الولايات المتحدة ومعضلة الحوار مع الإسلاميين المعتدلين

تاريخ الإضافة الجمعة 9 نيسان 2010 - 8:16 ص    عدد الزيارات 585    التعليقات 0

        

العدد 252 7 أبريل 2010
الولايات المتحدة ومعضلة الحوار مع الإسلاميين المعتدلين

تقرير واشنطن – محمد بسيوني محمد

مثَّل الحوار مع التيار الإسلامي أحد القضايا الإشكالية لصانع القرار الأمريكي، وهو جزء من إشكالية أوسع تتمثل في الرؤية الأمريكية لمنطقة الشرق الأوسط والتعامل مع الحركات الإسلامية في المنطقة التي تزايد حضورها على مدار العقود الماضية. فمنطقة الشرق الأوسط تعد منطقة حيوية للولايات المتحدة ومن ثم فالحفاظ على الاستقرار في المنطقة يمثل أهمية محورية، جعلت الولايات المتحدة تَدعم النظم الحاكمة بقطع النظر عما إذا كانت استبدادية، وحتى عندما ضغطت الإدارة الأمريكية لنشر الديمقراطية في العالم العربي، ووجدت أن نتاج ذلك وصول قوى إسلامية مثل حركة حماس للسلطة تراجعت عن دعمها للديمقراطية.

يضاف إلى ذلك حالة العداء المتبادل، أو على أقل تقدير عدم الارتياح، التي سادت العلاقة بين الولايات المتحدة والحركات الإسلامية في العالم العربي منذ انتهاء الحرب الباردة، وطرح بعض المفاهيم الغربية مثل الخطر الأخضر وصراع الحضارات والحروب الصليبية. فضلاً عن الممارسات الأمريكية في المنطقة بداية بدعم حليفتها إسرائيل مرورًا بالحرب على أفغانستان عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر وانتهاءً بغزو العراق.

ومن ثم أوجدت هذه التطورات حالة من التنافر بين الولايات المتحدة والحركات الإسلامية وفي هذا الإطار المتشابك طُرحت إشكالية مفادها، هل يوجد إسلام معتدل وإسلام متطرف؟، وما إذا كان يتعين على الولايات المتحدة الدخول في حوار مع التيار المعتدل بما يحقق لها مصالح في مقدمتها تصحيح صورتها في العالم العربي.

وفي هذا الإطار يحاول الجزء الثاني من دراسة الباحث المصري المتخصص في الشئون الإسلامية "خليل العناني" الصادرة عن مركز سابان لدراسات الشرق الأوسط التابع لمعهد بروكينجز، والتي حملت عنوان "أسطورة استبعاد الإسلاميين المعتدلين في العالم العربي"The Myth of Excluding Moderate Islamists in the Arab World " تناول إشكالية التعامل الأمريكي مع الإسلاميين المعتدلين لاسيما مع الخلط بين الإسلاميين المعتدلين والمتطرفين، والاعتقاد أن المعتدلين يمثلون تهديدًا للمصالح الأمريكية بالمنطقة.

الولايات المتحدة والديمقراطية في العالم العربي

حاولت الولايات المتحدة خلال السنوات الأولى من إدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن تقديم رؤية للتعامل مع الدول العربية ترتكز على دعم الديمقراطية بها، ودعم الحريات وإجراء انتخابات نزيهة ومارست ضغوطًا على النظم القائمة لتحقيق هذه المتطلبات.

وتزامن مع ذلك التوجه الأمريكي تصاعد التيار الإسلامي- حسب الدراسة- ففي الفترة ما بين عامي 2004 و 2005 شهدت الدول العربية ما أطلقت عليه منى يعقوبيان Mona Yacoubian "تسونامي الإسلامي" للدلالة على تزايد تواجد الإسلاميين المعتدلين في المجالين السياسي والمدني، وهى الصورة التي أوحت بالتفاؤل لعديدٍ من المراقبين.

