المصالحة المسيحية في لبنان ضرورة

تاريخ الإضافة الأحد 2 تشرين الثاني 2008 - 3:00 م    عدد الزيارات 1145    التعليقات 0

        

الأب ميشال سبع

لم يبق زعيم روحي أو مدني سياسي أو غير سياسي في لبنان إلا ودان ما يتعرض له المسيحيون في العراق من ترهيب وتهجير، وكذلك كانت نداءات الكرادلة والبطاركة المجتمعين في روما وقد تقاطعت مع نداء البابا الى كل من الهند والعراق كي يوقفوا المضايقات التي يتعرض إليها المسيحيون ويعرض للجميع أن المسيحيين يريدون العيش بسلام مع كل الناس.
وهناك أكثر من علامة استفهام عن السبب الذي من أجله بدأت الحملة ضد المسيحيين في العراق ولماذا لم تكن هكذا حتى الآن رغم مرور كل هذا الزمن على التدخل الأميركي في العراق. بطبيعة الحال لا يمكن إغفال الدور الذي لعبه المبشرون الأميركان الذين وفدوا مع الجيش الأميركي وراحوا يقتنصون المسيحيين الكلدانيين لجعلهم يلتحقون بالكنائيس الغربية التي تتخذ الكنائس الإنجيلية وقد تكون أقرب الى التصهين المسيحي منه الى المسيحية فعلاً، لذا فقد يكون سبب الحملة الحالية على المسيحيين إنما تستهدف ضمناً هؤلاء المبشرين الأميركيين ومن لحق بهم لكن هذا لا يعني أبداً أن الاضطهاد الذي لحق بالمسيحيين الكلدانيين والآشوريين ليس أكثر من كبير وعظيم.
من ناحية أخرى، فإن القنوات التلفزيونية التي تبث تارة من قبرص وطوراً من خلال الأقمار الصناعية والتي يقودها بعض رجال الدين المسيحيين وهمها هو مهاجمة الدين الإسلامي وتقديم تفسيرات وشروحات كلها طعن للمقدسات الإسلامية بدءاً من القرآن الكريم حتى شخص نبي المسلمين مما جعل قنوات أخرى إسلامية ترد الصاع صاعين وتروح تطعن بالمقدسات المسيحية وتهاجم شخص المسيح وتفند كل آياته وحقيقة قيامه لا بل حتى تفسه ما قيل عنه في القرآن الكريم وهي تبث أيضاً من خلال الأقمار الصناعية هذا الشحن ساهم لحد كبير في تأجيج العداوة بين المسلمين والمسيحيين وانعكس على المزيد من التشنج في مصر بين الأقباط والمسلمين وفي بقية المنطقة العربية. وعلى الأغلب فهذه القنوات ليست بعيدة عن أصابع استعمارية وصهيونية تريد بث الصراعات الدينية وتأجيجها في المنطقة وقيام بلبلة تربك الأنظمة وتعطي انطباعاً عاماً لدى الغرب أن الإسلام يضطهد المسيحيين أو لا يقبل بغيره.
وإذا كان هناك بلد فيه كمّ من المسيحيين ما زال في مأمن من كل هذا فهو لبنان حيث المسيحيون هم مشاركون في السلطة والقرار السياسي وهم يمارسون دينهم وشعائرهم على أفضل ما يمكن في كل منطقة الشرق الأوسط والأدنى. لكن مع الأسف الشديد فإن المسيحيين اللبنانيين لا يدركون حسنات واقعهم ولا ينظرون الى أهمية وجودهم فيتناصرون ويصطفون أمام بعضهم البعض كأعداء عوضاً أن يكونوا يداً واحدة تعمل من أجل وطنهم لبنان ومن أجل أن يبرهنوا للمسلمين أنهم انفتاحيون وفاعلون على مستوى المواطنية والشأن العام وأكثر من ذلك وعوضاً أن يقدموا شهادة حية للمحبة المسيحية التي تتجاوز التسامح الى الحب فهم لا يتسامحون حتى ولا يصفحون أو يتصافحون مما يطرح السؤال حول حقيقة ممارستهم لإيمانهم ومعتقداتهم.
وإذا كان بعض القادة المسيحيين يعتبرون أن حصولهم على مقعد نيابي أو زعامتهم على منطقة ما هو الهاجس والهم فهم واهمون ومخطئون فليست المراكز والكراسي هي التي تجعلهم في موقع صلب بل إن ما يعزز واقعهم في لبنان هو أكثر من ذلك.
