هل مات العقل العربي.. أم قتل؟

تاريخ الإضافة الثلاثاء 26 كانون الثاني 2010 - 4:58 م    عدد الزيارات 695    التعليقات 0

        

عبد الزهرة الركابي... كاتب عراقي

العام 2009 انصرم كالأعوام التي انصرمت، وهو مثقل بما لا يسر النفوس، حتى غدت ارتكابات النظم تتحملها الشعوب التي ابتعدت عن مناحي الأمل، بتراكم الإحباط الى حد بات الإنسان العربي لا يستطيع تجسيد عروبته، سوى أن يحمل الاسم الذي تضاعفت فروعه في التجاهل والتباعد والتخاصم، وحتى لا تجرفنا التعريفات العنصرية، التي تروج بأن هناك شعوبا طامحة وشعوبا حاملة، وشعوبا حرة وشعوبا خانعة، فمن المفيد القول: اذا كانت الحال السليمة للإنسان والشعوب بتموضع في محل الصواب بالنسبة للقرارات والاختيارات والاتجاهات، فإن هذه الحال في شتى الجوانب راكمها الخمول ولم يعد يتوق الى منافذ الانطلاق والتقدم، ودلالة على هذا الخمول ولا نقول التخلف، لم تستطع جامعة عربية واحدة أن ترقى الى مصاف الجامعات المعترف بها رسميا في التعريف الأكاديمي العالمي، بينما حصلت خمس جامعات إسرائيلية على هذا الاعتراف.
وحتى لا نكون في محل البكاء على الأطلال البائدة أو القيام بعملية جلد الذات أو استذكار الأمجاد الضائعة، من الطبيعي أن تنتابنا الحيرة والاستغراب، عندما نرى بقية شعوب العالم وبعضها لا يختلف عنا في الظروف التاريخية بما في ذلك الشعوب التي زاملتنا في العالم الثالث منذ ما يقارب النصف قرن، تقدمت وتطورت أشواطاً بعيدة في الركب الحضاري، بل أصبحت تتفوق علينا تفوّقاً لافتاً، ومنها دول أوروبية وأميركية لاتينية ودول النمور الآسيوية وكذلك الهند والصين واليابان، حتى وصلت المواجع الى أن دولا عدة لا تملك من الهامش التأريخي والحضاري أثراً، وهي ايضا لا تملك ثروات طبيعية يعتد بها، ومع ذلك، تلتحق بهذا الركب المتطور الذي أصبح بعيداً عن العرب على وجه التحديد.
من هذا، يظل الباحثون يتساءلون عن أسباب تفوق الأمم والشعوب الأخرى وتخلف العرب في الوقت نفسه، وعلى سبيل المثال لا الحصر لو أشرنا الى الأوروبيين الذين يتحدثون في أكثر من لغة، وصحيح أنهم يعتنقون دينا واحدا لكنهم يتوزعون على أكثر من مذهب، وكان هنالك الكثير من الباحثين والمؤرخين الأوروبيين قد اعترفوا في كتاباتهم بالتفوق السابق للحضارة العربية الإسلامية حينما كانت أوروبا تغط في سبات التخلف والتقوقع بعد سقوط الامبراطورية الرومانية، وتخبط أوروبا كلها في ظلام التخلف والاندحار خلال العصور الوسطى، بينما كانت المنطقة العربية من الشرق وحتى بلاد الأندلس تتوهج بالعلوم والفنون والمدنية المزدهرة، وكان العلماء العرب يبادرون في استكشاف مجاهل العلوم ونشر فوائدها للإنسانية، حيث راح ابن خلدون يؤسس علم الاجتماع، والفيلسوف ابن رشد يضع العقل فوق النقل وفوق النص، وكانت بلاد الأندلس يعهدها العربي تحتضن الأقليات اليهودية والمسيحية في تفتح وتسامح لم تعرفه أوروبا بعد ذلك بسنوات طويلة حين راحت تنصب محاكم التفتيش لكل من يختلف عن الفكر السائد المتزمت.
وفي مقاربة لحاضر العرب مع ماضي الأوروبيين، نرى الفارق شاسعا في شتى مناحي التطور والرقي والحضارة، على الرغم من أن العرب هم أكثر من الأوروبيين مجالا لهذا التطور لو تعاملوا مع روح العصر بجدية على الأصعدة الإنسانية والفكرية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية والقانونية، وهكذا كيف رأينا بلداناً من أصقاع الدنيا يفوز مرشحوها برئاسة مؤسسات ثقافية عالمية، وهي بلدان لا توازي البلدان العربية تاريخيا وثقافيا، ومع ذلك فقد عجز المرشحون العرب عن بلوغ ذلك، من واقع أن خسارة المرشحين العرب جاءت بناءً على معادلة التقدم والتخلف في الوقت الحاضر، وليست على اعتبارات ماضوية.
لا شك بأن من أهم العوامل التي أوصلت العرب الى هذا التراجع والتخلف يعود الى نكوص العامل الفكري والثقافي في منطقتنا العربية، وهو ما أدى بصريح العبارة الى موت العقل العربي بعدما انطفأت توهجاته وتكسحت مبادراته وانطلاقاته، وها نحن في هذا الوقت نحاول أن نثبت أن الحضارة العربية الإسلامية التي كانت موجودة في الماضي والتي أبدعت في شتى المجالات وأخرجت إلينا علماء مثل ابن الهيثم والفارابي أصبحت الآن جثة هامدة، ذلك لأن الثقافة المسيطرة على العقول العربية ما هي إلا ثقافة الخوف، ثقافة سد الذرائع، ثقافة التكفير.
فالثقافة جزء من كل، فهي وجه من الوجوه المتعددة للحضارة، إنها منظومة من الأفكار والقيم والتقاليد التي تراكمت مع الزمن في البيئة والتراث لتكون الحالة الذهنية والنفسية والعقلية السائدة في مجتمع ما، وهي نافذة الفاعلية والتأثير على المجتمعات، باعتبارها المتحول والمتغير في الحضارة، أي عندما تضمحل الثقافة ولا تتفاعل مع الواقع التي تحيا فيه، بما أنها المتحول والمتغير في الحضارة، من الطبيعي أن تؤدي الى موت الحضارة، ويظهر هذا واضحا، لأنها تمثل الصرح المادي والملموس.
وختاماً، وفي هذا الوقت الذي تتحرك فيه الدنيا في وثبات عملاقة في الاقتصاد والعلم والمعرفة، نرى البعض يدعو الى الثبات والعودة الى خبر القرون الغابرة واحتقار الزمان الحاضر ومنجزاته، وبالتالي هل من فائدة ترجى من التساؤل: إلى أين انتهينا؟

ملف خاص..200 يوم على حرب غزة..

 الأربعاء 24 نيسان 2024 - 4:15 ص

200 يوم على حرب غزة.. الشرق الاوسط...مائتا يوم انقضت منذ اشتعال شرارة الحرب بين إسرائيل و«حماس» ع… تتمة »

عدد الزيارات: 154,241,688

عدد الزوار: 6,941,798

المتواجدون الآن: 116