محكمة الحريري تذهب لصيد حزب الله

تاريخ الإضافة الأحد 4 نيسان 2010 - 10:13 ص    عدد الزيارات 604    التعليقات 0

        

 

ديفيد شينكر- معهد واشنطن   
03/ 04/ 2010
 


في الأسبوع الماضي وفي بيروت، قامت المحكمة الخاصة المعينة من قبل الأمم المتحدة والمكلفة بمهمة التحقيق في قتلة رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري ومحاكمتهم، باستدعاء ستة أشخاص من أعضاء «حزب الله» (التنظيم/المنظمة) لاستجوابهم. إن قرار المحكمة بإجراء مقابلة مع [عناصر] من «حزب الله» حول حادث الإغتيال من عام 2005 يبدو أنه يؤكد تقرير مجلة "دير شبيجل" الألمانية من عام 2009 -- والذي تم توثيقه مؤخراً من قبل صحيفة "لوموند" الفرنسية -- حول تورط الميليشيات الشيعية في المؤامرة. إن التحول في تركيز التحقيق على المدى القصير من سوريا إلى «حزب الله» سيكون له تأثير عميق على السياسة الداخلية في لبنان، وربما على العلاقات بين الولايات المتحدة ولبنان.

الخلفية

منذ اغتيال رفيق الحريري في شباط/ فبراير 2005 وإنشاء لجنة تحقيق من قبل الأمم المتحدة في حادث القتل، انصب التركيز الأساسي العلني للتحقيق على دمشق. وفي الواقع، كان التقرير الأول لـ "لجنة التحقيق الدولية المستقلة" ("لجنة التحقيق الدولية"/"اللجنة") من تشرين الأول/أكتوبر 2005 قد "خلص بأن ... خيوطاً كثيرة تشير إشارة مباشرة إلى تورط مسؤولي أمن سوريين في حادث الإغتيال". وإن لم يتم ذكر «حزب الله» في عام 2009 من خلال التقارير التي تصدرها اللجنة كل ثلاثة أشهر، أعرب التنظيم -- المتحالف تاريخياً مع دمشق -- عن معارضته الشديدة لتشكيل "لجنة التحقيق الدولية" وانسحب من الحكومة احتجاجاً على قرارها دعم إنشاء "اللجنة".

وبعد ذلك في أيار/مايو 2009، نشرت مجلة "دير شبيجل" مقالاً ذكر بقدر كبير من التفصيل كيف شاركت عناصر من «حزب الله» في جريمة القتل، وكيف اكتشفت "لجنة التحقيق الدولية" ارتباط أولئك النشطاء في حادث الإغتيال. ويبدو أن أحد عناصر الميليشيا "ارتكب طيش لا يصدق" حيث اتصل بصديقته بواسطة هاتف نقال تم استخدامه في عملية الإغتيال، مما أتاح للمحققين فرصة تحديد الرجل. وقد أرسل الكشف الذي ورد في مقالة "دير شبيجل" موجات من الصدمة عبر بيروت.

استجواب «حزب الله»

بسبب تورط لبنان في حرب أهلية بين الأعوام 1975 - 1990، سبب احتمال قيام الشيعة بقتل زعيم الطائفة السنية في البلاد قلقاً شديداً. ونظراً للحساسيات [القائمة بين الطائفتين]، نفى الأمين العام لـ «حزب الله» حسن نصر الله مراراً وتكراراً هذه القصة منذ أن نُشرت في أيار/مايو الماضي. وفي الآونة الأخيرة، في شباط/ فبراير 2010، وصف نصر الله مقالات "دير شبيجل" و"لو موند" بأنها اتهامات "إسرائيلية".

على الرغم من احتجاجات نصر الله، يجد «حزب الله» صعوبة متزايدة في فصل نفسه من مؤامرة اغتيال الحريري. وفي الإسبوع الماضي، كان استجواب عناصر من الأجهزة الأمنية للمنظمة -- من قبل هيئة الأمم المتحدة -- والذي حظي بدعاية واسعة، قد ركز الإهتمام مرة أخرى على دور الشيعة المزعوم في جريمة القتل. ووفقاً لما أوردته القناة الفضائية التلفزيونية اللبنانية "الجديد"، من بين عدة محطات أخرى، شملت المقابلات التي أجرتها المحكمة في الإسبوع الماضي الحاج سالم ومصطفى بدر الدين، وهما من كبار المسؤولين في «حزب الله». وقد ورد في وسائل الإعلام بأن سالم يترأس إحدى وحدات العمليات السرية الخاصة التابعة للمنظمة، والتي كانت تدار من قبل القائد العسكري عماد مغنية حتى اغتياله في شباط/فبراير 2008؛ ويترأس بدر الدين، الذي هو صهر عماد مغنية، وحدة مكافحة التجسس التابعة للميليشيا.

