القيادة الجديدة لـ«الإخوان» المصريين بين الراديكالية القطبية ورفع حظوظ التسوية مع السلطة

تاريخ الإضافة الثلاثاء 9 شباط 2010 - 5:04 ص    عدد الزيارات 844    التعليقات 0

        

القاهرة – أحمد مصطفى
 

أوصاف عدة أطلقت على نتائج انتخابات مكتب الإرشاد - أعلى هيئة تنفيذية في جماعة «الإخوان المسلمين» - الأخيرة. البعض عدها زلزالاً، والبعض الآخر اعتبرها نقطة تحول في تاريخ الجماعة، وآخرون رأوا فيها هزيمة للتيار الإصلاحي. لكن المؤكد هو أن الأزمة الطاحنة التي تعيشها جماعة «الإخوان المسلمين» في مصر، جاءت نتاج تحولات فكرية وتطورات في البناء التنظيمي لجماعة «الإخوان المسلمين»، ويترقب الشارع المصري ما سيؤول إليه مستقبل الجماعة، التي تعدى عمرها الثمانين عاماً، وقدرتها على الصمود أمام العواصف التي تتعرض لها سواء على الصعيد الداخلي أم القيود التي تحاصر نشاط «الإخوان».

ولم يغلق إعلان الدكتور محمد بديع ثامن مرشد يقود «الإخوان المسلمين» باب الحوار، بل زاده اتساعاً، في شأن مستقبل الجماعة في ظل قيادته الجديدة بعدما وضعت القائمة الجديدة لمكتب الإرشاد النقاط فوق الحروف في ما يتعلق بأحكام التيار المحافظ بمفاصل الجماعة. هذا الكلام جاء على خلفية أزمة طاحنة أســفرت عن خروج رمزين من رموز الــتيار الإصلاحي من المواقع القيادية للجماعة، أحدهما الدكـــتور محمد حــــبيب نائب المرشد السابق، والذي اعتــــبر أن انتخابات مكتب الإرشــــاد غير شرعية وضد مؤسسية الجمـــاعة ولوائحها، والثاني هو الدكتور عبدالمـــنعم أبو الفتوح الرجل الذي يصـــفه البعض بالمؤسس الثاني للجماعة خلال عقدي السبعينات والثـمانيــــنات من القرن الماضي، والذي فضل عدم الترشح للانتخابات والابتعاد عن الصراع على قيادة مكتب الإرشاد.

وعلى رغم تمكن جماعة «الإخوان المسلمين» على مدار العقود الثمانية الماضية من أن تزيد من حضورها الاجتماعي والتنظيمي في مصر، ‏غير أن هذا الحضور لم يقابله تطور في الخطاب السياسي بالقدر الذي يؤهلها لأن تصبح شريكاً في الحكم أو حزباً سياسياً على غرار ما فعلت فروعها الأخرى في بقية البلدان العربية. فمنذ أواخر السبعينات قبلت الجماعة الدخول في اللعبة السياسية،‏ وخلال عقد الثمانينات نجحت في زيادة حضورها السياسي والاجتماعي بشكل غير مسبوق،‏ بل كانت الحركة الأكثر تأثيراً وقبولاً لدى الشارع المصري‏،‏ ونتيجة لذلك حققت اختراقات كثيرة في النقابات المهنية‏.‏ غير أن الجماعة بلغت قمة صعودها السياسي مع الانتخابات البرلمانية التي أجريت أواخر عام ‏2005‏ حين حققت فوزاً غير مسبوق وحصلت على ‏20‏ في المئة من مقاعد البرلمان المصري‏.

