الفلسطينيون يتظاهرون ضد الأسد ونظامه: سوريا ليست غابة * و«الأونروا» تعبر عن القلق

قوات الأسد تقصف مخيمات الفلسطينيين في اللاذقية

تاريخ الإضافة الأربعاء 17 آب 2011 - 7:24 ص    عدد الزيارات 3455    القسم عربية

        


 

قوات الأسد تقصف مخيمات الفلسطينيين في اللاذقية
منظمة التحرير تدين وتصفه بـ«جريمة ضد الإنسانية» * مسؤول أميركي لـ«الشرق الأوسط»: نريد أن نرى الأسد ونظامه منعزلين * أوغلو محذرا دمشق: هذه كلماتنا الأخيرة * الأردن يدعو إلى «وقف العنف فورا»
رام الله: كفاح زبون مدريد: صبيح صادق واشنطن ـ لندن: «الشرق الأوسط»
عاشت مدينة اللاذقية الساحلية أمس أجواء حرب حقيقية، إثر تواصل العملية العسكرية فيها وتجدد أعمال القصف لليوم الثالث على التوالي، وقد استهدفت، على الخصوص، مخيما للاجئين الفلسطينيين، في حي الرمل، الذي هرب نحو نصف سكانه، حسب مصادر عدة.
واشتد القصف على المخيم أمس مع دعوة القوات السورية بمكبرات الصوت للسكان للمغادرة وتهديد كل من يبقى بأنه «مقاوم لهم».
وقال متحدث باسم وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين التابعة للأمم المتحدة (الأونروا): إن ما بين 5 و10 آلاف من سكان المخيم من اللاجئين الفلسطينيين غادروه، إما هربا من إطلاق النار وإما بناء على أوامر من السلطات السورية. وقال كريستوفر جانيس، المتحدث باسم «الأونروا»: «لا نعرف مكان هؤلاء الأشخاص؛ لذا فالأمر يبعث على القلق البالغ». وأدانت السلطة الفلسطينية القمع، وعبرت منظمة التحرير الفلسطينية عن صدمتها، مؤكدة أن ما يجري «جريمة ضد الإنسانية».
ونفذ الأمن السوري، أمس، حملة مداهمات، واعتقل 300، بينما أضرم النار في جسر اللاذقية. وأحصت منظمات حقوقية مقتل ما يزيد على 30 شخصا في مدينة اللاذقية، خلال اليومين الأخيرين. وفي أقوى تحذير وجهته تركيا إلى نظام الأسد، قال وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو، أمس، في مؤتمر صحافي: إن العمليات العسكرية ضد المدنيين في سوريا ينبغي أن تتوقف على الفور ودون شروط، محذرا الرئيس السوري بشار الأسد من أن هذه هي «الكلمات الأخيرة» لتركيا، مشيرا إلى أن العمليات تصاعدت «منذ زيارتي الأخيرة إلى دمشق». إلى ذلك, قال مسؤول رفيع المستوى من الإدارة الأميركية لـ«الشرق الأوسط»: «نريد أن نرى الأسد ونظامه منعزلين، الإدارة تبذل جهودا دبلوماسية قوية من أجل المساعدة على عزلة النظام». وفي مدريد، كشفت مصادر إسبانية إن رئيس الوزراء خوسيه لويس ثاباتيرو أرسل «سرا» مستشاره الخاص، بيرناردينو ليون، إلى دمشق ليقترح على الرئيس السوري بشار الأسد خطة للخروج من الأزمة، تتضمن استضافته وعائلته في البلاد، لكن المصادر ذكرت أن الأسد رفض الخطة.
إلى ذلك، دعا رئيس الوزراء الأردني، معروف البخيت، إلى ضرورة وقف العنف في سوريا فورا والبدء بتنفيذ الإصلاحات والاحتكام إلى العقل ومنطق الحوار، معبرا عن مشاعر الرفض والأسف لدى الحكومة الأردنية تجاه استمرار القتل وحالة التصعيد.
