مصالحة مع العقل والآخرين

تاريخ الإضافة الثلاثاء 4 تشرين الثاني 2008 - 10:26 ص    عدد الزيارات 1058    التعليقات 0

        

غازي العريضي

محقّ وصادق وشجاع رئيس الجمهورية اللبنانية عندما يقول: "المصالحة في لبنان واجب وطني وليست ضرورة فقط". فبين الفتنة والمصالحة، أو بين الفراغ والمصالحة، الفراغ الذي ستملأه القوى والمشاريع التي لا تريد المصالحة، أو بين الفوضى والمصالحة، أو بين الخلايا الإرهابية المتنقلة والمصالحة، والخلايا تستفيد من أجواء الفوضى والفراغ والفتنة. من بين هذه الخيارات، من الطبيعي اختيار المصالحة التي تصبح واجباً وطنياً مبنياً على الضرورات الوطنية.

والمصالحة هنا، لا يجب أن تكون لقاءات تريح أجواء فقط وتنفس احتقانات. المصالحة يجب أن تبنى على أسس سياسية. ولذلك، فإن اللقاءات التي حصلت حتى الآن، وعلى الرغم من أهميتها، لم تحقق أهدافها الوطنية المرجوة بعدُ. إذ إنها لم تلامس جوهر القضايا السياسية، التي هي موضع الخلاف في الأساس. لذلك، لابد من حوار جدّي ضيّق أو واسع لا فرق، لكن المهم العبور إلى أسباب الخلاف ومناقشتها.

وأكرر القول، إن الحوار الجدي الوحيد الذي شهدته البلاد هو ذاك الذي قاده الرئيس نبيه بري في مجلس النواب في مارس عام 2006.

في الجلسات العديدة التي عقدت آنذاك، أفرغ القادة السياسيون اللبنانيون، كل ما في نفوسهم وعقولهم من هواجس ومخاوف وقلق وتساؤلات وأسباب "نقزة" من بعضهم البعض، وأسباب أزمات ثقة تحكم العلاقات بينهم. سمعت، على طاولة الحوار يومها، كلاماً لم أكن أتوقع سماعه بتلك الصراحة والجرأة. إذ درجت العادة أنه كلما التقى اثنان في لبنان، ناقشا واتفقا، كان الاتفاق ثنائياً واغتابا كل الآخرين. وبذلك تبقى أزمات الثقة قائمة. يومها، لم تكن بالإمكان غيبة أحد. الكل كانوا موجودين والنقاش كان صريحاً وواضحاً أمام الجميع.

ولذلك تمكنّا من الوصول إلى نقاط بالإجماع تم تحقيق أول نقطة منها المحكمة الدولية بالرغم من كل ما رافق إقرارها من مشاكل وما كلفه إقرارها في مجلس الأمن، لكن في النهاية قامت المحكمة، وهي في طور التثبيت والتحضير للبدء بالعمل الجدي. واتفقنا على إقامة العلاقات الدبلوماسية مع سوريا. وهو هدف تحقق أيضاً بالإعلان الرسمي بين البلدين وتجري الاستعدادات لوضع القرار موضع التنفيذ. ويجري البحث الآن في البند الثالث أي سحب السلاح الفلسطيني خارج المخيمات، وهو أمر لابد منه. ولا يتوقف الحديث عن تثبيت لبنانية مزارع شبعا في الأمم المتحدة وترسيم الحدود بين لبنان وسوريا. وبقي للنقاش آنذاك موضوع الاستراتيجية الدفاعية لحماية لبنان من الإرهاب الإسرائيلي المستمر ضدنا.

منذ شهرين تقريباً، ترأس رئيس الجمهورية الجلسة الأولى للحوار في عهده بقصر بعبدا. وعندما أعلن عن موعد الجلسة الثانية 5-11-2008 تساءل كثيرون لماذا تحديد الموعد البعيد؟ كان الهدف توسيع طاولة الحوار ومشاركة أكبر عدد من السياسيين الفاعلين فيه. وكان أمل رئيس الجمهورية أن تحقيق المصالحات يفتح الباب أمام هذه المشاركة. المصالحات بمعنى تلاقي القيادات، حصلت في أكثر من مكان باستثناء اللقاء بين القيادات المسيحية، وهذا الأمر ترك أثراً سلبياً على عدم توسيع طاولة الحوار، كما ترك أثراً سلبياً آخر على المناخ السياسي العام في البلاد.

إن ضعف المسيحيين في لبنان ضعف للبنان. واستضعاف المسيحيين في لبنان استضعاف للبنان. ولا أريد أن أدخل هنا في تحليل أسباب الضعف أحياناً ومن الذي يتحمل المسؤولية في ذلك من مسيحيين وغير مسيحيين، أو في تحليل أسباب الاستضعاف أحياناً أخرى ومن يقف وراءه أيضاً.

