تقرير دولي: سوريا خائفة من حرب تتورّط فيها

تاريخ الإضافة الثلاثاء 5 كانون الثاني 2010 - 5:38 م    عدد الزيارات 631    التعليقات 0

        

من حقيبة "النهار" الديبلوماسية
تقرير دولي: سوريا خائفة من حرب تتورّط فيها
الأسد وافق على ترك اللبنانيين يعالجون شؤونهم بأنفسهم

بقلم عبد الكريم أبو النصر     
سجل تقرير دولي جديد ان التقارب بين السعودية وسوريا أدى الى تغيير ملموس في سياسة النظام السوري حيال لبنان، وأكد، استنادا الى معلومات مسؤولين عرب، أنه تم التوصل الى اتفاق بين الملك عبد الله بن عبد العزيز والرئيس بشار الاسد خلال قمة دمشق في تشرين الاول الماضي يقضي بترك اللبنانيين يعالجون شؤونهم ومشاكلهم الداخلية بأنفسهم ويمارسون سلطتهم من دون تدخلات خارجية، كما يقضي بحماية لبنان من انعكاسات النزاعات الاقليمية، في اشارة ضمنية الى احتمال حصول مواجهة عسكرية بين اسرائيل وايران. وهذا الاتفاق هو الاول من نوعه منذ الانسحاب السوري من لبنان في نيسان 2005.
ويتناول التقرير المؤلف من 35 صفحة السياسة الخارجية لسوريا استنادا الى معلومات مسؤولين سوريين وعرب وأميركيين وأوروبيين وقد أصدرته "مجموعة الازمات الدولية" وهي مركز دولي مستقل للأبحاث يشرف على قضايا الشرق الاوسط فيه روبير ماليه مستشار الرئيس السابق كلينتون لشؤون المنطقة. ونقل التقرير في نصه الكامل، عن مسؤولين سوريين قولهم ان الرئيس الاسد أكد في اجتماع مغلق لقيادة حزب البعث انعقد في دمشق يوم 5 تشرين الثاني الماضي أن المصالح السورية في لبنان مرتبطة بالحفاظ على "أمن سوريا" وليس أكثر، مما يعني ضمنا أن النظام السوري مستعد للتخلي عن مطالبه القصوى في التعامل مع لبنان وأنه "يقبل" ان يمارس اللبنانيون سيادتهم وان يتحملوا مسؤولياتهم بأنفسهم اذا لم يؤد هذا الاستقلال الى "اضعاف سوريا وعزلها" على حد قول مسؤولين سوريين. وأشار التقرير الى ان النظام السوري تقبل نتائج انتخابات السابع من حزيران الماضي التي أسفرت عن فوز فريق 14 آذار وحلفائه وأنه مستعد للتكيف مع هذه النتائج. ونقل عن مسؤول سوري قوله: "اتفقنا مع السعودية على ترك اللبنانيين يتحملون مسؤولياتهم من دون تدخلات وعلى ضرورة تشكيل حكومة وحدة وطنية، لكننا لم نتفق معا بالطبع على طريقة تشكيل الحكومة وتوزيع الحقائب الوزارية فيها. وذكر التقرير ان هذا الاتفاق السعودي – السوري يؤمن للبنان استقرارا داخليا سياسيا وأمنيا مما يساعد على تعزيز الدولة ومؤسساتها الشرعية وتنفيذ الاصلاحات الاساسية وتحسين الاوضاع الداخلية الصعبة وهو ما يؤدي الى تقوية استقلال هذا البلد وسيادته.
وشدد على ان عمل المحكمة الخاصة بلبنان المكلفة النظر في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه وفي جرائم سياسية اخرى، يجب ان يستمر ويتواصل بلا عقبات، ونسب الى مستشار للأسد "أن اشراك حزب الله في حكومة وحدة وطنية يشكل فرصة ملائمة لتعزيز علاقة الحزب بالدولة ولجعل هذا الحزب مسؤولا تجاه الدولة كما ان هذه المشاركة قد تدفع الحزب الى ابداء اهتمام أقل بالانخراط في المواجهة الاقليمية". وقد أدرك نظام الاسد ان مصلحته تتطلب التقارب مجددا مع السعودية لان تحالفه مع ايران انعكس سلبا على علاقاته مع الكثير من الدول العربية ولأن ايران، وفقا للتقرير، "ليست بديلا من المظلة العربية التي تحتاج اليها سوريا وتؤمن الدعم لها" وخصوصا فيما يواجه السوريون تحديات اقليمية ودولية مهمة بل خطرة ويعانون مشاكل اقتصادية واجتماعية حادة.
