دول الخليج والحاجة إلى إعادة النظر

تاريخ الإضافة الأحد 19 تشرين الأول 2014 - 9:02 ص    التعليقات 0

        

 

دول الخليج والحاجة إلى إعادة النظر
طراد بن سعيد العمري
لم يستيقظ الساسة في دول الخليج على نغمة «الشعب يريد ...»، بل على نغمة «القوى العظمى تريد...». لم تُسمع تلك النغمة في الشوارع والميادين، بل في الغرف المغلقة والدهاليز. ولذا، بدأ الخليجيون يستشعرون أمرين: الأول، أنهم في صدارة الأحداث قافزين أو مدفوعين. الأمر الثاني، أن تهديداً وجودياً لكياناتهم السياسية ومجتمعاتهم يلوح في الأفق. ولذا، يُعقد في دولة الإمارات العربية (من أمس إلى غد) «حوار أبوظبي الاستراتيجي» الذي ينظمه مركز الإمارات للسياسات، ويشارك فيه عددٌ من المفكرين والأكاديميين والكتّاب من دول عدة لمناقشة ٦ محاور ومحاولة فهم ما يجري من متغيرات دولية وإقليمية وتأثير ذلك في منطقة الخليج العربي.
ينبع الشعور الخليجي من تضافر عوامل عدة: الأول، اختلال النظام الدولي مع شيخوخة مؤسساته وتزايد الشد والجذب بين القوى العظمى وعودة رياح الحرب الباردة بكل تبعاتها واستقطاباتها بين الولايات المتحدة وروسيا، الثاني «فراغ القوة» بسبب الربيع العربي وتساقط الحكام وضعف الدولة مع تلاشٍ كامل لدور جامعة الدول العربية، الثالث «انحراف مركز القوة» تجاه الشرق وبروز الخليج إلى الواجهة بعد تلاشي النظام العربي التقليدي (بغداد ودمشق والقاهرة)، الرابع تحول القطبية الثلاثية في الخليج إلى قطبية ثنائية بعد خروج العراق في ٢٠٠٣، تزامناً مع تعثّر المنظومة السياسية والعسكرية لمجلس التعاون الخليجي، الخامس الدخول طوعاً أو كرهاً كبديل في حقل التوازن في النظام الشرق أوسطي مع الكفّة الإقليمية غير العربية ممثلة في إيران وتركيا وإسرائيل، السادس التآكل السياسي للدولة وهشاشة مفهومها في الخليج وضعف بنية مؤسساتها السياسية الداخلية وعلوّ صوت الديني على صوت السياسي وتنامي خطر الإرهاب الفكري والحركي العابر للحدود. أما العامل السابع فهو ظهور جيل جديد (Y Generation) مرتبك بين قوى الدولة السياسية الحاكمة وقوى المجتمع المتحكمة.
من جانب آخر، دخلت دول المنطقة في حروب مستمرة ومتواترة منذ منتصف القرن الماضي ما شغلها عن الالتفات إلى بناء مجتمعاتها حتى باتت دول المنطقة هشّة في بنيانها الداخلي، و»ترساً» فقط في عجلة الأحداث والحروب مع غرق في الاصطفاف والاستقطاب الدولي. ففي الأربعينات كانت الحرب العالمية الثانية، وفي الخمسينات حرب السويس، وفي الستينات حرب الأيام الستة، وفي السبعينات حرب رمضان، وفي الثمانينات الحرب العراقية الإيرانية «كلاكيت ١» وحرب أفغانستان، وفي التسعينات حرب تحرير الكويت والحرب على العراق «كلاكيت ٢»، ومع بداية الألفية الثانية الحرب على الإرهاب نسخة «القاعدة» وحرب العراق واحتلاله «كلاكيت٣»، وأخيراً، الحرب على الإرهاب نسخة «داعش» واحتمال حرب على العراق «كلاكيت ٤».
في المقابل، ولّد رغد العيش في الخليج شيئاً من الدعة ممزوجاً بكثير من الوجل والخوف. فمن ناحية، استطابت دول الخليج ومجتمعاتها الرفاه وتكاثر عائدات النفط ومشتقاته والإنفاق على كثير من أوجه العصرنة على حساب تطوير البنية السياسية للمجتمعات الخليجية. ومن ناحية أخرى، أدّت هيمنة تفكير «الوفرة» إلى تراخٍ في تناول قضايا مهمة وتركها للقوى المؤثرة داخلياً وخارجياً من دون أي سيادة أو استقلالية في القرار. النتيجة، أن دول الخليج استفاقت على متغيرات وتهديدات متراكمة ومتسارعة ومتلاحقة أدت إلى شعور بالقلق البالغ والخطر لأنها لم تكن مستعدة للمواجهة في الزمان والمكان.
أخيرا، أدى استشعار الصدارة والخطر والعوامل السبعة الآنفة الذكر إلى ارتباك في السياسة الخارجية لدول الخليج، وهذا أمر طبيعي، فقد عاشت الولايات المتحدة، وفق رأي هنري كيسينجر، سنوات طويلة من الارتباك بعد تفكّك الاتحاد السوفياتي. ولذا، ليس أمام دول الخليج وحكّامها سوى «إعادة التفكير» ووضع رؤية إستراتيجية محكمة لدولهم وشعوبهم تبدأ من إعادة تحديد الهوية، مروراً بتحديد «العدو»، وانتهاء بتحديد المصالح الإستراتيجية والحيوية والحساسة والهامشية. عندها فقط، يمكن دول الخليج أن تحوّل «قفزة العرب» (Arab Spring) إلى ربيع خليجي حقيقي.
* باحث سعودي
 

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024..

 الأحد 28 نيسان 2024 - 12:35 م

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024.. حول التقرير.. ملخصات التقرير … تتمة »

عدد الزيارات: 155,076,151

عدد الزوار: 6,977,634

المتواجدون الآن: 67