هل يتبنى نتنياهو خيار بن غوريون ضد أوباما؟

تاريخ الإضافة السبت 3 نيسان 2010 - 5:50 ص    عدد الزيارات 562    التعليقات 0

        

هل يتبنى نتنياهو خيار بن غوريون ضد أوباما؟
بقلم سليم نصار

منذ قيام دولة اسرائيل، تعرضت علاقاتها مع الولايات المتحدة لخلافات سياسية كانت تنتهي في اكثر الاحيان، بتراجع الدولة الراعية الكبرى.
وقد اعتبرت حرب العدوان الثلاثي على قناة السويس خريف 1956، أول مسلسلات هذا الخلاف يوم تدخل الرئيس الاميركي دوايت ايزنهاور ليضغط على ديفيد بن غوريون ويجبره على سحب قواته من سيناء.
وكي تتحاشى اسرائيل تكرار مثل هذه العملية، اسست منظمة "ايباك" كقوة ابتزاز وتشهير، اطلقت عليها اسم اللجنة الاسرائيلية – الاميركية للشؤون العامة. ثم تسللت الى الكونغرس عبر انصار ناشطين اقتصرت مهماتهم على تعطيل كل قرار يصدر عن البيت الابيض لا ترضى عنه اسرائيل.
الخلاف الثاني انفجر في بداية عهد الرئيس جون كينيدي. وقد كشف غوردون توماس في كتابه "جواسيس جدعون" عن السبب الحقيقي الذي دفع كينيدي الى انتقاد ديفيد بن غوريون وحضه على وقف برنامجه النووي.
يقول توماس في كتابه: منتصف شهر شباط 1961، كتب كينيدي الى بن غوريون يطلب منه اخضاع مفاعل "ديمونا" لمراقبة دائمة من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية. وكان من الطبيعي ان يقلق هذا المطلب الرجل الذي يقف وراء مشروع الردع النووي كسلاح وقائي ضد احتمالات تعرض اسرائيل لحرب مصيرية.
لذلك طار الى نيويورك ليجتمع بالرئيس كينيدي في فندق "والدورف استوريا" ويخبره ان الانشاءات التي يتحدث عنها ليست اكثر من مستودعات تضم مضخات لري صحراء النقب. وتظاهر كينيدي بالاقتناع، وقال انه سيرسل فريقاً من الاختصاصيين لمعاينة تلك المستودعات. وخرج بن غوريون من الاجتماع متجهم الوجه، وهمس في اذن احد وزرائه بهذه العبارة الخطيرة "يبدو ان وجود رئيس كاثوليكي في البيت الابيض هو امر مضر بمصلحة اسرائيل".
ثم غادر نيويورك متوجهاً الى واشنطن حيث عقد اجتماعاً مع صديقه ابرهام فاينبرغ، الثري الذي موّل بناء مفاعل "ديمونا". وبما ان فاينبرغ الصهيوني يعتبر من كبار المتبرعين للحزب الديموقراطي، فقد عهد اليه بن غوريون مهمة تغيير موقف كينيدي.
ويتابع الكاتب توماس حديثه عن هذه الواقعة فيقول ان فاينبرغ وعد كينيدي بتمويل حملة تجديد ولايته شرط التخلي عن مراقبة عمليات التسلح في اسرائيل. واعرب الرئيس الاميركي عن استعداده لتأمين مختلف انواع الاسلحة الدفاعية للدولة الفتية، ولكنه اصر على ارسال فريق مراقبة الى "ديمونا" خلال مدة لا تتعدى الشهرين.
وكانت هذه المدة كافية لبناء مستودعات مموهة اشرف على تنفيذها رافي ايتان. وبعد زيارة الفريق الاميركي للموقع الجديد، عاد الى واشنطن ليؤكد للادارة خلو تلك المنطقة من اي اثر لانتاج الذرة. في حين كانت المياه الثقيلة المهربة من فرنسا ونروج تملأ خزانات مفاعل "ديمونا".
بقي ان نذكر ان عبارة التهديد المبطن التي ذكرها بن غوريون عقب اجتماعه بكينيدي، تحولت مهمة خاصة تعاون على تنفيذها "الموساد" ووكالة الاستخبارات المركزية (سي آي ايه). خصوصاً عقب اعلان مصر وسوريا والعراق عن توحيد الجهود العسكرية لتحرير فلسطين.
ويبدو ان الاعلان عن التكتل العربي الثلاثي لم يرعب بن غوريون وحده، بقدر ما ارعب كينيدي من استغلاله من جانب الاتحاد السوفياتي لجذب دول عربية نحو مداره السياسي. لذلك هدد اسرائيل بقطع المساعدات عنها في حال استمرت بانتاج اسلحة نووية.
