غزّة بين نشوة الانتصار ومرارة الواقع والدمار !!!

تاريخ الإضافة الخميس 11 أيلول 2014 - 7:32 ص    عدد الزيارات 236    التعليقات 0

        

 

غزّة بين نشوة الانتصار ومرارة الواقع والدمار !!!
عبير بشير
أثارت الاحتفالات التي عمت شوارع غزة، لحظة دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ، والمهرجانات التي لحقتها، حالة من الذهول والصدمة لدى القيادة الإسرائيلية. لم يكن يتوقع الإسرائيليون أن يخرج الغزيون إلى الساحات العامة عن بكرة أبيهم وسط حالة من النشوة مهللين ومكبرين ومرددين: لقد انتصرنا وحققنا ما لم تحققه أربعة جيوش عربية في نكسة حزيران. كانت توقعاتهم تقول بأن فلسطينيي غزة سيمكثون ليلة وقف النار في بيوتهم ولن يخرج أحد، نتيجة لحجم الألم والأسى الذي يشعرون به على ما حل في ديارهم من دمار وخراب، وحالة السخط على المقاومة. ثم سرعان ما تدارك المحللون الإسرائيليون الوضع بالقول: إن تدفق الغزيين إلى الشوارع، إنما جاء فرحة وابتهاجاً بانتهاء الحرب والخلاص من ويلاتها، وليس تأييداً للمقاومة.

وسواء اتفقنا أم اختلقنا مع هذا التحليل، إلا أن الثابت والأكيد بأنه وخلال أيام الحرب الـ51، كان هناك صمود أسطوري للشعب الفلسطيني في غزة، وتوحد عجيب مع المقاومة، رغم وحشية آلة الحرب الإسرائيلية، وحجم الدمار الهائل. حيث يرى علماء النفس والاجتماع، بأن الشعوب تشعر في أوقات الحرب والمحن الشديدة، بنوع نادر من التوحد العاطفي والتلاحم النفسي مع - أبطالهم - ومع من يحملون السيف والرمح والمدفع والصاروخ دفاعاً عن حياض الوطن وكرامة شعبه، في حالة أقرب ما تكون الى - الانفعال التطهيري -، الذي تحدث عنه أرسطو في محاولة آباء المسرح الإغريقي، إعادة غسل وعي الأثينيين للتماهي مع صور أبطالهم القدامى. إنها لحظات من الكشف الذاتي عن أجمل ما في هذه الشعوب، وتبدأ هذه الرحلة من الاكتشاف النادر للنفس البشرية، والتماهي والانتظام مع فكرة البطل المخلص - وصولاً إلى ذروة المأساة وذروة الاكتمال. وهي اللحظات التي سنجد لها صدى عظيماً في الأدب الروسي والأوروبي بعد الحرب العالمية الثانية، وفي الموسيقى الكلاسيكية بعد الحروب النابليونية، وعظمة الملحمة الروائية لتولستوي «الحرب والسلام»، كما في احتفالات غزة.

إذاً، ليست سوى الحروب الوطنية العادلة ضد المحتل والغازي والمعتدي، هو ما يعيد تطهير وغسل وعي الشعوب واكتشاف ذاتها من جديد. وحين نقول إننا انتصرنا، وربحنا المعركة، فنحن لا نعني بأننا هزمنا الجيش الإسرائيلي، ولكن نقول ذلك، لأننا ربحنا المعركة الأخلاقية والمعركة المعنوية، وربحنا معركة الصورة، فصور مئات القتلى من الأطفال والنساء والأشلاء الممزقة، وصور الدمار المريع لمواقع مدنية، وصور قصف الأبراج السكنية في غزة، ستبقى وصمة عار في جبين الدولة العبرية، وشاهداً حياً على فاشيتها ووحشيتها.

ونقول إننا انتصرنا، لأنه ولأول مرة، يكون هناك ما بين الإسرائيليين والفلسطينيين ما يمكن تسميته بالألم المتبادل والرعب المتبادل والخسارة المتبادلة والردع المتبادل والأهم كي الوعي المتبادل-.

لقد أطلق وزير الحرب موشيه يعلون نظرية كي الوعي الفلسطيني من خلال تدفيع الفلسطينيين ثمناً باهظاً وتكلفة هائلة من أجل أن ينتفضوا ضد المقاومة، بزيادة رقعة الخراب، وقصف البيوت على ساكنيها، وتشريد مئات الآلاف من الغزيين، وتدمير مئات المنشآت التجارية والصناعية التي تعود إلى المواطنين.....

