تحولات القضية السورية.. العامل الذاتي الوطني يبقى حجر الأساس

تاريخ الإضافة الأربعاء 11 آذار 2015 - 7:17 ص    التعليقات 0

        

 

تحولات القضية السورية.. العامل الذاتي الوطني يبقى حجر الأساس
د. عبدالله تركماني()..() باحث استشاري في «مركز الشرق للبحوث»
مع اقترابها من عامها الرابع يدرك السوريون ما آل إليه واقع ثورتهم من عسكرة سعى النظام إليها، ومن حسابات سياسية مصلحية تراعي مخاوف الغرب من نمو التطرف وتنامي ظاهرة «المجاهدين« الغربيين في سوريا والعراق. لكنهم يعلمون أنّ النظام ليس مسؤولاً فقط عن استدامة الاستبداد في بلادهم لأكثر من أربعة عقود، فهذا الاستبداد هو الذي دفع إلى نشوء الثنائية بينه وبين الإرهاب، مثل ثنائية «الأسد أو نحرق البلد«.

وبفعل سياسات النظام وممارساته الدموية والتدميرية، تحولت أغلبية السوريين إلى قتلى وجرحى وسجناء رأي وضمير ومهجرين، سواء داخل سوريا أو بلدان اللجوء، وجرى تدمير مدن وقرى في مختلف الأنحاء، كما جرى تدمير وتعطيل غالبية القطاعات والمؤسسات الاقتصادية والإنتاجية والخدمية والمرافق العامة، وأُصيبت البنى التحتية من شبكات المواصلات والنقل والاتصالات والمياه والكهرباء بالدمار والتعطيل، وكلها أدت إلى خروج السوريين من دوائر الفعل الاقتصادي والاجتماعي، بحيث لم يبقَ من الدولة والمجتمع، في دائرة الفعل، سوى بقايا المؤسسة العسكرية - الأمنية وبعض المؤسسات المساعدة في تشغيلها ودعم أجهزتها.

على أي حال ترتبت على وحشية النظام، وسلبية المجتمع الدولي، والتدخلات الخارجية المضرة، من الأعداء و»الأصدقاء«، عدة ظواهر:

- انحسار الثورة السورية، وخروج الوضع من تحت سيطرتها، من دون أن يعني ذلك انتهاءها، بدلالة تراجع مكانة إطاراتها، أو تعبيراتها، السياسية والعسكرية والمدنية والإغاثية.

- تحوّل سورية إلى ساحة مفتوحة للصراعات الدولية والإقليمية على المشرق العربي، بمعزل عن مصالح السوريين، وبما يضر الثورة والمجتمع.

- تصدّر الجماعات المسلحة المتطرفة والتكفيرية، التي تتغطى بالإسلام، والتي يصعب التمييز بين كونها معطى داخلياً، وبين كونها معطى خارجياً، أو كنتاج للتدخلات المخابراتية، الدولية والإقليمية والعربية المتضاربة.

لماذا وصلت الثورة السورية لهذه النتائج ؟ وما هي الاسباب التي جعلتها تخرج من يد أصحابها الذين أطلقوها؟

حدث التحول لأسباب وعوامل متعددة منها ما هو تحول اضطراري كتسلح الثورة رداً على الخيار الأمني للنظام. لكنّ العسكرة جرت بشكل عشوائي، كما تم إفشال جميع محاولات إنشاء قيادة موحدة تتمتع بقرارات مركزية مطاعة من الجميع. وابتعد حاملو السلاح تدريجياً عن الارتباط بالحراك المدني، وعملوا لوضع المؤسسات المدنية التي أقامتها الثورة تحت سيطرتهم بدل أن يحدث العكس، بأن تتبع القوى العسكرية لقيادة سياسية. مما ترك المجال لتعملق عسكريي الثورة وإخضاع الحراك المدني لكتائبهم المسلحة.

كما أنّ أسلمة العمل المسلح لم يأتِ فقط من غزو الجهاديين الخارجي، بل أيضاً من تأسلم الكتائب للحصول على الدعم المادي والتسليحي الخارجيين. كما استندت الأسلمة لعامل محلي هو درجة عالية من التديّن تميزت بها قطاعات واسعة من الشعب السوري، وبخاصة في الأرياف. لكنّ التديّن الشعبي شيء والتطرف في تديين أهداف الثورة شيء آخر، لا يتفق مع الغالبية المؤمنة في سورية التي كان واضحاً منذ البداية أنّ ثورتها ليست لهدف إقامة دولة دينية بل دولة مدنية.

وفيما يبدو وكأنه مسعى جديد إلى إعادة تعويم النظام والدفع باتجاه إعادة تأهيله، ظهرت، أخيراً، أفكار سياسية ترتكز عليها بعض المبادرات، وتشترك جميعها بفكرة أساسية هي أنّ المعارضة لم تعد طرفاً فاعلاً في هذه الأزمة، وأنها ما فتئت تفقد تأثيرها لصالح جماعات جهادية متطرفة.

