الجماعة تستعيد نفسها وجبهة العمل إلى الخلافات القاتلة

تاريخ الإضافة الثلاثاء 5 كانون الثاني 2010 - 5:39 م    عدد الزيارات 741    التعليقات 0

        

فداء عيتاني

الشيخ بلال شعبان يحاول التوازن في الحديث عن الوضع الداخلي للجبهة (أرشيف ــ مروان طحطح) لم تعد الجماعة الإسلامية توضع في بوتقة قوى 14 آذار، أو طرفاً في صراع مذهبي داخلي. ومع الانفراجات الأخيرة ومع خيبة الجماعة من حلفائها في تيار المستقبل استعادتها موقع الوسط، فإن جبهة العمل الإسلامي تشهد هزّات وخضّات منذ وفاة المؤسس، الداعية فتحي يكن.
الجماعة الإسلامية لم تبدّل في خطابها السياسي العام، لكنها، بعد الانتخابات النيابيّة الأخيرة التي استكملت فيها تشكيلتها القيادية، استعادت موقعها الوسطي في البلاد، وهو الموقع الذي تؤكد الجماعة أنها لم تتخلّ عنه يوماً، وقد بادرت غير مرة وفي غير مناسبة إلى صوغ علاقة هادئة مع حزب الله، الممثل الأقوى للمعارضة في المرحلة الماضية، علماً بأن مصادر الجماعة ترى أن حزب الله نحا في اتجاه تصعيد مذهبي، ولم يتقبّل إلى حدّ بعيد المواقف المستقلّة للجماعة.
اليوم، في حزب الله، اللهجة تجاه الجماعة مختلفة جداً، لم تعد الجماعة «تلتحق بركب المستقبل وتقف خلف (رئيس الهيئة التنفيذية في القوات اللبنانية) سمير جعجع»، كما كان يقال سابقاً. ويكتفي أحد القادة في حزب الله بالقول: «ما يعنينا هو أن الجماعة تقف وسطاً بين القوى، وموقفها العام مؤيد للمقاومة وحق الفلسطينيين في تحرير أرضهم». يضيف القيادي: «نكتفي بموقف الجماعة الوسطي حقاً، ونتعامل معه بكل إيجابية».
الاستياء من وضع جبهة العمل بلغ الأطراف كافة من سوريا إلى حزب الله وإيرانفي مركز الجماعة الإسلامية، حيث أجريت مراسم عزاء لشهداء حركة حماس في انفجار الضاحية، كان أحد القادة في حركة الإخوان العالمية يقول: «نعم، نشهد تطوراً في موقف الجماعة، لكن علينا الترقّب»، ومن خارج المركز، كان هناك من يشكّك في أن الموقف الضمني للجماعة تغيّر «قد لا يكون الموقف من المقاومة وحزب الله أكثر من ردة فعل على خيبة الأمل من تيار المستقبل من جهة، وتواؤماً مع المتغيّرات وانفتاح سعد الحريري على سوريا من ناحية أخرى».
لكن، بكل الأحوال، هناك استياء كبير داخل الجماعة من كلام أطلقه رئيس مكتبها السياسي السابق، علي الشيخ عمار، الذي لم يُعد انتخابه، وفي قيادة الجماعة هناك من أبلغ من يعنيهم الأمر أن الكلام لا يعبّر عن وجهة نظر الجماعة، وهو أن الشيخ عمّار ذهب بعيداً في موضع سلاح المقاومة، وهو رأي شخصي، وقيادة الجماعة استوضحت الشيخ عمار الذي قال إن الحوار اجتزئ، واعداً بإرسال توضيح إلى الوسيلة الإعلامية التي نقلته.
والتشكيلات الأخيرة التي أجريت داخل الجماعة، من انتخاب الأمين العام إبراهيم المصري بداية شهر كانون الأول 2009، وصولاً إلى الانتخابات في الهيئات القيادية، تشير إلى تحوّلات في منحى الأمور، واستعادة الجماعة ألقاً فقدته في ظلّ حيرتها تجاه شارعها من ناحية ومبدئيّتها من ناحية أخرى.
في مجمل الأحوال، الجماعة تمنّي النفس بمرحلة صعود جديدة مع تجديد قيادتها وتحوّلات الشارع الأخيرة في لبنان.
خيار أم أداة؟