وقد أحدثت مقابلات "لجنة التحقيق الدولية" بعض الردود المثيرة للإهتمام من قبل أنصار «حزب الله» (وسوريا)، وعلى الأخص من قبل الوزير اللبناني السابق وئام وهاب، الذي توقع حدوث "فتنة" إذا ما استمرت المحكمة في هذا النهج. وخلال اجتماعه مع السفير الإسباني في لبنان، أشار وهاب أيضاً بأنه إذا ما تم "تسييس" المحكمة فقد تُستهدف "قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان" ("اليونيفيل") -- وبعبارة أخرى، سيحدث ذلك إذا ما استمرت "اللجنة" بملاحقة المشتبه فيهم من أعضاء «حزب الله». إن قيام وهاب بذكر قوات "اليونيفيل" التي تعمل في الأراضي التي يسيطر عليها «حزب الله» في جنوب لبنان، كان بمثابة تهديد للمبعوث الإسباني بصورة لا لبس فيها: [عليك أن تتذكر] بأن الوحدة الإسبانية في قوة "اليونيفيل" كانت قد هوجمت مرتين في السنوات الأخيرة.

التوقيت المؤسف

ينبغي أن لا تأتي المزاعم حول تورط «حزب الله» في حادث الإغتيال كمفاجأة كبيرة لـ «تحالف 14 آذار» اللبناني المؤيد للغرب. فليس فقط لدى ميليشيا التنظيم القدرة على تنفيذ تلك العملية بل لدى حلفائها الوثيقون في دمشق الدافع للقيام بذلك. وقد كان أيضاً بعض الأعضاء في "التحالف" على خلاف مع «حزب الله» لسنوات عديدة، وبصورة خاصة منذ اغتيال رفيق الحريري والإنسحاب السوري من لبنان لاحقاً. وفي الوقت نفسه، فإن ارتباط حزب الله بالجريمة لن يعفي سوريا بأي حال من الأحوال من الذنب، حيث كانت تحتل لبنان وتسيطر عليها في ذلك الحين.

ومع ذلك، فإن قيام "لجنة التحقيق الدولية" باستهداف «حزب الله» حالياً يأتي في وقت غير مناسب لقيادة «14 آذار». فعلى الرغم من أن التحالف كان قد فاز في الإنتخابات الوطنية في الصيف الماضي -- وحصل على الفرصة لتشكيل الحكومة في أعقاب ذلك الفوز -- إلا أن المعارضة أجبرت الأكثرية بقيادة سعد الحريري، نجل رفيق الحريري، على تشكيل حكومة وحدة وطنية شملت أعضاء من الميليشيا الشيعية وتم منح المنظمة تأثيرا كبيرا. إنهم حقاً زملاء غريبون.

والأسوأ من ذلك، في الأشهر التي تلت الإنتخابات، بدأ أعضاء من «تحالف 14 آذار» -- الذي ظل مستقراً إلى حد ما منذ إنشائه في عام 2005 -- يتنازعون فيما بينهم في الوقت الذي سعى فيه داعمو التحالف الدوليين الرياديين في واشنطن والرياض إلى التقارب من دمشق. وبناءاً على ذلك، وفي الأشهر الأخيرة، بدأ كل من سعد الحريري والزعيم الدرزي الذي يتمتع بنفوذ في «تحالف 14 آذار» وليد جنبلاط، ينظر نحو رأب الصدع مع «حزب الله» وسوريا. ومن ناحية جنبلاط، كان ثمن هذا التوافق هو الإعتذار علناً عن تصرفاته المناهضة لسوريا في السنوات الأخيرة، وطلبْ الغفران من النظام السوري بزعامة بشار الأسد، واحتضان جدول أعمال "المقاومة" الذي يطرحه «حزب الله»، على الأقل في المستوى الخطابي.

متابعة أعمال المحكمة أم نبذها؟

بالنسبة لجنبلاط، الذي كُسرت أسنانه عندما كان أمير حرب خلال الحرب الأهلية اللبنانية، عكس التقارب مع سوريا خيارا بسيطا بين العدالة والفوضى. ونظراً لقيام "لجنة التحقيق الدولية" بتغيير اتجاه تحقيقها وتركيزها على «حزب الله»، شعر جنبلاط بأن توريط الميليشيا في هذه الجريمة يمكن أن يشكل تهديداً لاستقرار الدولة الضعيفة. وفي حين لم يرفض الزعيم الدرزي علناً الإعتراف بالمحكمة، يبدو أنه يأمل بأن لا تكون الإدانة وشيكة.

أما بالنسبة لسعد الحريري فالحسابات مختلفة. فباعتباره الزعيم الحالي للطائفة السنية في لبنان، لا يستطيع رئيس الوزراء اللبناني من الناحية السياسية أن يغفر وينسى الخروق والتجاوزات المعروفة التي قام بها «حزب الله». وفي الواقع كان شعار سعد الحريري منذ عام 2005 هو -- "الحقيقة" -- وهي إشارة إلى ضرورة معرفة، قبل كل شيء آخر، من الذي قتل والده. وفي حين أظهر سعد الحريري شعورا من الواقعية بقيامه بزيارة إلى سوريا في كانون الأول الماضي، إلا أن احتمال عفوه عن قتلة والده سيكون أقل قبولاً.