 
السلطة الفلسطينية تدين قصف مخيمات اللاجئين.. والمنظمة: ما يجري جريمة ضد الإنسانية
الفلسطينيون يتظاهرون ضد الأسد ونظامه: سوريا ليست غابة * و«الأونروا» تعبر عن القلق
رام الله: كفاح زبون
بينما تظاهر مئات الفلسطينيين في رام الله في الضفة الغربية وفي الداخل في إسرائيل، تضامنا مع الشعب السوري، وتنديدا بما يتعرض له من عمليات قتل طالت عددا من الفلسطينيين أيضا، خصوصا في مخيم الرمل باللاذقية، أدانت منظمة التحرير، بشدة، قصف القوات السورية لمخيم الرمل في اللاذقية وتشريد نصف سكانه، واعتبرت ما يجري «جريمة ضد الإنسانية». وبينما أدانت السلطة أيضا القمع طالب الأردن السلطات السورية باتخاذ إجراءات لوقف العنف فورا.
وقال مصدر فلسطيني كبير لـ«الشرق الأوسط»: «إن موقفنا من النظام السوري معروف، لكن لا نريد إيذاء أكثر من 500 ألف فلسطيني يعيشون في سوريا، هنا المشكلة الحقيقية». لكن بعد ذلك، خرجت منظمة التحرير الفلسطينية عن صمتها، وأعربت عن «إدانتها الشديدة» لاقتحام القوات السورية مخيم الرمل الفلسطيني وقصفه وتهجير سكانه، واصفة ما يجري بـ«الجريمة ضد الإنسانية».
وقال أمين سر منظمة التحرير الفلسطينية، ياسر عبد ربه: «إننا ندين، بشدة، عمليات القوات السورية في اقتحام وقصف مخيم الرمل الفلسطيني في اللاذقية وتهجير سكانه». وأضاف: «نحن نعتبر أن هذا العمل يشكل جريمة ضد الإنسانية تجاه أبناء الشعب الفلسطيني وأشقائهم السوريين الذين يتعرضون لهذه الحملة الدموية المستمرة». ودعا عبد ربه «جميع الهيئات الدولية المعنية إلى التدخل الفوري لوقف هذه المجزرة التي أدت إلى سقوط عدد كبير من الشهداء والجرحى».
كان آلاف من أهالي المخيم قد فروا منه أمس، أمام وحشية القصف السوري للاذقية، على ما أفادت مصادر فلسطينية، بينما يعتقد وجود قتلى وجرحى في المخيم. وأصدرت «الأونروا» بيانا عبرت فيه عن قلقها الكبير، خصوصا بعد التقارير عن استخدام القوات السورية الأسلحة الثقيلة ضد مخيم اللاجئين الفلسطينيين في منطقة الرمل باللاذقية. وقال المتحدث باسم الوكالة، كريس غونيس: «إن التقارير من مصادر متعددة تشير إلى سقوط قتلى وضحايا بين اللاجئين الفلسطينيين، على الرغم من أن الاتصالات الرديئة تجعل من المستحيل تأكيد الرقم الفعلي للقتلى والجرحى».
وأضاف البيان: «(الأونروا) تدين استخدام العنف ضد المدنيين، ونحن ندعو السلطات السورية إلى إصدار أوامر لقواتها الأمنية حتى تظهر أعلى درجة من ضبط النفس بما يتماشى مع القانون الدولي وضمان عدم إلحاق الأذى بكل المدنيين بمن في ذلك الفلسطينيون».
وطالب البيان بالسماح بدخول عمال الإغاثة الإنسانية من دون أي عوائق حتى يقدموا المساعدة للجرحى ويهتموا بالقتلى، كما طلب السماح لـ«الأونروا» باستئناف خدماتها بالكامل في المخيم الذي تضرر كثيرا بسبب الاضطرابات في البلاد.
وتظاهر الفلسطينيون، مساء أول من أمس، في رام الله وحيفا، بعد أسبوع من مظاهرة مماثلة في الناصرة، ومرة أخرى أمس، في رام الله، رفعوا خلالها الأعلام السورية والفلسطينية ورددوا الشعارات المناهضة للرئيس السوري بشار الأسد.
وانطلق المتظاهرون في مسيرة اخترقت شوارع رام الله، وهم يرفعون صورا لبشار الأسد وضعت عليها إشارة «X» بالأحمر، وطالب المئات في المظاهرة التي دعت لها لجنة التضامن الوطني الفلسطيني مع الثورات العربية، بعد ساعات من قصف البوارج السورية لمخيم الرمل في اللاذقية، برحيل الأسد.
