التسويق السياسي ـ المخابراتي يتفوّق على التسويق الاقتصادي ـ الاستهلاكي مدينة رغماً عنها "سلفّية"! سلفيون رغماً عنهم "إرهابيّون"!!.. (1/2)

تاريخ الإضافة الأربعاء 19 تشرين الثاني 2008 - 11:50 ص    عدد الزيارات 1076    التعليقات 0

        

نبيل عبدالسلام حسن آغا (1)

"الرئيس الحريري يقوم بعمل غير مسموح في لبنان وهو تجميع طائفته حوله، وهذا ضدّ سوريا.. خطر على سوريا" (حديث للرئيس بشار الأسد، نقله عنه السيد عبدالحليم خدام ـ قناة العربية، 30/12/2005م ـ صحيفة النهار 31/12/2005).
"إن شمال لبنان بات قاعدة حقيقية للتطرّف تشكل خطراً على سوريا" (حديث الرئيس بشار الأسد، نقله عنه نقيب المحرّرين ملحم كرم ـ صحيفة النهار 30/9/2008).
* * *
من جراء حرارة إضطرام النار، واللهيب المنبعث منها، في بحر الممارسات السياسية والعسكرية للنظام المخابراتي السوري في لبنان، تراكمت على مدى عقود، غيوم ملبّدة سوداء، تتكثف باستمرار وتُغرق الشعب اللبناني عامة، وطرابلس وشمال لبنان خاصة، بسيول هادرة من مشاعر الريبة والشك والحذر والقلق، فتفيض لتصبح ظنوناً ثم اتهامات يقينية، تتجه في مجرى سريانها الطبيعي نحو مصدرها، لتشير إلى الخطر: أمواج عاتية من ممارسة أساليب الكذب والخداع والتزوير والغدر، تشكلها وتدفعها رياح الخوف العاصفة... رياح الإرهاب.
المصدر: "النظام المخابراتي السوري"
عبارة ليست وصفية لهدف التجنّي أو الافتراء، وإنما يقينيّة بسبب تراكم تطبيقاته الإجرامية، سياسياً وعسكرياً واقتصادياً، طبقاً لنوعية ممارستها، ابتداء من تسويق مبرّراتها الخادعة مروراً بارتكابها وصولاً للانتفاع بها بحصد نتائجها.
نود أن نشير أننا لم نَسْتَعِر تلك العبارة من معاجم العدو الإسرائيلي، أو من مفردات الإدارة الأميركية، بل هي صياغة شعبية لبنانية صافية، منذ أمد طويل!
المستهدف: "لبنان"
كلمة سامية، وصفها في مضمونها الوطني النهائي اليقيني الحرّ السيّد، وما تراكم الأحداث الشريرة المميتة، والتطبيقات المخابراتية المشينة، والذرائع المصطنعة البغيضة، إلا تسويقاً من منظومة المرابين وسماسرة بيع الغرائز وشراء الشهوات، ضدّ كل ما تمثّله هذه الكلمة في محتواها من مفهوم ودلالة: مفهوما "الرسالة"، ودلالتها "وطن"، يتوق دائماً إلى الحرّية والسيادة والكرامة والاستقلال، يعيش فيه مواطنيه عيشاً متنوّعاً واحداً، يتفاعلون في ما بينهم لنصرته وازدهاره والنهل من خيراته، في ظل نظامه الديموقراطي بمؤسساته الحرّة، ومجتمعه المدني بمثقفيه ومفكريه ونقاباته الفاعلة، وفي ظل صروحه الدينية الضابطة والضامنة للعقائد والسلوك. "وطن" منفتح ومتفاعل مع محيطه الاقليمي والعالمي، له دور تفاعلي، واقعي وليس افتراضياً، بحكم صيغته الفذة وتوازناته الفريدة. من المستحيل، بحكم وقائع الماضي والحاضر، المسّ بها أو الحدّ من تأثيرها أو الهيمنة عليها، أو استهداف أحد مكوّناتها. أليس هذا المفهوم وهذه الدلالة هما "الأصل" في وجود لبنان وديمومته، رغم كل تداعيات المحن والأخطار التي تعرّض لها، خصوصاً تداعيات ثلاثين عاماً من الاحتلال المخابراتي السوري، ما زلنا نبتلي بها حتى اليوم؟ أليس هذا المفهوم وهذه الدلالة هما عودة إلى "أصوليتنا الوطنية اللبنانية" والنهل من "أسلافنا الصالحين" بناة الاستقلال الأوَل؟! من البديهي، أن يتعرّض "وطن" في سياق الحقبات التاريخية، لأزمات وأخطار، ولكن..، من المعيب أن تفرض عليه أبسط الأزمات، تعاطياً من بعض أبنائه، يعيدون فيه، بممارساتهم وأقوالهم، طرح مسلّمة مفهوم ودلالة وطنهم، ودور الدولة ومرجعيتها. لذلك فإنّ التأكيد على مضمومن "لبنان أوّلاً" و"مرجعيّة الدولة" هما من المقتضيات البديهية لوجود الوطن وديمومته.
من الأمور الفاضحة ـ المفضوحة ـ استهداف "النظام المخابراتي السوري" ـ طبقاً لممارساته الماضية والحاضرة ـ طوائف ومذاهب لبنان، كل على حدة، على قاعدة "فرّق تسد" فيبرع في لعبة الهيمنة والتغليب والإقصاء والتفتيت والإضعاف، وبالتالي الشرذمة والتقسيم، ولا يتورّع عن استعمال كل الموبقات ووسائل الإجرام في سبيل تطبيق تلك القاعدة وإزاحة مَنْ يقف عثرة أمام مخططه، باعتباره "خطراً على سورية"(!) فكان زلزال اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري لكونه "خطراً" على إتمام تنفيذ هذه القاعدة بتبنّيه "الوفاق اللبناني" وبتجميع اللبنانيين حوله. وكان بركان "14 آذار 2005" تعبيراً عن الإرادة اللبنانية الجامعة، في التأكيد على مفهوم ودلالة "لبنان" لتحصين الوطن في مواجهة الاستهداف، والصمود أمام الأخطار صفاً واحداً. يبرع "النظام المخابراتي السوري" أيضاً في لعبة "الضدّ" و"العاكس والمعكوس"، فما هو "ضدّ سوريا" يأتي في سياق مخططه "ضدّ" لبنان! وما هو "خطر" على لبنان يعكسه بمقدّمات مزوّرة خادعة وواهية "تشكل خطراً على سوريا"! لقد صنّف هذا النظام، أكثر من نصف شعب لبنان عدوّاً له.
إن استهداف منطقة بكاملها، ببشرها ورموزها، كما استهداف طائفة أم مذهب أم جماعة أم مدينة أم قرية أم أشخاص، مع استعمال تعبيرات دينية خادعة في إطار طائفي، هو سعي خطير لتقويض دعائم ومرتكزات الوطن اللبناني بأكمله، ويجد صداه ومفاهيمه ودلالاته في معاجم العدو الإسرائيلي وجماعة "المحافظين الجدد" فيستعار منها ما يناقض كل متطلبات روابط الأخوة والأشقاء!! فما بالنا إذا كانت هذه المنطقة هي شمال لبنان ومدينة طرابلس لبنان! وما بالنا أيضاً إذا كانت الخزان المتنوّع الذي لا ينضب للجيش الوطني ولشعب 14 آذار "المنتج إسرائيلي" (تعبير الرئيس بشار الأسد)!! المفارقة اللافتة انّ "النظام المخابراتي السوري" يستهدف منطقة خبرت مخططاته وعانت من ممارساته وخداعه طوال ثلاثين عاماً، كما يستهدف مجتمعاً متنوّعاً، متسامحاً، معتدلاً ومنفتحاً، ولاؤه وانتماؤه الوطني لا يتزعزعان من جراء قوّة إيمانه الديني ومناعته. يصدِّر هذا النظام، بالتهريب، إنتاجه المخابراتي الفاسد والمزوَّر، المتدثر برداء الدين، ويريد فرض تسويقه في مجتمع أصيل، على دراية وعلم ومعرفة بالأصالة وصفاتها.
مادة التزوير: "الدين"!
