عن الإرهاب والإصلاح السياسي في مجتمعاتنا

تاريخ الإضافة الثلاثاء 13 نيسان 2010 - 6:18 م    عدد الزيارات 650    التعليقات 0

        

عبد الله حميد الدين ** كاتب سعودي

لا يزال الإرهاب يشكل قضية أساسية لدى دول متعددة، ولا يزال الأبرياء يذهبون ضحية صراعات سياسية هم بعيدون منها، التفجيرات في روسيا حلقة في سلسلة طويلة من الأعمال الدموية ويظهر أنها حلقة ستطول.
ويترافق مع إدانات تلك التفجيرات الجدل القديم الجديد حول دور الدين وعلى وجه التحديد الإسلام في التحفيز نحو الأعمال الإرهابية أو في إعطائها المشروعية، والجدل كما هو مشهور يتناول نصوص الإسلام وتاريخه وآراء علمائه عبر التاريخ، فمن يريد اتهام الإسلام يبرز نصوص الجهاد وقتل المشركين وأعمال النبي عليه الصلاة والسلام مع يهود خيبر وفتاوى علماء الإسلام عبر التاريخ، ومن يريد أن يدافع عن الإسلام يحاول أن يفسر تلك النصوص في شكل مختلف، وأن يسوغ فعل النبي وفق معطيات الزمان، وأن يربط الفتاوى بسياقها التاريخي الخاص... مشكلة من يدافع عن الإسلام بهذا الشكل أنه يثير على نفـــسه مشكلات أكثر مما يخلق حلولاً، فـــأول ما يثار على أي دفـــاع من ذلك النـــوع هــــو أسئلة حرجة من نحو: لماذا نصوص الإسلام بهذه الميوعة، بحيث تقبل التفسيرات المتناقضة؟ ومن له حق تحديد التفسير الصحيح، خصوصاً أن هناك تفاسير متعددة لما هو إسلام؟ ولماذا نجد أن التفسيرات المعتدلة تصدر في الغالب عن شخصيات رسمية في حين أن التفسيرات الراديكالية تصدر عن شخصيات شعبوية؟
ولكن هل النصوص الدينية فعلاً قادرة على أن تدفع جماعات سياسية نحو أعمال إرهابية؟ إن المسألة ليست بالبساطة التي يصورها البعض، إذ يختزلون المسافة بين الفـــرد وبيــــن القفز إلى الموت في بضعة نصوص. الدين من حيث هــــو ديـــن وبقطع النظر عن أفكاره ومهما كانت نصوصه متطرفة، لا يؤدي إلى إرهاب بذاته وهو الحلقة الأضعف من بين الحلقات التي تدفع نحو الإرهاب، الدين بالنسبة إلى من يؤمن به سيكون الإطار الأيديولوجي الذي يستخدم لتسويغ العملية الإرهابية ولكنه ليس الدافع الاستراتيجي أو المحفز لها، قد يعطيها معنى ولكنه لا يدفع إليها، بل إن بعض الدراسات تشير إلى أن من ينتحر مدفوع بهاجس التأثير العميق والخلود في التاريخ قبل الخلود في الآخرة.
مشكلة فهم الإرهاب أن الإرهابيين لا يكادون يشتركون في شيء، فهم يأتون من كل الطبقات الغنية والفقيرة والمتوسطة، مستويات تعليمهم تتفاوت، لا يشتركون في الدين، فيهم الملحد والعلماني والمسيحي والمسلم والهندوسي واليهودي، ولا يمكن وضعهم ضمن أنماط للشخصيات، أشخاص عاديون سليمون نرى مثلهم كل يوم حتى يحصل أمر يحوِّل أحدهم من شخص وديع إلى شخص مستعد أن يرتكب أفظع الأعمال الدموية، ولكن مع هذا التفاوت بينهم إلا أن بعض الدراسات التي تحصي الجماعات الإرهابية تجد أن هناك أمراً واحداً يشتركون فيه جميعاً وهو أنهم أصحاب مشروع سياسي، وأن جميعهم تقريباً يرى أنهم حرموا من إمكانية متابعة مشروعهم السياسي بالوسائل السلمية التقليدية، ويرون أنهم ألجئوا إلى العنف بسبب تصرفات مراكز القوى التي يعيشون في محيطها سواء كانت مراكز قوى محلية كما في الإرهاب ضد الحكومات المحلية في إيطاليا وإيرلندا والباسك ومصر والمغرب والجزائر وغيرها، أو كما في الإرهاب ضد القوات الأجنبية في لبنان وفلسطين والعراق وأفغانستان وغيرها.
