الجفاف يهدّد كل أشكال الحياة في وادي الرافدين

الزراعة انخفضت إلى النصف ودول الجوار لا تتعاون

تاريخ الإضافة الأربعاء 29 تموز 2009 - 11:21 ص    عدد الزيارات 4668    القسم عربية

        


رسم مدير المركز الوطني لادارة الموارد المائية العراقي عون ذياب عبدالله صورة قاتمة لما آلت اليه أوضاع المياه في العراق. وقال لـ"النهار" ان العراق يواجه مشكلة شح مياه حقيقية وقاسية، مما دفعه الى تقليص مساحة اراضيه المزروعة الى النصف، نتيجة النقص المتواصل في المياه، الامر الذي يهدد العراق بمخاطر اقتصادية وبيئية فادحة.
وحذر من أن خزانات العراق فارغة ولديه عجز كبير في حوض الفرات، فسد حديثة على الفرات كان يحتوي على 700 مليار متر مكعب من المياه، اما اليوم فليس فيه سوى مليار واحد. والامر ينطبق على سد الحبائية الذي انخفض من ثلاثة مليارات متر مكعب الى 200 مليون متر مكعب.
وقال: "ان معدل تدفق المياه في نهر الفرات عند الحدود السورية كان قبل بضع سنوات 950 مترا مكعبا في الثانية، فيما يبلغ اليوم 230 متراً مكعباً فقط، اي ان نسبة الانخفاض بلغت ما يقرب من 75 في المئة".
وعزا ذلك الى ان "الاطلاقات" المائية لتركيا من نهر الفرات ليست بالمعدلات المطلوبة، مضيفا: "صحيح ان سنة 2008 كانت سنة جافة، الا ان السنة الحالية شهدت وفرة من المياه لا بأس بها ونزلت كميات كبيرة من الامطار، وهناك ايرادات مائية جيدة في نهر الفرات، الا ان اطلاقات الجانب التركي أقل من المطلوب، وهي غير كافية، لادامة حياة النهر". واوضح ان 90 في المئة من المشكلة اساسها المنبع الاول (تركيا)، اما الاشكال مع سوريا فهو ان كمية المياه الراجعة منها الينا رديئة بسبب مياه البزول.
وأقر عبدالله بصعوبة وتعقيد مسألة تقاسم "المياه العابرة للحدود"، ورأى ان عدم توقيع معاهدة واضحة تقوي الموقف التفاوضي للعراق مع تركيافي شأن تقاسم المياه، واحد من الاسباب المهمة في ازمة العراق الحالية، فضلا عن الاهمال وسوء استخدام الثروة المائية في هذا البلد. ولفت الى وجود معاهدة دولية خاصة بالانهر غير الملاحية قدمتها الامم المتحدة عام 1997، الا انها لم تدخل حيز التنفيذ لتصويت 17 فقط من مجموع 117 دولة عليها، وكان يفترض تصويت ما لا يقل عن 35 دولة لاعتمادها.
وعن المؤتمر التشاوري الذي دعا العراق الى عقده في بغداد على مستوى وزراء الموارد المائية في البلدان الثلاثة، قال مدير المركز الوطني ان الدعوة لا تزال قائمة "لكنهم يصرحون ولا يعدون بشيء".
ودعا نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي الاحد الماضي الى البحث في مشكلة السدود التي اقامتها ايران على الانهر التي تصب في الاراضي العراقية. واشار في رسالة وجهها الى الرئيس جلال طالباني ونائبه عادل عبد المهدي الى ان "وجود اثنين واربعين نهرا وواديا تنبع من الاراضي الايرانية وتصب في الانهار داخل العراق، منها اثنان وعشرون نهراً رئيسيا اقيمت عليها سدود وخزانات، اثر بشكل كبير على ايرادات هذه الانهر في العراق".
ويذكر ان الزيارات المتكررة التي قام بها مسؤولون عراقيون كبار مثل رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي والهاشمي ونائب رئيس الوزراء رافع العيساوي اخيرا لتركيا لم تؤد الى نتيجة، سوى الوعود باطلاق كميات اضافية من المياه الى العراق.
 

