السّنة والشيعة.. خلاف ديني أم سياسي؟

تاريخ الإضافة الخميس 4 آذار 2010 - 6:55 ص    عدد الزيارات 575    التعليقات 0

        


السّنة والشيعة.. خلاف ديني أم سياسي؟

 




 هشام العوضي

قبل 400 سنة، خاضت أوروبا حربا دينية استمرت 30 سنة، وكان يمكن أن تدوم إلى يوم الدين، لولا أن المتقاتلين حولوا الديني إلى سياسي، مكنهم من التفاوض، لا بشأن ما إذا كانت الكاثوليكية أم البروتستانتية هي المسيحية الصحيحة، وإنما بشأن ما إذا كان بإمكان الطرفين التعايش فيما بينهما. وهذا التراث، الذي أثمر ما عرف في تاريخ أوروبا بصلح «وستفاليا»، هو الذي كوّن البنية التحتية التي تأسس عليها «الاتحاد الأوروبي» اليوم.
نحن في تاريخنا، فعلنا العكس.. حولنا ما نشب خلافا سياسيا إلى خلاف ديني، شكل بعد ذلك البنية التحتية لأي انقسام، وإن لم تمتّ مسبباته إلى الدين بصلة. وبينما أفلحت أوروبا في أن تصنع ميكنزمات للتعايش، على رغم وجود خلافات مقدسة، نجحنا نحن في أن نحافظ على ميكنزمات التفتت بيننا، حاشدين لها النص الديني لتجويزها. وهذا ما يجعل السؤال عما إذا الخلاف بين السنة والشيعة خلافا سياسيا أم دينيا هو سؤالا ملتهبا منذ البداية، لأن المسألة محسومة لمصلحة الديني في عقل 70 % من المسلمين منذ القرن الأول إلى يوم الدين. والـ 30 % المتبقية تعتقد بأن الخلاف بين السنة والشيعة ليس سياسيا فحسب، وإنما تاريخي، حُق لنا أن نتجاوزه وننشغل عوضا عنه بتطوير أنظمة ديمقراطية تفرز لنا الأصلح.
أنا من هؤلاء الـ 30 %، ومنهم أيضا المفكر الشيعي، المثير للجدل أحيانا، أحمد الكاتب، ولاسيما في كتابه الأخير: «السُنّة والشيعة: وحدة الدين خلاف السياسة والتاريخ»، الصادر عن الدار العربية للعلوم، 2007. والكاتب يعيش منذ سنوات في بريطانيا. وأقول لك إن من يعش في أوروبا، بعقلية منفتحة، مبتعدا جغرافيًا عن المدن والمشاهد والمزارات المثقلة لقرون بالذاكرة الجماعية، ونائيا عن ثقافة الشحن الطائفي، تتقزم في حسه النزعة الإقصائية، وتنضج عوضا عنها النزعة المتحيزة لإنسانية الإنسان. وأعرف ما أقول لأنني عشت في بريطانيا، والتقيت خلالها بأحمد الكاتب، وحاورته في كتابه الذي أثار وقتها جدلا، ولايزال «تطور الفكر السياسي الشيعي: من الشورى إلى ولاية الفقيه».
يعتقد أحمد الكاتب أن الأمة الإسلامية لم تعرف في المئة سنة الأولى الطوائف، كما نعرفها اليوم، وأن العلاقات بين الخلفاء، بين علي وأبي بكر أو عمر تحديدا، لم تكن بالحدية ولا العدائية التي نمطّت وعينا عن العلاقة بين هذه الشخصيات، بالعكس، كان لدى كل من هؤلاء احترام لاختيار الناس، وحرص على وحدة الصف، بصرف النظر عما كان يعتقده أي منهم فيما كان ينبغي أن تصير عليه الأمور.
ففرق كبير بين ما يتمناه المرء في داخله، وبين موقفه النهائي مما يحصل على الواقع بموافقة شعبية. فالكاتب يعتقد أن الخلافة كانت مسألة سياسية، غير محسومة بنص ديني، وأن غياب النص، قرآنا أو خبرا نبويا، كان متعمدا لتطوير ممارسة الشورى، وتفعيل الثقافة الدستورية المعاصرة أن «الأمة مصدر السلطات».
ويعتقد الكاتب أن ما تعرض له المساندون لعلي من ملاحقات أمنية وتعذيب على يد الأمويين، بلورت في حس بعض المضطهدين قراءة متشددة للنص، أفضت في النهاية إلى حصر السلطة السياسية في أهل البيت «نظرية الإمامية الإلهية»، فتحول على يدها ما كان خلافا سياسيا إلى جدل ديني، نشأت معه ثقافة الولاء والبراء، وممارسة اللعن والتكفير. «وفي الحقيقة أن نشوء نظرية الإمامية الإلهية لأهل البيت، وتحولها إلى عقيدة دينية، أو أصل من أصول الدين، لدى الشيعة الإمامية، أوقعهم في أزمة تاريخية، وعداء نظري مع الشيخين [أبي بكر وعمر] وانفصال واقعي عن ثقافة أهل البيت وتاريخ الشيعة الأوائل الذين كانوا يكنون حبا واحترما كبيرين لهما». (الكاتب، الشيعة والسُّنة، ص.136).
