تعاظم مرجعية السيستاني في لبنان؟

تاريخ الإضافة الخميس 20 تشرين الثاني 2008 - 10:45 ص    عدد الزيارات 996    التعليقات 0

        

بقلم قاسم قصير

شكل افتتاح "مجمع الامام جعفر الصادق الثقافي" في ضاحية بيروت الجنوبية نهاية شهر تشرين الاول الماضي، اول تحرك علني لمرجعية آية الله العظمى السيد علي السيستاني في لبنان بعد اكثر من خمس عشرة سنة من العمل الثقافي والديني بعيدا عن الاضواء، باستثناء المرور السريع والقصير والخاطف للسيستاني عبر مطار بيروت الى لندن منذ حوالى ثلاث سنوات، عندما غادر العراق خلال الاحداث الاليمة في النجف من اجل اجراء فحوص طبية في بريطانيا، تلك الزيارة التي اثارت آنذاك الكثير من علامات الاستفهام بسبب توقيتها وظروفها... فكيف تطور عمل مرجعية السيستاني في لبنان خلال السنوات الماضية؟ وماهي دلالات الانتقال للعمل المباشر عبر المؤسسة الجديدة؟ واين تختلف هذه المرجعية مع المرجعيات الدينية الاخرى الناشطة في لبنان خصوصا مرجعية السيد محمد حسين فضل الله ومرشد الجمهورية الاسلامية الايرانية السيد علي خامنئي؟

بدايات خجولة..!!
في اوائل التسعينات من القرن الماضي وصل الى لبنان الحاج حامد خفاف للاشراف على مكتب "مؤسسة آل البيت للتراث" الثقافية، والتي كانت تهتم بطباعة المخطوطات والكتب الدينية، وبدأ التحرك بعيدا عن الاضواء وفي اطار ثقافي محض. لكن بعد وفاة المرجع الشيعي الكبير السيد ابو القاسم الخوئي والاعلان عن تزكية السيد علي السيستاني للمرجعية الدينية من قبل رئيس المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى الشيخ محمد مهدي شمس الدين والعلامة السيد محمد حسين فضل الله، مع العلم انه لم يكن اسم السيستاني منتشرا في الاوساط الدينية اللبنانية، سارع الخفاف الى طباعة كتاب "المسائل الفقهية للسيستاني" وبدأ التحرك كممثل له في لبنان في خطوة قد تكون فريدة من نوعها في الواقع الديني الشيعي بأن يتولى "شخص مدني " مهمة تمثيل المرجعية الدينية، لانه في العادة يقوم "علماء الدين" بمهمة تمثيل المرجعية سواء على الصعيد المركزي او في الدول والمناطق الاخرى.
وفي موازة ذلك بدأ "حزب الله" بالعمل للدعوة لمرجعية السيد علي خامنئي بعد ان حاز على دعم من بعض المرجعيات الدينية الايرانية لتولي هذه المرجعية وخصوصا خارج ايران.... وفي وقت لاحق عمد السيد محمد حسين فضل الله الى اعلان مرجعيته الدينية بعد ان كان تبنى سابقا مرجعية السيستاني، وبرر فضل الله هذه الخطوة "بانها استجابة لطلب مريديه وطلابه ومؤيديه الذين وجدوا انه الأحق بتولي هذا الموقع"
.تحرك بين النقاط....!!
خلال السنوات العشر الماضية حرص مدير مكتب السيستاني وممثله في لبنان الحاج حامد خفاف على التحرك باسلوب لا يثير اية اشكالات او حساسيات مع اي طرف سياسي او ديني في الواقع الشيعي. فعلى صعيد المجلس الشيعي الأعلى سواء خلال رئاسة الشيخ محمد مهدي شمس الدين اوبعد رحيله كانت العلاقة بين الخفاف والمجلس تسير في افضل حالاتها خصوصا مع تبني المجلس لمرجعية السيستاني والتنسيق معها بشكل دائم. كما اقام الخفاف علاقة مميزة مع رئيس المجلس النيابي نبيه بري الذي وجد الملاذ الديني في مرجعية السيستاني والذي يحتاج اليه احيانا في عمله السياسي خصوصا عند حصول اي خلاف مع "حزب الله" اوايران رغم التطور الايجابي الذي حصل بين بري والمرجعية الايرانية في السنوات الاخيرة.
وقد اعطى السيستاني لحركة "امل" اجازة بالحصول على "الاموال الشرعية " من خمس وزكاة لدعم مؤسساتها التربوية والاجتماعية وكان بري الوحيد من القيادات اللبنانية الذي علم بمرور السيستاني عبر مطار بيروت للانتقال الى بريطانيا واستقبله في صالون الشرف في المطار.
اما على صعيد "حزب الله" فقد اتسمت علاقة السيستاني به بالايجابية. ورغم تبني الحزب لمرجعية خامنئي الدينية والسياسية والتزامه بولاية الفقيه، فان ذلك لم يمنعه من الحصول على دعم السيستاني وعلى اجازة منه بالحقوق الشرعية للمقاومة الاسلامية والمؤسسات التربوية والاجتماعية التي يشرف عليها، وكان هناك تنسيق دائم بين الحزب وممثلي السيستاني ووكلائه. كما حرص الحزب على عدم توجيه اي انتقاد لمواقف الاخير على صعيد الوضع في العراق بعد الاحتلال الاميركي وابدى تفهما كاملا لادائه في مواجهة هذا الاحتلال والاكتفاء بما سمي "المقاومة السياسية"... ورغم ان مرجعية السيستاني تتنافس بشكل طبيعي مع مرجعية السيد خامنئي فلم يلحظ اية اشكالات او حساسيات بين هاتين المرجعيتين او ممثليهما لبنان وقد يكون الدور الايجابي الذي قام به الخفاف على هذا الصعيد واقامة الوكيل العام للسيستاني صهره السيد جواد الشهرستاني في مدينة قم ووجود مؤسسات دينية تابعة له في ايران تاثير ايجابي كبير في هذا المجال.

