المؤتمر العام الثامن لـ"حزب الله".. هل ينجح في الردّ على التحدّيات الاستثنائية ؟

تاريخ الإضافة الخميس 6 تشرين الثاني 2008 - 9:11 ص    عدد الزيارات 1034    التعليقات 0

        

ابراهيم بيرم     
قبل بضعة اسابيع، باشر "حزب الله" اعمال مؤتمره العام الثامن، وسط جو من الكتمان الشديد تفرضه اوساط الحزب حول مسار هذا المؤتمر وما يمكن ان يتمخض عنه من نتائج نهائية يحرص الحزب على جاري عادته على ان يكون شحيحا وبخيلا في الافصاح عنها، الا ما يتصل منها بالعموميات التي لا تشفي عادة غليل الراغبين في مزيد من المعلومات... وفي كل الاحوال وبحسب بعض المعلومات، فان اعمال هذا المؤتمر صارت في كل مراحلها النهائية، وما هي الا بضعة ايام وتختتم اعماله التنظيمية التي لها صلة بالانتخابات والتغييرات، فيما الجانب المتصل بالتعيينات في المراكز ذات الطبيعة التنفيذية تستمر اسابيع اخرى لكي يكتمل عقد القيادة الجديدة لهذا الحزب الذي اعتاد ان يعيش كل اربعة اعوام ورشة تنظيمية داخلية واسعة، هو في امس الحاجة اليها، خلافا لمعظم الاحزاب والقوى والتيارات الاخرى، التي اعتادت الاستقرار والثبات، وذلك لاعتبارات عدة ابرزها انه الحزب الاسرع نموا وانتشارا، رغم حداثة نشأته نسبيا قياسا بولادة الاحزاب العريقة، وانه الحزب المحتاج الى تطوير رأسه القيادي باستمرار نظرا الى جسامة المهمات الملقاة على عاتقه ولم يعد خافيا انه كان يفترض بالحزب ان يعقد هذا المؤتمر في العام الماضي، لكن التطورات السياسية الدراماتيكية التي فرضت نفسها على الساحة اللبنانية بعد بروز الانقسام السياسي الحاد واحتدام النزاعات بين فريق المعارضة الذي كان للحزب دور رأس الحربة في مشروعه وفريق الموالاة الذي دافع بشراسة عن نفسه، اجبرت الحزب على ارجاء هذا المؤتمر الى السنة الجارية... كان على الحزب وهو يمضي قدما في ورشة اعمال مؤتمره العام ان يواجه مشكلة كانت خارجة عن اطار كل حساباته، فهو فوجئ بالشائعات التي غزت مواقع الكترونية عدة عن تسمم الامين العام للحزب السيد حسن نصرالله، وقد اضطر الحزب الى ان يخرج عن اعتصامه بالصمت حيال مثل هذه الاقاويل ويبادر الى دحض هذه الشائعة عبر اطلالة السيد نصرالله على الشاشة لينفي بنفسه الانباء، والواضح ان الحزب ما كن ليكترث بالرد على هذا النحوعلى هذه الشائعة وهو على يقين من ان امينه العام لم يمسسه شر، لو لم يكن يسبقها معلومة اخرى وردت قبل فترة في وسيلة اعلام ايرانية مغمورة، تتحدث عن ان رئيس شورى التنفيذ في الحزب السيد هاشم صفي الدين سمي خليفة للسيد نصرالله اذا ما طرأ طارئ.. والواضح ان دوائر القرار في الحزب، ابدت عدم ارتياح يصل الى حدود الاستياء من ذكر هذه المعلومات ان لجهة الوسيلة الاعلامية او لجهة التوقيت.
والجلي ايضا ان اعداء الحزب وخصومه استغلوا ورود هذه المعلومة في الوسيلة اياها لينسجوا حولها شائعة تسمم السيد نصرالله... ولكن الذي يقدر له الاطلاع على مناخات الحزب الداخلية يخرج باستنتاج فحواه ان السيد صفي الدين، وهو ابن خالة السيد نصرالله والذي يحرص على الابتعاد عن الوجاهة والاضواء الاعلامية، وينصرف بالكامل لادارة "حكومة" الحزب التنفيذية المتشعبة والواسعة، انما ينظر اليه ومنذ زمن بعيد على انه الخليفة المنتظر للسيد نصرالله اذا ما استجد طارئ... لذا لم تكن وسيلة الاعلام الايرانية مخطئة عندما اوردت اسم السيد صفي الدين ابن بلدة دير قانون النهر في قضاء صور، كخليفة محتمل لقريبه، فكما كان السيد نصرالله نفسه مرشحا محتملا لمنصبه الحالي، ابان ولاية الامين العام السابق السيد عباس الموسوي الذي اغتالته الطائرات الاسرائيلية عام 1992، فإنه في الحزب حالياً فئة واسعة تشير بالبنان الى السيد صفي الدين كخليفة للسيد نصرالله، على نحو يبدو الامر كأنه في حكم المبتوت والمفروغ منه... ولا يخفي بعض قيادات الحزب العالمين ان المولجين ادارة المؤتمر العام للحزب، وضعوا نصب اعينهم لحظة شرعوا في اعداد بنود النقاش وادراج القضايا التي تحتاج الى حسم وقرارات وعناوين عريضة يندرج تحتها جملة قضايا فرعية متعددة وهي:
- قضية التمديد للسيد نصرالله لولاية خامسة على رأس هرم قيادة الحزب.
- تسمية قيادي عسكري جديد على رأس هرم قيادة المقاومة، بديلاً للقائد التاريخي في الحزب عماد مغنية (رضوان).
- صوغ وثيقة سياسية تأخذ في الاعتبار التطورات السياسية التي استجدت بعد عام 2005، وفرضت على الحزب ادوارا ومهمات داخلية كان في السابق يضع نفسه بعيداً عنها.
- توسيع كادره القيادي بما يتناسب مع النمو المطرّد في قاعدته الجماهيرية وفي مهماته وادواره السياسية والعسكرية والاجتماعية.
ويبدو واضحاً، بحسب المؤشرات الاولى الصادرة عن المؤتمر، ان المشاركين في اعماله قد حسموا امر التمديد للسيد نصرالله بولاية جديدة، والتمديد جاء بناء على فتوى دينية من مرجع الحزب الديني السيد علي خامنئي، وهو ما ابعد اقتراحاً سبق ان تداولته بعض دوائر الحزب يقضي باطلاق تسمية المرشد العام للحزب او اصطلاحاً آخر قريباً من هذه التسمية على السيد نصرالله ليكون طياً نهائياً لاشكالية تتجدد مع كل مؤتمر عام للحزب، تضطر الحزب على اجتراح تشريع تنظيمي للتمديد للسيد نصرالله ولتجاوز نظام الحزب الداخلي الذي نص اصلاً على انه لا يحق لامينه العام التجديد لاكثر من ولايتين متتاليتين، ولارجاء تدبير آخر يقضي عملياً باسقاط هذه المادة نهائياً من نظام الحزب الداخلي، واستبدالها بمادة تنص على تسمية السيد نصرالله اميناً عاماً مدى الحياة، وهو امر له محاذيره الشرعية والتنظيمية في آن واحد.
واذا كان الكثيرون يرون ان القضية برمتها لم تعد تكتسب اهمية كبرى او تستدعي جدلاً داخل الحزب وخارجه نظراً الى المكانة الاستثنائية التي اكتسبها السيد نصرالله والانجازات التي تحققت للحزب وهو على رأس هرمه القيادي، فإن ثمة معطيات اولية تعطي انطباعاً فحواه ان الحزب نجح الى حد ما في ملء الفراغ المدوي في جسمه العسكري، والناجم عن اغتيال القائد مغنية في دمشق في شباط الماضي في عملية امنية دقيقة اوجعت الحزب، وبقيت تفاصيلها وابعادها محجوبة عن الاضواء حتى الآن.
ولئن كان البعض يرى ان حزباً مثل "حزب الله" نجح الى حد البراعة في مقارعة الآلية العسكرية الاسرائيلية وفي جبه العقل الامني الاسرائيلي خلال رحلة طويلة من الجهاد والنضال، لا بد ان يكون قد هيّأ قيادياً محترفاً في امكان سد الفراغ المدوي، ولا بد ان يكون قد اعد العدة للحظة سقوط رأسه العسكري، من خلال هيئة اركان جماعية وتأخذ على عاتقها استكمال مسيرة جناحه المقاوم الذي تأسس وانطلق ميدانياً منذ عام 1982، ولا تشعر خصوم الحزب بأنهم حققوا مبتغاهم في تكبيل يديه عسكرياً وفي النيل من معنوياته في هذا المجال.
لكن الامر، على وجاهته وبلاغته، يبقى في رأي الكثيرين منقوصاً ما لم تنجح قيادة الحزب في تقديم قيادي محترف يوحي الثقة ويؤتمن على استكمال الرحلة الجهادية الطويلة خصوصاً انه ما زال للذراع المقاوم في الحزب الوزن الاكبر والكلمة الفصل، وما برحت ثقافة المقاومة وحماية المقاومة تعلو ما عداها من ثقافات ورؤى في دورة حياة الحزب. لذا فإن المعلومات تشير الى ان قيادة الحزب هي التي ارجأت الى المؤتمر العام تسمية خليفة لمغنية.
ووفق المعلومات الاولية فإن الكفة بدأت ترجح داخل الحزب الى تسمية القيادي العسكري المخضرم والتاريخي مصطفى شحادي ليكون من الآن فصاعدا مسؤولا عسكريا للحزب... وهذا القيادي اقترن اسمه باسم مغنية مع أسماء أخرى من المقاومين الاوائل الذين وفدوا الى الحزب تباعا من مصادر عدة... الى ذلك، فهو شخص مهيب في الجناح العسكري للحزب وموثوق به من قيادته، وهو كسلفه بعيد عن الاضواء الاعلامية والسياسية وهي صفة ملازمة للقيادة العسكرية والمقاومة للحزب... واذا صح ان الحزب قد نجح في مؤتمره الحالي في الرد على التحدي الذي مثله تغييب عقله العسكري الضخم، فانه يمضي قدما في الاستجابة لتحديات أخرى تتمثل في تطوير رؤيته السياسية وعلاقته بالآخرين حلفاء وأصدقاء من جهة وخصوم وأعداء من جهة أخرى.
