موجة قومية جديدة في البلقان ودعوة إلى ترسيم الحدود

تاريخ الإضافة الأربعاء 23 آب 2017 - 8:47 ص    عدد الزيارات 423    التعليقات 0

        

موجة قومية جديدة في البلقان ودعوة إلى ترسيم الحدود

الحياة..محمد م. الأرناؤوط ..

بعد «قمة الجبل الأسود» التي عقدت في العاصمة بودغوريتسا في 2/8/2017 لمناسبة زيارة نائب الرئيس الأميركي بنس، وما صدر عنه من تصريحات في شأن «ترسيم» بين الشرق والغرب باعتبار أن ما بقي من البلقان خارج حلف الأطلسي (صربيا والبوسنة وكوسوفو ومقدونيا) هو «جزء من الغرب»، لم يتأخر رد الفعل في موسكو على هذه التصريحات التي تعيد إنتاج مفردات الحرب الباردة. وفي هذا السياق لا يتوقع المراقبون، بالطبع، قبول موسكو هذا «الترسيم» الأميركي للحدود بين الشرق والغرب، بل كان السؤال كيف وأين ستردّ موسكو على ذلك وهي تملك أوراقاً قوية في الدول الأربع المذكورة . وإذا كانت لدى واشنطن خريطة ترسم فيها الحدود كما ترغب، فإن موسكو لها أيضاً خريطة ترسم فيها الحدود كما يتناسب مع حليفها الرئيس في البلقان: الصرب. ومن هنا لم يتأخر الأمر كثيراً إذ إنه بعد أيام انفجرت قنبلتان إعلاميتان الأولى في البوسنة والثانية في صربيا لمصلحة «الترسيم» الجديد للحدود الذي يناسب موسكو وحلفاءها ولا يناسب واشنطن وحلفاءها . في 11/8/2017 فاجأ ميلوراد دوديك رئيس «جمهورية الصرب» في البوسنة (التي تحتل مساحة 49 في المئة من مساحة الدولة) بإحياء مشروع ميلوشيفيتش الداعي إلى «توحيد الصرب»، اذ دعا الى توحيد جمهورية صربيا وجمهورية الصرب في دولة واحدة خلال السنوات المقبلة. وتكمن خطورة ذلك في أن دوديك أصبح يعتبر منذ سنوات «بيدق بوتين» الذي يحركه في البوسنة والبلقان كلما استدعت الحاجة إلى ذلك (جريدة «داناس» 11/8/2017). ويبدو الآن أن هناك حاجة إلى ذلك، إذ إن دوديك هو «الجوكر» الذي يمكن أن يقضي على «جمهورية البوسنة والهرسك» ويخربط خريطة البلقان الحالية مع دعوته إلى خلق «صربيا الكبرى» في قلب البلقان، وهو الأمر الذي يحرك فوراً مشاعر الشارع الصربي. ويبدو أن دوديك الذي أعلن منذ سنوات موت «جمهورية البوسنة والهرسك» إنما يراهن على الزمن حتى يقتنع قادة الطرف المسلم بفائدة ذلك لهم مع تصريحاتهم العلنية المعارضة لذلك. فهناك مركزان للقوة لدى المسلمين هما بكر عزت بيغوفيتش رئيس «حزب العمل الديموقراطي» ومفتي البوسنة حسين قواصوفيتش، كما يرى الأكاديمي البوسنوي المعروف أسعد دوراكوفيتش، وهما يميلان الآن إلى أن زعامتهما في دويلة مسلمة عاصمتها سراييفو ستكون أكبر وأنسب لهما من الوضع المعوّم الحالي في «جمهورية البوسنة والهرسك»، وهو ما يمكن أن يحظى بتهليل في الخارج لأجل ولادة «دولة مسلمة في قلب أوروبا» بينما هو يصبّ لمصلحة تقسيم «جمهورية البوسنة والهرسك» وخلق «صربيا الكبرى» (جريدة «أسلوبوجينيه 10/8/2017).

