أبو عمار أخطأ وأصاب

تاريخ الإضافة الخميس 13 تشرين الثاني 2008 - 8:40 ص    عدد الزيارات 995    التعليقات 0

        

جهاد الخازن   

لو كان ياسر عرفات حيّاً هل كان الوضع الفلسطيني هبط الى درك الانقسام والاقتتال والضياع الذي نراه اليوم.

أبو عمار رحل عنا في مثل هذا اليوم قبل ثلاث سنوات، شهيداً آخر في سبيل فلسطين. هناك بيننا من لا ينساه، وهناك من لا يريد أن يذكره. ومرت ذكراه بصمت فيما الاسرائيليون يتذكرون اغتيال اسحق رابين في 4/11/1995.

الصراع بين الفلسطينيين يذكرني به، فهو ما كان ليسمح بأن يفلت زمام الأمور الى درجة أن يقتتل الأخوان، ويقوموا بعمل اسرائيل نيابة عنها. كانت هناك خطوط لا يسمح لأحد بتجاوزها، وكان يعانق ويُقبّل ويَقتل.

لا يجوز أن ألوم أي زعيم فلسطيني من أي فصيل لأنه لا يرتكب ما يجعل الناس تهابه، وتتجنب تجاوز حدود المسموح عنده. مع ذلك أقدر للراحل تلك الهيبة التي صانَت تماسك القضية حتى في أحلك الظروف.

أبو عمار أخطأ وأصاب، وتابعت عمله من الأغوار ومخيم الحسين الى الفاكهاني والقاهرة ولندن ونيويورك وباريس. ورأيته في دافوس سنة بعد سنة وكان آخر لقاء لنا هناك. وطالبته يوماً بالاستقالة، ثم هاتفته كأن شيئاً لم يكن.

هو أخطأ في ترك الانتفاضة الثانية تستمر حتى جمعت الاسرائيليين حول اليمين المتطرف بقيادة آريل شارون، وأصاب برفض الصفقة التي عرضت عليه في كامب ديفيد، ثم أصاب بقبول اتفاق الأطر كما وضعته ادارة بيل كلينتون في آخر شهر لها في الحكم، وأخطأ بترك معاونيه يجمّدون الموافقة طلباً لتحسين العرض، وكان أن فاز شارون بالانتخابات وانتهى أبو عمار محاصراً في المقاطعة.

القضية صعدت مع ياسر عرفات وهبطت، إلا أنها بقيت قضية الجميع، من دون أن يستأثر بها فصيل، أو يتقاسمها فصيلان كما نرى اليوم، وهما فصيلان يعجزان عن الاجتماع ثم يريدان من العرب والعالم حل «القضية».

وفي حين يتبادل الزعماء الفلسطينيون تهماً تصل الى حد التخوين، فإنني لا أخوّن أحداً، وإنما أرى أن الكل مناضل، مع أخطاء في الاجتهاد والممارسة يدفع ثمنها الشعب الفلسطيني.

حماس فازت في الانتخابات ولا يجوز أن تُحرم حقها الديموقراطي في الحكم، غير أنها انقلبت على نفسها في غزة، وقضمت أكثر مما تستطيع أن تمضغ وتبلع. ومحمود عباس فاز بالرئاسة بنسبة تعادل نسبة فوز حماس، ويجب أن تكون له حرية ممارسة صلاحيات الرئاسة من دون عائق.

أخشى أن يكون الخلاف الحالي تحول من خلاف بين فصيلين، أو بين حماس والسلطة الوطنية، الى خلاف شخصي يطغى على الجانب السياسي. ثم أخشى أن يؤدي الخلاف الى انسحاب الدول العربية التي تريد المساعدة، والى إعطاء عذر للدول التي لم تكن تهتم بالقضية أصلاًَ، وإنما تدعي الاهتمام. ولا أدين أحداً فلا يمكن أن تكون الدول العربية والمسلمة أكثر فلسطينية من الفلسطينيين أنفسهم. القضية ضاعت الى حين، وقد تضيع الى الأبد، وهم المسؤولون قبل الآخرين.

وفي ذكرى وفاة الرئيس عرفات أسأل ماذا كان أبو عمار سيفعل لو كان واجه مثل الوضع الفلسطيني الحالي؟ ربما كان السؤال خاطئاً لأنني أرجح، على أساس معرفة 40 سنة أو نحوها بالرجل، أنه ما كان سمح للوضع أن يفلت الى الدرجة التي نراها اليوم.

الفلسطينيون اليوم غير راضين عن حماس في قطاع غزة، وعن السلطة الوطنية في الضفة الغربية، وعن فتح في القطاع والضفة، وهم يعانون في كل مكان من دون هدف يبرر معاناتهم، فلا مفاوضات، ولا عملية سلام ولا أمل، فكأن معاناتهم من أجل المعاناة.

مضى يوم كانت فيه القضية الفلسطينية قضية العرب الأولى، وربما الوحيدة، واليوم هناك قضايا تزاحمها على الصدارة، ثم يختار أبناء القضية أن يزيدوها وَهْناً بخلافاتهم واقتتالهم وإغلاق الطرق على من يحاول مساعدتهم، ثم لوم كل طرف ما عدا أنفسهم على ضياع القضية، أي ضياع القدس والحرم.

المقدسات تتعرض لعملية نهش يومي، والعدو يمارس جرائم نازية المستوى وسط صمت عربي وتواطؤ غربي، وأهل غزة في سجن كبير، وأهل الضفة ليسوا أفضل حالاً، والقتل والتدمير مستمران على رغم التهدئة، فهي على ما يبدو لتهدئة الفلسطينيين وحدهم.

الفلسطينيون خذلوا قضيتهم، والعرب ناموا أو تقاعسوا، وأمام الجميع عدو مجبول بخرافات دينية وعقد وأحقاد تاريخية، فيرتكب ضد الفلسطينيين ما يتهم العالم بممارسته ضده، والعالم هذا يحرضه أو يسكت عنه كأنه فرض على الفلسطينيين أن يكفّروا عما جنى غيرهم.

القضية الفلسطينية اليوم بحاجة الى زعيم يجمع بين دهاء أبو عمار ونزاهة أبو مازن وحماسة حماس، إلا أنها لا تجده، بل إنها لا تبحث عنه، فكل فصيل راضٍ بنصيبه من قيادته، ونحن في ليل بلا نهاية.

ملف الصراع بين ايران..واسرائيل..

 الخميس 18 نيسان 2024 - 5:05 ص

مجموعة السبع تتعهد بالتعاون في مواجهة إيران وروسيا .. الحرة / وكالات – واشنطن.. الاجتماع يأتي بعد… تتمة »

عدد الزيارات: 153,769,974

عدد الزوار: 6,914,103

المتواجدون الآن: 117