يجمع المؤرخون على القول ان تهديد الادارة الاميركي كان السبب المباشر والاخير الذي دفع حكومة بن غوريون الى اتخاذ قرار تصفية رئيس غير متعاون. ولم تكن المهمة سهلة لولا موافقة نائب الرئيس ليندون جونسون على القيام بهذا الدور الخطير. وقد كُلِّفت المافيا بعملية التنفيذ لان وزير العدل روبرت كينيدي قرر استئصال نفوذها من المجتمع الاميركي. وفي البرنامج الوثائقي الذي بثته محطة "هيستوري" (تاريخ) ما يؤكد هذه الفرضية، ويثبت ان قاتل كينيدي لي هارفي اوزوالد، جرى التخلص منه بواسطة اليهودي جاك روبي كمدخل لاخفاء الحقيقية. كذلك قضى 18 شاهداً من شهود التحقيق بحوادث سير غامضة او بعمليات انتحار لم تعرف اسبابها. وركز البرنامج على الحقائق الدامغة التي تناولها المحامي بار ماكليلان في كتابة "الدم والمال والنفوذ... كيف قتل جونسون كينيدي؟".
من غير الدخول في تفاصيل تلك الحقبة القاتمة من تاريخ الولايات المتحدة، لا بد من التذكير بأن رهان بن غوريون على ليندون جونسون اعطى اسرائيل اكثر بكثير مما كانت تتوقع منه. اعطاها الفرصة الذهبية لربح حرب 1967 بفضل تعاون ادارته، وتنسيق العمل العسكري بين الدولتين. وقد نشر الباحث دونالد ناف في كتابه "محاربون من اجل القدس" معلومات مذهلة حول الدور الخفي الذي قام به جونسون من اجل تحقيق الاحتلال الاسرائيلي لصحراء سيناء والضفة الغربية ومرتفعات الجولان. ويروي ناف في كتابه عن الدور الخبيث الذي لعبته عشيقة جونسون ماتيلدا، زوجة الثري اليهودي ارثر كريم، وكيف خصص لها جناحاً خاصاً في البيت الابيض. ويذكر ايضاً ان جونسون سمح بارسال الف طيار اميركي يهودي كان موشيه دايان قد طلب التحاقهم بسرب الطيارين الاسرائيليين. والمضحك ان مستشار البيت الابيض في حينه والت روستو، لم يجرؤ على ايقاظ الرئيس ساعة اعلان الهجوم، واكتفى بابلاغ الست ماتيلدا لعلها تبلغ عشيقها بالأمر.
ومثلما استخدمت ماتيلدا من قبل اللوبي اليهودي في سبيل الحصول على أدق التفاصيل المتعلقة بالاستعدادات الاميركية  لحرب 1967... كذلك استخدمت الصبية المتدربة في البيت الابيض مونيكا لوينسكي من أجل نسف مشروع بيل كلينتون للسلام مع ياسر عرفات. وقد وصف ابو عمار لقاءه مع كلينتون ونتنياهو، في ذلك الحين بأنه رأى الرئيس الاميركي في ثوب حمل وديع، خصوصاً بعد حملة الكونغرس التي وقعها 81 شيخاً من أصل مئة، يحذرون كلينتون من مخاطر الضغط على رئيس وزراء اسرائيل.
مرة ثانية يعلن بنيامين نتنياهو، الحرب على رئيس اميركي بسبب اصراره على تطبيق مشروع الدولتين ومنع اسرائيل من توحيد القدس قبل الاتفاق مع الفلسطينيين. وقد نقل المبعوث الاميركي جورج ميتشل هذه الرؤية الى الحكومة الاسرائيلية، معتبراً ان الحل يخدم مصالح بلاده في المنطقة، كما يخدم أمن الدولة اليهودية.
ومن المؤكد ان الشهادة التي أدلى بها الجنرال ديفيد بترايوس، رئيس القيادة المركزية، امام لجنة الدفاع في الكونغرس، قد ساهمت في تأزيم العلاقة بين الدولتين الحليفتين. قال ان التوتر الدائم بين اسرائيل والفلسطينيين يؤجج مشاعر العداء للولايات المتحدة في العراق وافغانستان وباكستان.
وربما ساعد اعلان هذين الموقفين، العسكري والسياسي، في تعميق هوة الخلاف بين أوباما ونتنياهو الذي اعترض على ربط سياسة العداء لواشنطن بسلوك اسرائيل في ارض الميعاد. وواضح من تسريب بعض المعلومات للصحف الاميركية، ان الحكومة اليمينية المتطرفة ترفض ان تكون سياستها الداخلية مصدر أذى لسياسة اميركا الخارجية.
