نظاما البعث السوري والنظام الإيراني.. والخليج العربي

تاريخ الإضافة الأحد 7 آذار 2010 - 6:55 ص    عدد الزيارات 585    التعليقات 0

        

يعي نظام دمشق أن قوته تكمن في سياسة اللعب على التناقضات العجائبية التي يمارسها
مهزلة التحالف السياسي المصيري بين نظامي دمشق وطهران والذي توج اخيرا وخلال الزيارة الأخيرة للرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد لدمشق باتفاق إلغاء التأشيرة ( الفيزا ) لم تعد تقتصر على جوانب التحالفات الأمنية والعسكرية بقدر ما أدت في النهاية لإفراغ النظام السوري من مرتكزاته الآيديولوجية وهويته الفكرية والسياسية وتحوله الى تابع صغير للنظام الإيراني, فالعلاقات الخاصة جدا بين النظامين والتي رسخ أركانها نظام الرئيس السابق حافظ الأسد من خلال الوقوف العلني والصريح مع الجانب الإيراني خلال الحرب العراقية - الإيرانية ( 1980 / 1988 ) كانت ذات طبيعة خاصة تمثلت في تحالف سياسي - أمني استفاد منه النظام السوري إستفادة جمة في مرحلة الثمانينات وحتى مرحلة غزو الكويت عام 1990 , ففي تلك الأعوام الساخنة تمكن نظام دمشق من تجاوز الكثير من الإشكالات السياسية الإقليمية والدولية واستطاع أن يكون بوابة لطهران في اتصالاتها الدولية مع العالم , كما استفاد النظام السوري من الدعم الإيراني المادي السخي ومن حجم الزيارات الدينية والسياحية التي عمرت الكثير من خرائب الشام وأقامت مشاريع إقتصادية وسياحية مهمة وذات مردود اقتصادي , ومن الناحية الستراتيجية الصرفة كانت دمشق بوابة مهمة للتغلغل الإيراني في قضايا المنطقة , فمن البوابة السورية وحدها أتيح للإيرانيين مثلا دعم وتقوية "حزب الله" وسحب البساط عن حركة "أمل" التي لم تعد تمثل الطائفة الشيعية بالقدر نفسه الذي يمثله "حزب الله" الإنتاج الأكبر والأوسع للجهود التبشيرية الإيرانية في الشرق الأوسط وهو التنظيم الذي نما وترعرع في ظل رعاية فصائل الحرس الثوري الإيراني المتمركزة في الشام وفي سهل البقاع سابقا أيام الاحتلال السوري للبنان حتى أضحى "حزب الله" اللبناني اليوم ليس مخلب قط إيراني فقط, بل مجموعة من المصالح السياسية والأمنية والاقتصادية ووفق منظومة أمنية وسياسية وعسكرية واقتصادية هائلة تشمل مظلتها بعض دول الخليج العربي وحيث هناك وجود فاعل ومؤسسي لجماعة "حزب الله" داخل بعض دول الخليج العربي! النظام السوري وهو يشيد علاقاته بنظام طهران كان في قمة البراغماتية والصبر الغريب الذي يصل الى حد البرود القاتل , فليس سرا أن الإيرانيين بمنظومتهم الفكرية والعقائدية والمرجعية يعتبرون "حزب البعث العربي الاشتراكي" حزبا علمانيا صليبيا كافرا معاديا للإسلام والمسلمين وكانت تلك هي قناعتهم وما زالت والتي على أساسها حاربوا نظام البعث العراقي البائد لأكثر من ثمانية أعوام ساخنة ودموية كانت حافلة بالمصائب وعامرة بالشعارات التي تصدم القوميين العرب والبعثيين في طليعتهم والتي أهمها "تحرير كربلاء والطريق إلى القدس" وإسقاط نظام البعث العراقي وإقامة البديل الإسلامي الجاهز وعلى نمط ولاية الفقيه الإيرانية! وكانت تلك الشعارات الحماسية وقتها لا تراعي أبدا حقيقة أن أكبر نظام إقليمي حليف للنظام الإيراني هو نظام البعث السوري! فالشعارات التي كانت مرفوعة في بغداد هي نفسها تلك الموجودة في دمشق,ومن كان يستمع لإذاعتي النظامين البعثيين اللدودين كان لا يرى فرقا في التوجهات, بل