وهتف الشبان ومعهم مثقفون وأكاديميون وشعراء: «الله.. سوريا.. حرية وبس، ويا بشار يا جبان ودي (أرسل) جنودك على الجولان، ويا بشار يا جبان يا عميل الأميركان، ومن بلدة ناصر لدير الزور الأسد لازم يغور».
ورفع المتظاهرون شعارات كثيرة، قال أحدها: «سوريا ليست غابة»، وقال آخر: «الشعب السوري ما بنذل، وعاشت سوريا ويسقط بشار الأسد»، كما طال الغضب الفلسطيني في رام الله فصائل فلسطينية، وحزب الله اللبناني، على دعمهم النظام السوري، وقالت لافتة كبيرة: «المقاومة التي تدافع عن نظام قاتل تفقد مصداقيتها».
وقال بيان للجنة الفلسطينية للتضامن مع الشعب السوري: «إن موقف الشعب الفلسطيني ينحاز بالكامل لثورة الشعب السوري في مطالبته المشروعة بكامل حقوقه المشروعة في الحرية والديمقراطية، وبالتحرر من نظام القمع والإجرام الذي ولغ في دماء إخوتنا في مختلف بقاع الأرض السورية الحبيبة».
واعتبرت اللجنة أن «المطالب الشعبية السورية بالتخلص من الفساد والقمع والاستبداد تعكس بالضرورة توقنا ذاته الذي نعيشه كفلسطينيين في التحرر، وإذ يتذرع النظام الذي سفك دماء أبنائه واستخدم القوة العسكرية لحماية النظام بدلا من حماية الوطن بأنه نظام يتعرض لمؤامرة خارجية بحجة انحيازه للمقاومة والممانعة فإننا نقول: فلسطين التي يذبحها الاحتلال الإسرائيلي لا تعول على نظام جزار يشرب من دماء المطالبين بالحرية على أرضه ولن يمر الطريق إلى فلسطين على أجساد وأشلاء إخوتنا في سوريا».
وأضافت اللجنة في بيانها: «الآن تكسر جدران الخوف، وتقرع جدران الخزان، ولن نشارك الصامتين جريمة الصمت، ونؤكد أن الفعاليات التضامنية ستستمر في دعم الثورة السورية العظيمة؛ لأن لفلسطين ولسوريا مطلبا واحدا بالحرية والكرامة والانعتاق». جاءت مظاهرة رام الله متزامنة مع أخرى في حيفا، بعد أسبوع من مظاهرة في الناصرة حملت عنوان «الصمت عار». وتظاهر الفلسطينيون في حيفا تحت عنوان «تحية فلسطينية للثورة السورية»، وهتف المتظاهرون بشعارات مماثلة للتي علت في رام الله.
ولم تغطِّ أصوات المتظاهرين في رام الله وحيفا على أصوات القذائف التي كانت تسقط على رؤوس إخوتهم في مخيم الرمل للاجئين الفلسطينيين باللاذقية الذي استمر وتصاعد بالأمس.
ولم تصدر السلطة الفلسطينية على الفور موقفا من قصف مخيم الرمل، وحاولت «الشرق الأوسط» الاتصال بكبير المفاوضين الفلسطينيين، صائب عريقات، والناطق الرئاسي الرسمي، نبيل أبو ردينة، ووزير الخارجية الفلسطيني، رياض المالكي، والمسؤول الكبير، نبيل شعث، من دون أن تتمكن من الحصول على موقف.
الفلسطينيون في سوريا
* تشير الإحصاءات الفلسطينية الرسمية إلى أن عدد اللاجئين الفلسطينيين في سوريا وصل إلى نصف مليون لاجئ مسجل وفق سجلات «الأونروا» نهاية عام 2009، يعيشون في 13 مخيما لا تعترف وكالة الغوث إلا بـ10 منها.