ففي خلال جلستين متوترتين غابت عنهما عدسات المصورين، كرر اوباما موقفه المعارض لاستئناف بناء المستوطنات في القدس الشرقية، معتبراً ان هذا التجاوز ينسف القرار 242 واتفاق اوسلو وكل ما احرزته المفاوضات السابقة من تقدم وضمانات.
استعان نتنياهو بتاريخ المنطقة ليعزز وجهة نظره ويقول: لنراجع معاً حقبة الخمسين سنة الماضية. حرب اليمن مطلع الستينات تمت بتشجيع من عبد الناصر، وانتجت خلافاً عميقاً مع السعودية. ولكن اسرائيل لم تكن طرفاً في تلك الحرب. ثورة 1958 في لبنان، واتهام الناصريين بالتسلل، واضطرار اميركا الى انزال جنودها على شاطئ بيروت بعد انقلاب عبد الكريم قاسم في العراق. هذه الاحداث الدموية لم يكن لاسرائيل فيها أي دخل. كما لم تكن طرفاً في خصومات القذافي مع مصر وتونس... أو خصومات الجزائر والمغرب... أو حروب الانفصال والاتحاد بين اليمنين... أو احتلال صدام حسين للكويت. وتدخل أوباما ليذكره بالحروب الصغيرة والكبيرة التي خاضتها القوات الاسرائيلة ضد مصر وسوريا والاردن ولبنان والشعب الفلسطيني، وكيف ان حل الدولتين يمكن ان يساهم في خفض التوتر الناجم عن مخططات التوسع والاستيطان.
ورد نتنياهو على هذه التوقعات بالقول: ان عداء العرب لاسرا ئيل هو في الاساس عداء لأقلية نجحت في انشاء دولة. ومثل هذه الروح المعادية منتشرة في كل دول المنطقة وضد كل ما يسمى أقليات، لا فرق أكانت كردية أم قبطية أم أرمنية أم من البربر. وبسبب هذا الاعتبار أرى ان حل الدولتين لن يبدل من مظاهر العنف والكراهية، ولن يساعد الولايات المتحدة على ترويض الاصوليين في ايران والعراق وأفغانستان وباكستان.
وعندما بلغ اللقاء الثاني هذا المستوى من الاختلاف في وجهات النظر. طلب أوباما من نتنياهو التوقيع على اتفاق خطي باحترام الاتفاقات السابقة، وبضرورة وقف الاستيطان لمدة اربعة أشهر. وعندما رفض هذا الاقتراح لكونه يشكك بصدق تعهداته، غادر اوباما القاعة بحجة انه حان موعد العشاء مع اسرته. وازاء هذا التجاهل المتعمد انتقل نتنياهو الى السفارة الاسرائيلية حيث كان ينتظره كبار المسؤولين في "ايباك"، اضافة الى النواب اليهود في الكونغرس. ولما نقل حديثه مع الرئيس الاميركي الى الحضور، علق أحد مرافقيه بالقول: اذن، يمكننا الاعلان صراحة ان اوباما يعتبر أكبر كارثة تواجهها الدولة العبرية.
ومع ان نتنياهو خفف من وقع كلام مرافقه في مجلس الوزراء عندما قال بأن الخلافات في وجهات النظر لا يجوز أن تؤثر على علاقة الاصدقاء والحلفاء، الا انه عاد ليصر على ان القدس الشرقية هي ملك اليهود منذ ثلاثة آلاف سنة.
وهذا يعني ان المصالحة ستكون شكلية، خصوصاً اذا ما استمر أوباما في تقليد الرئيس كينيدي بحيث يجعل من منطقة الشرق الأوسط منطقة خالية من السلاح النووي.
يبقى السؤال المهم: هل يتراجع نتنياهو عن عناده، أم انه سيطلب من "ايباك" البحث عن فضيحة يلصقها بأوباما، أو عن حل دموي شبيه بالحل الذي اعتمده بن غوريون مع كينيدي؟


(كاتب وصحافي لبناني مقيم في لندن)      

ملف الصراع بين ايران..واسرائيل..

 الخميس 18 نيسان 2024 - 5:05 ص

مجموعة السبع تتعهد بالتعاون في مواجهة إيران وروسيا .. الحرة / وكالات – واشنطن.. الاجتماع يأتي بعد… تتمة »

عدد الزيارات: 153,781,017

عدد الزوار: 6,914,658

المتواجدون الآن: 96