غباء أم تغابي؟

تاريخ الإضافة الخميس 30 تشرين الأول 2008 - 7:04 م    عدد الزيارات 1155    التعليقات 0

        

محمد سلام

ضوضاء الردح السياسي "القومي" في ما يتعلق بالغارة الأميركية الأخيرة على هدف في منطقة البوكمال السورية لا تحجب التساؤلات الأساسية المتعلقة بهذا التطور، والتي لم تعتبر الأوساط القومية، وبعض الإسلامية أيضا، أنها معنية بتقديم إجابات عنها هي، أي الإجابات، من حق الأمة التي يصدحون بالانتماء إليها، عربية كانت أم إسلامية ... أم "ممانعة"، هذا إذا كانت هناك أمة ممانعة.

الأسئلة كلها تتعلق بأحد أوجه الحقيقة. تبدأ كلها بـ لماذا.

- لماذا قرر الأميركيون أن تخترق مروحياتهم الأربع الأراضي السورية بعمق ثماني كيلومترات لتنفيذ هجوم على هدف؟

- لماذا تولى الإعلام السوري "الرسمي" تغطية نبأ الهجوم الأميركي، بغض النظر عن تصنيفة، ولم يقم الجيش السوري بمهمة الدفاع عن أراضي الدولة السورية على الرغم من أن المنطقة المستهدفة عسكرية-أمنية بامتياز، وعلى الرغم من أن القوات الأميركية بقيت على الأراضي السورية وفي الأجواء السورية قرابة 40 دقيقة؟

- لماذا لم تتقدم الدولة السورية بشكوى إلى مجلس الأمن الدولي ضد ما أسمته بـ "الهجوم الإرهابي" الأميركي؟

- ولماذا لم تطلب الدولة السورية عقد جلسة لمجلس الأمن الدولي لبحث الاعتداء الأميركي على أراضيها وإصدار قرار بشأنه؟

- لماذا لم تتحرك سوريا بصفتها الحالية الرسمية رئيسة لمؤسسة القمة العربية لتقود تحركا من قبل جامعة الدول العربية، وصولا إلى الدعوة إلى عقد قمة عربية طارئة لبحث الاعتداء الأميركي الخطير على "القطر" السوري؟  سوريا في موقع فريد: رئيس القمة العربية تتعرض لهجوم خارجي!

هذه "اللماذات" هي أسئلة شرعية مشروعة يحق لكل طالب حقيقة أن يطرحها، لا على النظام السوري فحسب، بل أيضا على أصحاب تصنيفات الممانعة التي تحت سقفها المثقوب يجرون الويلات على البلاد والعباد.

طبعا سيتنطح أكثر من "ممانع" ليطرح علينا أنه من غير المجدي أن يجرنا "العدو" إلى معركة بتوقيته وعلى أرضه؟

هذه هي النظرية العفنة نفسها التي حكموا بها البلاد والعباد لأكثر من نصف قرن، ولم تثمر لا ممانعة ولا تحريرا.

ولكن هذه النظرية، إياها، تعاني من أكثر من ثقب، في حالة الهجوم الأخير.

فالعدو لم يجر سوريا إلى معركة على أرضه، بل خاض معركة على أرض سوريا، وبعمق ثمانية كيلومترات في الأراضي السورية.

والمسألة ليست مجرد غارة تنتهي في دقيقة واحدة، يعني أنها ليست ضربة، بل عملية إنزال واقتحام واشتباك وغطاء جوي وانسحاب وعودة إلى قاعدة الإنطلاق.

ولو تصدى لها السوري على أرضه وأوقع في القوة المهاجمة إصابات، سواء بصواريخه أو بطائراته الحربية أو بقواه البرية، لما كان أحد يستطيع أن يلومه، فهو يمارس حقا مشروعا في الدفاع عن النفس.

ولكن يبدو أن مسألة "عن النفس" هذه لم تكن متوفرة كعامل في الصراع، لذلك لم يحاول النظام السوري التصدي لما وصفة بهجوم إرهابي.

والمسألة تبدو مربكة أكثر في ضوء حشد القوات السورية في مواجهة الحدود الشمالية اللبنانية تحت عنوان مواجهة "الإرهاب".