القنبلة الثانية: داتشيتش في صربيا

بعد ثلاثة أيام كانت القنبلة الثانية أقوى بصداها إذ نشرت «الحياة» (عدد 14/8/2017) تحت عنوان «وزير خارجية صربيا يدعو إلى تسوية حول كوسوفو» بالاستناد إلى ما نقلته وكالة «رويترز» عن مقال نشره الوزير في الجريدة الصربية المعروفة «فيتشرني نوفوستي». ووفق النص المنشورة في «الحياة» فإن وزير الخارجية إيفيتسا داتشيتش يدعو إلى «إيجاد تسوية لإنهاء الصراع حول كوسوفو» لأن هذا يعرقل انضمام صربيا إلى الاتحاد الأوروبي، وأن «ترسيم الحدود بين الصرب والألبان سيكون مخرجاً» للطرفين، وبالتحديد لـ «مشكلة صربيا الرئيسية». كان صدى هذا المقال / الموقف قوياً في صربيا ذاتها ما استدعى أن يظهر وزير الخارجية في مقابلة في اليوم التالي مع التلفزيون الصربي الحكومي RTS (15/8/2017)، حيث قال كلاماً مهماً في مصلحة «ترسيم الحدود» في البلقان الذي يناسب في الدرجة الأولى روسيا وصربيا. ومما قالة داتيتش في هذا اللقاء إنه «في اقتراحه ترسيم حدود ماهو صربي وماهو ألباني في كوسوفو يرى أن ذلك يتحقق من طريق الحوار وليس من طريق الحرب»، موضحاً أنه كلما كان ذلك أسرع كان أفضل لأنه «لا يوجد زمن طويل لذلك». ومع اعترافه بأن «النزاع الصربي- الألباني مستمر منذ قرون»، فهو يدعو الآن إلى «تنازل أو حل وسط بين موقفين متطرفين: الموقف الذي يقول إن كوسوفو هي صربية ولذلك لا يجب تقسيمها، والموقف الذي يقول إن كوسوفو هي دولة مستقلة»، لأن الموقف الأول «يعني الحرب التي لا يمكن أن نكسبها، أما الثاني فيعني أننا قد فقدنا كوسوفو» (جريدة «داناس» عدد 15/8/2017). ولكن وراء هذا «الخطاب الناعم» هناك استدعاء لروح الزعيم الصربي سلوبودان ميلوشيفيتش ومشروعه عن «صربيا الكبرى»، الذي يناسب الآن موسكو في «ترسيم» الحدود في المواجهة الجديدة مع واشنطن. ويبدو الآن أن هناك «فرصة تاريخية» لتحقيق ذلك بالديبلوماسية التي تتقنها بلغراد وليس بالحرب التي جربتها وخسرتها في 1999. ففي بلغراد الآن رئيس قوي (ألكسندر فوتيتش) يمثل واحداً من الثلاثي الحاكم ذي الماضي الميلوشيفي الذي يحظى بدعم قوي من موسكو. أما الأول فهو الرئيس فوتشيتش الذي كان وزيراً للإعلام في عهد ميلوشيفيتش خلال حرب 1999، والثاني هو داتشيتش نفسه الذي خلّف ميلوشيـــفيتش في رئاسة «الحزب الاشتراكي الصربي» بعد اعتقال ميلوشيفيتش وترحيله إلى لاهاي، بينما الثالث هو وزير الدفاع الحالي ألكسندر فولين، الذي كان من مؤيدي ميلوشيفيتش في الفترة المبكرة (1986-1989) ثم ساهم في تأسيس «اليسار اليوغوسلافي» الذي كان برئاسة زوجة ميلوشيفيتش مريانا ماركوفيتش ثم انضــم مع ميلوشــيفيتش في 1998 الى «ائتلاف الحرب» مع زعيم اليمين المتطرف فويسلاف شيشل الذي هزم في حرب 1999. وفي الواقع إن الدعوة إلى تقسيم كوسوفو بين الصرب والألبان أو إعادة ترسيم الحدود بين صربيا وكوسوفو المبنية على تبادل الأراضي (ضم شمال كوسوفو ذي الغالبية الصربية الى صربيا وضم جنوب غربي صربيا ذي الغالبية الألبانية الى كوسوفو) مطروحة منذ عام 2000، وهي تطرح من حين إلى آخر كبالون اختبار أو ضمن مشروع سياسي معين. أما الآن فالمشروع السياسي يبدو في الأفق مع وجود «الثلاثي القوي» في الحكم وتأييد موسكو في المواجهة الجديدة مع واشنطن، على أساس أن مجرد تصور «توحيد الصرب في دولة واحدة» أو «صربيا الكبرى» إنما يخربط الحدود التي تريدها واشنطن للشرق والغرب ويخلق دولة/ قوة مركزية في البلقان. وفي هذا السياق لا يحتاج الأمر إلى «ترسيم» حدود للصرب في كوسوفو أو في البوسنة، فـ «جمهورية الصرب» في البوسنة حدودها معروفة منذ 1995 وهي موجودة في الشكل ضمن «جمهورية البوسنة والهرسك»، وكذلك الحال مع شمال كوسوفو الذي يتكون من أربع محافظات ذات غالبية صربية، وهي في الواقع جزء من صربيا وفي الشكل فقط موجودة ضمن خريطة «جمهورية كوسوفو». ومع هذا الخطاب أو النزوع القومي الجديد تحاول بلغراد أن تدغدغ مشاعر الألبان لأجل «ألبانيا الكبرى»، وهو الحلم الذي يحرك مشاعر الألبان منذ قرن ونصف قرن تقريباً. ففي اليوم التالي للمقابلة مع التلفزيون الحكومي الصربي كان داتشيتش يشارك في مناقشة لمجلس الأمن حول كوسوفو، حيث توجّه بالقول إلى سفيرة «جمهورية كوسوفو» فلورا تشيتاكو إنه لا وجود لهوية أو جنسية كوسوفية بل إن جنسيتها ألبانية، ملمحاً بذلك إلى أن «القسم الألباني» من كوسوفو هو جزء من ألبانيا كما أن «القسم الصربي» من كوسوفو يخصّ صربيا، وهو بذلك يوضح ما قاله في المقابلة المذكورة من أن الحل الوسط (التقسيم) هو «الحل الواقعي الذي يقبله الصرب والألبان». والمفارقة هنا في أن بلغراد كانت تتهم في العقود الأخيرة الألبان (والولايات المتحدة من ورائهم) في العمل لأجل خلق «ألبانيا الكبرى»، بينما الآن يبدو أن بلغراد (ومن ورائها موسكو) لا تمانع في ذلك طالما أن رسم خريطة جديدة في البلقان ينسف ما نظّر له بنس في بودغوريتسا.

 

ملف خاص..200 يوم على حرب غزة..

 الأربعاء 24 نيسان 2024 - 4:15 ص

200 يوم على حرب غزة.. الشرق الاوسط...مائتا يوم انقضت منذ اشتعال شرارة الحرب بين إسرائيل و«حماس» ع… تتمة »

عدد الزيارات: 154,165,125

عدد الزوار: 6,937,755

المتواجدون الآن: 108