أولاً، ضرورة ترتيب وضعهم الديموغرافي، فهم يتناقصون بشكل كبير وخطير وفي دراسة عن الهجرة المسيحية في أوائل القرن الماضي كانت تشير الى أن المسيحيين هاجروا خوفاً من اضطهاد أو مضايقات دينية في حين أن الدراسات اليوم التي توافرت لدى مجلس البطاركة الكاثوليك تشير الى أن أسباب الهجرة هو عدم الاستقرار السياسي العام والوضع الاقتصادي المتردي ولم يسجل أي سبب لمضايقة أو اضطهاد ديني. وبالتالي فأسباب الهجرة المسيحية هي عامة وشاملة للمسلمين أيضاً. وعليه، فإن الترتيب الديموغرافي يكون بتشجيع العوامل التي تحث على البقاء وعلى إنشاء العائلة وإنجاب المزيد من الأولاد وهنا لا تكفي المناشدات من المرجعيات الدينية المسيحية بل تحتاج الى افعال كإنشاء المؤسسات الوسطى والصغيرة وتشجيعها كذلك المساعدة على القروض الشخصية وأكثر من هذا إنشاء وحدات سكنية وفتح أبواب المدارس وتقوية القطاع الخاص لأن المسيحيين بارعون في هذه المجالات.
من ناحية أخرى، فصحيح أن الكثرة العددية للمسلمين في لبنان تستدعي أكثر فأكثر الحصول على مزيد من الإدارات العامة والوظائف الدرجة الثانية والثالثة في كل القطاعات تكاد تشهد تقلصاً حاداً في الموظفين المسيحيين أمام الكثرة الإسلامية، وهذا ما يستدعي السؤال: هل حقاً يريد المسلمون أن يكون المسيحيون مشاركين لهم في الوطن حتى وإن صاروا أقل منهم عدداً إذا كان الأمر كذلك فعلى المسلمين أن يفسحوا المجال للمسيحيين أن يتبوأوا مناصب عدة في وظائف الدرجة الثانية والثالثة وأن يساعدوهم في البقاء في الدولة والوزارات والإدارات العامة إضافة الى ذلك فإن المشاهدات تدل على أن المدارس الخاصة ذات الإدارات المسيحية تستقبل التلاميذ المسلمين بوفرة لدرجة أن مدارس مسيحية يديرها مسيحيون لم يعد فيها سوى تلامذة مسلمين في حين قلة من المدارس الخاصة ذات الإدارات الإسلامية تستقبل التلاميذ المسيحيين وهم وإن وجدوا فهم فيها قلة وهذا يحتاج أيضاً الى تدقيق بالأسباب كي يكون هناك تكافئ في النتائج. أما على مستوى المناطق فهذا يحتاج أيضاً الى دراسة معمقة لأن المحافظة على النسيج اللبناني التعايشي هو فرادة لبنان ولبنان بشهادة كل زعمائه المسيحيين والمسلمين لا يمكن إلا أن يكون كذلك.
إن المصالحات السياسية بين المسيحيين ليست سياسية بل هي وطنية بامتياز وتأخيرها هو المزيد من التشرذم المسيحي الذي ينعكس سلباً على الاستقرار والاطمئنان بين المسيحيين، وإذا كان لا أحد في الخارج يمكن أن يحافظ على لبنان أكثر من اللبنانيين أنفسهم فإن الأمر هو نفسه على المسيحيين في لبنان فليس هناك أحد من الخارج يمكن أن يصنف المسيحيين من هو أكثر وطنية من غيره أو أكثر غيرة على إيمانياته من جهة أخرى المسيحيون في لبنان هم مواطنون بدرجة متساوية مع اخوانهم في الوطن من المسلمين وهم كذلك أساسيون في بنيته الاجتماعية والاقتصادية والتربوية والفنية حتى. ولا يمكن للمسيحيين أن ينتظروا من يصالحهم مع بعضهم، إن التكاتف والتآلف مع بعضهم وحول مرجعياتهم الدينية هو الضمانة الأساس خصوصاً أن مرجعياتهم الدينية هي وطنية بامتياز ولم يقل أحد لا من الداخل ولا من الخارج خلاف ذلك.
وضرورة المصالحة المسيحية في لبنان تأتي بالضرورة كي لا يصبح لبنان لا سمح الله ذات يوم لديه أخبار كالتي في مصر أو تلك التي في العراق.

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك..

 الأحد 24 آذار 2024 - 2:34 ص

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك.. الحرة – واشنطن.. منذ السابع من… تتمة »

عدد الزيارات: 151,066,735

عدد الزوار: 6,751,093

المتواجدون الآن: 118