إرساء أسس السلام في الشرق الأوسط؟

تاريخ الإضافة الخميس 30 نيسان 2015 - 7:00 ص    التعليقات 0

        

 

إرساء أسس السلام في الشرق الأوسط؟
نديم معاصري 
الآن وقد تم التوصّل إلى اتفاق أولي بين إيران والقوى العظمى الست، المتمثّلة بالدول الأعضاء الرئيسة في منظمة «الأمم المتحدة»، أُعيد إحياء توقعات جديدة حول شرق أوسط أكثر هدوءاً، وإن ليس بالضرورة أكثر استقراراً.
يُذكر أن نظام «الجذب والدفع» السائد حالياً بين الدول الصناعية الرئيسية في العالم، التي تعتمد على استيراد النفط وتصدير الأسلحة للحفاظ على توسّع مستمر لاقتصاداتها، أوجد قضيةً مشتركة في تلك المنطقة نفسها؛ حيث اجتمع الزعماء المتحالفون في وقت سابق في يالطا المجاورة خلال المراحل الأخيرة من الحرب العالمية الثانية سعياً إلى تحقيق توازن جديد بينهم بغية وضع حد للصراع الأكثر تدميراً في تاريخ الإنسان.
واستغرقت الولايات المتحدة الأميركية، القوة الرائدة في العالم الغربي، ما يزيد على مئة عام منذ الاستقلال للخروج من عزلة فرضتها على نفسها على الساحة الدولية. ويعود ذلك إلى أن الآباء المؤسسين للولايات المتحدة - الذين حرّروا بلادهم من الاستعمار البريطاني- حذروا دولتهم من التدخل في أية صراعات خارجية لا سيما في أوروبا، وكذلك لضرورة البقاء «كمخزن» من شأنه أن يوفّر الغذاء لتلك الشعوب الأخرى التي كانت في حال حرب، إلى درجة أن زيارة الرئيس ثيودور روزفلت في تشرين الثاني (نوفمبر) 1906 إلى بنما للاطلاع على التقدّم في بناء القناة التي كانت قيد الإنشاء آنذاك، شكّلت الزيارة الأولى في تاريخ الولايات المتحدة الأميركية لرئيس أميركي خارج حدود بلاده خلال مدة ولايته!
بيد أنه لم يمضِ على ذلك سوى بضع سنوات حتى فرض الرئيس وودرو ويلسون، الحائز على جائزة نوبل للسلام، في العام 1917 على الجيش الأميركي المشاركة في القتال في أوروبا. غير أن الكونغرس الأميركي، المعارض آنذاك لأية تدخلات إضافية في الخارج، صوّت عند انتهاء الحرب ضد الانضمام إلى عضوية «عصبة الأمم» الحديثة المنشأ. ونتيجةً لذلك، عادت الولايات المتحدة إلى سياسة الحياد وإلى عدم الرغبة في أن تكون فاعلةً أكثر في الشؤون العالم السياسية.
غير أن الرئيس باراك أوباما، الحائز على جائزة نوبل للسلام والمؤيّد لتخفيف بعض الالتزامات الأميركية في الخارج والحريص على إعادة بناء الدولة من الداخل، خصّص الوقت والطاقة بعد ما يناهز مئة عام من أجل إيجاد حل سلمي لمشكلتين حاليتين عالقتين تقضّان مضجع الشرق الأوسط. وبهدف المساعدة على إرساء الاستقرار في هذه المنطقة التي تملك أكثر من خمسين في المئة من احتياطي النفط العالمي، تحدّى أوباما بدوره الكونغرس- الذي يسيطر عليه الجمهوريون أخصامه والذي هدّده بإلغاء التفاهم الحالي الذي تم التوصل إليه مع إيران. يأتي ذلك في وقت سحب القوات الأميركية من أفغانستان المجاورة. وفي حال نجحت الإدارة الأميركية الحالية في تعزيز الخطوات الأولى لتطبيع العلاقات مع إيران والتقدم نحو سلام أكثر شموليةً بين الفصائل المتنازِعة في المنطقة، سيكون الرئيس أوباما حقّق إنجازاً كبيراً فشل رؤساء آخرون قبله في تحقيقه. ويعتقد مؤرخون كثيرون بأنه في حال حصول ذلك، لا بد حينئذ من الاعتراف به كقائد استحق جائزة نوبل للسلام.
في هذا السياق من الجدير ذكره أن البابا، الذي يرأس الكنيسة الكاثوليكية والقلِق على مصلحة الأقليات المختلفة في الشرق الأوسط، أشاد في رسالته الأخيرة الموجّهة بمناسبة عيد الفصح بالاتفاق الأولي الذي تم التوصّل إليه مع إيران. وبالتالي قد يكون من الغريب أن نشهد قيام غالبية شبه المطلقة من أعضاء الكونغرس الأميركي بالتهديد بتقويض هذا الاتفاق الناشئ حديثاً. ويُشار إلى أن بعضاً من هؤلاء الأعضاء يبدو وكأنه يخضع لمجموعات مصالح أخرى أو لأعضاء في مجموعات ضغط أخرى في واشنطن. بيد أن كثيرين منهم يمثّلون مناطق داخل الأراضي الأميركية لا تستسيغ واقع أن دولتها لا تتمتّع اليوم على صعيد العالم، اقتصادياً وسياسياً، بالمركز عينه الذي كانت تمتلكه في القرن الماضي بعد الفوز بالحربين العالميتين الأولى والثانية.
في الواقع ينبّه العديد من القادة الأميركيين في الوقت الراهن إلى أنه في عالم تُعتبر فيه المصالح الاقتصادية أساسيةً لرفاهية الأمم تبرز الحاجة إلى مزيد من الموارد لتلبية الضرورات القومية، ودعم المجتمعات المحليّة، وبناء مدارس وتوفير الاحتياجات الاجتماعية والطبية وليس للترويج للحروب في أراضي الخارج. ومن خلال مراقبة التطور السريع للأحداث في عالم مُعَولم في قرننا الـ 21، قد يكون من المثير للاهتمام تذكّر أحد آخر المقالات التي أعدّها دوايت د. أيزنهاور في عام 1965 بعد أن خدم بلاده ببسالة خلال الحرب والسلم. قال الرئيس الراحل في مقاله المُعنون «ما هي القيادة؟» إن القيادة الحقيقية «مزيج رائع من الخصائص التي ترفع النفس البشرية وتلهمها»، كما شدّد على أن «التفاني وإنكار الذات والشجاعة والقناعة والثبات والتواضع» صفات ضرورية للقائد الجيد.
وعليه، هل القيادة الحالية في واشنطن ترتقي إلى مستوى تعريف هذا البطل الأميركي من الزمن الماضي؟ وهل سيشكّل إرساء السلام في الشرق الأوسط التركة التي سيخلّفها باراك أوباما نتيجة اعتباره خلال حياته قائداً عالمياً؟
* كاتب أميركي من أصل لبناني - واشنطن
 

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024..

 الأحد 28 نيسان 2024 - 12:35 م

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024.. حول التقرير.. ملخصات التقرير … تتمة »

عدد الزيارات: 155,334,896

عدد الزوار: 6,987,482

المتواجدون الآن: 72