هي كلمة تقترن بعقيدة الإنسان وتصفه، بما هو وضع إلهي يرشده إلى الحق في الاعتقادات وإلى الخير في السلوك والمعاملات. هي كلمة تطلق على حكم الله على الناس بحسب أعمالهم، بطاعته والانقياد له. هي مستودعٌ ضخمٌ للقيم الأخلاقية والمُثل الإنسانية تتوافق مع الفطرة والصراط المستقيم. لقد أوضح الجرجاني أنّ الشرائع السماوية، حيث إنها تُطاع، تسمّى ديناً (منسوباً إلى الله تعالى)، وحيث إنها تُجمع تُسمى ملّة (منسوبة إلى النبي)، وحيث إنها يُرجع إليها تُسمّى مذهباً (منسوبة إلى المجتهد). إنّ الفكر الديني هو اجتهاد عقلي في فهم النصوص وتأويلها، قد يخطئ وقد يصيب، فهو غير معصوم. من هنا يظهر الفرق بين ما يُنسب إلى الله تعالى وهو الباقي، الثابت والدائم في ملكوته، وما يُنسب إلى الإنسان وهو الراحل، المتغيّر والمتقلّب في دنياه.
من هذا التغيُر والتقلُب، ومع مرور الزمن وتناوب الممالك والأحكام، المترافق مع سيادة العقل أو تفشّي الجهل، ومع ويلات الفتن والحروب أو خيرات الوئام والسلام، ومع سيطرة الجور والظلم أو تكريس الحرية والعدالة، تظهر البدع وتنتشر الخرافات وتُنسب القدرات الإلهية إلى الإنسان (القنابل الإلهية 2006)، وتُنتهك الحقوق والكرامات (7ـ9 أيار 2008)، وتُستباح القيم الأخلاقية والمُثل الإنسانية (وضاعة المقال على المنابر)، ويُستهان بنخبة نُخب الشيوخ والرهبان (التطاول على الرموز الدينية)، وتُستبعد توجيهات العلماء والحكماء والعقلاء (بيانات الصروح الدينية)، ويسود الجهل وتُعزز العصبية عند العوام (استعمال الشارع)، وتطفو على سطح الأحداث خفّة وهشاشة الرجال (غياب المنطق والحجّة الدامغة مع حضور الشهوات والاتهامات الباطلة).
لذلك، يعمد جمع من الأتقياء الصالحين للدعوة بالعودة إلى "الأصول"، والسعي إلى "الإصلاح"، والاقتداء بالسلف الصالح، اعتقاداً وسلوكاً وقيماً وأخلاقاً ومعاملات. لذلك، يعمد رجال الكنيسة من بطاركة ورهبان ومؤمنين إلى التذكير المتواصل بالعقيدة المسيحية (الإنجيل) وقول وفعل نبي الله عيسى بن مريم والقدّيسين الأبرار.
لذلك، يعمد أيضاً رجال مسلمون من شيوخ وعلماء ومؤمنين إلى التذكير المتواصل بالعقيدة الإسلامية (القرآن الكريم) وقول وعمل نبي الله محمد بن عبدالله (صلى الله عليه وسلم) وصحابته الكرام. لذلك، يدعو الجميع إلى "الأصولية" و"السلفية" لكونهما عودة إلى الينابيع الصافية، المنافية لكل حالات التمزّق المؤدية إلى "الفتنة"، ولكل حالات الانحلال المؤدية إلى السقوط والضياع. وهم بذلك مع كل دعاة الخير والأمان والسلام، ومع سيادة العقل والقيم والأخلاق، وتحصيل الحقوق وحفظ الكرامات. وهم بذلك ضدّ الشرور والفتن والحروب، وضدّ تفشّي الجهل والبدع والخرافات، وسيطرة الظلم وتعزيز عصبيّة العوام، لا يقبلون بالضيم والعدوان ولا بالاستهداف المخابراتي السوري الطويل والمبرمج.
ساحة التزوير: أهل لبنان
في طرابلس والشمال
طرابلس لبنان، مدينة تعيش حياتها اليومية على وقع أجراس الكنائس وتكبيرات المآذن، ماضيها وحاضرها يشهدان عليها، محيطها منها وهي منه، مكوّناتها: لهم ما لها وعليهم ما عليها، ينتفي دور أكثريتها السنّية "العددية" كما وجودها، بانتفاء دور ووجود بقية مكوناتها. مدينة تجسّد، منذ أمد طويل، مفهوم ودلالة كلمة "لبنان" وهذا أساس وجودها، كما هو أساس وجود "لبنان". لم ولن تتخلّى سلالة عائلاتها، من الجدود الأسلاف الصالحين، إلى أحفاد الأحفاد المخلصين، عن نظرتها الجامعة، لدورها