الأسد يرفض طلب ساركوزي "الانفتاح" على نتنياهو..حقائق انهيار مشروع السلام السوري - الإسرائيلي

تاريخ الإضافة الجمعة 20 تشرين الثاني 2009 - 3:34 م    عدد الزيارات 620    التعليقات 0

        

"فشل الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي في تحقيق تفاهم سلمي بين الرئيس بشار الاسد ورئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو يمهد لاطلاق المفاوضات السورية – الاسرائيلية المباشرة او غير المباشرة وذلك لثلاثة اسباب اساسية هي الآتية:
اولا – لم تتمكن اي جهة دولية او اقليمية، منذ ما بعد حرب 1973 حتى اليوم، من ايجاد الصيغة الديبلوماسية الملائمة لانجاز السلام السوري – الاسرائيلي، على رغم الجهود الاميركية المكثفة التي بذلت منذ مؤتمر مدريد المنعقد عام 1991 وخصوصا في عهد الرئيس سابقا بيل كلينتون، وعلى رغم الوساطة التركية الاخيرة وانعقاد جولات عدة من المفاوضات السورية – الاسرائيلية المباشرة وغير المباشرة خلال السنوات الاخيرة، ذلك ان الملف السوري – الاسرائيلي اكثر تعقيدا مما يبدو للوهلة الاولى.
ثانيا – يريد بشار الاسد سلاما مع اسرائيل من دون مجازفة ومضمونا سلفا يؤمن له انتصارا سياسيا وديبلوماسيا حقيقيا من خلال استعادة الارض المحتلة كاملة، ولذلك يبدو اكثر تشددا من والده الراحل حافظ الاسد في تعامله مع الاسرائيليين وفي تمسكه بالحصول على ضمانات خطية مسبقة للتفاوض مباشرة معهم.
ثالثا – ليس نتنياهو راغبا في انجاز السلام الحقيقي مع سوريا وفي دفع ثمنه الباهظ، بل انه يريد عملية تفاوضية مع السوريين ليس من اجل اعادة الجولان اليهم، بل من اجل اضعاف المحور السوري – الايراني وحلفائه وتعزيز قدرات اسرائيل في تعاملها مع البرنامج النووي الايراني العسكري.
هذا ما ادلت به الينا مصادر ديبلوماسية اوروبية في باريس مطلعة على ملف المفاوضات السورية – الاسرائيلية، واوضحت ان المفاوضات غير المباشرة التي اجريت عام 2008 بين سوريا واسرائيل عبر الوسيط التركي لم تتوقف بسبب حرب غزة كما يقال، كما انه ليس صحيحا القول إن الهوة تقلصت كثيرا بين هذين البلدين نتيجة الجهود التركية وان الخلاف بات يدور حول "كلمات عدة" فقط، كما اكد وزير خارجية تركيا احمد داود اوغلو خلال زيارته لباريس مطلع تشرين الثاني الجاري. والحقيقة، وفقا للمصادر الاوروبية المطلعة مباشرة على تفاصيل هذا الملف، ان المفاوضات توقفت عند قضية اساسية تتعلق بجوهر النزاع بين سوريا واسرائيل.
واوضحت المصادر ان ما حصل فعلا، وبعد اربع جولات من المفاوضات غير المباشرة بين السوريين والاسرائيليين عبر الوسطاء الاتراك، ان الاسد طلب الحصول على تعهد خطي رسمي من رئيس الوزراء الاسرائيلي ايهود اولمرت للانسحاب من الجولان الى خط الرابع من حزيران 1967 في مقابل تحقيق السلام بين البلدين، وذلك شرطا للانتقال الى المفاوضات المباشرة مع الاسرائيليين. وقدم الاسد الى اولمرت في ايلول 2009 عبر رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان وثيقة رسمية تتضمن ست نقاط تحدد مطالب سوريا، وشدد على ضرورة حصول رد اسرائيلي خطي عليها. واطلق المسؤولون الاتراك على هذه الوثيقة اسم "وديعة الاسد" وقالوا لاولمرت إن الرئيس السوري مستعد للانتقال الى مرحلة