيقة، ويخطئون حين يتبنون قضية الشهود الزور بهذا الشكل، ويخطئون إذ يحاولون تحميل أهل الضحايا والمتمسكين بالعدالة مسؤولية إشعال الفتنة وتهديد الأوضاع الداخلية في لبنان، فيما يبدو واضحاً أن الذين إغتالوا الحريري ومجموعة من الشخصيات الوطنية الإستقلالية هم المسؤولون عن وجود المحكمة وهم الذين حاولوا إلحاق الضرر الكبير بلبنان واللبنانيين وتهديد السلم الأهلي والوحدة الوطنية في هذا البلد".
 

بقلم عبد الكريم أبو النصر     

ملف الصراع بين ايران..واسرائيل..

 الخميس 18 نيسان 2024 - 5:05 ص

مجموعة السبع تتعهد بالتعاون في مواجهة إيران وروسيا .. الحرة / وكالات – واشنطن.. الاجتماع يأتي بعد… تتمة »

عدد الزيارات: 153,732,600

عدد الزوار: 6,910,983

المتواجدون الآن: 106