ألمانيا وأوكرانيا.. الأمن لن يكون إلا أوروبياً ـ روسياً

تاريخ الإضافة الأحد 13 نيسان 2014 - 7:21 ص    عدد الزيارات 266    التعليقات 0

        

 

ألمانيا وأوكرانيا.. الأمن لن يكون إلا أوروبياً ـ روسياً
د. عصام حداد ...() كاتب لبناني مقيم في برلين
«لن نسمح بأن تنطلق الحرب مجدداً من الارض الالمانية». هكذا صاغت جمهورية المانيا الديموقراطية المندثرة أحد أهم مقومات سياستها الخارجية عامة وعلاقاتها مع الحوار الأوروبي خاصة» ـ كانت خلاصة معلنة لدروس حربين عالميتين 1914 ـ 1918 و 1939 ـ 1945.

وزير الخارجية الالمانية السابق «هانس ديتريش غينشر» أعلن في يناير من عام 1990 إثر انهيار جدار برلين والاندفاع في توحيد ألمانيا في ظل تسارع تفكك الاتحاد السوفياتي بأن «حلف شمال الاطلسي الناتو لن يتمدد شرقاً ليضم الدول الأعضاء حتى ذاك الحين في حلف وارسو..» وتبع ذلك اعلان حلف الأطلسي في ختام مؤتمره المنعقد في روما في تشرين الثاني/نوفمبر من عام 1991 انتهاء الحرب الباردة رمزياً بما يعني زوال الخطر الروسي.

فضحت الوقائع المتسارعة على امتداد العقد الأول على اعلان «نهاية الحرب الباردة» عدم مصداقية السياسة الخارجية الألمانية، على هذا الصعيد التي روج لها السيد غينشر. وتمدد حلف الناتو شرقاً وحطم بالحروب والتجزئة السد العائق اليوغسلافي ليرمم على اراضيه قواعد ضد الشرق الأوروبي العميق الروسي كما ضد الجنوب المتوسطي العربي بجواره الحيوي الآسيوي والافريقي (قاعدة كوسوفو الاميركية).

تولدت عن هذه العودة الى خيار الحرب في صياغة العلاقات الدولية وحل المشكلات التي قد ترافقها مرارة عميقة في حركة السلام الالمانية. وزاد من هول الصدمة ان تأتي العودة هذه بقيادة حزبين شاركت قواعدهما العريضة وعلى امتداد عقود في اعلاء شأن سياسة السلام ورفض الحروب (من حرب فيتنام الى الحروب الاسرائيلية ضد الدول العربية) واسست النقمة الشعبية على هذه السياسة لسحب الثقة الجماهيرية من حكم هذين الحزبين فكان سقوطهما المدوي عام 2005 اثر فضيحة السياسة الاجتماعية الجديدة على الرغم من الانكفاء المعلن عن المشاركة في العدوان على العراق الشقيق.

وسئل النائب عن حزب اليسار السيد شتيفان ليبغ Stefan Liebig من مدينة برلين والممثل لحزبه في اللجنة البرلمانية في البوندستاغ للعلاقات الخارجية عن البديل الذي يراه حزبه للحفاظ على الأمن الأوروبي ما دام الحزب يصر منذ عام 1991 على ضرورة حل حلف شمال الأطلسي في برنامجه علناً وجهاراً. فأجاب السيد ليبغ LLiebig «ان امن اوروبا هو امن اوروبي ـ روسي وعلى الطرفين، الاتحاد الأوروبي والاتحاد الروسي ان يصيغا مقوماته وقوانينه».

المسؤولية الالمانية في الأزمة الأوكرانية:

انهكت حالة الانقسام التي تسود أوكرانيا منذ انفراط عقد الاتحاد السوفياتي 1991 وتحول الحدود بينها وبين روسيا الى حدود فاصلة على الارض للمجتمع الأوكراني بكل مقوماته الاجتماعية ـ الاثنية والاقتصادية كما السياسية. وتمحورت القوى في فريقين: ذاك الذي ينشد في الغرب الأوروبي خلاصة فشدد من ضغوطه للالتحاق بالاتحاد الأوروبي وآخر يتمركز ثقله في شرق وجنوب اوكرانيا بما في ذلك شبه جزيرة القرم ويتمسك بالوشائج التاريخية مع الفضاء الروسي بكل تكويناته في الاتحاد الروسي وروسيا البيضاء ـ وتعبر عن حالة القلق المستمرة هذه وبشكل دوري الانتخابات العامة الأوكرانية والتي انتجت غلبة فريق على الآخر وبالتناوب بفارق ضئيل جداً.

