لغة الجسور

تاريخ الإضافة الإثنين 17 تشرين الثاني 2008 - 1:21 م    عدد الزيارات 1034    التعليقات 0

        

غسان شربل

ماذا نفعل بالآخر المختلف؟ الآخر الذي لا يشبهنا. ولا تطابق معتقداته معتقداتنا. الآخر الذي لا تشبهنا ملامحه. ويشرب من ينابيع أخرى. ويحتكم الى نصوص غير نصوصنا. ولديه قراءة مختلفة لقصة الكون وقصة الانسان فيه ومصيره. السؤال قديم قديم. طرح نفسه على الحضارات والامبراطوريات والدول والاحزاب وعلى كل فكر او معتقد رمى الى الإمساك بالحقيقة وإنقاذ الانسان من الضلال وضمان خلاصه.

ماذا نفعل بالآخر المختلف؟ الآخر المقيم في دولتنا. او مدينتنا. او الحي المجاور. او الشقة المقابلة. او المقيم عند حدودنا. او في حي بعيد من احياء القرية الكونية. هل نعتبره تهديدا، لمجرد انه يستهدي بأفكار ليست افكارنا. ويمارس عادات ليست نسخة طبق الاصل عن عاداتنا. وهل التعايش مع الاختلافات مستحيل الى درجة لا تبقي خيارا غير شطب الآخر او إرغامه على التنازل عن لونه وملامحه وذاكرته وحقه في الاختلاف؟.

السؤال قديم فعلا. لكنه عاد الى الواجهة في العقدين الماضيين. بعد غياب الاتحاد السوفياتي، دبجت مقالات وكتب عن حتمية اصطدام الغرب الذي خرج منتصرا من الحرب الباردة بعدو جديد هو الاسلام. كان العالم يشهد يقظة ازمات الهويات المكبوتة ولم يغب الدم عن بعض فصول هذه اليقظة. جاء الطلاق اليوغوسلافي دمويا ووحشيا، وذكر بأن مشكلة الآخر المختلف في العرق او الدين يمكن ان تنفجر في قلب اوروبا التي كانت اعتقدت بأن مشاهد التطهير العرقي غادرت القارة القديمة الى الأبد.

قفز السؤال مجددا الى الواجهة بعد هجمات 11 ايلول (سبتمبر). الغرض الاول لهذه الهجمات كان اشعال خط التماس مع الغرب المسيحي كي يتسنى تغيير العالم الاسلامي على دوي الصدام مع الآخر. ساهم بعض محطات الحرب على الارهاب في إذكاء الحساسيات بدلا من تبديدها. وثمة من اعتقد ان صدام الحضارات حتمي وان المتطرفين سيستدرجون العالم الى حروب بين الديانات والثقافات. وساهمت العولمة وثورة الاتصالات في توفير منابر لدعاة الكراهية والطلاق ما كانت لتتوفر لهم في العالم السابق. أتاحت العولمة فرصا واطلقت مخاوف. بدت الهويات مهددة والثقافات مهددة، خصوصاً بعدما تكاثر الكلام عن النموذج المنتصر وقدرته على فرض لغته وتصوراته وقيمه. اصاب القلق دولا ومجموعات واقليات. وتصاعد القلق من مخاطر الميل الى استحداث جزر مسورة بالدم والانغلاق تؤسس لحروب لا نهاية لها.

وسرعان ما بدا ان القطيعة متعذرة. وان لغة الشطب خطيرة. لا تستطيع حضارة الاستقالة من مصير الآخرين. لا تستطيع الاستغناء عن ثمرات التقدم العلمي الذي انجزه الآخر الذي لا يستطيع بدوره التنازل عن موارد واسواق وسلع حيوية لاقتصاده واستقراره تقيم في اراضي الآخر الذي ينهل من ينابيع مختلفة. انها حقائق اقتصادية وسياسية وانسانية لا يمكن تجاهلها او القفز فوقها. وهكذا فرض الحوار نفسه بوصفه الخيار الوحيد، ذلك ان خيار الصدام والارتطام بين الحضارات والاديان هو خيار انتحاري.

لا يفترض الحوار تنازل المتحاورين عن ألوانهم او قيمهم او معتقداتهم. انه ينطلق من الحق في الاختلاف، جاعلا مهمته هي البحث عن المساحات المشتركة للتعاون من اجل خدمة الانسان الذي دعت الديانات السماوية الى احترام كرامته وحقه في الحياة الكريمة، وما يستتبع ذلك من حقه في الحرية والتعلم والعمل واختيار مستقبله. ان المساحة المشتركة تقوم بالتأكيد على نبذ التعصب والقهر والظلم وكل ما يؤدي الى اغتيال كرامة الانسان.

من هنا تأتي اهمية ما شهدته الجمعية العامة للامم المتحدة امس. والتجاوب الواسع مع المبادرة التي أطلقها الملك عبدالله بن عبدالعزيز يعكس تنامي القناعة بأن الحوار هو الخيار الوحيد لقطع الطريق على خيارات القطيعة والطلاق والصدام. ان من صلب مهمة الامم المتحدة ان تبادر الى ترسيخ قيم التعاون والتسامح والعدالة ذلك ان قيم الانكار والتنابذ والقسر مناقضة للمبادئ التي قامت عليها المنظمة الدولية. ان بناء الجسور اصعب من زرع العبوات لتفجير الجسور. لكن المهمة تستحق الجهد والعناء والصبر خدمة لكل سكان القرية الكونية.

ملف خاص..200 يوم على حرب غزة..

 الأربعاء 24 نيسان 2024 - 4:15 ص

200 يوم على حرب غزة.. الشرق الاوسط...مائتا يوم انقضت منذ اشتعال شرارة الحرب بين إسرائيل و«حماس» ع… تتمة »

عدد الزيارات: 154,172,298

عدد الزوار: 6,938,584

المتواجدون الآن: 108