وفي هذا الصدد أجريت انتخابات برلمانية ببعض الدول العربية لتكون بمثابة اختبار حقيقي لكافة الأطراف (الولايات المتحدة والنظم العربية الحاكمة والتيار الإسلامي المعتدل). وحقق الإخوان المسلمون في مصر تقدمًا في الانتخابات التشريعية 2005 حيث حصلت على 20% من مقاعد البرلمان، كما تمكنت حركة حماس من تحقيق فوز في الانتخابات التشريعية الفلسطينية 2006، وهى النتائج التي وضعت الإدارة الأمريكية في مأزق حقيقي حيث رفضت التعامل مع حركة حماس بما يعني النكوص عن دعم التحول الديمقراطي. ومن ثم أصبحت الديمقراطية في مرتبة متأخرة من اهتمامات الإدارة الأمريكية فيما احتلت القضايا التقليدية الأولوية مثل الحرب على الإرهاب، وضمان أمن إسرائيل، وتأمين مصادر النفط، والحفاظ على الاستقرار بالمنطقة، ودعم النظم القائمة، حتى ولو كانت هذه النظم تستخدم القمع في مواجهة خصومها بما انعكس سلبًا على التيار الإسلامي المعتدل في العالم العربي.

إشكالية التعامل مع الإسلاميين المعتدلين

تتابع الدراسة تحليل السياسة الأمريكية تجاه الإسلاميين المعتدلين حيث لا يزال الحوار مع التيار الإسلامي المعتدل معضلة حقيقية في الغرب، وخاصة في الولايات المتحدة، الأمر الذي ينبع من عدد من الافتراضات السائدة في العالم الغربي وتفندها الدراسة، كما يأتي:

أولاًً: يرى عدد من المراقبين الغربيين أن وصول الإسلاميين للسلطة سيدفعهم لتغيير قواعد اللعبة السياسية لكي يبقوا في السلطة ويقوموا بفرض الشريعة الإسلامية، ومن ثم وضع حد لأية محاولة تحول ديمقراطي ويتم الاستدلال في هذا الصدد ببعض النماذج التاريخية مثل إيران عام 1979 والسودان 1989 وأفغانستان إبان فترة حكم طالبان.

فيما يطرح "العناني" رؤية مغايرة لهذا الافتراض حيث إن النماذج التاريخية السابقة شهدت وصول الإسلاميين للسلطة عبر وسائل غير ديمقراطية عنيفة. ومن ثم فإن انتشار العنف بهذه الدول ليس أمرًا مفاجئًا. فكما يشير جراهام فولر"وصول أية جماعة أو حزب للسلطة عبر القوة والعنف يؤدى دائمًا إلى بنية استبدادية وإرث من العنف يعوق أي تطور نحو الاعتدال وسيادة القانون". ويخلص "العناني" إلى ضرورة عدم تعميم هذا الافتراض عند التعامل مع الإسلاميين المعتدلين في العالم العربي.

ثانيًا: يعتبر الافتراض الثاني أن دمج الإسلاميين في العملية السياسية لن يجعلهم أكثر اعتدالاً وتقبلاً لقيم الديمقراطية، وحسب الدراسة فإن الخبرة التاريخية في العالم العربي تدحض ذلك الافتراض فعلى سبيل المثال تبنت الحكومة المغربية منذ تولي الملك محمد السادس السلطة عام 1999 عملية تطوير وتحرر سياسي تدريجية كان لها بالغ الأثر على توجهات حزب العدالة والتنمية الذي أضحى أكثر اعتدالاً والتزاماً بقواعد اللعبة الديمقراطية. وفي المقابل فإن تبني سياسات إقصائية هو الذي يدفع إلى مزيدٍ من التطرف.

ثالثًا: يربط الافتراض الثالث بين الاستقرار ودعم النظم القائمة إذ إن الحفاظ على استقرار منطقة الشرق الأوسط يتطلب دعم النظم القائمة وتقييد حركة القوى البديلة ومنها الحركات الإسلامية المعتدلة لأنها قد تؤدى إلى عدم الاستقرار في المنطقة.

وتعتبر الدراسة أن الواقع العربي يعطي رؤية مغايرة لهذا الافتراض فخلال الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي شهدت مصر والجزائر توترات داخلية وانعدام الاستقرار لأن النظم الحاكمة في كلا الدولتين صممت على استبعاد الإسلاميين كما أن أحداث الحادي عشر من سبتمبر أوضحت أن الدعم الأمريكي للنظم العربية التسلطية أفضى إلى تزايد موجة العداء للولايات المتحدة. وفي السياق ذاته فإن انعدام الاستقرار بالمنطقة نابع من فشل السياسات الاقتصادية والاجتماعية، ولا يمكن إلقاء تبعاته على التيار الإسلامي.