وإذا كان معظم المتابعين للشأن الإخواني يتحدثون عن وجود صراعات بين «الحرس القديم» و «التيار الإصلاحي»، وأن «الجناح المتشدد» حقق نصراً كبيراً بفوز بديع، فإن الأمر لم يخلُ من فوائد صبت في مصلحة الجماعة حين أثبتت عملياً أنها تؤمن بـ «التدرج الداخلي وأعمال مفاهيم الديموقراطية»، فأعضاء جماعة «الإخوان المسلمين» أنفسهم لم يعتادوا على وجود مرشدين لحركتهم في وقت واحد: مرشد سابق ومرشد حالي. هذه سابقة لم تعرفها الحركة على مدى تاريخها المديد. فمنذ اغتيال مؤسس الحركة، ومرشدها الأول حسن البنا عام 1949، كان اختيار المرشد يتم على «طريقة الملوك»، أي بعد وفاة المرشد، وبسرية وسرعة شديدتين. والاستثناء الوحيد، الذي خالف القاعدة حتى الآن، هو انتخاب محمد بديع مرشداً ثامناً للحركة قبل أيام. كما أن الأزمة الطاحنة وضعت الجماعة في صدارة المشهد الإعلامي الحكومي قبل الخاص والمعارض، ما يعني وجودها الكبير في الشارع ويصور مدى اهتمام الرأي العام بنشاطها، وهو الأمر الذي لطالما نفاه النظام في مصر، وفي الوقت الذي انشغلت فيه الأوساط المصرية بأصداء الانتخابات الداخلية في «الإخوان» وكثرت التحليلات حول مستقبل الجماعة في ظل سيطرة الجناح المحافظ أو ما يسمون أنفسهم بـ «القطبيين» - نسبة إلى سيد قطب - برزت تحذيرات تبناها رئيس حزب الوسط (تحت التأسيس) القيادي السابق في الجماعة المهندس أبو العلا ماضي، في شأن إمكان تحول جماعة الإخوان في ظل سيطرة «القطبيين» إلى العنف، وهو ما أثار موجة من شديدة من الانتقادات. وينبه القيادي السابق في الإخوان إلى أن سيطرة «مجموعة 65» أو من يعرفون بـ «القطبيين» على الجماعة مثير للقلق خشية انتشار أفكارهم الخاصة بـ «العنف المؤجل».

و «القطبيون» هم أعضاء تنظيم عام 1965 الذى تزعمه القيادي الأصولي سيد قطب، وهم الذين حوكموا معه في ذلك العام، ومن بين هؤلاء المرشد الجديد محمد بديع.

وأوضح ماضي لـ «الحياة» أن مجموعة «القطبيين» يؤمنون بما اعتبره «العنف المؤجل»، إذ إنهم على رغم إيمانهم بعدم ممارسة العنف في سبيل الإصلاح، إلا أنهم في الوقت ذاته لا يستهجنونه، ومن ثم هم يرفضون استخدامه إلا إذا توافرت اللحظة المواتية التى تجعل استخدامه محققاً لأهدافهم. وأشار إلى واقعة حدثت في عهد المرشد الخامس للإخوان مصطفى مشهور عندما اتخذ مكتب الإرشاد في حينه قراراً يحظر اشتراك الإخوان في القتال في أي مكان، غير أنه بعد فترة وجيزة فوجئ أعضاء الجماعة بجثمان زميل لهم عائداً من الشيشان إلى مسقط رأسه في محافظة الشرقية (دلتا النيل). وعند التحقيق في تلك الواقعة تبين أن قيادياً في نقابة الأطباء أرسل عدداً من الإخوان المصريين للقتال في الشيشان، ولما سئل عن مخالفته بذلك قرار مكتب الإرشاد أجاب بأنه فعل ما فعل بموافقة مصطفى مشهور. ورأى ماضي أن هذه الواقعة وغيرها تعبر عن اعتياد قيادات النظام الخاص و «القطبيين» على اتخاذ قرارات وتنفيذها سراً ومن دون علم الجسد الرئيسي للإخوان، منبهاً إلى أنه «في حال لم ينتبه جمهور الإخوان ومعهم المجتمع الى فكر هؤلاء فقد يفاجئوننا بمواقف وتصرفات تختلف عما يؤمن به الآخرون داخل الجماعة وخارجها». وطالب أصحاب الفكر المعتدل داخل الجماعة بالانتباه إلى خطورة سيطرة «القطبيين» على الجماعة، وان يتصدوا لأية محاولة لنشر أفكار «قطبية» تصادمية تؤمن بـ «العنف المؤجل».