ويشكل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا ما نسبته 10% من اللاجئين الفلسطينيين المسجلين لدى وكالة الغوث في العالم، يعيش منهم 27.1% داخل مخيماتها. وتستأثر دمشق بـ67% من مجموع اللاجئين الفلسطينيين في سوريا، يقطن أغلبهم في مخيم اليرموك الذي لا تعترف به منظمة «الأونروا» كمخيم، على الرغم من أنه يضم أكثر من 200 ألف فلسطيني؛ لأن له ما يشبه بلدية تابعة لدمشق، ويتوزع الباقي على مخيمات «السيدة زينب» (مخيم قبر الست) جنوب شرقي مدينة دمشق على طريق محافظة السويداء، ومخيم «جرمانا» جنوب شرقي مدينة دمشق على طريق المطار الدولي، ومخيم «خان دنون» جنوب مدينة دمشق على طريق أوتوستراد دمشق - درعا، ومخيم «خان الشيخ» غرب دمشق على طريق القنيطرة - هضبة الجولان، ومخيم «الحسينية» أقصى جنوب شرقي مدينة دمشق، ومخيم «السبينة» جنوب دمشق، ومخيم «الرمدان» شرق دمشق على طريق بغداد، ومخيمي «النيرب» و«عين التل» في حلب، و«مخيم الوليد» في حمص، ومخيم «العائدين» في حماه، ومخيم «الرمل» في اللاذقية.
وطبعا لا يقيم كل الفلسطينيين في هذه المخيمات، بل يتوزعون أيضا على تجمعات في دمشق وخارجها.
وتعود أصول 40% من اللاجئين الفلسطينيين في سوريا إلى مدينة صفد، و22% إلى حيفا، و16% إلى طبرية، و8% إلى عكا، و5% إلى يافا، ومثلها إلى الناصرة، و4% إلى مدن الرملة واللد وبيسان، والمدن الأخرى.
كان قد وفد إلى سوريا في عام 1948 نحو 90 ألفا من اللاجئين الفلسطينيين، تركز معظمهم في العاصمة دمشق، وتوزع البقية على محافظات الشمال والوسط والجنوب السوري، وزاد العدد نتيجة الزيادة الطبيعية في نسبة الولادات إلى 126 ألف لاجئ عام 1960، ثم إلى 376 ألفا عام 1998، ووصل إلى 400 ألف نسمة عام 2000، ونحو 470 ألف نسمة عام 2008، وأكثر من نصف مليون الآن.
 
مدريد تقترح خطة للأزمة في سوريا تتضمن استضافة الأسد وعائلته
مسؤول إسباني زار دمشق سرا للتباحث حول نقل السلطة
مدريد: صبيح صادق
قالت مصادر إسبانية أمس إن رئيس الوزراء خوسيه لويس رودريغيز ثاباتيرو أرسل «سرا» مستشاره الخاص بيرناردينو ليون إلى دمشق ليقترح على الرئيس السوري بشار الأسد خطة للخروج من الأزمة، تتضمن استضافته وعائلته في البلاد.
وأفادت صحيفة «ال باييس» أن تركيا مطلعة على تفاصيل المبادرة. وقالت إن بيرناردينو ليون الذي يشغل كذلك منصب المبعوث الخاص للاتحاد الأوروبي إلى المنطقة «ذهب إلى سوريا متخفيا» الشهر الماضي، واقترح مؤتمرا في مدريد بحسب مصادر قريبة من المبعوث، لوقف أعمال العنف التي أسفرت عن مقتل المئات. وتابعت الصحيفة أن ليون سافر وحده واستخدم جواز سفر عاديا بدلا من الدبلوماسي، لكن يبدو أن المبادرة رُفضت بشدة.
وقال ليون عند عودته: «أشعر أن الأسد لن يتنازل عن أي شيء أساسي»، مضيفا: «إن الأشخاص الذين حاورتهم كانوا بعيدين جدا عن الواقع»، على ما نقلت الصحيفة عن دبلوماسي رفض الكشف عن اسمه. ورأى الدبلوماسي أن مقترحاته أبطلها قرار الأسد قمع المعارضة السورية التي تنادي بسقوط النظام.