المهم أن نعرف كيف نحافظ على لبنان بكل مكوناته وتوازناته وتنوعه، وأساس هذا التنوع الوجود المسيحي الذي هو المظهر الأبرز عن الوجود المسيحي الفاعل في الشرق. وإذا كان ثمة تخصيص هنا في الحديث عن الوجود والدور المسيحيين، فإن الأمر ينطبق على كل الطوائف الأخرى لناحية الضعف أو تراجع الدور، لأن الميزان اللبناني ميزان دقيق، ويحتاج إلى عقل كبير وراجح للإشراف عليه وإدارته وحمايته.

من هذا المنطلق، تبدو المصالحة واجباً وطنياً في ظروف سياسية وتحولات كبرى يعيشها العالم وتتأثر بها المنطقة. وليس خافياً على أحد أن القوى السياسية اللبنانية بمختلف انتماءاتها تتطلع إلى الانتخابات الأميركية ونتائجها، وإلى المعادلات الدولية والإقليمية، والعلاقات العربية- العربية، والعربية- الإيرانية، والحركة الإسرائيلية والتفاوض السوري- الإسرائيلي من خلال تركيا، فالجميع ينتظر ماذا سيجري في الخارج. هذا أمر منطقي وضروري.

لبنان ليس جزيرة وليس موقعاً منفصلاً عن المواقع الأخرى المحيطة به، إضافة إلى أن تاريخه حافل بتشابك العناصر السياسية الإقليمية والدولية مع العناصر السياسية الداخلية فيه، ولطالما كانت العناصر الخارجية مغلبة في الحساب على العناصر الداخلية. لكن هل يعني ذلك أن يبقى اللبنانيون جامدين في الداخل، أسرى مواقفهم وأحقادهم وحساباتهم الضيقة وارتباطاتهم مع هذا الفريق أو ذاك، لا يقومون بحركة ولا يفعلون شيئاً وينتظرون ما سيأتيهم من لعبة الكبار والصغار في الخارج؟

هذا خطأ وخطر كبيران، وقد جرّبنا ذلك فدفعنا أثماناً كبيرة حتى أخذنا هؤلاء الكبار والصغار إلى طاولات حوار عندهم وفرضت علينا المعادلات والاتفاقات الدولية والإقليمية الحلول التي تنسجم مع الوقائع والحسابات السياسية الدولية والإقليمية أكثر من انسجامها مع المعادلات وموازين القوى والحسابات الداخلية في لبنان.. وهذه التجربة يجب أن تعلمّنا أن ثمة الكثير من القضايا التي تقع مسؤولية معالجتها علينا، فكيف إذا نظرنا اليوم إلى الواقع المالي والاقتصادي المأزوم في أكبر دول العالم والمنطقة بسبب الانهيارات في الأسواق المالية والعالمية، ووجدنا أن لبنان حمى نفسه، وأن الاستثمارات فيه رابحة؟ ألا يجدر بنا أن نستمد من هذه التجربة خبرة إضافية لنعالج القضايا المعيشية والاجتماعية على الأقل؟ وهي قضايا تعني كل اللبنانيين ولا تقف عند حدود فريق منهم دون الآخر.

لقد أسقطت أحقادنا وخلافاتنا وحساباتنا الضيقة، عقولنا ومبادئنا وأفكارنا وقيمنا الاجتماعية ومسؤولياتنا الوطنية تجاه مواطنينا.

وبالتالي، إذا دخلنا إلى عمق قضايانا السياسية في حواراتنا، فهذا لا يعني أننا سنتفق على كل شيء في جلسات، وسننهي كل الخلافات، وسنصبح فريقاً واحداً. لكن بالتأكيد سنكون قادرين على الاتفاق على أشياء معينة، تؤكد وتعزز الثقة بين بعضنا وتتيح المجال أمامنا لمناقشة القضايا الأخرى بروح من المسؤولية الوطنية دون أن يتحمل الوطن والمواطن الكثير من المشاكل والأعباء. وهذا لا يتحقق في مناخ من التشنج والاتهام والتخوين. هنا، يهرب بعض السياسيين إلى تحميل الإعلام المسؤولية عما يجري. أقول مجدداً: ليس الإعلام مسؤولاً عما يجري ولو ارتكب بعض الإعلاميين أو وسائل الإعلام أخطاء. المسؤولية الأولى والمسؤولية الحاسمة تقع على عاتق السياسيين الذين يجب أن يقدروا معنى وقيمة وأثر وعاقبة كل كلمة يقولونها. يعني المطلوب مصالحة مع الذات، مع العقل، ثم مصالحة مع الآخرين تأتي نتاج حوار النفوس الصافية والعقول الناضجة والمبادرة.

ملف الصراع بين ايران..واسرائيل..

 الخميس 18 نيسان 2024 - 5:05 ص

مجموعة السبع تتعهد بالتعاون في مواجهة إيران وروسيا .. الحرة / وكالات – واشنطن.. الاجتماع يأتي بعد… تتمة »

عدد الزيارات: 154,032,568

عدد الزوار: 6,931,504

المتواجدون الآن: 85