وأكد التقرير الدولي وجود مخاوف سورية جدية من احتمال نشوب حرب جديدة مع اسرائيل وخصوصا اذا قصف الاسرائيليون المنشآت النووية والحيوية الايرانية. وقال ان المسؤولين السوريين رأوا في الحرب الاسرائيلية على غزة في نهاية 2008 تحذيرا لهم ولحلفائهم، ذلك ان هذه الحرب  أظهرت عجز ايران عن تقديم مساعدات عسكرية كافية لحركة "حماس" تؤمن الحماية لغزة، كما أظهرت فشل الجهود الديبلوماسية الايرانية لوقف هذه الحرب بسرعة. ونقل عن شخصية سورية مقربة من النظام "أن إقدام الحكومة الاسرائيلية على شن هجمات مكثفة وبالغة القسوة والخطورة على غزة لم يكن عملا موجها الى حماس وحدها بل كان ايضا بمثابة تحذير واضح لسوريا و"حزب الله" من ان جولة القتال المقبلة مع أي منهما ستكون شديدة القسوة ومدمرة". كذلك نقل التقرير عن محلل سوري مطلع قوله: "لم يعد ثمة مجال لحروب صغيرة في المنطقة. وبالنسبة الى مستقبل العلاقة بين سوريا واسرائيل فاما ان يتحقق السلام بين هذين البلدين، واما ان تقع مواجهة عسكرية كبرى بينهما". ونبهت شخصية سوريا الى انه "اذا ما تعرضت ايران لهجوم عسكري اسرائيلي او غير اسرائيلي فانها سترد في لبنان وغزة والعراق وأفغانستان واليمن، وثمة احتمال أن تكون سوريا حينذاك مستهدفة من الاسرائيليين او ان تشارك بشكل او بآخر في هذه الحرب".
شروط سوريا للتغيير
وجاء في التقرير الدولي ان النظام السوري يحاول الخروج من استراتيجية المواجهة وزعزعة الامن والاستقرار في المنطقة التي يعتمدها حاليا من أجل اقامة علاقات جيدة ومستقرة مع الدول العربية المعتدلة ومع الولايات المتحدة والدول الغربية عموما، اذ انه لم يعد يملك "وسائل وأدوات فاعلة ومؤثرة" للضغط على اسرائيل من أجل استعادة الجولان المحتل، في ما عدا تفجير حرب واسعة معها وهو ما ليس واردا في حسابات القيادة السورية. ورأى التقرير ان نظام الاسد يريد السلام مع اسرائيل ويحتاج اليه ويدرك أهمية تحقيقه، "لأن السلام يؤدي الى تحسين العلاقات مع الولايات المتحدة ويؤمن المصالح الوطنية السورية ويعزز شرعية الحكم السوري". ونقل عن ديبلوماسي سوري انه "اذا ما تحقق السلام بين سوريا واسرائيل فان حزب الله سيتحول حزبا سياسيا. أما بالنسبة الى حماس فان الوضع أكثر تعقيدا لأننا لن نستطيع ان نطلب من هذه الحركة ومن منظمات فلسطينية أخرى التخلي عن المقاومة المسلحة ما دامت الاراضي الفلسطينية محتلة. ولن يتبدل الوضع اذا ما طلبنا من خالد مشعل مغادرة اراضينا". لكن النظام السوري ليس مستعدا لدفع الثمن الذي تطالب به اسرائيل لتحقيق السلام. وقال محلل سوري مقرب من النظام انه "اذا كانت اسرائيل تريد من طريق المفاوضات معنا اخراج سوريا من المعادلة الاقليمية كي تتصرف بحرية مع ايران وحزب الله وحماس وليس كي يتم تحقيق السلام الشامل، فان هذه المفاوضات ستفشل لان قبول هذا التوجه الاسرائيلي خطأ استراتيجي كبير لن يرتكبه المسؤولون السوريون". ويدرك المسؤولون السوريون، وفقا للتقرير، أن اميركا والدول الغربية عموما "مهتمة بسوريا نظرا الى علاقاتها الوثيقة مع ايران وحزب الله وحماس".