ورسالتها، على قاعدة امتزاج الدين مع الدور الوطني، كضابط أخلاقي وقيمي للسلوك والمعاملات وحلّ الخلافات. لكن.. عندما يشعر أهل المدينة، وهم أهل لبنان، أنهم مستهدَفون بالاعتداء والتدمير والقتل والذبح، أم بالإهانة والتركيع والاستباحة والإفقار، وهو ما تكرّر فعله من "النظام المخابراتي السوري" طوال حقبات طويلة، بالخداع والتزوير والتعمية والاستعباد، فإنهم على الأقل ليسوا على استعداد أن يعودوا إلى الصمت المذلّ، الذي أجبرهم عليه هذا النظام المخابراتي، أو أن يُستخدَموا مطية وأدوات لمشروع خارجي ضدّ وطنهم، هم في مقدّمة مَنْ يستهدفه! إنّ ما يضاعف حجم الشك والحذر والريبة هو مصدر الخطر الذي يشير إليه أهل المدينة: "نظام مخابراتي" يتّهم مدينة لبنانية، بل منطقة بكاملها بالإرهاب والتطرّف، على لسان أرفع المسؤولين فيه، ليخلصوا إلى "الخطر" الذي أتى منها و"هذا ضدّ سوريا". يقولون بصريح العبارة إن هذه المدينة وأهلها وما يحيط بها من أقضية هي "عدوّة"، وبالتالي يستوجب معاقبتها. يفهم أهل المدينة دلالة كلمة "خطر" وكلمة "ضدّ" بمفهومها المخابراتي، كما يعرفون نتائجهما: لقد تمّ اغتيال الرمز الوطني اللبناني والزعيم السنّي رفيق الحريري، الذي التفّت طائفته حوله (نحن نقول: الذي التفّ الشعب حوله) هل هذا الالتفاف تهمة؟! وهل ينتظر أهل المدينة اغتيال مدينتهم، بل اغتيال لبنان؟ هل يصمت أهل المدينة وأهل الشمال وأهل لبنان، حين يُوصَمون بكلمات يجري اغتيال مفهومها وتحريفها وتزويرها؟ هل يجب أن يستسيغ أهل المدينة اتهامهم بالإرهاب، بما يعاكس ما هم عليه ماضياً وحاضراً، وبما يشوّه تراثهم الإسلامي والوطني؟ هنا يكمن المعنى العميق لعبارة نائب طرابلس محمد كبارة "طرابلس عاصمة السنّة في لبنان"، كما عبارة نائب بيروت غنوة جلول "أهل بيروت"، كما تحرّك الشيخ سعد الحريري للمصارحة ثم المصالحة، وإرجاع دور العقل والمنطق وتأمين مناعة الوطن ووحدة بنيه، ووئد بذور "الفتنة" وصدّ الاستهداف، لأن "الإسلامية مؤسسة على أصول الحرية، برفعها كل سيطرة وتحكّم بأمرها، بالعدل والمساواة والقسط والإخاء، بحضِّها على الإحسان والتحابب. وقد جعلت أصول حكومتها شورى أهل الحل والعقد في الأمّة، بعقولهم لا بسيوفهم، وجعل أصول إدارة الأمّة التشريع الديموقراطي" (عبدالرحمن الكواكبي، طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد).
يعرف "أهل لبنان" أنّ المواجهة هي بين "الأصولية السياسية اللبنانية" الصافية (الأصولية بمعناها الاصطلاحي الحقيقي!) والعودة إلى السلف السياسي الصالح العادل والحرّ، وبين "الأصولية السياسية المخابراتية" (المخابراتية بمعناها المزوّر والتحقيري Pejoratif) والعودة إلى السلف السياسي الشرير الظالم والمستبد. هذا ما سوف نوضحه في الجزء الثاني من المقال.
(1) باحث ـ الرياض
الرياض في 11 ـ 16/11/2008

ملف خاص..200 يوم على حرب غزة..

 الأربعاء 24 نيسان 2024 - 4:15 ص

200 يوم على حرب غزة.. الشرق الاوسط...مائتا يوم انقضت منذ اشتعال شرارة الحرب بين إسرائيل و«حماس» ع… تتمة »

عدد الزيارات: 154,227,617

عدد الزوار: 6,941,257

المتواجدون الآن: 105