الشيعية السياسية... حزب الله أنموذجاً

تاريخ الإضافة الخميس 19 آب 2010 - 7:26 ص    عدد الزيارات 556    التعليقات 0

        

 


 

الشيعية السياسية... حزب الله أنموذجاً

 

 
 
   
   
 

 

 
ريتا فرج
لم يتخذ مـسار الشــيعية السياسية اتجاهاً انقــلابياً مبـاغتاً، بل إنه مر بحقـبات تاريخــية متراكمة، أضفت عليه هذا الحيز من الوجود الفاعل، أقـله منذ اتخاذ التشيع ديناً رسمياً لإيران، والذي استكمل حركيته بعــد تأسيس آية الله الخميني لجمهــوريته الإسلامية، ما أعطـى دفــعاً إضــافياً للشـيعة في العالم العربي والإسلامي، بعد ان كانوا طوال عهود الخلافات التي تعاقبت على ديار الإسلام المترامية، خارج السلــطة. غير ان ذلك لم يمنعهم من إعداد عدة عقائدية أو نظرية لتدشين عـودة الإمـام المهدي وفقا للـرؤية الاثني عشـرية والتي بدأت أول إرهاصاتها من أئمة جبل عامل، الى أن وصلت الى ذروتها مع الخميني الذي رفض عقيدة الانتظار بمعناها السيــاسي، مـحيلا النيابة عن الإمام المعصوم الى حركة ثورية، قوامها إقامة الدولـة الإسلامية، العادلة، عبر ثــورة المستــضعفين ضد الطاغوت. ولا ريب أن البانوراما التي رافقت دخول إيــران في عهد جديد عام 1979، تحــمل دلالات شديدة الأهمية، من الناحية السوسيولوجية والدينية والسياسية، فالإمام المنتظر وما بنــي مــن خلاله من إرث فقـهي سياسي، تحول من الإطار العقائدي الى الســياق الـفعلي. وإذا كان الإــمام عـند الشيعة الاثني عشرية، يشــكل الجواب عن السلطة المفقـودة طوال عقود من الزمن، فهو مع الــوقت اكتسب زخماً شعبياً عند الذين يسميهم هــشام جعــيط في أطروحته التأسيسية «الفتنة»، بـ«مجال علي». هذا التــراكم أنتج عقلاً سياسياً مستقلاً، معارضــا للقمع. والقهر، وليس عقلاً مســتقيلاً من التاريــخ، كما يرى العلامــة الراحل محمد عابد الجابري، ولعل كتاب الدكـتور خليل أحمد خليل الموسوم تحت عنوان «العقل في الإسلام» يطرح العــديد من الإشـكالـيات حول تمــظهرات «العـقل الشيعي المستقل» إذا جاز التعبير.
بعيداً عن العدة العقائدية لتمثلات الشيعية السياسـية، الآخـذة في التمدد من المحيط الى الخليج، والتي اكتسبت قوتها عبر التداعي التاريخي الايجابي، وان بدا أحــيانا شديد البطء، غير أنه في الأزمنة الراهنة، يشهد حالة من الفوران السياسي، نلحظ تجلياته على أصــعدة مخـتلفة، في الاجتماع والثقافة والاقتصاد وغيرها الكثير، هذه الطفرة سلكت طريقها عبر مدارج الفقه السياسي بدءاً من الشهــيد الأول الإمام محمد بن مكي جمال الدين العاملي الجزيني، وصولا الى آخر الطروحات حول ولاية الفـقيه. والأهم من الاطار العقائـدي، ان صحوة الشيعة التي أشار إليها وليّ نصر، ليست صحوة، بمعــنى ان الشيعة كانوا خارج التاريخ، ودخلوا فيه لأسبـاب آنيـة، بل هم راكــموا حراكهم، عبر حقبات تاريـخية مختلفة، الى ان وصلوا الى «بـيغ بانغ» الحضور الوجودي اللافت، والمخيف لبعض الذين يـرون فـيه خطراً من الناحية الأصولية، خصوصا اذا ما قورن الانبعاث الشيعي المتجدد بعقائد السلفيين على الجبهة الوهابية.
إذا انتقلنا من العام الى الخاص، واتخذنا من حزب الله في لبنان أنموذجا للشيعـية السيـاسـية، نلحظ عددا من المؤشرات السوسيولوجية، فالحزب الذي شكل حالة فاردة بحد ذاته، سـواء على جبهة مقـاومة العـدو الإسـرائيلي، بعد تدشينه أولى مآثره بالمعنى الحسيني المقاوم في تحرير جنوب لبنـان، وانتـصار 2006، دخــل في أوج الشيعــية السـياسية، وهــو يمثل ذروتها، عبر امتــلاكه فــائضاً من القوة، يرى فيها الكـثيرون خطراً على التعدد في لبنان، بمدلوله الســياسي والديــني، إلا أن حزب الله، الذي حـمل لــواء «إنـما حزب الــله هم الغالبــون» بالمعنى