الجماعات اليهودية المتطرفة تعيد التذكير بهشاشة الديموقراطية ... استخدام المستوطنين السلاح لمنع «مساومة» الفلسطينيين بات وشيكاً

تاريخ الإضافة الخميس 27 تشرين الثاني 2008 - 7:40 ص    عدد الزيارات 922    التعليقات 0

        

أنطوان شلحت*

حذر رئيس جهاز الأمن العام الإسرائيلي (شاباك)، يوفال ديسكين، خلال الاجتماع الأسبوعي للحكومة الإسرائيلية المنعقد في 2 تشرين الثاني (نوفمبر) 2008، من احتمال اندلاع مواجهات واسعة بين المستوطنين وقوات الأمن الإسرائيلية، في حال قررت الحكومة اجلاء مستوطنين والانسحاب من أراض فلسطينية في الضفة الغربية. وأفاد المراسل والمحلل العسكري في صحيفة «هاآرتس»، عاموس هارئيل، بأن ما تناقلته وسائل الإعلام الإسرائيلية عن ديسكين، في شأن «احتمال وقوع اغتيال سياسي جديد تنفذه عناصر من اليمين المتطرف»، لم يكن دقيقاً تماماً، وأن رئيس (شاباك) لم يتحدث في شكل واضح عن اغتيال سياسي، وإنما قال إن أفراد (شاباك) يلاحظون «تصاعداً» في عنف اليمين وإنه «توجد مؤشرات كثيرة تشير إلى أنه في حال حدوث عملية سياسية، قد ينشأ وضع يتم خلاله استخدام السلاح من أجل وقف العملية».
ونقل هارئيل عن مصادر مطلعة في (شاباك) قولها إن ديسكين يتحدث في الأساس عن ثلاثة احتمالات: اغتيال قائد سياسي، عملية مسلحة ضد عرب، الاعتداء على أفراد قوات الأمن الإسرائيلية.
وقال ديسكين خلال اجتماع الحكومة إن «تحقيقات أجريناها أظهرت وجود استعداد بمستوى عال جداً لدى هذا الجمهور (أي غلاة المستوطنين واليمين المتطرف) لاستخدام العنف، لا بمستوى الحجارة فقط وإنما السلاح، من أجل منع أو وقف خطة سياسية كهذه أو تلك». واعتبر أن «ما نراه اليــــوم ناجم عن شرخ عميق لدى الجمهور القــومي، غير منحصر في يهودا والسامرة (الضفة الغربية) فقط. وهذا مستمر منذ فك الارتباط في (2005) وحتى إخلاء (البؤرة الاستيطانية غير القانونية) عمونا في (2006). وبدأ هؤلاء مقاربتهم خلال فك الارتباط تحت شعار «بالمحبة ننتصر»، ووصل الآن إلى «بالحرب ننتصر». وأضاف ديسكين أن ما يسمى بـ «ناشطي التلال» وناشطين آخرين من منطقة الخليل، يحاولــــون تشويش عمل قوات الأمن من أجل إفشــــال ضبط القانون، وأن هؤلاء الناشطين نجحوا في أفعالهم حتى اليوم. وحذر من أنهم سيوسعون نشاطهم إلى داخل الخط الأخضر. وتشير تقديرات (شاباك) إلى أن هناك بضع مئات من أمثال هؤلاء الناشطين، وبينهم بضع عشرات يعملون على تأجيج الأوضاع. وادعى ديسكين أنه «لا توجد قيادة واضحة (للمتطرفين)، وهم مدفوعون بهدف واحد هو عدم تمكين قوات الأمن من إخلاء أشخاص» من بؤر استيطانية.
من جانبه أشار هارئيل إلى أن «الشعبة اليهودية في شاباك»، التي تتعقب نشاط غلاة المستوطنين في الضفة الغربية واليمين المتطرف داخل الخط الأخضر، قدرت في كانون الأول (ديسمبر) 2007، أن التهديدات من جانب اليمين المتطرف على غايتي الحراسة الأساسيتين للشعبة - وهما القيادة السياسية الإسرائيلية والحرم القدسي الشريف - هي تهديدات في مستوى متدنٍ نسبياً. واعتبر (شاباك) في حينه أن على رغم عقد مؤتمر أنابوليس، قبل ذلك بشهر، وما دام اليمين لا يرى وجود «خطر ملموس» لإخلاء بؤر استيطانية، فإنه لن يمارس عنفاً متطرفاً. ورأى (شاباك) أن تصعيداً كلامياً كان بدأ حينئذ لكنه لم يُترجم إلى ممارسات ميدانية.
