ماراتون العزل السياسي في العراق يتواصل!

تاريخ الإضافة السبت 6 شباط 2010 - 5:46 ص    عدد الزيارات 578    التعليقات 0

        

ماراتون العزل السياسي في العراق يتواصل!

 


 

عبدالحسين شعبان

فصل جديد وصاخب من فصول العزل السياسي في العراق بدأ عشية الحملة الانتخابية لدورة جديدة للبرلمان العراقي، حيث فوجئ الرأي العام بصدور قرارات من هيئة المساءلة والعدالة تمنع أكثر من 500 من الناشطين السياسيين من الترشّح للانتخابات تحت باب "قانون اجتثاث البعث". وقد تم تبليغ مفوضية الانتخابات بذلك، الأمر الذي تناوله الإعلام على نحو شديد وعاصف، لا سيما في قضية الدكتور صالح المطلك رئيس كتلة مجلس الحوار الوطني والأمين العام للحركة الوطنية العراقية التي يرأسها الدكتور أياد علاوي، التي أنشئت قبل بضعة أسابيع في بغداد، لخوض الانتخابات البرلمانية. وقد تبادلت الأطراف المختلفة القاصية والمقصية اتهامات متبادلة بارتكابات وعلاقات خارجية وفساد وإثراء على حساب المال العام والتعاون مع الأجهزة الأمنية في السابق والحاضر.
وتطوّرت المسألة الى سجالات سياسية وإشكالات قانونية، خصوصاً وأن العدد الأكبر من الذين تم استبعادهم مشاركون بالعملية السياسية وقسم منهم نواب في البرلمان منذ أربع سنوات أو أكثر. وقد أعاد الجدل بخصوص هذه القضية السؤال الكبير حول مدى قانونية قرارات هيئة المساءلة والعدالة التي أقرّها البرلمان في العام 2008، لكنه لم يوافق على تسمية أعضائها، الأمر الذي ستتعرض قراراتها للطعن بشرعيتها فضلاً عن قانونيتها أصلاً.
ومن جهة أخرى فهناك تساؤل بدأ يكبر من داخل العملية السياسية حول مدى قانونية "قانون اجتثاث البعث" الذي شرّعه بريمر الحاكم المدني الأميركي في العراق، وهو ما عبّر عنه في كتابه الذي صدر بعنوان "عام قضيته في العراق" العام 2006 عندما قال ".. سأكون شرطياً صالحاً عندما سأوقّّع أمر اجتثاث البعث..."
وقد أثار قرار اجتثاث البعث تداعيات سياسية وقانونية وإدارية وفنية واجتماعية وإنسانية، تركت تأثيراً بليغاً على الخارطة السياسية والمجتمعية العراقية، ستظهر نتائجها لاحقاً، خصوصاً على الاصطفافات والتحالفات السياسية والمسلحة. فمن الناحية السياسية كانت عملية الاجتثاث أقرب في الذاكرة الى عملية تحريم حزب الدعوة الإسلامي، وإصدار أحكام ضد أعضائه بالإعدام بأثر رجعي، بالقرار الذي اتّخذه مجلس قيادة الثورة في 31 آذار(مارس)1980، وكان تمهيداً للحرب العراقية- الإيرانية، كما ذكّرت بقرار تصفية الحزب الشيوعي الذي حدد نهاية العام 1980 مهلة للقضاء عليه، وقبل ذلك بقرارات مكافحة الأفكار الهدامة في العهد الملكي، واستخدام سلاح البراءة لإجبار السياسيين على ترك العمل السياسي، تلك التي استخدمها الجميع ضد الجميع، لا سيما عند القرب من السلطة، فالشيوعيون استخدموها ضد القوميين والبعثيين العام 1959، والبعثيون والقوميون ضد الشيوعيين بعد العام 1963 وبعد العام 1968 وبالأخص في أواخر السبعينات استخدم العزل السياسي ضد الكرد والإسلاميين والشيوعيين، واليوم نعود الى المربع الأول حين تستخدمها القوى المتنفذة في العملية السياسية، لا سيما الإسلامية ضد البعثيين وخصوم العملية السياسية أو المنافسين.