القرآني، أي غلــبة الحـق علــى الظلم، أجرى مراجعات ذاتيـة، وان بدت غير علنية، فهو بعـد ان كان ينادي ببناء الدولة الإســلامية، كما ورد في وثيقته الاولى الصادرة عام 1985، وجد أن تركيبة التعدد في لبنان، تمنع عنه تحقيق الغاية المنشودة، مع العلم بأن غالبية الحركات الأصولية، وبصــرف النظر عن راديكاليتها، تضع بنـاء الدولة على سلـم أولوياتهــا، وحــزب الله في وثيقته التأسيسـية الثانية الصادرة عام 2009، وازن بين النظام الإسلامي، والدولة العادلة، ولكنه بالمقابل أدرج الانتظار السياسي في قاعدته الشعبية، وفعاليته داخل السلطة، وقدرته على استـنهاض شيعة لبنان، عبر مؤسسات تربوية واجتماعية واقتصادية وجهادية، لا نجدها عند بقــية الطــوائف في الوقت الراهن، مع الاشارة الى ان الموارنة، كان لهم حصتهم في احتكار القرار، أقله منذ التأســيس لدولة لبنان الكبير عام 1920، والسنّة شركاء الشيعة في الإسلام التوحيدي، كان لهم وجودهم السياسي والمؤسساتي المؤثر، فــهل يشي ذلك بأن الشيعة في لبنان، خــصوصا أولئك الموالين لحزب الله، يمتلكون فائضا من القوة يقلق الطـوائف الاخرى؟ وما معنى أن يتصدى هؤلاء للمشروع الأميركي في الشــرق الأوسط؟
فائض القـوة الذي أشرنا إليه، لا يعني بالضرورة أن حزب الله لديه النية المبطنة للانقـضاض على الدولة، وقراءتنا لخطاب السـيد حسن نصر الله الأخـير على خلفــيات القرار الظني المتوقع صـدوره في الأشهر المقبلة، ينم عن مدلولات سياسية كثيفة الأهمية. فصحيح أن الحزب رفض النتائج المرتـقبة لتــقرير المدعي العام دانييل بلمار، بعد أن تداولت بعض الأوساط الغربية والعربية إمكانية اتهــام «عـناصر غير منضبطة» في الحزب باغتيال الرئيس رفيق الحــريري، لكن رد السيد نصر الله تعدى مـسألة الاتهام أو عدمه، ورسم في خطابه، ملامح جديدة، بدت لفريق من القوى السياسية، بمثابة الانقلاب على الصيغة اللبنانية، وهو حين يقول ما حرفيته «نحن نعرف النفق الذي يريدون أن يأخذونا إليه، ونعتبر أن هناك مشروعا كبيرا يســتهدف المقاومة ولبنان والمنــطقة بعد فشل كل المشاريع السابقــة»، أراد أن يوضح للرأي العام العربي عموما واللبناني خصوصا، بأننا أصحاب مشروع، يهدف الى الوقوف بوجه السياسات الأميـركية في المنطقة، والتي لا تعمل إلا على إثارة الفتن والحروب، ولعل ما أكد عليه الرئيس السوري بشار الأسد حين قال: «إن توجيه الاتهام الى حزب الله بالمعنى الاستراتيجي هو اتهام موجه الى سوريا» يحمل في طيــاته مضامين مهمة. فالشراكة الاستراتيجية بين الحزب وسوريا وإيران، عميقة الجذور بمعانيها المخــتلفة، مما يؤشـر الى أن كل طرف من أطراف المعادلة السياسية، يمد الآخر بمــحفزات القوة، فدمشق غير قادرة، ولا تنوي حتى اللحظة فك ارتباطـها التاريخي مع طهران، رغم تعدد السيناريوهــات التـي ترجح هذه الفرضـية، وحزب الله المرتبط عـقائديا ووظيــفيا بالثورة الإسلامية الباحثة عن دور إقليمي، يدرك جيدا أهمية شراكته الاستراتيجية مـع كل من إيران وسوريا.
إن الشيعية السياسية المتمثلة بأطراف إقليمـية متـعددة، تشهد اليوم قمة حراكها على كل المستويات، وحزب الله الذي يعتبر أحد أهم نماذجها داخل مجاله الجغرافي وخارجه، يمثل الصورة الأشد حضوراً في مسارات المعاقلة الشيعية السياسـية، والأهم من كل هذا أن شيعة لبنان بــعد أن كــانوا طائفة من تاريـخ يغزوهــا التهميش، أصبحوا اليوم من صنّاع التاريخ.

ملف الصراع بين ايران..واسرائيل..

 الخميس 18 نيسان 2024 - 5:05 ص

مجموعة السبع تتعهد بالتعاون في مواجهة إيران وروسيا .. الحرة / وكالات – واشنطن.. الاجتماع يأتي بعد… تتمة »

عدد الزيارات: 153,754,453

عدد الزوار: 6,913,046

المتواجدون الآن: 104