حكومة المنتصرين: مكاسب الاستقلاليين وواقعية المعارضة والحريري برز كرجل دولة وربح حرب الاستنزاف

تاريخ الإضافة الأربعاء 18 تشرين الثاني 2009 - 6:59 ص    عدد الزيارات 719    التعليقات 0

        

بقلم عبد الكريم أبو النصر  

"قرار انهاء الحرب الباردة – الساخنة بين الغالبية والمعارضة والتفاهم بينهما على التعايش السلمي او التعاون في اطار حكومة وحدة وطنية برئاسة سعد الحريري اتخذ ونفذ لان الاطراف المعنيين اللبنانيين والاقليميين والدوليين تصرفوا بواقعية وتقبلوا موازين القوى القائمة في لبنان ولو ضمنيا، ولان زعيم الغالبية الحريري اعتمد سياسة الانفتاح والحوار والتفاهم والتهدئة في تعامله مع المعارضة، ولان الدول العربية والاجنبية البارزة الداعمة للاستقلال اللبناني قامت بأدوار واتصالات مختلفة غير معلنة لتأمين ولادة الحكومة. فالغالبية اظهرت مرونة ووعيا سياسيا حيث تصرفت على اساس ان الاولوية يجب ان تكون لتشكيل هذه الحكومة وان الامر يستحق تقديم بعض التنازلات للمعارضة. والمعارضة ادركت انها عاجزة عن تحقيق طموحاتها ومطالبها القصوى فاضطرت الى تقبل واقعها كأقلية نيابية وشعبية. والمحور السوري – الايراني ادرك انه غير قادر على ان يحكم لبنان او ان يلغي القوى الاستقلالية او ان يتجاوزها نتيجة عوامل ذاتية ولبنانية واقليمية ودولية فشجع المعارضة بعد معركة طويلة ومضنية مع الحريري على تقبل عرضه الاخير".
هذا ما اكدته لنا مصادر ديبلوماسية اوروبية وعربية وثيقة الاطلاع في باريس. واوضحت ان الغالبية النيابية والشعبية حققت اربعة مكاسب اساسية في عملية تشكيل الحكومة الجديدة التي تضم ثلاثين وزيرا هي الآتية:
اولا - تشكيل الحكومة انجاز كبير في ذاته لان هذه الحكومة هي التي ستحول انتصار فريق 14 آذار وحلفائه في الانتخابات النيابية الاخيرة واقعا ملموسا وحقيقة سياسية ودستورية وقانونية. ذلك ان الاستقلاليين الذين يمثلهم فريق الغالبية والرئيس ميشال سليمان الاستقلالي التوجهات، سيؤلفون، نتيجة حصولهم على عشرين حقيبة وزارية بينها حقائب عدة مهمة وحيوية، القوة الدافعة المحركة لعمل الحكومة وكذلك لعمل مجلس النواب ومؤسسات الدولة الشرعية. وقد ادركت الغالبية هذا الامر منذ البداية، لذلك تصرفت بمرونة اذ رأت ان تشكيل الحكومة برئاسة الحريري اكثر اهمية من الاصرار على الاحتفاظ بحقيبة مهمة اضافية او اكثر وان تحقيق هذا الهدف الاساسي يستحق القيام ببعض التضحيات وتقديم تنازلات معينة للعماد ميشال عون وهو ما دفع الاخير في النهاية الى التخلي عن بعض مطالبه.
ثانيا – تولي سعد الحريري رئاسة الحكومة هو مكسب مهم للاستقلاليين، من جهة لانه نجل الرئيس الراحل رفيق الحريري الذي فتح استشهاده طريق التحرر من الهيمنة السورية والذي يتركز التحقيق الدولي في جريمة اغتياله على دور مسؤولين سوريين وبعض حلفائهم اللبنانيين في هذه العملية الارهابية، ومن جهة ثانية لان سعد الحريري هو الزعيم الاقوى للطائفة السنية ويلقى دعما واسعا من الدول العربية المعتدلة، والدول الاجنبية البارزة والمؤثرة، ولانه زعيم الغالبية الذي يؤمن وجودها قوية حماية للبنان المستقل السيد