فالمعلوم انه منذ ان جلت القوات السورية عن لبنان في نيسان عام 2005، اضطر الحزب الى سلوك مسالك جديدة وتنكب مهمة ضخمة لم تكن في حسبانه وهي مهمة ملء الفراغ المتأتي من غياب عنصر "الضبط" السوري من لبنان الذي كان يحمي ظهر المقاومة ويرسم حدود أدوار الجميع، فلا طغيان لأحد على أحد.
وبعد الحرب الاسرائيلية في تموز عام 2006، صار الحزب أمام مهمة أكثر صعوبة في مواجهة تطور الاحداث اذ صار رأس حربة مشروع المعارضة وقطبها الاساس.
ولا ريب ان الحزب "استثقل" الدور الجديد عليه، وهو الذي كان مرتاحا في السابق الى دوره الاساس الذي كان يبدو فيه متخففا من كثير من المهمات والاعباء ذات البعد الداخلي ويظهر فيه ايضا بمظهر الزاهد بالسلطة والمنزه الى حد بعيد عن التجاذبات الداخلية المباشرة التي تضعه على تماس مباشر مع مروحة حلفائه وفي حال مواجهة مع دائرة لا يستهان بها من الخصوم.
ولا ريب ان مرحلة السنوات الثلاث المنصرمة، قد أدخلت الحزب في تجربة جديدة داخلية بالغة الصعوبة خرج منها رابحا مرتين، الاولى في آب عام 2006 والثانية في ايار 2008، لكنه في المقابل خسر الكثير من رصيده المعنوي الذي كان يحرص عليه كثيرا، وصار مستحيلا عليه ان يغادر مواقعه الحالية ويعود الى قواعده الاصلية في مقارعة الاحتلال الاسرائيلي. ولا شك في أن المؤتمر العام للحزب أفرد مساحة واسعة من نقاشاته الداخلية لتجربة الاعوام الثلاثة الماضية بايجابياتها وسلبياتها واستطرادا بخسائرها وأرباحها.
لذا لم يعد خافيا ان الحزب مضطر في المؤتمر الذي لم ينه أعماله بعد ان يقابل المرحلة الجديدة التي وجد نفسه في واجهتها من خلال معطيات عدة أبرزها:
- تقديم وثيقة سياسية مختلفة تأخذ في الاعتبار ان الحزب قطب الرحى لجزء واسع من التحالفات في عدادها فئات من كل الطوائف وتراوح من اقصى اليمين الى اقصى اليسار، ولا يمكنه في أي حال مغادرتها والعودة الى حدود الضاحية الجنوبية وتخوم الجنوب.
- ان الحزب لم يعد قوة محلية محدودة الطموحات بل صار رقما صعبا في حسابات ومعادلات اقليمية ودولية، مما يستلزم من الآن فصاعدا أداء على هذا المستوى واهتماما بحجم هذا الدور الآخذ في التنامي.
واذا كان قياديون من الحزب يؤكدون انه في مقدور العقل السياسي للحزب انتاج وثيقة سياسية تزاوج بين الثوابت التي رافقت الحزب منذ انطلاقته قبل نحو ربع قرن والتطورات المتسارعة خصوصا في مرحلة ما بعد الانسحاب السوري، خصوصا ان الحزب أدرك اكثر من اي وقت أهمية الحلفا ء والتحالفات من انتماءات غير انتماءاته في حياته، وفي توفير شبكة أمان له، مما ترك أثرا على عقله السياسي، فانه بات لزاما على مؤتمر الحزب ان يقرر توسيع أطره القيادية كي تتناسب مع التوسع الذي طرأ على جسمه وعلى مهماته وجعله يبلغ حضورا مميزا في تاريخ العمل الحزبي في لبنان... وبمعنى آخر، بات في صلب مهمات الحزب تقديم المزيد من الوجوه والشخصيات، مع اجتراح المزيد من الملفات والمؤسسات والوحدات التي هي على تماس مباشر مع الآخرين... ومعلوم ان كل مؤتمر من مؤتمرات الحزب كان يخرج بالجديد من المؤسسات والمراكز وكان الحزب الأجرأ على تغيير كادره القيادي... وعموما، يبقى ان هذا المؤتمر العام للحزب استثنائي بكل المقاييس لان الاسئلة المطروحة عليه تأتي في زمن استثنائي.

ملف الصراع بين ايران..واسرائيل..

 الخميس 18 نيسان 2024 - 5:05 ص

مجموعة السبع تتعهد بالتعاون في مواجهة إيران وروسيا .. الحرة / وكالات – واشنطن.. الاجتماع يأتي بعد… تتمة »

عدد الزيارات: 154,066,513

عدد الزوار: 6,933,057

المتواجدون الآن: 84