وتتحمل المانيا الدولة الكبرى في وسط اوروبا المسؤولية الاكبر الى جانب روسيا عن اتجاه واحتمالات التطور في اوكرانيا كما في شرق أوروبا باسره. ويتعزز هذا الموقع بالدور الحاسم الذي باتت تمارسه المانيا شبه منفردة في توجيه سياسة الاتحاد الأوروبي والاقتصادية منها بشكل خاص. وافرد هذا الواقع المجال للطامحين لدعوة المانيا للعب دور اكبر في السياسة العالمية كما الاقليمية. وتجلى ذلك في المؤتمر الخمسين للأمن والسلام في ميونخ في النصف الاول من شباط/فبراير من هذا العام في مداخلات كل من رئيس الجمهورية الالمانية ووزير خارجيتها كما وزيرة الدفاع الالمانية ـ ورافق ذلك الظهور الاستعراضي لوزير الخارجية الالمانية السابق «غيدو فيسترفيله» من الحزب الليبرالي في ساحة الميدان في كييف وسط ما يتجمع هناك من قادة للمعارضة الأوكرانية بكافة اطيافها ومن ضمنها اليمين الفاشي حليف الحزب النازي الجديد في المانيا NPD. أثار هذا الامر حفيظة مراجع اوروبية والمانية تحرص على خفض حدة التوتر منعاً لاندلاع حرب أهلية تفتت اوكرانيا.

وبات اثر هذه الخطوة واضحاً مدى خطورة التمادي في التجاذب المثلث الاضلاع حول اوكرانيا ما بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي (وفي مقدمته المانيا) وبين روسيا على وحدة اوكرانيا الدولة كما ارتسمت حدودها بعد عام 1992. لم تتصرف روسيا كما تصرفت عام 2008 في جورجيا باعتراف الاتحاد الأوروبي، بل اعتمدت واقع تركيبة اوكرانيا فاستقل القرم والتحق بالاتحاد الروسي بارادة اغلبية شعبه الروسي من دون ان تسيل قطرة دم لجندي روسي. واكتفت القيادة الروسية بهذا المقدار من ردود الفعل جواباً للحفاظ على اكبر قاعدة عسكرية (بحرية) لها في وجه التهور الاميركي ـ الأوروبي وتحسبا لانزلاق اوكرانيا نحو الغرب وحلف الناتو على وجه الخصوص. وهو الخطر الذي يحول البحر الاسود الى بحيرة للناتو تسرح فيها سفنه وتصطاد قواته على شواطئها في انتظار يوم الزحف الى الداخل الروسي.

اربكت هذه الخطوة المشهد الدولي وعلى وجه الخصوص الالماني في دوره الأوروبي المقرر وبات على من «نظم ثورة في الميدان» ان يتحمل تبعات «ثورة شبه جزيرة القرم». بعد تفكك الاتحاد السوفيياتي خرج برجينسكي يبشر ويوجه عبر كتابه (The Grand Chessboard) بأن السيطرة على اوراسيا هي المدخل للسيطرة على العالم وهذا يتطلب انتزاع أوكرانيا من اطار التاثير الروسي للحؤول دون استعادة روسيا لعافيتها والعودة لممارسة دورها العالمي. وفهمت الثورة البرتغالية قبل عشر سنوات في هذا الاطار. الا ان التطورات اللاحقة من اقامة القواعد لحلف الأطلسي في بلغاريا ورومانيا على البحر الأسود إلى التقدم نحو جورجيا والتحرشات عبرها مع القيادة الروسية انتهت برد روسيا الحاسم عسكرياً على هذه التحرشات.

يقدم بريجينسكي اليوم وجهة نظر جديدة عبر عنها في كتابه Strategic Vision «نظراً لانتقال مركز القرار الدولي من الغرب إلى الشرق نتيجة استمرار التفسح والتلاشي لمقومات الهيمنة الأميركية يصبح من الضروري توسيع التحالف الغربي عبر روسيا..» وهو يرى إمكانية لتحقيق ذلك من خلال ضم أوكرانيا للحلف الأطلسي مما يجعل روسيا مرتهنة له بحكم العرى التي لا يمكن فصمها بين روسيا وأوكرانيا.