انقسامات تحتاج وقتاً لمعالجتها

وبينما أقر عضو مكتب إرشاد الإخوان عصام العريان بوجود خلافات داخل جماعته يشير الى أن تلك الخلافات لم تنتهِ بانتخاب مرشد عام جديد وان تلك الصدامات تحتاج إلى وقت لمعالجتها، غير أنه في الوقت ذاته أكد أن الفترة العصيبة التي عاشتها الجماعة أخيراً صبت في مصلحة الإخوان، فالجماعة بحسب العريان «خرجت أكثر قوة، ولديها الآن قيادات جديدة أعطت مثلاً في الديموقراطية، فللمرة الأولى في تاريخ الحركات الإسلامية أصبح هناك قيادات سابقة على قيد الحياة». وتمنى العريان أن يتم نشر هذا المنهج الديموقراطي في أوساط القواعد الأدنى في الجماعة.

ويرى العريان أن مستقبل جماعة «الإخوان المسلمين» مرتبط بعوامل عدة، في مقدمها قدرتها على التماسك والوحدة، أمام الظروف السياسية والقيود الأمنية التي تحاصرها.

وأكد العــــريان لـ «الحياة» أن قادة الإخوان لديهم إيمــــان بضرورة تعديل اللـــوائح الداخلـــية لتتــــماشى مع الظروف والأجواء المستقبلية، مشيراً إلى أن التجربة الماضية التي عاشتها الجماعة يمكن أن تتحول إلى مصدر قوة حين تدرك قيادات الإخوان ضرورة التجديد والتطوير الفكري.

صراعات الأجنحة

ويرجع الخبير في الحركات الإسلامية في «مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» عمرو الشوبكي صراعات الأجنحة داخل الإخوان إلى «الجمود السياسي الذي تعيشه مصر». ويوضح أن «الصيغة الفكرية للجماعة تعتمد الفكر الدعوي أساساً وأنها غير مهتمة بممارسة العمل السياسي بفاعلية، لكن الجمود السياسي الذي تعيشه البلاد أدى إلى أن جزءاً من تيار الإخوان سعى إلى ممارسة النشاط السياسي، وهو ما عرف مع الوقت بالتيار الإصلاحي. ويشير إلى أن «الإخوان المسلمين كانوا في بداية تاريخهم جماعة دعوية يغلب عليها الطابع السلمي وقبل ثورة 1952 لم يكن لديهم مشروع سياسي». ويضيف أن «ما حصل أخيراً هو أن الجمود السياسي شجع بعض العناصر داخل الجماعة على العمل بالسياسة، وهذا أمر غريب على فكر الإخوان».

ويتوقع الشوبكي أنه في حال سمحت الدولة بالعمل السياسي للتيارات كافة وقبلت بإنشاء أحزاب «أن ينشق الجناح الإصلاحي عن جماعة الإخوان ليتحول إلى حزب سياسي، أما في حال بقاء الوضع على ما هو عليه فسيحاول الجناح الإصلاحي التعايش مع الوضع الحالي داخل الإخوان منتظراً الفرصة للانشقاق والعمل في النور من خلال حزب سياسي».

ويطالب الإصلاحيون بالمرونة في قضايا داخلية وخارجية تتخذ الجماعة في شأنها مواقف متشددة ومنها إجراء حوار مع الولايات المتحدة الأميركية التي تعارض الجماعة سياساتها في العالم الإسلامي وبخاصة تأييدها إسرائيل، بينما يدعو المحافظون إلى التركيز أكثر على تعزيز الداخل الإخواني عبر الاهتمام بتربية أعضاء الجماعة على حساب الانفتاح على المجتمع المصري والمشاركة في العملية السياسية.

ويؤكد الشوبكي أن لدى محمد بديع القدرة على لملمة أوراق الجماعة ومحاولة التوفيق بين الجناحين المتنازعين (المحافظ والإصلاحي)، غير أنه قال : «إن هذا الوضع سيعتمد على ترسيخ سياسة الوضع القائم الذي يضمن سيطرة الجناح المحافظ الذي يعتمد سياسة الانكفاء على الذات والتركيز على البعد الدعوي».