لقد كان قانون الاجتثاث أقرب الى عقوبات جماعية ذات طبيعة انتقامية لاعتبارات سياسية وعقائدية حيث جرى تحريم وتجريم العقيدة السياسية، وأخذ البريء بجريرة الجاني أو المرتكب، حارماً إيّاه من حق العمل السياسي، الذي هو حق من حقوق الإنسان، وهذا هو الوجه الآخر للتحريم القانوني.
أما التداعيات الإدارية والفنية، فإنها تركت تأثيراتها السلبية الخطيرة على جميع مرافق الدولة، خصوصاً إذا ما عرفنا أن حزب البعث الحاكم سابقاً، كان يحتكر المناصب العليا والمواقع الإدارية الرفيعة المستوى والمسؤوليات الأساسية في الإدارة المدنية والسياسية في الدولة، ما يعني إحداث فراغات خطيرة في الجهاز التنفيذي والإداري والفني للدولة العراقية بمجملها، ولعل هذا الأمر هو الأسوأ، إذا ما ترافق مع حل المؤسسة العسكرية والأمنية وبعض الأجهزة الأخرى الحساسة، وهو القرار الثاني الذي اتخذه بريمر باسم سلطة الائتلاف الموقتة.
حسب المعطيات المتداولة كان حزب البعث يضم عشية احتلال بغداد نحو مليون ومئتي ألف عضو، وهؤلاء يتحدّرون من جميع مكوّنات الشعب العراقي، وإنْ كان قسم كبير منهم قد انضمّ الى الحزب لأسباب مصلحية ونفعية وحفاظاً على لقمة عيشهم، وقد تدرّج بعض من هؤلاء ليحتلّ مواقع في الدولة ومؤسساتها على المستويات السياسية والقانونية والإدارية والفنية، ولذلك فإن القانون حتى وإن لم يشمل هؤلاء جميعاً إلاّ أنه وجّه الاتهام اليهم من دون استثناء من خلال العقيدة السياسية التي كانوا ينتمون اليها قناعة أو اضطراراً، مما ترك تداعياته الاجتماعية والإنسانية على عشرات بل مئات الألوف من العراقيين من المنتمين لأسباب مختلفة الى حزب البعث.
ورغم التفسيرات والمراجعات التي قيلت بشأن قانون الإجتثاث بأنه يشمل أعضاء القيادة القطرية وأعضاء الفروع والشُعب والفرق بما يقارب أو يزيد قليلاً عن ثلاثين ألف عضواً، إلاّ أن الأمر كان أعقد من ذلك وإذا ما انضم اليهم عناصر من القوات المسلحة والقوى الأمنية وبعض الأجهزة التنفيذية، فإنه سيشمل عشرات بل مئات ألوف أخرى، لكن الأهم أن القانون دفع أوساطاً كانت متململة أو غير راضية على انضمامها "القسري" أو شبه القسري الى حزب البعث، بل استعدادها للتخلي عنه، الى الاقتراب من بعضها البعض لشعورها بأنها جميعاً مستهدفة، أو يُراد لها تقديم تنازلات من شأنها أن تلحق الأذى بسمعتها وبمستقبلها.
صحيح أن بعضهم بادر الى ترك الحزب على نحو مجاني أحياناً، حيث استبدل ولاءه من الحزب والأجهزة الأمنية، الى التعاون مع الاحتلال والقوى التي تمثله مباشرة أو بصورة غير مباشرة، إما للنجاة أو تبرّماً بالماضي أو رغبةً في ركوب الموجة الجديدة والحصول على امتيازات. وهكذا أغرقت بعض الكتل الحديثة التكوين بعناصر انتهازية وهشّة، مثلما أغرق الحزب الحاكم نفسه في السابق بمثل هذه العناصر تحت الشعار الشهير الذي أطلقه الرئيس السابق صدام حسين في أواخر السبعينات "الكل بعثيون وإن لم ينتموا"، بمعنى أن العراقيين سواءً كانوا أعضاء في حزب البعث، أي منتمين بإرادتهم الطوعية أو لم ينتموا، فهم كذلك أعضاء بنظره حتى وإن لم يتقدموا بطلبات انتساب، طالما كان مجلس قيادة الثورة منذ العام 1974 قد كرّس حزب البعث قانونياً ورسمياً، باعتباره حزباً قائداً ووثائق مؤتمره الثامن مرجعية للدولة، أي جعلها بمصاف الدستور، وهكذا شهدت البلاد حملة تبعيث قسرية في أواخر السبعينات، واضطر نحو ربع مليون مواطن عراقي الى التوقيع على المادة 200 من قانون العقوبات البغدادي التي تقضي التعهد بعدم العمل مع أي تنظيم سياسي باستثناء حزب البعث والاّ سيتعرّض المخالفون لعقوبة الإعدام.