ولكن في هذه المرة، انقلب السحر على الساحر، فقد كوت المقاومة الفلسطينية الوعي الجمعي الإسرائيلي، حيث سقطت نظرية الأمن والأمان للمواطن الإسرائيلي، فأصبحت صواريخ المقاومة تضرب العمق الإسرائيلي وتضرب بضراوة في كل مكان في إسرائيل وحتى اللحظة الأخيرة فبل وقف إطلاق النار، مخلفة حالات من الخوف والرعب وعدم الشعور بالأمان لدى الإسرائيليين، وأجبرت ألاف المستوطنين في غلاف غزة على الرحيل عن بلداتهم. لقد كوى الشعب الفلسطيني والمقاومة الفلسطينية الوعي السياسي والعسكري لقادة الاحتلال، فمن الآن أصبح العدو الإسرائيلي يدرك بأن زمن الحروب الخاطفة، ونقل الصراع خارج أراضيه قد انتهى، وأن قدرته على الاجتياح البري الواسع بدون ثمن باهظ قد انتهت. والأهم سقوط شعار دعوا الجيش ينتصر حيث شعر قادة الاحتلال بأنه لا مفر من حل سياسي للقضية الفلسطينية، وأن الحل العسكري وعقيدة الضاحية وحدها لا تكفي.

ولكن ماذا عن الطرف الثاني؟ وماذا يقول القادة الإسرائيليون عن حرب غزة؟ وماذا يقول الجمهور الإسرائيلي عن معركة غزة؟

بنيامين نتنياهو يتفاخر في وسائل الإعلام العبرية وأمام أعضاء الكنيست، بأن جيشه سدد ضربة عسكرية لحركة حماس، هي الأقسى والأعنف في تاريخها، ولكن حماس لا تفصح عن خسائرها. ويضيف نتنياهو بأن الاستخبارات العسكرية قد أكدت له بأن 70% من القدرة الصاروخية لحماس والجهاد الإسلامي قد تم تدميرها، وأن المئات من النشطاء العسكريين لحماس والجهاد قد تم تصفيتهم، بالإضافة الى تدمير وتعطيل العشرات من الأنفاق الدفاعية والهجومية. واعتبر نتنياهو بأن حماس، قد تلقت أيضاً هزيمة سياسية، حيث اضطرت في النهاية الى العودة الى تفاهمات 2012.

أما صحيفة هآرتس، فتحدثت بأن هناك خيبة أمل لدى مواطني الدولة العبرية من نتائج الحرب، وتضيف بأنه في يوم الإعلان عن وقف القتال، سمعنا في إسرائيل أصوات النحيب من اليمين واليسار، ومقابل كل إسرائيلي يسأل نفسه: ألم نغالِ في التدمير والتسبب بالمعاناة لقطاع غزة، هناك اثنان أو ثلاثة على قناعة بأنه كان يتعين على الجيش استخدام مزيد من القوة وأن يلقن حماس والفصائل درساً لا تنساه.

ويرى الجمهور الإسرائيلي بأن حرب غزة فاشلة، لأنه ببساطة لم يحصلوا على صورة النصر فلم يروا جنود المقاومة يخرجون من الأنفاق وهم عراة رافعين الرايات البيضاء، ولم يروا وزير الحرب الإسرائيلي يتوجه الى حائط البراق منتشياً كما حدث غداة حرب حزيران 1967. والمواطن الإسرائيلي يستغرب كيف أن جيش بلاده القوي الذي يملك التفوق العسكري والتكنولوجي الهائل، لا يستطيع ان يسحق ما يسميه تنظيمات إرهابية في بقعة جغرافية صغيرة غزة!!!

أما الكاتب الإسرائيلي امير ارون، فكتب أن الامبراطورية الإسرائيلية أنهت توسعها، وهي الآن تواجه آلام التقلص، كباقي الامبراطوريات السابقة. وأضاف الكاتب بأن قطاع غزة نفسه هو قذيفة هاون مضغوطة تهدد باطلاق ذاتها والانفجار في وسط جيرانها، ولا يوجد أي قوة عسكرية قادرة على تفكيك هذه القنبلة. وأوضح أن عملية «الرصاص المصبوب» دفعت المقاومة باتجاه حفر الأنفاق، وأن عملية الجرف الصامد، ستدفع العقول العملانية في حركة المقاومة الى الحصول على صواريخ «بر بحر» تطلق في المرة القادمة باتجاه حقول الغاز في البحر. كما أن العمليات الانتحارية التي نفذتها حماس عام 1996، ساعدت نتنياهو في التغلب على بيريز في الانتخابات. أما في الانتخابات القادمة فيكفي إطلاق صاروخين وثلاث قذائف هاون لكي يتغلب خصوم نتنياهو عليه.
 

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024..

 الأحد 28 نيسان 2024 - 12:35 م

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024.. حول التقرير.. ملخصات التقرير … تتمة »

عدد الزيارات: 154,981,108

عدد الزوار: 6,973,724

المتواجدون الآن: 78