التحليل الطائفي يودي بلبنان إلى نتائج كارثية

تاريخ الإضافة الثلاثاء 17 آب 2010 - 7:57 ص    عدد الزيارات 501    التعليقات 0

        

التحليل الطائفي يودي بلبنان إلى نتائج كارثية

في البيئة الطائفية، يستحيل التحليل السياسي القائم على منطق عقلاني سليم. في لبنان، التحليل السياسي يُبنى على عاطفة الانتماء الطائفي. وفي لبنان، ليست هناك سياسة أو ساسة. هناك زعماء طوائف. نتيجة لذلك، فالتحليل العاطفي يؤدي إلى مواقف وقرارات ونتائج كارثية. وكل ذلك من شأنه أن يعرض لبنان إلى خطر يهدد أمنه. استقراره. سيادته. استقلاله.

عملت في لبنان ما يكفي من سنين، لتشكيل هذا الانطباع العام لديّ. وتعلمت أن لا أناقش صديقا لبنانيا في السياسة. وبتُّ أملك شريطا مسلسلا لمواقف وأحداث تورط فيها هذا البلد الصغير الجميل، نتيجة لرؤى طائفية ومصلحية ضيِّقة.

عندما تلكأت «العلمانية» الفرنسية والأميركية في تبني الرؤى المطلقة للمسيحية الطائفية في لبنان، راهنت فصائلها الرئيسية على إسرائيل. كانت التجربة كارثة. أراد بيغن ودايان وشارون عملاء وأتباعا. لا حلفاء. وانتهت الحرب الأهلية بنهاية الهيمنة المارونية على نظام الطوائف.

كان كمال جنبلاط المثقف العروبي / الاشتراكي أملا لبنانيا، في صياغة حزب يستقطب شبابا من كل الطوائف. غير أن تحليله السياسي قاده إلى الظن الواهم بأن بالإمكان سحق المسيحية السياسية بهزيمة عسكرية.

حارب جنبلاط الأب، فاغتيل (1977). ذروة التناقض كانت في اختفاء الزعيم الشيعي الروحي موسى الصدر (1978)، لأنه لم يحارب! قاده التحليل الطائفي إلى الظن، بأنه يستطيع سحب جيل الستينات والسبعينات الشيعي، من حضن تنظيمات اليسار اللبناني والفلسطيني. فذهب ضحية مؤامرة عالمية، خلال الحرب الباردة.

نظَّر العماد ميشال عون في السياسة. قاده التحليل القاصر إلى الرهان على صدّام، دفعا «للخطر» السوري الأقرب، بالخطر العراقي الأبعد. كان حافظ الأسد أذكى. عرف كيف يضرب عون وينفيه، مستغلا ساعة الإجماع العربي والدولي على ضرب صدّام، عندما تجاوز بغباء الخطوط الحمر، محاولا الاستفراد بنفط الخليج الذي يشكل الطاقة الحيوية لاقتصاد الغرب كله.

تاريخيا، خدمت الجغرافيا السياسية سورية. وفرت لكل أنظمتها - باستثناء نظام صلاح جديد (1966 / 1970) - فهما أعمق لثوابت وتحولات السياسات الإقليمية والدولية، من الفهم اللبناني المعزول في شريط ضيق بين الجبل والبحر. كانت حركة الأسد الابن في الانسحاب العسكري من لبنان في غاية الذكاء. تفادى التحليل السياسي السوري احتمال قيام عمليات مقاومة واستنزاف للقوات السورية في لبنان، فيما كان التحليل اللبناني مستعجلا في اتهام النظام السوري في قضية مقتل الحريري الأب (2005) من دون أدلة دامغة. وكما توقع التقييم السوري، لم يشكل الانسحاب العسكري خطرا على نفوذ نظام الأسد في لبنان. فقد تمكن، عبر خيوطه التي تحرك حلفاءه، من شلّ حكومة الأكثرية الطائفية المعادية له.

في تحليل سياسي ذكي للحركة السعودية السورية المشتركة، أدرك حسن حزب الله أن من غير المسموح، عربيا ودوليا، له وللحزب ولإيران، بـ«خربطة» لبنان، في حالة اتهام المحكمة الدولية له بالمسؤولية عن اغتيال الحريري. لكن في تفانيه في دفع الاتهام عن الحزب، فقد وقع السيد في خطأ تكتيكي كبير.

في إصداره «قراره الظني» بتحويل الاتهام من الحزب إلى إسرائيل، لم يدرك السيد حسن أنه بات هو الآخر مدعيا عاما لدى المحكمة الدولية التي يرفضها ويحاربها، في حين عجز عن تقديم أدلة ومستمسكات دامغة لإسرائيل، في رأي معظم خبراء وفقهاء القانون والقضاء. المدعي العام دانييل بلمار سارع إلى الترحيب بقرائن ومعطيات السيد الاتهامية. ومن المنتظر أن يجري تسليمها إلى المحكمة، من خلال الحكومة اللبنانية.