ولم يقُم المبعوث بزيارة أي دائرة حكومية في دمشق، وهناك قابل مسؤولين سوريين، واستغل إحدى مناسبات تقديم التعازي لإحدى العائلات كي يجتمع سرا مع مسؤول على علاقة وثيقة بالرئيس السوري، لكنه لم يقابل بشار الأسد، حسب ما ذكرته المصادر المقربة من المبعوث الإسباني، على الرغم من أن مصادر أخرى تؤكد بأنه قابل أيضا الرئيس السوري. وحسب الصحيفة الإسبانية فإن ثاباتيرو كان حتى شهر يونيو (حزيران) على اتصال تليفوني مع الأسد، وهو ما شجعه على أن يرسل مبعوثا خاصا إليه، حاملا له اقتراحا يتكون من عدة نقاط، وهي: إيقاف عمليات القمع، وتوقيف بعض المسؤولين المباشرين بشكل صريح وواضح، وتنظيم مؤتمر وطني في مدريد لكل القوى السورية، لوضع الخطط العريضة لبرنامج انتقال السلطة، وتكوين حكومة انتقالية وبمشاركة شخصيات بارزة من المعارضة لتوجيه انتقال السلطة، ويشترك في المؤتمر أيضا تركيا التي تقود مع إسبانيا الدعوة لتحالف الحضارات. وتتضمن الخطة استضافة الرئيس الأسد وعائلته.
وحسب صحيفة «ال باييس» فإن أحد الدبلوماسيين الإسبان قال: «في ظني أنه لن يتم تقديم تنازلات رئيسية»، بعد أن استمع إلى كلمات المبعوث الإسباني التي ذكر فيها: «إن الذين تحاورت معهم بعيدون عن الواقع». وأضافت الصحيفة أن المبعوث الخاص اعتبر عمليات القتل التي مارسها الجيش أنهت فعالية هذه المبادرة، وأن المعارضة لا تريد غير إسقاط النظام، وإذا ما حصل هذا فإن إسبانيا مستعدة لمنح الأسد حق اللجوء السياسي، على الرغم من أنه لم يتقدم أحد بهذا الطلب، كما أنه لم يعرض أيضا، حتى الوقت الحاضر، حسب ما أشارت إليه مصادر دبلوماسية.
وهناك تاريخ طويل من طلب سوريين حق اللجوء السياسي في إسبانيا، يعود إلى الثمانينات، عندما وصل أعضاء من الإخوان المسلمين، وأيضا رفعت الأسد، عم الرئيس الحالي، وكان يشغل في السابق منصب نائب الرئيس السوري. ومن أجل المحافظة على مسالك للحوار مع نظام الأسد فإن الدبلوماسية الإسبانية من أكثر الدول الأوروبية حذرا في هذا المجال، فهي لم تستدعِ السفير الإسباني في دمشق، كما فعلت إيطاليا بداية هذا الشهر، ولم تدعُ إلى اجتماع طارئ لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، كما أن بياناتها أقل حزما من بيانات عواصم الدول الأخرى، بما في ذلك بعض دول الخليج. وفي الوقت نفسه فإن إسبانيا وافقت على العقوبات التي فرضها الاتحاد الأوروبي في أربع مناسبات على نظام حزب البعث، وتشمل 35 من كبار الشخصيات وعددا من المؤسسات السورية، ولكن في بعض الأحيان كان اتخاذ القرارات صعبا، وكانت وزيرة الخارجية قد قاومت حتى يوم 23 مايو (أيار) على قبول أن يكون بشار الأسد ضمن قائمة الأشخاص المشمولين بالعقوبات.
وبشكل متوازٍ فإن وزارة الخارجية الإسبانية فتحت الشهر الماضي حوارا مستمرا مع المعارضة السورية، وإن المعارض المنشق هيثم المالح قد تم استقباله يوم 28 يوليو (تموز) من قبل المدير العام لشؤون منطقة البحر الأبيض المتوسط.
 
أجواء حرب في اللاذقية.. وتركيا توجه الإنذار الأخير إلى الأسد
مسؤول أميركي لـ«الشرق الأوسط»: نعمل على عزل الرئيس ونظامه ولدينا إجراءات إضافية
دمشق ـ بيروت ـ واشنطن: «الشرق الأوسط»
بينما تعيش مدينة اللاذقية الساحلية أجواء حرب حقيقية على مدى يومين، ونزوح جماعي من بعض أحيائها، التي تواجه قصفا عنيفا من الجيش السوري وقوات الأمن، تعالت الأصوات الدولية المطالبة الرئيس الأسد باتخاذ خطوات جادة لوقف المجازر الدامية المستمرة منذ 5 أشهر.
