السعودية بين روسيا والعالم الإسلامي وأين يقف العالم الإسلامي من روسيا اليوم؟

تاريخ الإضافة الخميس 20 تشرين الثاني 2008 - 10:39 ص    عدد الزيارات 914    التعليقات 0

        

محمد السمّاك
وماذا يعني أن تكون روسيا عضواً مراقباً في منظمة المؤتمر الإسلامي التي تمثل الدول الإسلامية كلها؟.
وكيف نعكس مواقف روسيا من بعض قضايا العالم الإسلامي كعدم الاعتراف باستقلال كوسوفو مثلاً على علاقاتها مع هذا العالم؟. وكذلك كيف تنعكس العلاقات الوطيدة، بل التحالفات الاستراتيجية القائمة بين العديد من الدول الإسلامية من جهة والولايات المتحدة الأميركية من جهة ثانية على العلاقات مع روسيا؟.
ثم ما هو موقع دول آسيا الوسطى وهي دول غالبية سكانها من المسلمين وكانت جزءاً من الامبراطورية القيصرية الروسية ثم جزءاً من الاتحاد السوفياتي السابقين في العلاقات الراهنة بين روسيا والعالم الإسلامي؟. وما هو موقع الجمهوريات الإسلامية الأعضاء في الاتحاد الروسي؟.
جرى طرح بعض هذه الأسئلة في المؤتمر الذي عقد في جدة في الأسبوع الماضي والذي دعت اليه "مجموعة الرؤية الاستراتيجية ـ روسيا والعالم الإسلامي". وهو المؤتمر الرابع لهذه المجموعة. وكانت المؤتمرات الثلاثة قد عقدت تباعاً في كل من موسكو وأوزباكستان وتركيا ـ استانبول. وشارك فيها عدد من السياسيين والمفكرين والعلماء من الطرفين الروسي والإسلامي.
والواقع أن توصيف مجموعة الرؤية الاستراتيجية بأنها روسية ـ إسلامية يعكس التباساً يؤدي الى سوء تفسير. فروسيا التي يبلغ عدد سكانها 140 مليوناً، يزيد عدد المسلمين فيها على العشرين مليوناً. فهل يصنف هؤلاء مع روسيا أو مع العالم الإسلامي؟.
وكما قال رئيس جمهورية تاتارستان منتميرشا يمييف الذي شارك في مؤتمر جدة، فإن عدد المساجد في هذه الجمهورية التي تشكل جزءاً من روسيا الاتحادية ارتفع خلال 15 عاماً من 32 مسجداً أثناء فترة البيروستريكا الى 1200 مسجد اليوم. ولكن المشكلة هنا ليست في مجرد بناء المساجد، وهذا مهم في حد ذاته، ولكن الأهم هو في إعداد الأئمة وتأهيلهم ثقافياً وتربوياً بما يتوافق مع الثوابت الإيمانية للإسلام ومع قيمه وتعاليمه السمحة.
لا شك في أن الذاكرة الجماعية للروس من جهة، وللمسلمين داخل روسيا وخارجها من جهة ثانية حبلى بالصور النمطية السلبية لكل عن الآخر، ولذلك ما كان لأي تصور لبناء استراتيجية إسلامية ـ روسية أن يستقيم ما لم تنقّى الذاكرة الجماعية الإسلامية والروسية من هذه الصور أولاً، وهذا يتطلب عملاً إعلامياً وثقافياً واسع النطاق. ذلك أن بناء علاقات استراتيجية على قاعدة عدم الثقة أو الحذر أو حتى عدم الرضى هو أشبه ببناء فوق الرمال، سرعان ما يتصدع ويتهاوى.
ثم إن البناء الاستراتيجي لا يقوم على أعمدة من النوايا الحسنة فقط، ولكنه يحتاج الى أعمدة من الواقعية الصلبة والمتينة تقوم على تفاهم مشترك حول العديد من القضايا الدقيقة والحساسة. من هذه القضايا مثلاً الاتفاق على إجابات على تساؤلات من نوع:
هل الرؤية الاستراتيجية تتطلع الى تحويل المسلمين في روسيا الى جسر بين العالم الإسلامي وروسيا؟ أم أن هذه الرؤية تتطلع الى تحويل روسيا الى جسر بين العالم الإسلامي والمسلمين الروس؟.
هذا يعني أنه في الحالة الأولى إذا ساءت العلاقات بين الكرملين وأي مجموعة من المجموعات الإسلامية في الاتحاد الروسي (الشيشان أو داغستان أو تاتارستان أو غيرها من جمهوريات حوض الفلوغا) هل يعني ذلك أن تسوء العلاقات بين روسيا والعالم الإسلامي؟. وفي الحالة الثانية، فإنه يعني، إذا ساءت العلاقات بين روسيا وأي دولة إسلامية، هل ينعكس ذلك سوءاً على أوضاع المسلمين في الاتحاد الروسي؟.
هذه التساؤلات يمكن ايجازها بسؤال واحد. وهو كيف يمكن بلورة صيغة للتعاون بين روسيا والعالم الإسلامي (تشمل المسلمين الروس) تراعي مصالح الطرفين وتحولها الى مصالح استراتيجية مشتركة؟.
لم يقدم مؤتمر جدة إجابة على هذه التساؤلات. إلا أن المؤتمر المقبل المقرر عقده في الكويت في الخريف القادم قد يتطرق الى هذه القضية الجوهرية. فالأساس قائم وهو يتمثل في الرغبة المتبادلة بوضع رؤية استراتيجية إسلامية ـ روسية. وقد عبّر عن هذه الرغبة الأمير الدكتور تركي بن محمد بن سعود الكبير وكيل وزارة الخارجية السعودية عندما خاطب المؤتمرين في الجلسة الختامية بقوله:
"إن اجتماعكم المهم والذي عقد لغرض نبيل وغاية شريفة، لهو دليل وبرهان قوي على أن صوت العقل والحكمة لا بد وأن يكون الغالب في هذه الفترة الحرجة التي يعيشها العالم خصوصاً بعد أن تعرّض التعايش السلمي لهجمات شرسة تسعى الى تقويض أسسه ومبادئه، وفي ظل بروز نعرات اقليمية، وعصبيات عرقية، واختلافات فكرية في مناطق عدة من الكرة الأرضية، الأمر الذي استوجب معه التصدي لهذه الظواهر والتحديات الخطيرة بروح من التعاون والتسامح وبناء جسور التقارب والتفاهم من أجل تحقيق الأهداف النبيلة المشتركة..
إن الحوار بيننا أصبح بحكم مرحلة التطور الإنساني والتاريخي ضرورة قصوى، وليس مجرد خيار لنا حرية الأخذ به أو تركه، ومن ثم علينا اعتماد التعاون البناء المشترك لبلوغ الغايات والمقاصد، وهو تعاون يستند الى المكاشفة والمصارحة المستمرة والنقاش الصريح بين أتباع الأديان والحضارات والثقافات المعتبرة".
وقد عكست هذا التوجه التوصيات التي اتخذها المؤتمر ومنها:
ـ دعم الاقتراح الذي تقدمت به روسيا الاتحادية لإنشاء المجلس الاستشاري للأديان للأمم المتحدة.
ـ مناشدة وسائل الإعلام إبراز قيم الحوار ونشر ثقافة احترام الأديان، ودعوة مؤسسات الانتاج الإعلامي لعمل برامج إعلامية وأفلام مشتركة تبرز الجوانب المشرقة في العالم الإسلامي وروسيا الاتحادية وتطوير الدور المؤسسي للجهات الإعلامية ذات العلاقة.
ـ حث المؤسسات التعليمية والبحثية والجامعات في روسيا الاتحادية والعالم الإسلامي على استقطاب المزيد من الباحثين والمفكرين، وإجراء الدراسات التي تعزز القيم الإنسانية السامية، وتنشر ثقافة التسامح والتفاهم عبر الحوار لتكون إطاراً للعلاقات الدولية.
ـ الاستمرار في عقد اجتماعات منتدى فريق الرؤية الاستراتيجية: روسيا والعالم الإسلامي، مع التركيز على وضع آليات تسهم في البناء المؤسسي للمنتدى تدريجياً لتعزيز الحوار الإسلامي الروسي، والانتقال به الى إطار مؤسسي متكامل متعدد الأبعاد.
ـ دراسة فكرة إنشاء أمانة عامة لمنتدى روسيا والعالم الإسلامي.
ـ تشجيع الدول الأعضاء في فريق الرؤية الاستراتيجية على تقديم المنح الدراسية للطلاب وأعضاء هيئة التدريس بين الجامعات في روسيا والعالم الإسلامي لتيسير تلقي المعارف الأكاديمية وتبادل الخبرات بين شباب العالم الإسلامي وروسيا. والتعجيل بوضع برامج لتبادل الزيارات بين الأساتذة والأكاديميين والمثقفين وبين الجانبين لإقامة الحوارات الثقافية والفكرية المشتركة.
ـ دراسة إمكانية تخصيص جوائز تقديرية لتكريم الشخصيات والجهات التي تقدم أعمالاً متميزة في مجالات تعزيز ثقافة الحوار والعلاقات بين روسيا والعالم الإسلامي.
والواقع أن المؤتمر الرابع لمجموعة الرؤية الاستراتيجية بين روسيا والعالم الإسلامي وجد في مبادرة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز للحوار بين أتباع الأديان والثقافات قاعدة أساسية جديدة للانطلاق ولذلك أيد المؤتمر المباردة بحماس بعد نقاش مستفيض لها. وفي ذلك أكد المؤتمر على:
ـ أهمية البحث في ايجاد الآليات المناسبة لتفعيل مبادرة الملك عبدالله للحوار بين الأديان والثقافات حتى تأتي بالنتائج المرجوة على صعيد العلاقات الدولية، خصوصاً أنها انطلقت من المملكة العربية السعودية أرض الحرمين الشريفين ومهد الإسلام.
ـ أهمية احترام الأديان والحضارات والثقافات المختلفة وتقدير رسالتها في الحفاظ على القيم والمبادئ والمثل الإنسانية العليا.
في ضوء ذلك يمكن القول إن مبادرة الملك عبدالله بن عبد العزيز تشكل قوة دفع جديدة نحو بلورة رؤية استراتيجية للعلاقات بين العالم الإسلامي وروسيا.. وكذلك بين العالم الإسلامي وسائر الكتل السياسية في الغرب وفي الشرق. سواء جرى ذلك عبر الأمم المتحدة ومؤسساتها، أو عبر منظمة المؤتمر الإسلامي، أو عبر الاثنين معاً..

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك..

 الأحد 24 آذار 2024 - 2:34 ص

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك.. الحرة – واشنطن.. منذ السابع من… تتمة »

عدد الزيارات: 151,170,786

عدد الزوار: 6,758,684

المتواجدون الآن: 123