مقابل الجماعة الإسلامية، تقف جبهة العمل الإسلامي التي أسّسها الداعية فتحي يكن، ورحل تاركاً إيّاها خلفه في نهاية انتخابات العام المنصرم للتوّ، كانت الجبهة في عين العاصفة من ناحية، فهي أنشئت خلال مرحلة المواجهة بين مشروعين، اتخذ كل منهما حشداً طائفياً، واستنفر الجمهور مذهبياً إلى أقصى حدّ، وبقيت الجبهة تشكل حداً أدنى من حاجات المواجهة التي كانت قائمة، مع تعدّد المنتمين إليها، من حركة التوحيد الإسلامي إلى الشيخ عبد الناصر الجبري في بيروت، ومن الشيخ زهير الجعيد في إقليم الخروب إلى عبد الله الترياقي وقوات الفجر في صيدا، وغيرهم كثر، وحظيت الجبهة برعاية من حزب الله وسوريا وإيران وجهات عدّة، وكانت عباءة فتحي يكن تؤجل الخلافات الداخلية وتطمسها إلى حين.
الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله كان يعتقد بأن الجبهة تمثّل علامة مضيئة، ومحاولة جادّة من قوى سنّية في اتجاه فكر حركي إسلامي مقاوم يعكس نفسه بين جمهوره الطبيعي ويحقق زخماً في المواجهة للمشروع الذي كاد يبتلع لبنان. وحتى لو خاب أمل الكثيرين من الجبهة، إلا أن نصر الله كان في كلمة تأبينية ليكن يردد: «الجبهة الجبهة الجبهة»، مشيراً إلى أن تعامله مع الجبهة بصفتها خياراً، لا أداةً، إلا أن في داخل الجبهة من يسأل: هل هي كذلك؟
انفجرت الأمور في الجبهة حين أقامت احتفالين في عكار، حيث كان الاحتفال الرسمي من تنظيم رئيس مكتب عكار ماهر عبد الرزاق، وأقام الشيخ هاشم منقارة احتفالاً موازياً في برقايل، حضره الشيخ عبد الناصر الجبري، ما فجّر مجموعة من الخلافات المكبوتة بين أطراف الجبهة.
ويقول قادة في الجبهة إنهم لم يجدوا آذاناً صاغية لهم في بيروت وداخل حزب الله بُعيد وفاة الداعية يكن، وهم بعد وفاة يكن اعتمدوا أسلوب القيادة الذي اقترحه عليهم حزب الله، أي القيادة الجماعية، إلا أن الخلافات زادت وتعمّقت بين الأطراف المشاركة، «وحين رحل الكبير (يكن) تقاتل الأبناء».
ويشير بعض القادة إلى أن 90 في المئة من القادة في الجبهة مرتبطون مباشرة بحزب الله، «فهل هناك نظرتان في داخل الحزب إلى الجبهة؟ وهل ينعكس صراع ما داخل الحزب على الجبهة نفسها؟».
قادة في حزب الله يرفضون التحدث في موضوع الجبهة، ويقول أحدهم: «قد يكون الدّواء مرّاً أحياناً، فاكتبوا ما تريدون»، بينما يقول آخر: «لا يمكن أن نعلّق على أمور جبهة العمل، هم يديرون أنفسهم بأنفسهم وليس لنا أن نتدخل». إلا أن هذا الكلام يخفي الكثير من العلاقات المتشعّبة والملفّات الشائكة.
الجماعة تمنّي النفس بمرحلة صعود جديدة مع تجديد قيادتها وتحوّلات الشارعوثمّة في جبهة العمل من يبدي اقتناعه بأن الشخص الوحيد القادر على مستوى المؤهلات وعلى مستوى الجمهور والخبرة السياسية على قيادة الجبهة هو هاشم منقارة، لكن بعد وفاة يكن «تمّ التعامل مع قادة الجبهة كأنهم متساوون في القدرات والخبرات، وهذا غير صحيح». يضيف: «يبدو أن الجبهة أصبحت عبئاً على من دعمها، ويتم تأجيل قرار إنهائها بالكامل، وخاصة أن العنوان السياسي العريض للجبهة في مواجهة المشروع الأميركي الإسرائيلي لا ينتهي بوفاة يكن، ولا بتحسن الأوضاع السياسية الداخلية في البلاد».
الاستياء من وضع الجبهة بلغ كل الأطراف، من سوريا، حيث تلقّت مراجعات عدّة من الشيخ الجبري، إلى حزب الله، الذي تلقّى أيضاً احتجاجات من كل الأطراف ضد الكل، من الجبري إلى من يعملون تحت إدارة الجبري، إلى السفارة الإيرانية، ربما ليبيا وبصفتها تموّل جزءاً من نشاطات الجبري لم تتدخّل بعد.
وبلغت حدّة الاستياء أن دفعت رئيس جهاز استخبارات أمن الدولة السوري، اللواء علي المملوك، إلى عدم استقبال وفد قيادة الجبهة لأكثر من خمس دقائق، مع إعلان غضبه على وضع الجبهة والصراعات الداخلية بين أطرافها.