وفي ما يتعلق بموقف الجماعة من الانتخابات النيابية أكد عضو مكتب إرشاد جماعة الإخوان، رئيس كتلتها في مجلس الشعب (البرلمان) النائب سعد الكتاتني أنه تم اتخاذ قرار بالمشاركة في انتخابات التجديد النصفي لمجلس الشورى (الغرفة الثانية في البرلمان المصري) والتي ستجرى في منتصف نيسان (أبريل) المقبل. وشدد على أن الخلافات التي طرأت داخل الجماعة أخيراً لن تؤثر على المشاركة في الحياة السياسية في مصر، مشيراً إلى أن الجماعة ستحدد قريباً عدد الدوائر الانتخابية التي ستخوض فيها الانتخابات. وأوضح الكتاتني أن المشاركة في الانتخابات هي مسألة مبدأ عام للجماعة، أما الترتيبات النهائية فيتم التعامل معها وفق الظروف الموضوعية. وكشف عن أنه تمت أخيراً مخاطبة القواعد في المحافظات لمعرفة مدى قدرتها على المشاركة في الانتخابات النيابية، إذ إن تلك القواعد هي المكلفة بالإعداد للانتخابات، «ورأيها يجب أن يوضع في الاعتبار».

ويرى عمرو الشوبكي أن تأثير جماعة «الإخوان المسلمين» في الحياة السياسية خلال الفترة المقبلة سيكون محدوداً للغاية، وتوقع ألا تحصل على أكثر من عشرة مقاعد في انتخابات مجلس الشعب والتي تجرى في خريف العام الحالي. وأكد أن الجناح المحافظ الذي يسيطر على الجماعة لن يخوض الانتخابات المقبلة بأعداد كبيرة فهو يرى أن الجماعة دفعت ثمناً باهظاً وصل إلى خمسة آلاف معتقل، إضافة إلى غلق عشرات الشركات وقضايا عسكرية حكم فيها على قيادات ورجال أعمال من الإخوان، كما أن هذا الجناح يرى أن هذا الثمن لم تجنِ في مقابله الجماعة ثمناً، فلا الشارع تحرك ولا الوضع الداخلي تغير.

غير أن العريان أكد لـ «الحياة» أن مسألة المشاركة السياسية «هي استراتيجية عامة لا يمكن تغييرها»، مشدداً على أنه لا صحة لما يتردد عن انكفاء الجماعة على ذاتها. وأضاف العريان أن جماعة الإخوان تجاوزت منذ فترة بعيدة الأفكار التي تبناها القيادي الأصولي سيد قطب في شأن ضرورة عدم المشاركة في العمل السياسي والتركيز على العمل الدعوي.

في المقابل يؤكد الخبير في شؤون السياسة الداخلية في «مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية والسياسية» عمرو هاشم ربيع أن مسألة مشاركة الإخوان بأعداد كبيرة في الانتخابات وتحقيقها نجاحات على غرار ما حدث في السابق «سيعتمد بالأساس على علاقتها بالدولة»، مشيراً إلى انه من الناحية القانونية في ظل العمل بالنظام الفردي في الانتخابات يحق للإخوان المشاركة ولا يمكن الدولة منعها من ذلك، غير انه في المقابل وفي ظل عدم وجود إشراف قضائي على العملية الانتخابية واستمرار العمل بقانون الطوارئ، إضافة إلى هيمنة أجهزة الأمن على العملية الانتخابية تبدو مسألة المشاركة وتحقيق  نتائج «صعبة للغاية».

وقال ربيع لـ «الحياة» إن مشاركة الإخوان في الانتخابات ستعتمد على أمرين إما المشاركة الرمزية وإما إجراء صفقة مع النظام الحاكم وهو الأمر الذي يراه ربيع «وارداً جداً»، لكننا لا نستطيع التكهن بتفاصيل تلك الصفقة سواء كانت لإجراء نوع من التهدئة من قبل قادة الإخوان وعدم شحن الشارع ضد الدولة أم أمر آخر. ويؤكد أنه في ظل وجود محمد بديع والذي خرج في أول تصريح ليؤكد أن الإخوان ليسوا على خصومة مع النظام بعكس المرشد السابق مهدي عاكف والذي انتهج التشدد، فإن مسألة الصفقة «واردة بشدة». لكن الشوبكي يؤكد من جهته أن العلاقة بين الدولة والإخوان ستكون على ما يرام خلال الفترة المقبلة، ويوضح لـ «الحياة» أن الجماعة ستعتمد الدعوة خلال الفترة المقبلة، وهو ما لا تعارضه الدولة.
 

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك..

 الأحد 24 آذار 2024 - 2:34 ص

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك.. الحرة – واشنطن.. منذ السابع من… تتمة »

عدد الزيارات: 151,138,250

عدد الزوار: 6,756,308

المتواجدون الآن: 134