رابعًا: يفترض عدد من المراقبين والمسئولين الأمريكيين أن دعم الديمقراطية في الشرق الأوسط سيؤدى إلى تمكين الإسلاميين، فالاستبداد في العالم العربي حال دون ظهور أي أحزاب علمانية أو ليبرالية قادرة على منافسة التيار الديني. ومن ثم أصبح هذا التيار هو البديل الوحيد المتاح للعديد في مواجهة الأحزاب الحاكمة ومن هذا المنطلق فإن إجراء انتخابات نزيهة سيؤدي إلى وصول الإسلاميين للسلطة.

وعلى الرغم من ذلك فإن بعض الأمثلة تعطي دلالات مختلفة إذ إن التحول والانفتاح السياسي التدريجي لن يكون دائمًا لصالح الإسلاميين فحزب العدالة والتنمية المغربي لم يحقق أغلبية مقاعد البرلمان في انتخابات سبتمبر 2007 بالرغم من نتائج استطلاعات رأى الناخبين المغربيين التي أجرتها منظمات أمريكية ورجحت فوز الحزب بأغلبية مقاعد البرلمان.

الحوار مع الإسلاميين المعتدلين

أكدت إدارة الرئيس الأمريكي أوباما منذ مجيئها للسلطة أنها ستتعامل مع قضية الديمقراطية في الشرق الأوسط بنهج مختلف عن نهج سابقتها فلم يعد دعم الديمقراطية جزءًا محوريًّا من استراتيجية الإدارة تجاه الإقليم. وهذا ما اتضح خلال خطاب أوباما في القاهرة الرابع من يونيو 2009 حيث لم يعط الخطاب اهتمامًا كبيرًا بقضية الديمقراطية.

وتشير الدراسة إلى أن إدارة الرئيس أوباما أخفقت عندما تجاهلت حقيقة أن الشعوب العربية ترغب في تغيير أوضاعها السياسية والنضال من أجل الحرية فقد كان عديد من الناشطين في العالم العربي يأملون بأن يقوم الرئيس أوباما بمراجعة استراتيجية بوش لنشر الديمقراطية بالتأكيد على كونها هدفًا استراتيجيًّا طويل المدى.

في هذا السياق، فإن دخول الولايات المتحدة في حوار مع الإسلاميين المعتدلين يعد وسيلة مناسبة لدعم الديمقراطية في العالم العربي كما يحقق مصالح عديدة للولايات المتحدة يأتي في مقدمتها كبح جماح التيار السلفي المعادى للولايات المتحدة. كما أن الحوار معهم يعني الوصول إلى هذا التيار الهام، وما يمكن أن يفضي إليه من تحسين صورة الولايات المتحدة واستعادة مصداقيتها في الإقليم وذلك بالتزامن مع تصحيح الأخطاء في العراق وإقامة علاقة متوازنة مع إسرائيل.

وتخلص الدراسة إلى عدد من الاستراتيجيات للتعامل الأمريكي مع الإسلاميين المعتدلين وهى كالآتي:

أولاً: جزء من إشكالية العلاقة بين الولايات المتحدة والتيار الإسلامي سوء الفهم المتبادل بين الطرفين، فعديد من الإسلاميين يعتبرون الولايات المتحدة قوة إمبريالية تشن حروبًا غير مشروعة على دول المنطقة مثل العراق وتدعم إسرائيل بصورة غير محدودة. كما يشكك الإسلاميون في رغبة الولايات المتحدة في الضغط على النظم العربية القائمة للسماح بدمجهم في العملية السياسية. فيما تتوجس الولايات المتحدة من توجهات الإسلاميين نظرًا لعدم وضوح موقفهم من القيم الديمقراطية وإسرائيل ودعم حركات المقاومة الفلسطينية.

وفى هذا الشأن يتعين على الإدارة الأمريكية إعادة النظر في تقييمها للتيار الإسلامي المعتدل من خلال الفهم الدقيق والتمييز بين العناصر المعتدلة والعناصر المتطرفة والمتشددة كما أن الحركات الإسلامية ليست مجرد حركات دينية، ولكنها حركة اجتماعية لها شعبية وتواجد بارز في الشارع العربي. وعلى الإسلاميين المعتدلين أيضًا مسئولية تتمثل في التخلص من الكراهية للولايات المتحدة والتعامل معها من منطلق أنها القوة العظمى في العالم ولها مصالح تسعى للحفاظ عليها. كما يتعين عليهم إجراء مراجعات فعلية لتوجهاتهم ليصبحوا أكثر انفتاحًا وتقبلاً للقيم الديمقراطية.