الشيخ بلال شعبان يحاول التوازن في الحديث عن الوضع الداخلي للجبهة، وهو ينفي ما سبق، قائلاً: «أنا أغضب وأحياناً امتنع عن حضور الاجتماعات، وصوتي يعلو في الاجتماعات، لكن ذلك من طبيعة الأمور داخل أي عمل سياسي وجبهوي». وهو الرأي الذي يوافقه عليه الشيخ غازي حنيني.
يضيف شعبان: «أحياناً، يكون لدى بعض القادة أفكار مشيخية، فيما يكون المطلوب عقلية سياسية، لكن نحن، وبكل الأحوال لا نناقش أمورنا الداخلية مع أحد، والفرق حالياً هو بين ما كان يشكّله الكبير فتحي يكن، والقيادة الجماعية التي تدير أمور الجبهة اليوم، علماً بأن الجميع في الجبهة يرفضون التصدّي لمسؤولية بحجم الحلول مكان يكن، لا العكس، فلا صراع على السلطة ولا على المواقع».
ويرى شعبان أن الجبهة تتجه نحو التأسيس الثالث لها، وستفتح باب علاقاتها مع الجمعيات والقوى والشخصيات الإسلامية في كل لبنان.
لكن، وعلى خلاف هذا الكلام الإيجابي، فإنّ في قيادة الجبهة من يتّهم قادةً آخرين بمحاولة اللعب على الخلافات الداخلية للوصول إلى تسميته هو رئيساً لها، يبدي أحد القادة لبعض من التقوه استياءه من محاولات استمالته وشراء سكوت أطراف في الجبهة، لوصول الجبري أو غيره إلى موقع القيادة في الجبهة.
تشير التشكيلات في الجماعة إلى محاولة استعادتها ألقاً فقدته في ظلّ حيرتهاالموضوع المالي كان مضبوطاً لدى الداعية يكن، ولكن مع وفاة الداعية تغيّرت الأمور، وبات كلٌّ يسعى إلى تطوير موازنته الخاصة من أموال الجبهة، وقد افتتح أحد الأطراف من بيروت مركزاً في منطقة الناعمة، مستخدماً المال لتوظيف مناصرين، ووقع إشكال حين راح مسؤول المركز يشتم نصر الله، وتطوّر الإشكال إلى حدّ سقوط الدم، وتمّ التعامل مع الأمر بصفته حادثاً فردياً وشخصياً.
فوق ذلك، كان يفترض أن تتمثل الجبهة في اللقاء السنّي الذي يشكّله عبد الرحيم مراد، الذي كان يتردد في ضمّ ممثلين للجبهة، إلى أن سوّي الأمر بأن يزور مراد مركزاً للجبهة ويلتقي قيادتها، التي فوجئت بمن ذهب وحيداً إلى مراد، وقبل موعد لقاء مراد والجبهة، لينسج علاقة مع مراد ويقوّي مركزه داخل الجبهة على حساب القيادة الجماعية.
وثمة من يحاول التلطّي خلف مواقع في داخل حزب الله، أو في تجمّع العلماء المسلمين، مستظلاً بمن يقول حرفياً: «نحن نراقب عن بعد سير الأمور، ولا علاقة لنا، ونرفض التعليق».
اتهامات بالجملة
جمع الشيخ عبد الناصر الجبري مبلغ 350 ألف دولار أميركي لشراء ترخيص جريدة ناطقة باسم جبهة العمل الإسلامي، وهي «الثبات»، إلا أن في الجبهة من يتحدث عن أن الجريدة لا تنطق باسم الجبهة، كما أنها مسجّلة باسم الشيخ وابنته. أضف إلى أن الأموال جمعت من سوريا وحزب الله وإيران، وانتهت بخلافات داخل الجريدة يهدّد معها أحد القيّمين على المشروع بوقف العمل في بداية العام، وبشبهات حول تسرّب مالي من داخلها.
ويشير هؤلاء مستائين إلى أن هناك من يستعين بعلاقته بسوريا، مستخدماً سماسرة في العلاقة بدمشق، على الرغم من أن الوزير السوري محسن بلال لم يحرّك ساكناً لمصلحة الجبري أو غيره، إلا أنه أبلغ امتعاضه لمن يعنيه الأمر في بيروت من محاولة توريطه بشؤون لا علاقة له بها، علماً بأن هناك من يوحي في بيروت بأن دمشق ترغب فيه رئيساً لجبهة العمل.
أضف إلى ذلك أن «لقاء الفاعليات البيروتية» يحصل على موازنة تصل إلى 25 ألف دولار شهرياً، ولا يصرف منها أكثر من عشرة في المئة.

ملف خاص..200 يوم على حرب غزة..

 الأربعاء 24 نيسان 2024 - 4:15 ص

200 يوم على حرب غزة.. الشرق الاوسط...مائتا يوم انقضت منذ اشتعال شرارة الحرب بين إسرائيل و«حماس» ع… تتمة »

عدد الزيارات: 154,180,473

عدد الزوار: 6,939,184

المتواجدون الآن: 113