ولم ينحسم الصراع بزوال الأمويين ومجيء العباسيين، وإنما ازداد تشظيا، إذ اختلف العباسيون مع العلويين، وكلاهما أبناء عمومة من بني هاشم، على شرعية السلطة، ما دفع العلويين للثورة وتأسيس فرع منهم للدولة الفاطمية في شمال أفريقيا. ولم تقتصر تلك الفترة على الدولتين الهاشميتين، العباسية في بغداد والفاطمية في القاهرة، وإنما شملت تيارات سياسية أخرى دخلت حلبة الصراع، مثل البويهيين في بغداد، والغزنويين في أفغانستان، والحمدانيين في الشام. والطريف أن معظم من كان يُصنّف على أنه سُنيّ، كان يقبل بكل من يتولى السلطة سواء كان عباسيا أم فاطميا أم بويهيا، طالما حافظ على الأمن العام، ما دل على أن «الصراع الحقيقي لم يكن بين الطوائف (السنة والشيعة) بقدر ما كان بين الأطراف السياسية التي كانت تستغل المذاهب الفكرية والفقهية أحيانا لتحشيد القوى الاجتماعية وراءها» (ص.200). فالخليفة العباسي القادر بالله مثلا كان يخوض معركة وجود مع الفاطميين العلويين في حين أنه كان يتآلف مع البويهيين الزيدية والشيعة الإمامية الإثني عشرية. (هل تستطيع أن تفكر في أمثلة راهنة شبيهة؟).
وبينما كانت الخلافات السياسية بين الشيعة والسنة في طريقها للضمور، نشأت الدولة الصفوية في إيران والعثمانية في تركيا. وكانت الدولتان بالمقاييس العصرية مستبدتين، ولا علاقة لهما، لا بالشورى ولا بأخلاق أهل البيت، ومع ذلك ظلا يرفعان شعار التشيع والتسنن على التوالي. وغرق الناس من القرن الأول منذ الأمويين إلى القرن العشرين مع العثمانيين في بحر الدكتاتورية والاستبداد، وهو بالمناسبة فكر هيمن على جميع أصحاب المذاهب الإسلامية بلا استثناء.
ومع أن الأمويين والعباسيين والفاطميين والعثمانيين انقرضوا، ونشأ عنهم واقع سياسي جديد بعد الحرب العالمية الأولى، إلا أن الأنظمة ظلت مستبدة، وظلت مشاعر الجماهير مثخنة بجراح التاريخ. ونحتاج في المرحلة المقبلة إلى أجيال تفكر بعقلية جديدة، لا تقسم البشر على أساس طائفي، ولا قبلي وإنما على أساس ما إذا كانوا ديموقراطيين أم مستبدين. أما كيف نذيب الطائفية، فيقترح الكاتب خطوات عملية، أعرف أن بعض القراء سيفتح فاه دهشة وربما رفضا لها، لأنها تشمل: تجنب السكن في المناطق المنعزلة طائفيا، والتعايش المشترك في المناطق العامة، والانفتاح على أبناء الطوائف الأخرى اجتماعيا، بإقامة علاقات حسن جوار، وصداقة وتعارف، وتشمل الزواج المختلط، ونبذ الفتاوى الضيقة التي تحرم ذلك الزواج، وتشمل الصلاة في جميع المساجد، وراء أئمة سنة وشيعة، وتشمل السياحة إلى البلاد المختلفة طائفيا والاحتكاك بناسها، وتشمل الاشتراك في النوادي الرياضية، والاتحادات الطلابية والنقابات والمنتديات الثقافية والأحزاب على أسس وطنية، لا على أسس طائفية. تمنياتي أن نفلح يوما في تحويل الديني إلى سياسي لعلنا نخرج بذلك، كما خرجت أوروبا قبل 400 سنة، بصلح «وستفاليا» إسلامي.

 

ملف الصراع بين ايران..واسرائيل..

 الخميس 18 نيسان 2024 - 5:05 ص

مجموعة السبع تتعهد بالتعاون في مواجهة إيران وروسيا .. الحرة / وكالات – واشنطن.. الاجتماع يأتي بعد… تتمة »

عدد الزيارات: 153,678,876

عدد الزوار: 6,908,136

المتواجدون الآن: 101