التفاوض المباشر مع اسرائيل بعد تلقيه الرد الاسرائيلي المقبول لديه على هذه الوثيقة وبعد مجيء ادارة اميركية جديدة "مقتنعة" بضرورة تحقيق السلام بين البلدين والمساعدة على ذلك. والمسألة الاهم ان هذه الوثيقة السورية تتضمن مطالبة الحكومة الاسرائيلية بأن تلتزم خطيا ورسميا ليس فقط تطبيق مبدأ "الارض في مقابل السلام"، بل ايضا بشكل محدد ان تلتزم الانسحاب الكامل من الجولان الى خط 4 حزيران 1967. وتتضمن الوثيقة المطالبة بتحديد عدد من النقاط على خط الحدود بين سوريا واسرائيل لتأكيد الانسحاب الاسرائيلي الكامل من الجولان الى خط 4 حزيران 1967 وليس الى خط آخر.
وفي تشرين الثاني 2008 بعث اولمرت برسالة الى الاسد عبر الاتراك تضمنت رده على الوثيقة السورية وطالب فيها الرئيس السوري بأن يحدد خطيا ورسميا تصوره لطبيعة ونوع العلاقات التي ستقوم بين سوريا وايران و"حزب الله" و"حماس" والقوى المتشددة في المنطقة في حال التوصل الى اتفاق سلام سوري – اسرائيلي. وتفيد المصادر الاوروبية المطلعة ان اولمرت اكد للاسد انه يرفض تقديم اي تعهد خطي له للانسحاب الكامل من الجولان قبل ان يحصل من القيادة السورية على تعهدين اساسيين هما:
الاول – يجب ان تتعهد القيادة السورية ضمان حاجات اسرائيل ومتطلباتها الامنية والمائية، مما يعني خصوصا ان اولمرت يصر على احتفاظ اسرائيل بالسيادة الكاملة على بحيرة طبرية واحتفاظها كذلك بشريط حدودي يبلغ عمقه 400 متر على الاقل حول البحيرة للسماح للاسرائيليين بالتحرك بحرية في هذه المنطقة بعد تحقيق السلام.
وكما قال لنا ديبلوماسي اميركي مطلع: "إن جميع رؤساء الحكومات الاسرائيلية الذين تفاوضوا مع سوريا طالبوا بالاحتفاظ بالسيادة الكاملة على بحيرة طبرية لان هذه البحيرة تشكل خطا احمر بالنسبة الى اسرائيل، اذ انها تؤمن لها اكثر من ثلث مواردها المائية، وقد رفضت سوريا باستمرار هذا الطلب الاسرائيلي وتمسكت بضرورة انسحاب الاسرائيليين الى خط الرابع من حزيران 1967 لان ذلك يسمح للسوريين بالوصول الى الضفة الشرقية – الشمالية لبحيرة طبرية ويمنحهم حق المشاطأة بموجب القانون الدولي ويسمح لهم تاليا بتقاسم مياه البحيرة مع الاسرائيليين. وشكلت قضية البحيرة باستمرار عقبة جوهرية تمنع التوصل الى تفاهم سلمي بين سوريا واسرائيل.
التعهد الثاني الذي طلبه اولمرت من الاسد عبر الاتراك هو ان تلتزم القيادة السورية خطيا ومسبقا التخلي عن اي تعاون مع ايران يشكل تهديدا لاسرائيل او عملا معاديا لها، ووقف كل انواع الدعم لـ"حزب الله" و"حماس" وغيرهما من التنظيمات المسلحة المعادية للسلام، وذلك في اطار توقيع معاهدة سلام سورية – اسرائيلية.
وذكرت المصادر الاوروبية المطلعة ان اولمرت كان مستعدا لان يتعهد خطيا حينذاك للسوريين الانسحاب من الجولان، ولكن من دون تحديد خط الرابع من حزيران 1967 ، بحيث ترافق الانسحاب الاسرائيلي تعديلات في الحدود مقبولة لدى الطرفين لتأمين حاجات اسرائيل الامنية والمائية، وبحيث يتحقق ذلك بعد التفاهم على الترتيبات الامنية والاجراءات "التطبيعية" بين البلدين في اطار السلام. لكن الاسد رفض طلبات اولمرت، فتوقفت المفاوضات السورية – الاسرائيلية غير المباشرة عند هذه القضية المهمة وقبل نشوب حرب غزة في نهاية 2008.