ويمنح شرعية لبنانية واسعة للدعم الدولي والعربي لهذا البلد. وكما قال لنا ديبلوماسي اوروبي معني بالشأن اللبناني: "تشكيل الحكومة هو في الدرجة الاولى نجاح شخصي للحريري الذي تمسك منذ البداية بحكومة وحدة وطنية وبرز خلال عملية تشكيلها كرجل دولة حقيقي حريص على مصلحة وطنه اولا وعلى السلم الاهلي وصيغة العيش المشترك وعلى تأمين اوضاع افضل للبنانيين. ويمكن القول ان القوة الهادئة الحكيمة التي يمثلها الحريري انتصرت في النهاية على القوة الصاخبة الغاضبة التي تمثلها المعارضة".
ثالثا – تركيبة هذه الحكومة تشكل اعترافا ضمنيا من المعارضة المشاركة فيها بأنها اقلية وبأنها عاجزة عن تجاوز ارادة الناخبين والقضاء على نتائج الانتخابات وان يكن قائدها "حزب الله" يملك السلاح، كما ان ولادة الحكومة تظهر ان المعارضة تدرك ان موازين القوى السياسية والشعبية ليست لمصلحتها وانها عاجزة تاليا عن قلب الاوضاع في لبنان لمصلحتها ومصلحة حلفائها السوريين والايرانيين وهو ما دفعها الى تقبل التعايش سلميا مع الغالبية ضمن حكومة واحدة.
رابعا – تشكيل الحكومة يعني استمرار الدعم العربي والدولي الواسع للبنان المستقل السيد وللمحكمة الخاصة بلبنان وللجهود الهادفة الى تحقيق الامن والاستقرار والسلام والتنمية والازدهار في هذا البلد. وهذه اهداف اساسية يتمسك بها الرئيس ميشال سليمان وفريق الغالبية لانها جزء حيوي من برنامج عملها المتناقض مع مخطط المعارضة الراغبة في ربط لبنان بالمحور السوري – الايراني بوسائل مختلفة وهو مخطط احبطه مجددا انتصار الاستقلاليين في الانتخابات الاخيرة، ثم قيام الحكومة الجديدة وهي حكومة المنتصرين في الانتخابات في الدرجة الاولى. حرب الاستنزاف ضد الحريري... وفي هذا المجال تلقت جهات رسمية اوروبية وعربية معلومات من بيروت ودمشق والقاهرة تفيد ان المعارضة حاولت دفع سعد الحريري الى التخلي عن تشكيل الحكومة بعدما رفض تلبية طلبات سورية قدمت اليه بصورة غير مباشرة مع بدء مساعيه. وابرز هذه الطلبات إلحاح النظام السوري على ضرورة ان يتوجه الحريري الى دمشق قبل تشكيل الحكومة "للتفاهم" مع الرئيس بشار الاسد على تركيبتها وعلى مضمون بيانها الوزاري وخصوصا في ما يتعلق بسلاح "حزب الله" وبالعلاقات اللبنانية – السورية، بحيث تبدو سوريا انها هي التي سهلت تشكيل الحكومة وانها هي التي ستشرف على عملها وستتولى رعاية العلاقات بين الافرقاء اللبنانيين وهو ما يساعد على تخفيف الضغوط الدولية والعربية على النظام السوري في شأن لبنان. وبعد رفض الحريري الاستجابة لهذه الطلبات السورية حاول مسؤولون في المعارضة التوصل الى تفاهم سري مع شخصية سياسية سنية اخرى لدعم توليها رئاسة الحكومة واعدين بتأمين التأييد النيابي الكافي لها، وعلى اساس ان هذه الشخصية مقربة من دمشق وتتمتع في الوقت عينه بعلاقات جيدة مع عدد من الدول العربية والغربية البارزة. وارادت المعارضة ان توحي بتحركها هذا بانها هي التي تشكل في الواقع حكومة الوحدة الوطنية من خلال اختيار الشخصية التي تلائمها وتلائم سوريا لتولي رئاستها، ثم من خلال توزيع الحقائب الوزارية بطريقة تحقق رغباتها ومصالحها". واستنادا الى المعلومات ذاتها فشلت خطة المعارضة هذه للاسباب الاساسية الآتية:
اولا – ان الشخصية التي اتصل بها مسؤولون في المعارضة رفضت تولي رئاسة الحكومة في اطار صفقة مع حلفاء دمشق وطهران وشددت على ان الغالبية وحدها هي التي تختار المرشح لرئاسة الحكومة وان الحريري هو المرشح الشرعي المؤهل لتولي هذه المسؤولية.
ثانيا – اكدت هذه الشخصية للمعارضين الذين اتصلوا بها ان الرهان على انقسام الغالبية مجرد وهم اذ ان هذه الغالبية تدرك تماما، وخصوصا بعد تجربة الانفتاح على فريق 8 آذار التي قام بها رئيس "اللقاء الديموقراطي" وليد جنبلاط، ان هدف المعارضة ليس تعزيز المصالحة الوطنية الحقيقية وتدعيم الامن والاستقرار بل ان هدفها هو تفكيك القوى الاستقلالية واضعافها خدمة لمصالح دمشق وطهران. لذلك سترفض الغالبية بحزم اي محاولة تقوم بها المعارضة لانتزاع قرار اختيار المرشح لرئاسة الحكومة منها.
ثالثا – ادرك هؤلاء المعارضون ان الرئيس ميشال سليمان لن يخضع لاملاءات دمشق وطهران وحلفائهما وانه سيرفض تكليف اي شخصية اخرى غير الحريري تشكيل الحكومة اذا لم يرشحها فريق 14 آذار وحلفاؤه، خصوصا ان هذا الفريق هو الغالبية وانه يضم ايضا الغالبية العظمى من النواب السنة. ونتيجة لذلك تخلت المعارضة عن خطتها هذه واعتمدت خطة بديلة تقوم على خوض حرب استنزاف وانهاك ضد الحريري سواء لدفعه الى التخلي بنفسه عن هذه المهمة او لجعله يشكل الحكومة في النهاية بعد ان يكون "تعب" ورضخ لشروط حلفاء دمشق وطهران. لكن الحريري صمد وواجه بصلابة حرب الاستنزاف هذه وواصل اعتماد سياسة الحوار والتهدئة فنجح في النهاية.
الدور السوري – الإيراني... وهنا يبرز السؤال الآتي: ما الدور الذي قامت به فعلا كل من سوريا وايران طوال عملية تشكيل الحكومة؟ مصادر ديبلوماسية اوروبية وثيقة الاطلاع اكدت لنا انه ليس صحيحا القول ان نظام الاسد هو الذي عمل منذ البداية على تسهيل تشكيل الحكومة وان النظام الايراني هو وحده الذي وضع العقبات امام الحريري. وركزت هذه المصادر على الامور الاساسية الآتية التي توضح حقيقة الدور السوري – الايراني في هذا المجال:
اولا – الموقف السوري من تشكيل الحكومة جمع بين الحرص على الاحتفاظ بعلاقات جيدة مع السعودية التي تدعم لبنان المستقل وتريد حكومة وحدة وطنية في اسرع وقت ممكن، والحرص على تحالفه الوثيق مع ايران. ولذلك اعطى نظام الاسد منذ البداية، وبالتفاهم مع ايران، المعارضة الوقت الطويل والكافي لممارسة مختلف انواع الضغوط على الحريري ولمحاولة الحصول على اكبر قدر ممكن من الحقائب الوزارية المهمة، ثم شجع المعارضة لاحقا، وبالتفاهم مع ايران، على قبول العرض الاخير للرئيس المكلف الذي رفض تقديم اي تنازلات اضافية وهو ما كان يمكن ان يهدد بفشل الجهود لتشكيل الحكومة مما ينعكس سلبا حينذاك على علاقات دمشق مع الرياض وهي علاقات يحتاج اليها النظام السوري في مجالات عدة.