وكتب هارئيل أنه لا توجد في حيازة (شاباك)، على ما يبدو، معلومات استخباراتية محددة في شأن وجود نية لتنفيذ اغتيال سياسي. على رغم ذلك، فإن نشاط اليمين المتطرف العنيف تصاعد أخيراً. فقد بدأ المستوطنون المتطرفون يتبعون «نهج العقوبة»، الذي أصبح بارزاً في الآونة الأخيرة، علماً أن (شاباك) كان قد لاحظ هذا النهج منذ نهاية 2007. ويسعى المستوطنون من خلال هذا النهج إلى إنشاء ميزان رعب، ينفذ المستوطنون بموجبه أعمال عنف فورية في مقابل قيام قوات الأمن الإسرائيلية بإخلاء بيت متنقل (كرافان) في بؤرة استيطانية، أو بإصدار أمر يقيد تحركات ناشطين يمينيين مشتبه بهم باعتداءات ضد الفلسطينيين أثناء موسم قطف الزيتون. ويعتبر المستوطنون من خلال استخدام «نهج العقوبة» أنه حتى لو لم ينجحوا في منع إخلاء بؤرة استيطانية، فإن الأضرار التي سيلحقونها عقب ذلك، من خلال تدمير ممتلكات للفلسطينيين أو اعتداء على ضباط إسرائيليين، ستجعل الحكومة الإسرائيلية تفكر ملياً قبل أن تصدر أوامر بتنفيذ عمليات أخرى. وبحسب هارئيل، فإنه على رغم أن ديسكين تحدث عن مئات الناشطين في صفوف المستوطنين المتطرفين، في إمكان هؤلاء تجنيد آلاف المستوطنين للقيام بأعمال عنف. وأضاف أن «المسافة بين اعتداء على أفراد شرطة أو جنود واستخدام السلاح ضد زعيم سياسي يأمر بإخلاء مستوطنات، أقصر مما قد يتخيل المرء».
قبل هذا الجدال بشهر ونيّف، وتحديداً في 25 أيلول (سبتمبر) 2008، تعرّض المؤرخ الإسرائيلي اليساري، البروفسور زئيف شطيرنهل، لمحاولة اغتيال على خلفية الأفكار السياسية التي يتبناها. وقد تمثل رد الفعل الأولي الذي بدر عنه في القول: «في حال أن من قام بهذا العمل ليس مجنوناً فرداً، وإنما جهة تمثل تياراً سياسياً أو شعبياً، فإن هذه ستكون بداية انحلال الديموقراطية الإسرائيلية. إنّ مجرد تنفيذ هذا العمل يدل الى هشاشة الديموقراطية الإسرائيلية، والى الحاجة لأن نتجنّد من أجل الدفاع عنها بإصرار وحزم».
وكانت تقديرات صادرة عن الشرطة الإسرائيلية أشارت إلى أن تنظيماً يهودياً يمينياً متطرفاً، يدعى «جيش التحرير الرسمي»، هو الذي يقف وراء محاولة الاغتيال هذه، وإلى أن هذا التنظيم يعتزم أن يمسّ بشخصيات يسارية إسرائيلية أخرى. واستندت تقديرات الشرطة هذه إلى بضعة أدلة عثرت عليها في بيت شطيرنهل، من بينها العبوة الناسفة التي انفجرت أمام باب بيته، والتي أسفرت عن إصابته بجروح، وتبين أن تركيبها يحتاج إلى خبرة، وأيضاً تعقب الجناة له ومعرفة تحركاته، إذ وقع الانفجار لدى عودته من رحلة في خارج البلد، إضافة إلى وجود مناشير قرب بيته تمنح جائزة بقيمة 1.1 مليون شيكل لـ «من يقتل ناشطاً يسارياً».
وتناولت الصحف الإسرائيلية محاولة اغتيال شطيرنهل على نطاق واسع. غير أن معظم المقالات والتحليلات، التي نُشرت مباشرة بعد وقوع الحادث، جاءت متواضعة للغاية في تناول التأثير السلبي المترتب على المشروع الاستيطاني وعلى تطرف المستوطنين على إسرائيل، والذي ينعكس في تزايد العنف وخرق القانون في المجتمع الإسرائيلي من جهة، وفي منع تقدم العملية السياسية في المنطقة من جهة أخرى.
وأوضح أحد ضباط الشرطة أن المعتدين «عملوا بصورة منظمة جداً، وهذا يدل في شكل أكيد على تصاعد نشاط اليمين المتطرف ضد الناشطين اليساريين. والحديث يدور على نشاط موجه، وزرع العبوة الناسفة لم يكن عملاً عشوائياً». وأقر جهاز (شاباك) والشرطة بفشلهما، عندما أعلنا أنهما فوجئا بمحاولة المسّ بشطيرنهل، وأنه لم تتوافر لديهما أي معلومات في شأن نشاط تنظيم يميني هدفه التعرّض لناشطين يساريين. فقد شددت الشرطة على أن «هذا الاعتداء لم يكن هدفه إخافة المعتدى عليه فحسب، وإنما هو محاولة واضحة للتسبب بأذى له على رغم أن العبوة الناسفة كانت صغيرة».