وفي أقوى تحذير وجهته تركيا إلى نظام الأسد، قال وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو أمس في مؤتمر صحافي إن العمليات العسكرية ضد المدنيين في سوريا ينبغي أن تتوقف على الفور ودون شروط، محذرا الرئيس السوري بشار الأسد من أن هذه هي «الكلمات الأخيرة» لتركيا. وقال داود أوغلو «هذه كلمتنا الأخيرة للسلطات السورية أول ما نتوقعه هو أن تتوقف هذه العمليات على الفور وبلا شروط».. وأضاف «إذا لم تتوقف هذه العمليات فلن يبقى ما نقوله بخصوص الخطوات التي ستتخذ».
وجددت إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما انتقاداتها للرئيس الأسد أمس، إذ قال الناطق باسم البيت الأبيض جاي كارني إن «الرئيس الأسد عليه الكف عن العنف المنتظم والاعتقالات الجماعية والقتل المباشر لشعبه». وأضاف كارني أن «من خلال تصرفاته، أظهر (الأسد) بأنه فقد شرعية القيادة والرئيس (الأميركي باراك أوباما) ليس لديه شك بأن سوريا ستكون في حال أفضل من دونه». واعتبر كارني أن «الشعب السوري يستحق انتقالا سلميا للديمقراطية ويستحقون حكومة لا تعذبهم وتعتقلهم وتقتلهم»، مؤكدا «نحن ننظر سويا مع مجموعة واسعة من الشركاء الدوليين إلى طرق زيادة الضغط على الرئيس الأسد».
وقال مسؤول رفيع المستوى من الإدارة الأميركية لـ«الشرق الأوسط»: «نريد أن نرى الأسد ونظامه منعزلين، الإدارة تبذل جهودا دبلوماسية قوية من أجل المساعدة في عزلة النظام». وأضاف: «الكثير من الأمور تتحرك وستتبعها إجراءات إضافية».
وكان الرئيس الأميركي قد أجرى اتصالات مع عدد من زعماء العالم خلال اليومين الماضيين لتقوية تحالف دولي للتعامل مع الأزمة السورية. وتحدث أوباما مع خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز ورئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون ورئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان لبحث الخطوات المقبلة. وبينما حددت تركيا فترة زمنية للنظام السوري بالكف عن القتل والعمليات العسكرية ضد الشعب السوري، تعتبر الولايات المتحدة أن الوقت فات لانتظار تحركات إيجابية من النظام السوري. وتواصل الإدارة الأميركية جهودها للضغط على النظام السوري، معتبرة أنه بات من الضروري أن يحدث انتقال في السلطة في البلاد.
ومن المتوقع أن يتم الكشف عن إجراءات جديدة ضد النظام السوري خلال الأيام المقبلة، ولكن لم تحدد بعد إذ إن واشنطن تريد أن تحصل على توافق بين عدد من الدول على عقوبات جديدة من أجل زيادة عزلة النظام السوري. وبات الهدف الرئيسي في الوقت الراهن بالنسبة للإدارة الأميركية «عزلة النظام» السوري وقطع الأموال عنه. ومن بين الإجراءات التي يتم بحثها فرض عقوبات على قطاع النفط والغاز بالإضافة إلى إجراءات جديدة ضد النظام السوري المالي.
وفي هذه الأثناء واصل الجيش السوري عملياته في اللاذقية، وأحصت منظمات حقوقية مقتل ما يزيد عن ثلاثين شخصا في المدينة في اليومين الأخيرين سقطوا «إثر هجوم من الجيش وعناصر الأمن وفرق الموت والشبيحة»، وكشف المرصد السوري لحقوق الإنسان أن «عدد المواطنين الذين قضوا تحت التعذيب منذ منتصف شهر مارس (آذار) بلغ 71 شهيدا»، لافتا إلى أنه يملك «لائحة موثقة بأسمائهم».