إذا كان المبدأ هو مواجهة "الإرهاب" فلماذا يصح مقابل حدود لبنان، ولا يصح في مواجهة قوات أميركية تعمل على الأراضي السورية ضمن ما وصفه النظام السوري بهجوم إرهابي. هل صيف الإرهاب صاف على حدود لبنان، وغائم على حدود العراق بعمق ثماني كيلومترات في الأراضي السورية؟

لا نريد أن نخوض في تفسيرات طبيعة الهدف الذي هاجمه الأميركيون بموافقة الحكومة العراقية، ولكن يبقى عدم التصدي للهجوم في ذاته لغزا يثير التباسات توحي... بإجابات.

تعهد وزير الخارجية السورية وليد المعلم، ردا على سؤال افتراضي، بأن سوريا ستدافع عن نفسها إذا تكرر الهجوم.

هذا التعهد قد يقدم إجابة عن السؤال المتعلق بعدم الرد على الهجوم الأول. بمعنى أن الوزير المعلم يفترض أنه لم يعد هناك في سوريا "أهداف" قد تسعى القوات الأميركية إلى مهاجمتها، لذلك يتعهد بالرد على هجوم يعتقد أنه لن يحصل.

هذا يعيدنا إلى سؤال مهم. إذا كان النظام السوري يعتقد أنه لم يعد هناك على أراضيه أهداف يمكن أن تهاجمها القوات الأميركية مستقبلا، فذلك يعني أنه كان يعلم مسبقا أن الهدف الذي هوجم سيتعرض للهجوم، وأنه لا يمكنه الدفاع عنه "سياسيا وقانونيا وأخلاقيا" لذلك قرر عدم الدفاع عنه، فذلك يساعده على... التخلص منه.

هل يعني ذلك أن النظام السوري "باع" الهدف المستهدف للأميركيين وحشد في شمال لبنان كي "يضلل"؟

السؤال يبدو مشروعا في ضوء ما أعلن عن أن من قتل في المبنى قيد الإنشاء في مزرعة السكرية، كان من ضمن مسؤولي عصابة ما سمي بفتح الإسلام التي نشطت في نهر البارد، واسمه مدون في اعترافات العديد من موقوفي العصابة الإرهابية التي جاءتنا من سوريا؟

وإذا كان النظام السوري قد "باع" قاعدة السكرية، فماذا تقاضى مقابلها.

الإجابة غير متوفرة، ولكن فرضية البيع أو المقايضة أو التخلي يعززها إحجام دمشق عن طلب انعقاد جلسة لمجلس الأمن الدولي لمناقشة "الاعتداء".

قد يتنطح فيلسوف ممانع ليقول إن دمشق لم تطلب انعقاد جلسة لمجلس الأمن الدولي لأنها تعلم أن المسألة ستصطدم بفيتو، أو نقض، أميركي، وبالتالي فلا جدوى من تقديم الشكوى.

الموقف الخشبي الفولكلوري لا يعكس حقيقة أن الفيتو، أي فيتو، لا يستطيع منع التقدم بشكوى، ولا يستطيع منع انعقاد جلسة لمجلس الأمن، ولا يستطيع منع مناقشة شكوى. الفيتو يمنع إصدار قرار، أو بيان أو ما شابه.

ولو كانت المسألة فعلا إعتداء غير منسق لوجب، بحكم المنطق، تقديم الشكوى للاستفادة من انعقاد الاجتماع والمناقشة... وأيضا للاستفادة السياسية من فيتو المعتدي على حق الضحية. فهذه، في ذاتها، قضية سياسية-أخلاقية بامتياز.

دمشق أذكى بكثير من أن تتخلى عن مثل هذا المكسب لقاء... لا شيء، ومقابل "ترف" إقفال مدرسة الجالية الأميركية والمركز الثقافي الأميركي.
ذكية دمشق، فعلا.

الأغبياء هم المصرون على الغباء.

لماذا الإصرار على الغباء؟

أم ترى هو إصرار على التغابي؟

هذه مصارحة "قومية".   

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك..

 الأحد 24 آذار 2024 - 2:34 ص

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك.. الحرة – واشنطن.. منذ السابع من… تتمة »

عدد الزيارات: 151,164,839

عدد الزوار: 6,758,311

المتواجدون الآن: 126