إرتبك المشهد السياسي في أوروبا إثر إعلان ضم القرم ولاية رقم 17 للاتحاد الروسي وبشكل خاص المشهد السياسي الألماني. فقد سبق لوزير خارجية ألمانيا شتاينماير أن ذكر في مداخلة له لمناسبة الذكرى المئوية الأولى لاندلاع الحرب العالمية الأولى بأن «الديبلوماسية بعامة والأوروبية بخاصة باتت أكثر خبرة في المعالجة لاستعصاءات العلاقات الدولية مما يوفر للحلول السلمية رحاباً أوسع وأدوات عمل أنضج الأمر الذي يبعد شبح تكرار أخطاء الديبلوماسية عشية اندلاع الحرب العالمية الأولى وبالتالي يبعد خطر الدمار الشامل لما بنته أوروبا في الأجيال الثلاثة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية».

ويتّضح من تتابع هذه التطورات بأن النظام الذي نشأ بعد عام 1945 قد انهار وسيبقى المشهد الأوروبي مرتبكاً إلى أن يتبلور النظام العالمي الجديد بأقطابه وقواه المقررة. وقد يفيد التشنج السائد راهناً الكثير من قوى اليمين المتطرف والفاشي أيضاً لولوج قاعات مؤسسات الاتحاد الأوروبي ولن يتوقف هذا أو يحد من اندفاعه سوى استعادة المشهد الألماني توازنه وعقلانيته السياسية فلا المقاطعة الاقتصادية التي وصفها المستشار السابق هيلموت شميدت بالحماقة، وهي بالواقع هكذا ما دامت الصين لا تشارك فيها ضد روسيا كما لا يثير التهديد العسكري لدولة نووية عظمى مثل روسيا سوى السخرية... ولن يعف التجريح الشخصي للقيادة الروسية عبر وسائل الإعلام الألمانية القيادة الألمانية السياسية ممثلة بالمستشارة ميركل بخاصة وشريكها في الحكم الحزب الاجتماعي الديموقراطي، من مسؤولية احتمالات التعثر السياسي الديبلوماسي أيضاً بما يسهل اندلاع حرب عبر أوكرانيا يدعي الكثيرون في أوروبا بذل الجهد لمنع وقوعها...

ويقف حزب اليسار الألماني وحيداً ولكن موحداً في الجهد لدرء هذه الأخطار في حين انزلقت قيادات كبيرة لحزب الخضر (الحزب المعارض الثاني في البرلمان الألماني) إلى الإسهام في جوقة التجريح وحتى التقليل من أخطار المآلات اليمينية المتطرفة في المشهد الأوكراني الأمر الذي حمل أحد قادة الخضر السابقين على القول: «لو كان حزب الخضر شريكاً في الحكومة لشاهدنا أرتال القوات المسلحة الألمانية تتدفاع للدفاع عن أمن ألمانيا في شبه جزيرة القرم».

وأخيراً، ثمّنت عالياً جهود كل من المستشارة الألمانية ووزير خارجيتها لحث «منظمة التعاون والأمن الأوروبي» على التقدم سريعاً كواسطة للتفاوض الروسي الأوروبي الأميركي وبهدف فتح مجالات للحوار الأوكراني الداخلي لإخراج أوكرانيا من مأزق التفتت الذي يتهددها بفضل نظرية بريجينسكي وطموحات صقور الناتو وجندهم من اليمين المتطرف الأوكراني والأوروبي. إن غالبية الشعب الألماني الكاسحة (80%) ترفض الحرب كما تقول استطلاعات الرأي أخيراً وتقف مع الحل الذي يساعد الشعب الأوكراني على الخروج من مأزقه التاريخي في ظل حكم الأوليغارشية منذ عام 1991 لأي طرف انتمت.


 
 

ملف خاص..200 يوم على حرب غزة..

 الأربعاء 24 نيسان 2024 - 4:15 ص

200 يوم على حرب غزة.. الشرق الاوسط...مائتا يوم انقضت منذ اشتعال شرارة الحرب بين إسرائيل و«حماس» ع… تتمة »

عدد الزيارات: 154,541,311

عدد الزوار: 6,954,081

المتواجدون الآن: 57