وبالإضافة إلى الإعتبارات الداخلية، يمكن أن يكون لدعم الحريري وحكومته للمحكمة (أو عدم دعمهم لها) تأثير على علاقات لبنان الخارجية. وبما أن الأمم المتحدة هي التي قامت بإنشاء المحكمة، قد تواجه بيروت صعوبات ثنائية مع كل من واشنطن وأوروبا إذا ما فشلت الحكومة في الوفاء بالتزاماتها. ومن الواضح أن حكومة لبنان ليست في وضع يمكنها -- وعلى الأرجح لن يكون من المتوقع منها -- تقديم المشتبه بهم من «حزب الله» للمثول أمام "لجنة التحقيق الدولية". ولكن [السؤال المطروح هو] ماذا سيكون رد الأمم المتحدة إذا استطاع «حزب الله» أن يدفع الحكومة اللبنانية باتجاه اتخاذ قرار يمنع من وزارة المالية اللبنانية تمويل التزامات البلاد المالية السنوية إلى المحكمة والتي تبلغ 23 مليون دولار؟

الخاتمة

وفي حين بقي سنتين للولاية الحالية لـ "لجنة التحقيق الدولية"، ربما تنشر "اللجنة" إداناتها بحلول نهاية هذا العام. إن احتمال توجيه لوائح إتهام في "المحكمة الجنائية الدولية" هو كبير جداً بحيث أن الإدانات هي التي تكون -- بصورة دائمة تقريباً -- النتائج الفعلية للوائح الإتهام. ونظراً للمخاطر المصاحبة، فإذا استطاعت المحكمة إدانة حتى نشطاء على مستوى منخفض، من المشكوك فيه أن يسمح «حزب الله» للمتهمين بالبقاء على قيد الحياة، أو حتى أقل من ذلك - المثول أمام المحكمة.

وفي نهاية المطاف، إذا صدرت الدعوى لحضور جلسات الإستماع، من المرجح أن تعقد غيابياً. ونظراً لخطورة التهم ومصداقية الأدلة الفنية من المقرر أن تقدم "لجنة التحقيق الدولية" أدلة للائحة الإتهام التي تسبق المحاكمة؛ وبالنسبة لمعظم المراقبين، إذا صدر حكم على الإطلاق في هذا الموضوع سوف تكون له أهمية قليلة. وعلى أية حال، فحتى بدون محاكمة -- وبصرف النظر عن إدعاءات "التسييس" التي يمكن التنبؤ بأنها ستعرض -- فإن الإدانات وحدها ستسبب المزيد من الضرر لصورة «حزب الله» التي تم صقلها بعناية في المنطقة، وستؤدي إلى إجهاد التسوية الطائفية المؤقتة والضعيفة في لبنان.

وستواجه "لجنة التحقيق الدولية" صعوبة أكثر لكي تثبت وجود صلات -- من ناحية الأدلة ومن وجهة نظر سياسية على حد سواء -- بين اغتيال رفيق الحريري وبين دمشق وطهران، والتي من شأنها أن تساند توجيه إدانات أخرى. ومع ذلك، فمن ناحية واشنطن ومصداقية مؤسسة المحكمة، من المهم أن يتم إعطاء الوقت الكافي لتطور عملية التحقيق وكشف الحقائق. وفي هذا السياق، كانت "المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة" ("محكمة يوغوسلافيا") مفيدة ومنورة: فحتى مع وجود الكثير من شهود العيان، استغرق ما يقرب من عشر سنوات لكي تستطيع "محكمة يوغوسلافيا" إكمال أعمالها.

مما لا شك فيه، أن تداعيات الإدانات على مستوى المنطقة يمكن أن تكون شديدة وواسعة المدى. ففي نيسان/أبريل 2007 -- بعد عامين فقط من بدء التحقيق -- حذر الرئيس السوري بشار الأسد، الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون بأن المحكمة "يمكن ان تؤدي إلى حدوث صراع، من شأنه أن يتدهور إلى اندلاع حرب أهلية وإثارة الإنقسامات بين السنة والشيعة من البحر المتوسط إلى بحر قزوين". لقد أوحى تنبؤ الرئيس الأسد إما عن علم الغيب أو لأنه كانت لديه معلومات من الداخل؛ وخلافاً لتوصية الرئيس الأسد، لا يتمثل الجواب بواسطة دفن عملية التحقيق باسم "الاستقرار"، بل متابعة القتلة بإصرار ومعاقبتهم، وبذلك يتم دفع ثمن الممارسة الروتينية لمسلسل الإغتيالات السياسية في لبنان.


ديفيد شينكر هو زميل أوفزجين
ومدير برنامج السياسة العربية
في معهد واشنطن

 

ملف الصراع بين ايران..واسرائيل..

 الخميس 18 نيسان 2024 - 5:05 ص

مجموعة السبع تتعهد بالتعاون في مواجهة إيران وروسيا .. الحرة / وكالات – واشنطن.. الاجتماع يأتي بعد… تتمة »

عدد الزيارات: 153,761,348

عدد الزوار: 6,913,552

المتواجدون الآن: 95