ويؤكد التقرير ان نظام الاسد يرفض اجراء تغييرات في سياساته وتوجهاته الاقليمية تبعده عن ايران وحلفائه المتشددين، كما تريد الدول الغربية والدول العربية المعتدلة، لأن منطقة الشرق الاوسط غير مستقرة بل انها تقف عند مفترق طرق، ذلك ان هذه المنطقة قد تشهد في المرحلة المقبلة "الحرب او السلام او استمرار النزاعات" على حد قول مسؤول سوري. وأضاف: "لن تجري القيادة السورية تغييرات عميقة وجذرية في سياساتها قبل ان يتضح المشهد الاقليمي وقبل ان تعرف هذه القيادة الى أين تتجه المنطقة وما هو موقع سوريا فيها وما هي المكاسب التي سيحققها السوريون سواء على صعيد استعادة الجولان، أو على صعيد العلاقات الثنائية مع الدول البارزة، كما على صعيد الدور السوري الاقليمي".
وتحدث التقرير عن وجود تعاون واسع بين سوريا وايران في مجالات عدة اقتصادية وتجارية وعسكرية وأمنية وسياسية وغيرها، كما تحدث عن وجود خلافات بين البلدين على عدد من القضايا المهمة. فقد استخدمت ايران طوال سنوات علاقاتها الوثيقة مع سوريا لايجاد موقع لها في لبنان وفي ساحة النزاع العربي – الاسرائيلي ولتأمين تغطية عربية "لدورها الاقليمي التوسعي". لكن ايران أصبحت في الفترة الاخيرة قادرة على أن تقوم بأدوار ونشاطات مختلفة في المنطقة بالاستقلال عن سوريا، كما أصبح لها مخططها الخاص، ونقل عن شخصية سورية مقربة من النظام "أن ثمة مخاوف جدية من ان تؤدي مساعي النظام الايراني للهيمنة على المنطقة الى محاصرة سوريا وتطويقها من جانب الايرانيين"، ولفت التقرير الى تناقض في المصالح والاهداف بين سوريا وايران في ما يتعلق بملف النزاع العربي – الاسرائيلي، ذلك ان سوريا تريد حل النزاع سلميا مع اسرائيل بينما تعارض ايران ذلك، كما ان ايران تساند "حماس" و"الجهاد الاسلامي" وذلك "لأسباب عقائدية ومن أجل تعزيز نفوذها في المنطقة". أما سوريا، فانها تدعم هذين التنظيمين في اطار مساعيها لاحياء عملية التفاوض مع اسرائيل وحل النزاع سلميا معها. ولاحظ مسؤول سوري بارز ان سوريا تقيم علاقات جيدة مع ايران، لكنها تحرص في الوقت عينه على التمسك بقرارها المستقل حين يتعلق الامر بمصالحها الوطنية الحيوية". وروى التقرير ان النظام الايراني أراد تشكيل لجنة مشتركة سورية – ايرانية للتحقيق في عملية اغتيال القائد البارز في "حزب الله" عماد مغنية في دمشق في شباط 2008، لكن المسؤولين السوريين رفضوا هذا الاقتراح فلم تشكل لجنة التحقيق هذه ولم يعرف من اغتال مغنية.
خلافات سورية – إيرانية على العراق
وأكد التقرير وجود "خلافات عميقة" بين سوريا وايران على مسار الاوضاع في العراق وركز على الامور الاساسية الآتية:
أولا – ايران أبدت ارتياحا الى الغزو الاميركي للعراق عام 2003 لان ذلك أدى الى تفكيك البلد واضعاف الدولة وقيام نظام طائفي يسمح للشيعة بممارسة دور مهيمن في الساحة العراقية. وفي المقابل، يرى نظام الاسد ان العراق الطائفي الضعيف اكثر خطورة من العراق القوي ويمكنه أن يشكل تهديدا لوحدة سوريا وسلامتها الاقليمية.
ثانيا – سوريا قلقة من تنامي النفوذ الايراني في العراق لان نظام الاسد يريد القيام بدور "مركزي ومهم" في هذا البلد وتحقيق مكاسب سياسية واقتصادية من خلال تعاونه مع نظام عراقي غير مرتبط بطهران. كما ان النظام السوري يريد ان يبقى العراق جزءا من المجموعة العربية وليس امتدادا للنفوذ الايراني. ويتخوف المسؤولون السوريون من أن يؤدي الانسحاب الاميركي من العراق الى "اندلاع القتال على نطاق واسع بين الافرقاء العراقيين بل الى حرب أهلية اكثر خطورة من الحرب الاهلية اللبنانية". ونقل التقرير عن شخصية سورية قولها: "حين اندلعت الحرب الاهلية في لبنان عام 1975 حصلت سوريا على ضوء أخضر دولي اقليمي للتدخل في هذا البلد ولوقف القتال فيه. لكن سوريا لن تحصل على أي تفويض دولي للتدخل في العراق اذا ما اندلعت الحرب الاهلية فيه".
ثالثا – سوريا تعارض بشدة مشروع تحويل العراق دولة كونفيديرالية، وهو مشروع تدعمه ايران ويرى نظام الاسد انه يؤدي الى تقسيم البلد، كما يرى ان من الضروري والحيوي الحفاظ على وحدة العراق واقامة نظام غير طائفي فيه.
رابعا – نظام الاسد يشعر بقلق جدي من وجود عراق ضعيف ومفكك لان ذلك سيشجع الاكراد العراقيين على اقامة كيان خاص بهم مستقل الى حد كبير عن السلطة المركزية في بغداد. ومثل هذا التطور الخطر، في حال حصوله سيشجع الاكراد السوريين على التمرد على السلطة المركزية في دمشق وعلى اثارة الاضطرابات في سوريا.
وأورد التقرير ان المسؤولين الاميركيين والأتراك يتفقون على القول "ان نظام الاسد يرغب في تقليص اعتماده على ايران ولذلك يعمل على تعزيز علاقاته مع تركيا ومع دول أخرى كالسعودية، لكن النظام السوري ليس راغبا في قطع علاقاته مع الجمهورية الاسلامية او وقف تعاونه معها". وأوضح الفوارق بين العلاقة السورية – الايرانية والعلاقة السورية – التركية فقال: "ان نظام الاسد لا يزال يعتمد على ايران ويرى فيها شريكا ليس ممكنا الاستغناء عنه نظرا الى الاوضاع الاقليمية المضطربة وحاجة السوريين الى الدعم العسكري والاقتصادي الايراني وحاجتهم كذلك الى استغلال علاقتهم مع ايران لتعزيز موقفهم التفاوضي مع الدول الكبرى ولتدعيم علاقاتهم مع القوى المتشددة في المنطقة. وفي المقابل يحتاج نظام الاسد الى تعزيز وتقوية علاقاته مع تركيا لتقليص اعتماده على ايران تدريجا وللتقارب مع الغرب ولمحاولة تقوية موقعه في الساحة الدولية وللتعامل مع اسرائيل بطريقة غير مباشرة ولتحسين اوضاع سوريا الاقتصادية والمعيشية".
 

ملف خاص..200 يوم على حرب غزة..

 الأربعاء 24 نيسان 2024 - 4:15 ص

200 يوم على حرب غزة.. الشرق الاوسط...مائتا يوم انقضت منذ اشتعال شرارة الحرب بين إسرائيل و«حماس» ع… تتمة »

عدد الزيارات: 154,260,203

عدد الزوار: 6,942,575

المتواجدون الآن: 138