إن الطلب حالياً تقديم البراءة من حزب البعث يُذكّر بالمادة 200 التي استخدمها النظام السابق ضد معارضيه، والتي تجد أساساً لها حالياً في الدستور العراقي النافذ، خصوصاً في المادة 9 التي حرمت على البعثيين العمل السياسي تحت اسم حزب البعث أو أي اسم آخر يمتُ بصلة اليه، وهو ما حاول المتشددون العزف عليه.
كان الاعتقاد السائد أن مجيء جوزيف بايدن نائب الرئيس الأميركي الى العراق بعد اندلاع مشكلة استبعاد صالح المطلك وعدد من الشخصيات السياسية من الترشّح للانتخابات، يحلحل المسألة بإيجاد تسويات موقتة حتى وإن كانت غير قانونية، لا سيما وأن البلاد ما تزال تعيش في إطار فوضى قانونية وقرارات ملتبسة، ناهيكم عن هيئة لم يصادق عليها البرلمان، لكن المشكلة القانونية ستبقى قائمة ما لم يتم إلغاء قرار اجتثاث البعث الذي أصدره بريمر وإلغاء قانون المساءلة والعدالة، التي اقترحتها الحكومة الحالية بعد حل هيئة اجتثاث البعث التي كان يرأسها الدكتور أحمد الجلبي ونائبه رئيس الوزراء الحالي نوري المالكي، إذ لا يمكن تحقيق مصالحة حقيقية في ظل سيف العزل والإقصاء والاتهام المسبق، وهو اتهام متبادل في السابق والحاضر بالارتكاب والتخوين والفساد، لكن وجود عقبات دستورية بما فيها المادة 9 جعلت المسألة أكثر تعقيداً في ظل انتهاء دورة البرلمان الحالي، وهو الأمر الذي دعا بترايوس القائد العسكري الأميركي الى اتهام هيئة المساءلة والعدالة بالانحياز الى إيران والعمل وفقاً لتعليمات فيلق القدس الإيراني، الأمر الذي ردّ عليه علي اللامي (من هيئة المساءلة والعدالة) بالقول لو كان بترايوس في العراق لوجهّنا اليه تهمة الانضمام أو التستر على حزب البعث ولحاولنا اجتثاثه.
واعتقد أن استمرار هذه المسألة سيهدد العملية السياسية برمتها، لا سيما وأن سيف العزل طال أعداداً كبيرة من العاملين في الوسط السياسي من جميع الفرق، وخصوصاً من غير المحسوبين على الجماعات الدينية الحاكمة. وإذا ما تم الإصرار على إجراء الانتخابات في ظل عملية سياسية ناقصة أصلاً أو مطعون فيها، وفي ما بعد إبعاد فريق من المشاركين عنها، بمن فيهم من هو قريب من واشنطن، مع إصرار الرئيس أوباما على الانسحاب في شهر آب (أغسطس) القادم، سيعني التوسع في الدور الإيراني الذي سيدفع الكثيرين من المشاركين الحاليين الى الانحسار أو مقاطعة العملية السياسية القلقة والهشة، وإذا ما أضفنا الى ذلك احتمال تصاعد الخلاف الكردي- العربي حول صلاحيات الأقاليم وسلطات الفيدرالية، فإن الأمر سيأخذ جوانب أخرى للتصدّع السياسي.
إن سياسة العزل مهما كانت مبرراتها ستؤدي الى تضييق هوامش العملية السياسية وقد تجعلها تصل الى طريق مسدود، إن لم تكن هذه الانتخابات المستعصية إحدى المؤشرات القوية على ذلك.

ملف خاص..200 يوم على حرب غزة..

 الأربعاء 24 نيسان 2024 - 4:15 ص

200 يوم على حرب غزة.. الشرق الاوسط...مائتا يوم انقضت منذ اشتعال شرارة الحرب بين إسرائيل و«حماس» ع… تتمة »

عدد الزيارات: 154,252,345

عدد الزوار: 6,942,202

المتواجدون الآن: 116