وفي هذا السياق، فبمجرد الالتقاء مع ممثلي النظام، خارج أي إطار سياسي أو قانوني، وعلى أرضية ما سمي الحوار الوطني المباشر، ومن دون شروط، تكون هذه المبادرات قد ساهمت في دفن مفاوضات جنيف، وجميع قرارات مجلس الأمن التي تنص على مفاوضات رسمية واضحة، لها هدف محدد، هو الانتقال نحو نظام ديمقراطي، وآلية تنفيذية هي تشكيل هيئة حكم انتقالي تعد البلاد للحقبة القادمة، وشروط أساسية معروفة، في مقدمتها وقف إطلاق النار، وإطلاق سراح المعتقلين، والاعتراف بحق التظاهر السلمي، وتقديم المسؤولين عن الجرائم إلى المحاكمة.

إنّ مشكلة سورية لا تتمثل في وجود هذا المشروع أو ذاك، بغض النظر عن الموقف منه، وإنما هي تتمثل في الافتقاد المريب، والمشين، لأي عملية سياسية جدية، يمكن أن تؤسس لتوافق دولي وإقليمي، يؤدي إلى وقف تعميم القتل والخراب والتشريد الجاري منذ أربعة أعوام.

في كل الأحوال، هناك شروط أساسية لأي حل، كي يقترب من أن يكون حقيقياً، وأولها ألا يجرى تفصيله على مقاس الرغبات الروسية - الايرانية، وأنه لا بدّ من أن يرسم خريطة خروج الأسد، طريقاً وبوابةً، بدءاً من إقرار إخضاع المؤسسة العسكرية والأجهزة الأمنية للسلطة السياسية، أي للحكومة الانتقالية، بغية إعادة هيكلتهما وإبعادهما عن التدخل في الحياة السياسية.

وبين كل الاحتمالات يبدو أنّ مآل الحل الواقعي والمنطقي والذي يتفق مع مصلحة السوريين، السعي لإنهاء الوضع الكارثي السوري بحل سياسي تفاوضي يقيم حكماً انتقالياً بكامل الصلاحيات شريطة أن لا يشارك فيه القاتل بشار الأسد وكل الذين تلوثت أيديهم بالدم السوري، يوقف إطلاق النار ويقود عملية انتقالية تمر بدستور جديد وانتخابات تشريعية ورئاسية وعودة المهجرين وإعادة الإعمار ومواجهة المنظمات الإرهابية، وكل من لا يقبل بوقف القتال والاحتكام للعملية السياسية.

الصراع في سورية هو صراع إقليمي ودولي عبر السوريين. ولن ينتهي إلا إذا جرى توافق دولي وإقليمي على الخروج منه. لكنّ التوافق لن يأتي من هذه القوى الخارجية بقدر ما سيأتي من قدرة رجالات ونساء سورية على صنع توافق يحمي بلدهم، على مستوى السياسة كما على مستوى القوى العسكرية.

وبناء على ما تقدم، يبقى العامل الذاتي الوطني حجر الأساس في أي تعامل مع المبادرات والجهود التي تقارب المسألة السورية. فمن دون قيادة سياسية متماسكة للمعارضة تمتلك رؤية سياسة واضحة ومطمئنة لسائر المكوّنات السورية، على قاعدة احترام الحقوق والخصوصيات، وتأخذ في اعتبارها المعادلات الإقليمية والدولية، وتؤكد للجميع أنّ سورية المستقبل ستكون عامل استقرار وسلام لمصلحة الجميع، ستبقى الأمور عائمة، مفتوحة على غير ما هو منشود. ومن دون قيادة كهذه ستبقى كل جهود المعارضة الميدانية، بما في ذلك تدريب القوات لدى الدول المختلفة، مجرد قطع متناثرة في لوحة غير مكتملة.

يستدعي هذا، قبل أي شيء آخر، العودة إلى ذاتنا، واستعادة روح الثورة والمبادئ التي كانت تمثلها، في الحرية والكرامة وحق الشعب في تقرير مصيره، ورفض المساومة على القضية التي ضحى من أجلها ملايين السوريين. فمن دون إحياء روح الثورة من جديد، وتعميم إشعاعها في قلوب أغلب السوريين، لن يبقى هناك أي معنى لمعركتنا الراهنة، وسيتحول الكفاح البطولي المرير الذي خضناه، منذ سنوات، إلى اقتتال مجاني، عبثي. وسوف يشجع هذا جميع القوى الانتهازية على التلاعب بمشاعر السوريين، المنكوبين والمحبطين، لتبرير أي اتفاق على حساب مصالحهم ومستقبل أبنائهم، بما في ذلك تبرير التسليم بالأمر الواقع، والاستسلام لحكم القوة الغاشمة.


 
 

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024..

 الأحد 28 نيسان 2024 - 12:35 م

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024.. حول التقرير.. ملخصات التقرير … تتمة »

عدد الزيارات: 154,955,890

عدد الزوار: 6,973,093

المتواجدون الآن: 85