ثانيا – التفاهم كامل بين القيادتين السورية والايرانية على ضرورة الحفاظ على وحدة المعارضة وتماسكها وعلى ضرورة دعمها والعمل على تقويتها بمختلف الوسائل، لانها هي التي تمثل مصالح دمشق وطهران في الساحة اللبنانية وتعمل على تحقيق اهدافها. فالمعارضة فريق واحد متماسك متحالف مع المحور السوري – الايراني ويقوده "حزب الله" وليست فريقين، كما يروج، واحد مرتبط بدمشق والآخر مرتبط بطهران. وليست للمحور السوري – الايراني اي مصلحة في اضعاف المعارضة من خلال تقسيمها وتفكيكها.
ثالثا – لا مصلحة لايران في اضعاف النفوذ السوري في لبنان، بل ان ثمة توزيع ادوار بين دمشق وطهران في الساحة اللبنانية بحيث يقوم كل طرف بدور ما بالتفاهم مع الطرف الآخر، لان المعركة في لبنان جزء من معركة اكبر يخوضها المحور السوري – الايراني في المنطقة ومع عدد من الدول الغربية. ففي الوقت الذي يؤمن النظام الايراني دعما كبيرا لسوريا في مجالات عدة، تقوم سوريا بدور الحليف العربي لايران المدافع عن سياساتها ومواقفها واعمالها، وتؤمن انتقال مختلف انواع الاسلحة الى "حزب الله". كما ان سوريا ستقدم الدعم لـ"حزب الله" ليضرب اسرائيل بالصواريخ والقذائف ردا على اي ضربة اسرائيلية محتملة للمنشآت النووية والحيوية الايرانية.
رابعا – لايران وسوريا خصم مشترك واحد في لبنان يتمثل في القوى الاستقلالية. ويعتمد النظامان السوري والايراني على المعارضة الموحدة لمحاولة اضعاف الاستقلاليين وتقليص نفوذهم وتأثيرهم الى ادنى حد ممكن لان ذلك يؤدي، في تقديرهما، الى تقليص الدعم الدولي والعربي للبنان المستقل ويسهل مهمة ربط هذا البلد بالمحور السوري – الايراني. وقد فشلت كل الجهود السورية والايرانية في اضعاف القوى الاستقلالية التي ازداد تأثيرها ونفوذها، لكن حاجة النظامين السوري والايراني الى معارضة موحدة مستمرة.
خامسا – المصلحة السورية – الايرانية المشتركة تتطلب الحفاظ على دولة "حزب الله" المسلحة المستقلة عن الدولة اللبنانية ومؤسساتها الشرعية، وتتطلب دعم احتفاظ "حزب الله" بسلاحه وبقرار الحرب مع اسرائيل ومع دول اخرى كي يبقى لبنان ساحة مواجهة مفتوحة وكي يظل ورقة مساومة يستخدمها النظامان السوري والايراني في مفاوضاتهما مع الدول العربية والاجنبية البارزة، وتأمين هذه المصلحة السورية – الايرانية يتطلب الحفاظ على وحدة المعارضة وعلى التعاون بين دمشق وطهران.
سادسا – ثمة تفاهم غير معلن بين النظامين السوري والايراني على استخدام اي تقارب سوري – عربي او سوري – غربي لتعزيز مواقع حلفاء دمشق وطهران وليس لاضعاف هؤلاء الحلفاء. لذلك فان القائلين ان التقارب السوري – السعودي اضعف التعاون السوري – الايراني في لبنان مخطئون، من جهة لان التوافق ليس تاما بين دمشق والرياض على عدد من القضايا الاقليمية، ومن جهة ثانية لان نظام الاسد يرغب في تحسين علاقاته مع السعودية والدول العربية المعتدلة والدول الغربية البارزة، لكنه يريد في الوقت عينه ان يحتفظ بتحالفه الوثيق مع ايران ومع القوى المتشددة في المنطقة وعلى رأسها "حزب الله" و"حماس".

ملف الصراع بين ايران..واسرائيل..

 الخميس 18 نيسان 2024 - 5:05 ص

مجموعة السبع تتعهد بالتعاون في مواجهة إيران وروسيا .. الحرة / وكالات – واشنطن.. الاجتماع يأتي بعد… تتمة »

عدد الزيارات: 153,686,917

عدد الزوار: 6,908,520

المتواجدون الآن: 102