عن جوهر الديموقراطية الإسرائيلية
في واقع الأمر تبدو الزاوية التي اختار شطيرنهل أن يتطرّق منها إلى ما تعرّض له - زاوية هشاشة الديموقراطية الإسرائيلية - هي الأكثر إثارة للاهتمام من سائر الزوايا، إذ ان ما قاله ينم عن الجوهر الحقيقي لهذه الديموقراطية، والذي عادة ما يتم ستره بغلالة شفافة. وقد سبق للشخص نفسه أن أبدى امتعاضه (في سياق مقابلة مطولة أدلى بها، قبل تعرضه لمحاولة الاغتيال بفترة وجيزة، لمجلة «ديموقراطية» الإلكترونية) من كون هذه الديموقراطية رسمية / شكلية لا أكثر.
ولدى الاستعانة بما قاله في تلك المقابلة، في الإمكان تحديد جوهر الديموقراطية الإسرائيلية في إطار العناوين الرئيسة الآتية:
- هذه الديموقراطية الرسمية لا تشمل حقوق الإنسان. وهذه الحقوق جديدة تماماً، أدخلت إلى النظام السياسي الإسرائيلي بواسطة المحكمة العليا، عبر ما درج على تسميته بـ «الصرامة القضائية». أمّا «وثيقة الاستقلال» فقد اعتبرت بمثابة وثيقة إعلانية ليس لها أي مغزى قانوني أو سياسي أو حتى أخلاقي. والأنكى من ذلك أن حقوق الإنسان تُعتبر في نظر مسؤولين من طراز وزير العدل الحالي، دانيئيل فريدمان، عائقاً أمام الدولة وأمام قدرة أدائها، كما لو أن هذه الحقوق تقوّض حقوق الدولة.
- حقوق الإنسان ليست جزءاً من مفهوم إسرائيل الديموقراطي. وكانت ثمة ضرورة لإدخالها من الباب الخلفي، ولذلك فإنها هشة للغاية، وبالتالي فهي ليست مضمونة إلى حد كبير. علاوة على ذلك، فإن معارضي المحكمة العليا رأوا في ذلك هيمنة من جانب القضاة، الذين سرقوا حقوقاً تخضع جوهرياً للسلطة التشريعية. وإذا كانت هذه الأخيرة لا تعبأ بحقوق الإنسان، فمن هم القضاة كي يحلوا محل تلك السلطة؟! لذا، فهو يعتقد أن هذه إحدى من نقاط الضعف الأكثر أهمية في الديموقراطية الإسرائيلية.
- يعتقد المسؤولون الإسرائيليون أن الأمن أهم من الديموقراطية. وعلى رغم تأكيده أن هذا صحيح أحياناً، إذ في استطاعتك أن تقول إن الحياة أهم من الديموقراطية، يعدّ ذلك نوعاً من المبررات والذرائع التي يمكن أن تستخدمها فقط في حالات متطرفة تماماً، غير أن اللجوء إليها يتم أيضاً في حالات ليست كذلك. لذا ثمة شعور بأنه عندما يمر المجتمع في وضع طارئ، فإن الديموقراطية تغدو مجرد ترف. على سبيل المثال هناك من يعتقد أنه إذا ما توصلت إلى استنتاج بأن ثمة خطراً وجودياً يتهدد دولة إسرائيل، فإن في إمكانك تعطيل السيرورات الديموقراطية الاعتيادية... بمعنى أنك لست ملزماً بالسير أو التصرف بحسب القواعد المقبولة، وأن في استطاعتك تدوير الكثير من الزوايا. ووفقاً للثقافة السياسية السائدة يكفي أن تجرى انتخابات وأن تكون هناك أحزاب وحرية تعبير، وفي اللحظة التي يؤخذ فيها حسم بواسطة الغالبية ينتهي كل الموضوع في الواقع.
- الديموقراطية تُفهم في إسرائيل بالمعنى الأكثر رسمية الذي يمكن تصوره، أي من زاوية أو من منظور المساواة الشكلية. فما دام في إمكان كل إنسان التصويت، بمعنى وجود مساواة سياسية رسمية، فهذا يكفي. لا يوجد فهم أن الديموقراطية تستوجب ما هو أكثر من ذلك. ففي الديموقراطية لا تتجسد فقط الحقوق السياسية، وإنما أيضاً الحقوق الاجتماعية والاقتصادية. مثل هذا الموقف يعتبر في إسرائيل غير ذي صلة بالديموقراطية. في الديموقراطية، هكذا