 

لماذا يتشدد بشار الاسد؟

واكدت المصادر الاوروبية المطلعة ان بشار الاسد اكثر تشددا من والده الراحل في التعامل مع اسرائيل، ذلك ان حافظ الاسد وافق في عهد كلينتون على اجراء مفاوضات سورية – اسرائيلية مباشرة وغير مباشرة في رعاية الوسيط الاميركي، من غير ان يحصل على تعهد خطي رسمي اسرائيلي للانسحاب من الجولان الى خط الرابع من حزيران 1967 في اطار تحقيق السلام، بل انه اكتفى بالحصول من اسحق رابين، رئيس الوزراء الاسرائيلي عام 1993 ، على تعهد شفهي قدمه الاخير الى الادارة الاميركية للانسحاب الكامل من الجولان في مقابل السلام الكامل بين البلدين من دون تحديد خط 4 حزيران 1967. وجرى التفاوض بين السوريين ورؤساء الحكومات الاسرائيلية الذين تولوا السلطة بعد رابين، باستثناء ارييل شارون، على اساس هذا الالتزام الشفهي، ولم يقدم اي منهم تعهدا خطيا للانسحاب من الجولان الى خط 4 حزيران 1967.
وعزا ديبلوماسي غربي بارز معني بهذا الملف تشدد بشار الاسد الى "ان الرئيس السوري درس بعناية مع مستشاريه ملف المفاوضات السورية – الاسرائيلية التي جرت في عهد والده، فاكتشف ان الالتزام الشهير الذي قدمه رابين شفهيا في آب 1993 الى وزير الخارجية الاميركي آنذاك وارن كريستوفر والمتضمن الاستعداد للانسحاب الكامل من الجولان في مقابل السلام الكامل بين سوريا واسرائيل، هذا الالتزام الذي اطلق عليه اسم "وديعة رابين"، لم يحدد خط الانسحاب الى حدود 4 حزيران 1967. وهذا ليس مصادفة. ذلك ان رابين كان يعني بالانسحاب الكامل من الجولان الانسحاب الاسرائيلي الى الحدود الدولية التي رسمتها بريطانيا وفرنسا بين فلسطين وسوريا عام 1923، مما يتيح لاسرائيل حينذاك فرض سيطرتها الكاملة على بحيرة طبرية وعلى بعض منابع المياه ومصادرها في الجولان. ولم يكن واردا لدى رابين التخلي عن السيادة الكاملة على بحيرة طبرية والسماح للسوريين بالوصول اليها لتقاسم مياهها مع الاسرائيليين. وموقف رابين هذا التزمه جميع رؤساء الحكومات الاسرائيلية الذين تفاوضوا مع السوريين، وهذا ما يدفع بشار الاسد الى التمسك بمطالبة الاسرائيليين بتقديم تعهد خطي رسمي اليه ينطوي على استعداد اسرائيل للانسحاب الكامل من الجولان الى خط 4 حزيران 1967 تحديدا لبدء المفاوضات المباشرة بين البلدين والتي ستكون معقدة في اي حال لانها ستتناول قضايا امنية و"تطبيعية" وعسكرية واقليمية وسياسية وديبلوماسية مهمة. فالاسد يريد ان يضمن سلفا نتيجة المفاوضات مع اسرائيل".
ولاحظت المصادر الاوروبية المطلعة ان نتنياهو اكثر تشددا من اي رئيس وزراء اسرائيلي آخر تفاوض مع السوريين، بل انه اليوم اكثر تشددا في التعامل مع سوريا من السابق حين كان رئيسا للوزراء في النصف الثاني من التسعينات. ذلك انه ليس مستعدا اطلاقا لاعادة الجولان المحتل الى سوريا في مقابل السلام معها، بل انه مستعد في اطار مفاوضات مباشرة تجري مع السوريين من دون شروط ومطالب مسبقة لاعادة جزء محدود من الجولان الى سوريا في مقابل انهاء حال الحرب والعداء بين البلدين وبحيث يشمل ذلك وقف امدادات الاسلحة الى "حزب الله" ووقف تقديم اي نوع من الدعم لحركة "حماس" ولبقية التنظيمات الللبنانية والفلسطينية الرافضة حل النزاع سلميا مع الدولة العبرية. اما مصير الجولان ككل، فيجب تركه، وفقا لنتنياهو، لجولات اخرى من التفاوض يمكن ان تجري بعد سنوات وفي حال نجاح تجربة التعايش السلمي بين سوريا واسرائيل.