ان الفروق كانت في الأسماء فقط, فالأمة الواحدة والرسالة الخالدة والاشتراكية لعربية... هي نفسها! ومع ذلك كان نظام دمشق قد تحول الى أكبر قاعدة إيرانية بشعارات طائفية غريبة كل الغرابة عن الفكر البعثي في الشرق الأوسط! وهي إشكالية غريبة للغاية في العمل القومي وفي طبيعة الأسلوب والتصرف البعثي السوري بسياقاته الخاصة التي حولت حزب البعث السوري لمجموعة من الجزر الطائفية المنفصلة, كما كانت الحال في قيادة البعث العراقي المؤيدة لحزب نظام دمشق التي إنقسمت الى قيادة قطرية شيعية كانت برئاسة سهيل السهيل وقيادة قطرية سنية متعصبة كانت بقيادة جبار الكبيسي ثم فوزي الراوي! كانت شعاراتها وتوجهاتها شبيهة تماما بشعارات حزب صدام حسين في العراق , والغريب أن بعد كل المتغيرات الهائلة في المواقف والأحداث منذ عام 2003 إلا أن النظام السوري ما زال يلعب لعبة التوازن الغريبة تلك , فبرغم العلاقات الوثيقة والتحالفية الخاصة جدا مع نظام طهران , فإن نظام دمشق يقيم اليوم أوثق العلاقات مع حزب البعث العراقي التابع لقيادة عزة الدوري إلى درجة أن الرئيس السوري بشار الأسد خلال سفرته الأخيرة لتركيا كان قد اصطحب معه في الوفد السوري واحدا من كبار القياديين العراقيين في مجموعة عزة الدوري! إنها سياسة متناقضات عجائبية يمارسها نظام دمشق الذي يعي جيدا أن قوته الحقيقية تكمن في استغلاله للمتناقضات الإقليمية الحادة, وأن التحالف الصميمي مع نظام طهران يعطيه مساحة من القوة الديبلوماسية والمعنوية يحتاجها, خصوصا وأن دمشق هي إحدى الواجهات التي يتم من خلالها تغذية المشروع النووي الإيراني بالمواد الخام التي يحتاجها كاليورانيوم والمعدات الأخرى المهربة من الجمهوريات السوفياتية الآسيوية السابقة, وعن طريق مافيا السلاح! لذلك فإن ذرائعية نظام دمشق قد جعلت من شعارات حزب البعث الحاكم نظريا, وحتى من أهدافه مجرد خرقة بالية لا قيمة لها , فالحزب ليس سوى اسم تراثي ميت بالكامل والدليل هو أن الماكينة الإعلامية السورية "البعثية" افتراضيا لم تنبس ببنت شفة ضد الاستفزازات الإيرانية الأخيرة المعادية لتسمية "الخليج العربي"! وهي إجراءات عدوانية سخيفة وعنصرية للنظام الإيراني المتغطرس, والتي وصلت الى حد مقاطعة شركات الطيران العربية والدولية التي تستخدم تسمية "الخليج العربي" ومنها الخطوط العربية السورية والتي يبدو أنها ستبدل التسمية الخليجية على خرائطها لاسم "الخليج الفارسي"! حتى لا يتضرر التحالف الوثيق بين النظامين!  إضافة الى المواقف العدوانية للنظام السوري من حركة التحرر الوطني والقومي الأحوازية والتي تمثلت في تسليم المناضلين الأحوازيين لنظام طهران كما حصل في قضية الأحوازية معصومة الكعبي وأطفالها وقضايا مشينة أخرى والتي تجعل من دعايات البعث السوري الإعلامية مجرد مسرحية هزلية سخيفة لحزب قد تحول لخرقة يمسح بها الولي الإيراني الفقيه عرق جبينه!
تحالف نظامي دمشق وطهران ليس سوى عرس لا قيمة له , فالأهداف المشتركة قد داست على كل القيم والمبادئ التي أعلن نظام دمشق تحديدا إفلاسها التام.
داوود البصري * كاتب عراقي                 

ملف الصراع بين ايران..واسرائيل..

 الخميس 18 نيسان 2024 - 5:05 ص

مجموعة السبع تتعهد بالتعاون في مواجهة إيران وروسيا .. الحرة / وكالات – واشنطن.. الاجتماع يأتي بعد… تتمة »

عدد الزيارات: 153,717,207

عدد الزوار: 6,910,079

المتواجدون الآن: 97