يزعمون، أنت لست ملزماً بتأمين حقوق اجتماعية. وقد بدأوا حتى باستخدام مصطلح «شفقة» وهو تعبير مستعار من الأميركيين. فالدولة «تشفق» على مواطنيها البائسين الذين يعانون من ضائقة لا لأنهم يستحقون مساعدة بحكم مبدأ حقوق الإنسان وإنما بحكم «منّة» وليس حقاً. وبحسب هذا الفهم، فإن ذلك ليس جزءاً من حقوق الإنسان. الديموقراطية لا تستوجب شيئاً عدا التصويت في صندوق الاقتراع. وفي اللحظة التي يقوم فيها الإنسان بذلك، فإنه يجسد مبادئ الديموقراطية. لكن هذا الفهم يعود كضربة مرتدة، وهو ما أدركته دول أوروبا مباشرة عقب الحرب العالمية الثانية. لقد أدركت أن الديموقراطية لا يمكن أن تتحقق إلاّ إذا أضيفت عناصر ومكونات اجتماعية. كان واضحاً للجميع أنه لم يعد في الإمكان الاكتفاء بالتعريف الرسمي للديموقراطية، فأضافوا حقوقاً اجتماعية وأقاموا دولة الرفاه.
- في الثقافة السياسية السائدة يمثل الكنيست (السلطة التشريعية) عملياً ذراعاً للحكومة. لا توجد من ناحية عملية ثلاث سلطات وإنما سلطتان فقط: السلطوية، التي تنقسم إلى حكومة وكنيست، والسلطة القضائيـــة. الكنيست لا يقوم بوظيفته كسلطة تشريعية، بل يشرّع ما تريد الحكومة تشـــريعه، فضلاً عن أنه لا يراقب الحكومة. وفي الحقيقة، فإن الكنيست هو جثة هامدة، أو جسم ميت، وهذه هي حاله دائماً وأبداً. فهو لا يستطيع استدعاء الوزراء أو كبار موظفي سلك الدولة، ليدلوا بالشهادة، كما هو متبع في الولايات المتحدة وأوروبا. كذلك فإن الكنيست لا يملك أدوات للحصول على معلومات مستقلة وهو يعيش على ما يقولونه له، في حين أن للكونغرس الأميركي أدوات ووسائل خاصة به، وحين يمثُل رئيس هيئة الأركان الأميركية أمامه، فإن أعضاء الكونغرس يستطيعون مساءلته والضغط عليه. الكنيست لا يستطيع الضغط على أحد، لأن أعضاء الكنيست لا يعرفون شيئاً عدا ما تزودهم السلطة (الحكومة) به. هذه المشكلة تعتبر مشكلة أساسية، فالكنيـــست يعمــل في خدمة الحكومة، وليس أكثر من ذلك، وهذه مشكلة عويصة جداً.
- في ضوء الضعف الذي تعانيه السلطة التشريعية، ثمة أهمية بالغة لوجود سلطة قضائية مستقلة وقوية، إذ لا بد من وجود جهة ما لكبح الحكومة. مبدأ التوازن والكبح بين السلطات لا يطبق ببساطة. فالكنيست لا يكبح الحكومة ولا يوازنها. وإذا كان هناك من يمارس الكبح فهو الحكومة التي تكبح الكنيست وليس العكس. إن وجود سلطة قضائية قوية يعتبر أمراً حيوياً من أجل القيام بوظيفة الكبح، إذ ما هي الطريق المتاحة اليوم أمام مواطن متضرر، أو يعتقد أنه تضرر، جراء قرار إداري؟ إنها طريق المحكمة فقط أو إحدى الهيئات التطوعية، والتي تتوجه بدورها، في نهاية المطاف، إلى المحكمة أو الصحافة. وبما أن الصحافة تعمل بطريقة انتقائية للغاية، ففي النهاية يصل الجميع إلى المكان نفسه: المحكمة. ولذا أصبحت قيمة هذه المحكمة لا تقدر بثمن.

* باحث في «المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية» - مدار.
 

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك..

 الأحد 24 آذار 2024 - 2:34 ص

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك.. الحرة – واشنطن.. منذ السابع من… تتمة »

عدد الزيارات: 151,115,801

عدد الزوار: 6,753,889

المتواجدون الآن: 103