ثانيًا: عدم ربط دعم الديمقراطية بالحرب على الإرهاب فأية سياسة أمريكية تتعامل مع الديمقراطية على أنها وسيلة لتحقيق المصالح الأمريكية محكوم عليها بالفشل بل وتعزز الصورة النمطية للولايات المتحدة في العالم العربي على أنها تقوم بممارسات تتناقض مع القيم التي تدعو لها ومن ثم فإن هذا التوجه يقوض من جهود نشر الديمقراطية ويقلل من فرص التقارب بين الولايات المتحدة والإسلاميين المعتدلين.

ثالثًا: تفهم الإدارة الأمريكية للديناميات الداخلية والانقسامات داخل الحركات الإسلامية المختلفة وخاصة الصراع الداخلي بين الإصلاحيين والمحافظين والتأثير النسبي لكل طرف فقد شهدت عديد من الحركات الإسلامية خلال السنوات الأخيرة تزايد الاستقطاب بين التيار الإصلاحي والتيار المحافظ حول عدد من القضايا وتزايدت مطالب الأجيال الشابة بإحداث تغييرات جوهرية في أنماط القيادة.

رابعًُا: الاستفادة من جيل الإسلاميين المعتدلين الجديد الذي يتميز بعدد من الصفات تختلف عن الجيل السابق حيث إنه أكثر براجماتية، وأكثر تقبلاً للقيم الديمقراطية والليبرالية مثل التعددية والمساواة والحرية. فضلاً عن قدرته على استخدام الوسائل التكنولوجية الحديثة والتفاعل معها بصورة تتيح له الانفتاح على العالم الغربي والحوار معه ومن ثم تخلق هذه السمات أرضية مشتركة بين الولايات المتحدة والأجيال الجديدة من الإسلاميين. ويتعين على الإدارة الأمريكية استغلالها ومد جسور التعاون والحوار معها عن طريق برامج للتبادل العملي والمنح الدراسية وتعزيز الاتصالات المباشرة وإشراكهم جنبًا إلى جنب مع القوى السياسية الأخرى في المنتديات الفكرية والثقافية التي تنظمها الولايات المتحدة.

خامسًا: فتح قنوات للحوار المباشر مع الإسلاميين المعتدلين يمكن من خلالها تجاوز الحواجز بين الولايات المتحدة والإسلاميين ففي حال أدرك الإسلاميين أن إدارة أوباما جادة في فتح قنوات للتواصل معهم سيسعون إلى تأسيس صداقة قوية مع الإدارة الأمريكية.

ونظرًا لأن مثل هذه الخطوة مفعمة بالمخاطر فيمكن اللجوء إلى طرف ثالث وتبني عملية تدريجية. في هذا السياق ترتكز على محاور أهمها زيادة مجالات التعاون بين المنظمات الأمريكية غير الحكومية ومراكز الفكر والرأي والقادة الإصلاحيين بالحركات الإسلامية المعتدلة. فضلاً عن ذلك يمكن الاعتماد على وسيط للوصول للإسلاميين في العالم العربي مثل قادة الأحزاب الإسلامية التي يربطها علاقات جيدة مع الولايات المتحدة كحزب العدالة والتنمية التركي.

وختامًا فإن التيار الإسلامي تيار له تواجد على الساحة العربية وهو نتاج للواقع المتواجد فيه ومن ثم فعلى الولايات المتحدة أن تدرك أن تطوير هذا التيار يرتبط بتطوير السياق العام المتواجد فيه كما أن استبعاد هذا التيار قد لا يكون له تأثير على المدى القصير ولكن على المدى البعيد سيكون له انعكاس سلبي ليس فقط على النظم العربية القائمة، ولكن على الولايات المتحدة ذاتها ومصالحها.

ملف خاص..200 يوم على حرب غزة..

 الأربعاء 24 نيسان 2024 - 4:15 ص

200 يوم على حرب غزة.. الشرق الاوسط...مائتا يوم انقضت منذ اشتعال شرارة الحرب بين إسرائيل و«حماس» ع… تتمة »

عدد الزيارات: 154,206,208

عدد الزوار: 6,940,436

المتواجدون الآن: 135