 

الخلاف بين الأسد وساركوزي

وفي هذا المجال كشفت مصادر ديبلوماسية اوروبية وثيقة الاطلاع في باريس ان خلافا في وجهات النظر برز بين الرئيسين الاسد وساركوزي خلال اجتماعهما يوم 13 تشرين الثاني الجاري في العاصمة الفرنسية في موضوع السلام بين سوريا واسرائيل. وقالت إن الحوار كان صريحا بين الرئيسين ان ساركوزي طالب الاسد بالتعامل مع نتنياهو "بمرونة وانفتاح"، خصوصا ان رئيس الوزراء الاسرائيلي ابدى استعداده لاجراء مفاوضات مباشرة وفورية ومن دون شروط مسبقة مع السوريين. وبدا واضحا خلال اللقاء ان ساركوزي يريد من الاسد ان يتخلى عن المطالبة بالحصول على تعهد خطي اسرائيلي للانسحاب الكامل من الجولان الى خط 4 حزيران 1967 شرطا مسبقا لبدء المفاوضات المباشرة، ويريد من الرئيس السوري ايضا ان يكتفي بالتمسك بأن تجري المفاوضات على اساس قرارات مجلس الامن ذات الصلة وخصوصا القرارين 242 و338 وعلى اساس مبدأ الارض في مقابل السلام. وشدد على ان فرنسا تدعم مطالب سوريا وحقوقها المشروعة وفقا للقرارات الدولية، لكنه طالب الاسد بأن تأخذ سوريا في الاعتبار "تطلعات اسرائيل المشروعة للاعتراف بها وبمتطلباتها الامنية والحيوية وبحاجتها الى الاندماج في محيطها الاقليمي في اطار السلام الشامل مع الفلسطينيين والعرب عموما". وابدى استعداد فرنسا للقيام بكل ما هو ضروري للمساعدة على اطلاق عملية تفاوض جديدة بين السوريين والاسرائيليين وللمشاركة في تقديم كل الضمانات الامنية للطرفين في اطار توقيع معاهدة سلام بينهما.
واضافت المصادر ان الاسد رفض طلبات ساركوزي هذه واكد معارضته لاجراء اي مفاوضات مباشرة سورية – اسرائيلية قبل ان توافق الحكومة الاسرائيلية على اعادة الارض والحقوق كاملة الى سوريا وقبل ان تلتزم ذلك خطيا ورسميا وعلنا، وحينذاك قال له الرئيس الفرنسي: "ان ما تطالب به يمكن ان يتحقق في نهاية المفاوضات ونتيجة لها وليس في البداية". فأجابه الاسد: "ان مطالبنا هذه مشروعة ومحقة والمفاوضات المباشرة يجب ان تبدأ بعد حصولنا من الاسرائيليين على الالتزام الذي نريده، اما نتيجة المفاوضات فهي تحقيق السلام بين البلدين". واكدت مصادر ان الاسد مستعد لعقد جولة جديدة من المفاوضات شرط ان تكون تركيا هي الوسيط الوحيد بين الطرفين وان يقتصر دور فرنسا على دعم الجهود التركية وعلى اقناع نتنياهو بالموافقة على هذه المفاوضات. وفض الاسد كذلك اقتراح ساركوزي عقد مؤتمر دولي للسلام تشارك فيه سوريا ولبنان وفلسطين والرباعية الدولية وبعض الدول الاخرى ويكون على مستوى القادة او على مستوى رفيع، لان الظروف غير ملائمة اطلاقا لعقد مثل هذا المؤتمر ولان السوريين يرفضون الاجتماع بأي مسؤول اسرائيلي مباشرة قبل تحقيق السلام.
 

بقلم عبد الكريم أبو النصر     

ملف خاص..200 يوم على حرب غزة..

 الأربعاء 24 نيسان 2024 - 4:15 ص

200 يوم على حرب غزة.. الشرق الاوسط...مائتا يوم انقضت منذ اشتعال شرارة الحرب بين إسرائيل و«حماس» ع… تتمة »

عدد الزيارات: 154,259,224

عدد الزوار: 6,942,509

المتواجدون الآن: 143