وإذا كان الأمر كذلك فإن أقوى مواجهة لمن يدعي أنه صاحب مشروع سياسي هي المواجهة السياسية، إنها أقوى من المواجهة الأمنية والفكرية والتربوية وكل المواجهـــات الممكنـــة، وفـــي عمق هذه المواجهة فإن الإصلاح السياسي هو الوسيلة الحيوية والشرط الأساسي لمواجهة الإرهاب في كـــل الـــدول التي تعانـــي مـــن هذه الآفة، فإذا كان الإرهـــاب دائماً يستند إلى مشروع سياسي منه يستمد مشروعية وجوده لدى أتباعه أو المتعاطفين معه، وإذا كــــان الإرهاب في نهاية التحليل شكلاً من أشكال المقاومة السياسية اتخذ العنف ضد الأبرياء وسيلة، فلا بد من التعامل السياسي معه، خصوصاً أن المشاريع السياسية للإرهابي تتماهى مــــع المشاريع السياسية لشرائح واسعة من الجمهور الذي ينتمي إليه، وبالتالي فإن المواجهة السياسية تضمن عدم تحول التماهي إلى تعاطف فتأييد، وصحيح أن الوسائل الدموية للإرهابيين تفقدهم الشرعية بين جمهورهم، إلا أن هذه الخسارة يمكن استعادتها سريعاً بمجرد تحول الظروف الاقتصادية أو حدوث توترات سياسية محلية.
وإعطاء الإرهاب صفة المقاومة السياسية لا يمنحه أي مشروعية ولا أي قيمة أخلاقية على الإطلاق لأنه مقاومة سياسية مشوهة، وإنما الغرض من هذه الصفة هو وضع الإرهاب في إطار تحليلي يساعد متخذ القرار على معالجته في شكل واقعي وفعال، بل الخطوة الأولى لمعالجة الإرهاب هي في أن ننظر إليه كما ينظر إليه من يمارسه وليس كما ينظر إليه من يحاربه أو من يعاني من شره، وإذا كان الإرهابي ينظر إلى نفسه على أنه صاحب مشروع سياسي، فلا بد إذاً من النظر إليه كذلك.
ولكن الإرهاب ليس فقط رد فعل عنيف على عنف الحكومات، وإنما هو رد فعل على العنف الاجتماعي الخفي، وهذا ما يضاعف أهمية الإصلاح السياسي، لأن العنف الخفي لا يعالج إلا من خلال حراك اجتماعي بين كل الطبقات الاجتماعية، حراك غير ممكن في بيئة سياسية خانقة، وكون الإرهاب رد فعل على العنف الاجتماعي الخفي يفسر الطبيعة الدموية له، فإذا كان الإرهابي صاحب مشروع سياسي فلمَ لم يقصر عنفه على العسكريين والسياسيين؟ لمَ يستهدف المدنيين؟ الأجوبة تختلف ولكن الأكثر منطقية هو أن الإرهابي لا يحمّل الحكومات فحسب مسؤولية ما يقع، بل يحمّل أيضاً المجتمع هذه المسؤولية، إن الحكومة في نظره، خنقته والمجتمع خذله، أو لولا المجتمع لما أمكن أن يوجد هذا الظلم وهذا الفقر وهذا الحرمان، الإرهابي يرى أن بعض أفراد المجتمع يعيش الأمن والرفاهة على حساب الطبقات المسحوقة، وبالتالي عندما يستهدف الأبرياء بتلك الشراسة فإنه لا يقصد إحراج الحكومات فحسب، بل الانتقام أيضاً من هذا المجتمع الذي يستحق ما يقع له لأنه لولاه لكان الوضع أحسن، والمشكلة أن المجتمعات الخالية من الإصلاحات السياسية تفكر بهذه الطريقة أيضاً، هناك الكثير ممن يرى أن الحرمان والفقر والظلم الاجتماعي مسوؤلية الجميع، وهناك من يرى أن الأمان الذي يعيشه البعض إنما هو على حساب السحق الذي يعاني منه الأكثر، هناك عنف خفي بين فئات المجتمع، عنف لا يضرب ولا يجرح ولكن يسحق حياة الفرد، ووجود هذا العنف الخفي يفسر لنا الرضا الخفي لكثير من فئات المجتمع نحو الأعمال الإرهابية، ففضلاً عن كون أغلب مجتمعاتنا تتعاطف مع المشروع السياسي للإرهابيين إلا أنها أيضاً غاضبة على نفسها لدرجة أنها تقبل أن يكون فيها مثل هذا العنف.
إن القيمة الإستراتيجية للأعمال الإرهابية في نظر من يقوم بها هي كونها تعويضاً عن عجزه عن المشاركة في السياسة العامة، وبالتالي لكي يعالج الإرهاب لا بد من مواجهة تلك الأرضية الإستراتيجية له، بغير هذا لن يمكن القضاء عليه، ستمكن محاصرته ولكن سيعود مرة بعد مرة، الإصلاح السياسي في العالم العربي هو الوسيلة الأساسية لمعالجة الإرهاب جذرياً.

ملف الصراع بين ايران..واسرائيل..

 الخميس 18 نيسان 2024 - 5:05 ص

مجموعة السبع تتعهد بالتعاون في مواجهة إيران وروسيا .. الحرة / وكالات – واشنطن.. الاجتماع يأتي بعد… تتمة »

عدد الزيارات: 153,604,961

عدد الزوار: 6,903,635

المتواجدون الآن: 87