العلاقة مع فضل الله..!!
\\المساحة الاشكالية الوحيدة التي برزت في عمل مرجعية السيستاني في لبنان كانت على صعيد العلاقة مع مرجعية السيد محمد حسين فضل الله.... فرغم ان فضل الله كان من اوائل العلماء الذين تبنوا دعم مرجعية السيستاني والدعوة لها وساهم بشكل كبير في التعريف به لدى الاوساط الدينية في لبنان والعالم العربي، فان اعلان فضل الله مرجعيته لاحقا ومن ثم الاشكالات الفكرية التي اثيرت حول مواقفه على صعيد ما سمي في ما بعد "قضية الزهراء" (عندما دعا فضل الله لاعادة دراسة رواية الاعتداء على السيدة فاطمة الزهراء من قبل بعض الصحابة) والحملة التي تعرض لها من قبل بعض المرجعيات الدينية في قم والنجف، كل ذلك ادى الى ما يمكن تسميته بـ"الحرب الباردة" بين مرجعية السيستاني ومرجعية فضل الله. مع انه لم ينقل عن السيستاني اية مواقف حادة تجاه فضل الله والعكس صحيح ايضا حيث ان فضل الله كان يدافع دائما عن مواقف السيستاني ويشيد بحكمته وادائه. وان كانت بعض الاوساط القريبة من السيستاني قد حمّلت بعض المؤيدين لفضل الله مسؤولية نشر مقالات صحافية تثير الشكوك حول دور السيستاني في العراق خصوصا خلال احداث النجف وانتقال الاخير الى لندن للعلاج الطبي اثناءها.
وقد تكون كل هذه الاجواء السلبية هي التي ادت الى عدم توجيه دعوة لفضل الله او من يمثله لحضور حفل افتتاح "مجمع الامام الصادق الثقافي" رغم ان القائمين على مرجعية السيستاني قد دعوا جميع المرجعيات الدينية والطائفية والسياسي في لبنان والعراق وكان العنوان الاساسي لحفل الافتتاح "التقارب الديني والطائفي والمذهبي مع جميع الطوائف والاديان والمذاهب"

اي دور مستقبلي؟.
لكن اي دور يمكن ان تقوم به مرجعية السيستاني في لبنان والمنطقة في المرحلة المقبلة؟ لا سيما بعد التحرك السياسي والشعبي الذي قام به وكيله العام السيد جواد الشهرستاني في موازة افتتاح "مجمع الامام الصادق" في لبنان... لقد بدا واضحا من خلال مجريات حفل الافتتاح والحشد الكبير من الشخصيات السياسية والدينية التي حضرته، الدور الكبير الذي تقوم به مرجعية السيستاني في لبنان والذي لم يتحول حتى الآن الى عمل سياسي مباشر في مواجهة القوى الاخرى ولا سيما مرجعية خامنئي و"حزب الله”. وكان ممثلو السيستاني حريصين على التحرك في لبنان دون الاصطدام بالمرجعيات الاخرى والعمل الى جانبهم.... ومع هذا الحرص بالتحرك بين النقاط فانه يمكن القول ان الايام المقبلة قد تشهد المزيد من توسع دور مرجعية السيستاني في لبنان والمنطقة والتي ستسعى الى تشكيل المزيد من الاستقطابات السياسية والشعبية حولها في ظل تطور الاوضاع في العراق وازدياد دور السيستاني ومع احتمال "عودة الحوزة الدينية في النجف" الى لعب دورها الفاعل بعدما كانت "حوزة قم " قد حظيت بالاهتمام الكبير في السنوات العشرين الماضية.... اذن سنكون في المرحلة المقبلة امام تعاظم دور مرجعية السيستاني في لبنان والمنطقة على حساب المرجعيات الاخرى. وافتتاح "مجمع الامام الصادق الثقافي" في لبنان هو احد تجليات هذا الدور لكن في المقابل ستحرص هذه المرجعية وممثلوها على ابقاء تحركها تحت العناوين الثقافية والدينية خارج العراق في موازة الدور السياسي المباشر الذي تقوم به داخل العراق والذي يزداد يوما بعد يوم وفي انتظار توافر الظروف المناسبة للانتقال الى دور اكثر فاعلية في المرحلة المقبلة. 
 

ملف خاص..200 يوم على حرب غزة..

 الأربعاء 24 نيسان 2024 - 4:15 ص

200 يوم على حرب غزة.. الشرق الاوسط...مائتا يوم انقضت منذ اشتعال شرارة الحرب بين إسرائيل و«حماس» ع… تتمة »

عدد الزيارات: 154,081,262

عدد الزوار: 6,934,004

المتواجدون الآن: 93