حرب المحافظات

ويبدو ان التقارير التي تحدثت عن حروب مياه مقبلة بين الدول، أغفلت تماما امكان حصول هذه الحروب داخل الدولة الواحدة. غير ان الصراع والنزاع على المياه بين بعض المحافظات العراقية قد يكشف بعض ملامح هذه الحرب، التي لا يعبر عنها بالاسلحة والجنود بالضرورة فهي حروب مياه، لكنها في اية حال قابلة للتطور في حال بقاء مسألة شح المياه من دون حل.


وفي هذا الاطار اوعز محافظ المثنى، على 280 كيلومترا جنوب بغداد، ابرهيم الميالي بتشكيل قوة لمتابعة "التجاوزات" على الحصة المائية المخصصة للمحافظة في المناطق القريبة من محافظة الديوانية، على 180 كيلومترا جنوب بغداد. وذكر المحافظ ان القوة شكلت بأمر من رئيس الوزراء بعد تقديم محافظته شكاوى عدة عن تجاوز محافظة الديوانية حصة محافظته. وهدد باللجوء الى المحكمة الاتحادية في حال استمرار تجاوزات محافظة الديوانية.


وكان مزارعو محافظة المثنى تظاهروا قبل اسبوعين احتجاجا على شح مياه السقي، وخصوصا تلك المخصصة لزراعة الارز الذي انخفضت معدلات زراعته الى 20 في المئة خلال الموسم الزراعي الحالي بحسب مصادر زراعية في المحافظة.


وهددت محافظة الديوانية المحاذية لمحافظة البصرة، بدورها الاسبوع الماضي، على لسان احد اعضاء مجلسها، بقطع كل الامدادات الواردة من البصرة الى محافظة المثنى في حال تجاوز الاخيرة حصتها من المياه.


وفي السياق عينه، لم يستبعد كاتب ساخر نشوب حرب بين "دولة الديوانية وجمهورية السماوة".


اما في اهوار "الجبايش" في محافظة الناصرية بجنوب العراق، فقد تسبب نزاع عشائري على المياه بمقتل شخصين. وكشفت تقارير واردة من هناك ان ثلثي سكان المدن القريبة من الاهوار نزحوا نتيجة شح المياه.



ازمات متلاحقة

ويكاد العراق لا ينتهي من مشكلة او ازمة حتى تبرز الى السطح ازمة جديدة. وخلافا لاكثر دول المنطقة والعالم، يعيش العراق في دوامة من الازمات المتواصلة منذ عقود طويلة، ولا يمكن التكهن بالزمن الذي يحتاج اليه العراق للتخلص منها. فبعد سلسلة الحروب والحصارات والاحتلال وتصدع منظومة السلم الاهلي، يقف اليوم في مواجهة ازمة المياه الخانقة. والأمر من ذلك، ان مسألة نقص المياه لا تبدو الشغل الشاغل للاوساط السياسية والشعبية العراقية، فالساسة مشغولون بالصراع على السلطة، والناس مهمومون بمتطلبات عيشهم الصعب. ويظهر ان الاحاديث عن عدم ابتعاد بلاد الرافدين عن شبح العطش باتت شيئاً من الماضي، اذ يعاني اليوم ازمة مياه طاحنة. فبينما عانى العراق الفيضانات المتكررة في بدايات القرن الماضي واواسطه نتيجة سوء الادارة وعدم وجود خزانات للمياه، صارت اليوم معضلة الفيضانات في ذمة التاريخ وحلت محلها مشكلة الجفاف وشح المياه التي تهدد كل اشكال الحياة في وادي الرافدين.


ويرى البعض، انه مع تقليص مساحة الاراضي الزراعية المتدهورة اصلاً الى النصف، واطماع الدول المجاورة للعراق للسيطرة على سلة الغذاء العراقية، فان العراق مقبل على كارثة. بمعنى ان عدم تجاوب الدول المتشاطئة معه مرده الى رغبة هذه الدول في السيطرة على سوق المنتجات الزراعية العراقية، فضلاً عن مساومة العراق على ثروته النفطية والحصول منه على شروط تفاوضية معقولة في شأن عقود النفط، وتالياً تكون المعادلة المقبلة هي "النفط مقابل المياه".

بغداد – من فاضل النشمي

المصدر: جريدة النهار

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك..

 الأحد 24 آذار 2024 - 2:34 ص

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك.. الحرة – واشنطن.. منذ السابع من… تتمة »

عدد الزيارات: 151,132,914

عدد الزوار: 6,755,584

المتواجدون الآن: 85