أيضا، في «القرار الظني» للحزب ثغرات لم يسدّها ديكور الإخراج الذي ظهر فيه السيد ممثلا. مخرجا. كاتب سيناريو. معلقا راويةً. بل مصورا لمشاهد مليئة بالحركة والإثارة. لكن لم يقل لماذا تأخر إخراج الفيلم. ألح على محاسبة «شهود الزور». لم يفصح، بعد رفضه للمحكمة، عما قاله شهود حزب الله الذين مثلوا أمام المحقق الدولي، تلك الأقوال التي يبدو أنها باتت من الأسباب التي حولتهم من شهود إلى متهمين، كما يتوقع السيد نفسه في «القرار الظني» الآخر الذي سيصدره بلمار.

أسهب السيد في شرح أسباب عداء إسرائيل للراحل الحريري. لكن لم يشرح أسباب عداء الحزب للحريري، كرجل دولة. كرئيس للحكومة. كرجل سلام وإعمار. لم يذكر السيد أسباب منع الحزب للحريري من مد شبكة إعماره إلى المناطق المأهولة بالشيعة، وعن غيرة إيران للحريري، كزعيم للسنة، يقف بشبكة علاقاته الدولية والعربية الواسعة، سدا أمام اختراقها لبنان والمنطقة العربية.

من هنا، فالسيد حسن يرتكب خطأ آخر في التحليل السياسي، عندما يعتبر إيثار الحريري الابن الصمت، بمثابة استعداد منه للاستغناء عن المحكمة، حرصا على الحكومة. من اطلاعي على تعقيب الحريري سعد العائد من الخارج، أستطيع اختصار موقفه بالقول إنه، كرئيس حكومة مسؤولة عن أمن واستقرار لبنان، يريد تجنيب بلده الفتنة، من دون أن يُسقط دور العدالة. فدم أبيه ليس ماء مستباحا. لعل من الحكمة في التحليل السياسي، أن يتمهل معسكر الحريري في اتهام حزب الله، في انتظار القرار الظني الدولي، للتأكد من قوة الأدلة فيه. بل ربما لا بد من انتظار أحكام المحكمة، للتأكد من حيادها، وعدم تسيّسها وانحيازها، كما يتهمها سلفا سيد الحزب.

كصحافي، يبقى لي رأي في قضية تسريبات الصحافة اللبنانية التي شكت منها الحكومة والجيش، في هذه الظروف الصعبة. الحرية مسؤولية. الصحافة يجب أن تمارس مسؤوليتها الذاتية في تقديم خبر أدق صحة. وأكثر صدقا.

تفتح الصحف اللبنانية. تجد في كل صفحة سياسية تعليقا مسهبا. إلى جانبه تحليل مطول يفترش الصفحة. كلاهما يغص بتأويلات. تفسيرات. تسريبات منسوبة إلى «مصادر» مجهولة. منذ أربعين سنة، عذبتني هذه الأشباح المجهولة التي تسكن مخيلة كَتَبَة التعليقات والتحليلات. كان عليّ، شأني كشأن أي مراسل آخر يعمل في وكالة أنباء، أن أتأكد من صحة خبر في صحافة متقدمة في مهنيتها. غير موثوقة في أخبارها وتحليلاتها. الصحافة اللبنانية، بل الصحافة العربية، يجب أن تخرج من غرف التعليق. التحليل. الإنشاء العابقة بدخان السجائر. إلى الهواء الطلق. إلى التحقيق (الريبورتاج) في موقع الحدث. صحف لبنان وتلفزيوناته تملك مخبرين ومراسلين، ذكورا وإناثا، أثبتوا شجاعتهم ومهنيتهم، خلال حروب لبنان.

وإلا، فستظل الصحافة اللبنانية تدور في منطق عميدها طلال سلمان الذي ارتقى بـ«السفير» حرفيا. لكن التحليل السياسي لم يبارح قوله في افتتاحيته، قبل نحو أربع سنوات (23/9/2006): «إذا قال السيد فصدقوه...»! كم علينا أن نصدق، من دون أن نملك جرأة النقد والتكذيب.

غسان الامام

ملف الصراع بين ايران..واسرائيل..

 الخميس 18 نيسان 2024 - 5:05 ص

مجموعة السبع تتعهد بالتعاون في مواجهة إيران وروسيا .. الحرة / وكالات – واشنطن.. الاجتماع يأتي بعد… تتمة »

عدد الزيارات: 154,040,777

عدد الزوار: 6,931,968

المتواجدون الآن: 79