وقال سكان إن القوات السورية قصفت حيا سكنيا في اللاذقية أمس في اليوم الثالث من الهجوم على الأحياء التي تشهد مظاهرات يومية منتظمة منذ بدء الانتفاضة قبل 5 أشهر. واللاذقية أحدث مدينة يقتحمها الجيش بعد حماه ومدينة دير الزور الشرقية وعدد من المدن في محافظة إدلب المتاخمة لتركيا. ومثلما حدث في المدن الأخرى التي هاجمتها القوات السورية قال سكان إن الدبابات والعربات المدرعة انتشرت حول أحياء المعارضة وقطعت الخدمات الأساسية قبل المداهمات والاعتقال والقصف.
وقال أحد السكان لـ«رويترز» عبر الهاتف «تجدد القصف في حي الرمل الفلسطيني وحي الشعب. هناك إطلاق كثيف للنيران من الدبابات على أحياء الصليبة والأشرفية وقنينص والقلعة». وقال شاهد آخر «يحاول السكان الفرار ولكنهم غير قادرين على مغادرة اللاذقية لأنها محاصرة. أفضل ما يمكنهم فعله هو الانتقال من منطقة لأخرى في المدينة ذاتها».
في موازاة ذلك، نفى مصدر عسكري سوري «ما تناقلته بعض وسائل الإعلام حول قصف بحري لحي الرمل الجنوبي في اللاذقية بواسطة زوارق حربية». وأكد، وفق ما نقلته عنه وكالة الأنباء السورية «سانا»، أن «قوات حفظ النظام تتعقب مسلحين في حي الرمل الجنوبي في المدينة يستخدمون أسلحة رشاشة وقنابل يدوية وعبوات ناسفة».
من جهته قال مصدر رسمي سوري رفيع لوكالة «يونايتد برس» إن «جنديين وأربعة مسلحين سقطوا جراء الاشتباكات الدائرة في حي الرمل، وإن 41 جنديا جرحوا جراء الاشتباكات وعدد من المسلحين». ونفى المصدر بشكل قاطع أي قصف مدفعي لحي الرمل، مشيرا إلى أن «عملية أمنية دقيقة» تنفذها قوات حفظ النظام ضد مجموعات مسلحة بأسماء محددة قامت في الفترة الماضية برمي قنابل وأصابع ديناميت وترويع المواطنين. وكانت وكالة «سانا» نقلت عن مدير الصحة في مدينة اللاذقية أن مستشفيات المحافظة استقبلت «شهيدين و41 جريحا من قوات حفظ النظام إضافة إلى أربعة قتلى مجهولي الهوية من المسلحين».
 
البلدات الحدودية اللبنانية تتفاعل مع الداخل السوري على وقع ما يرويه النازحون
مئات العائلات السورية تهجر بيوتها ليلا هربا من «القتل أو الاعتقال»
بيروت: يوسف دياب
تتفاعل القرى والبلدات الشمالية اللبنانية الواقعة على تخوم الحدود السورية، إلى حد كبير مع ما يحصل في الداخل السوري، لا سيما في القرى السورية القريبة والمحاذية لها، في ظل ما ينقله النازحون من روايات ومشاهدات تتحدث عن أعمال قتل وانتهاكات تبقى بعيدة عن عيون الإعلام وحتى عن كاميرات الهواتف الجوالة.
وتتهيأ المناطق اللبنانية الحدودية ليليا لاستقبال مئات النازحين واستضافتهم على موائد الإفطار والسحور وتأمين المنامة لهم. باعتبار أن معظم السوريين يتركون منازلهم قبل غروب الشمس، وينتقلون إلى البلدات اللبنانية هربا من المداهمات التي تنفذ على بيوتهم كل ليلة تقريبا، بحثا عمن يسميهم الأمن السوري مسلحين ومطلوبين، ثم يعودون مطلع النهار إلى بيوتهم. وتحدثت مصادر ميدانية في الجانب اللبناني لـ«الشرق الأوسط»، عن «نزوح ما يزيد على مائة عائلة يوميا وبشكل مؤقت من القصير وهيت والبويت والسماقيات وغيرها من البلدات السورية، إلى بلدات أكروم والنصوب وحلواص والمونسة وحنيدر والكنيسة ووادي خالد اللبنانية، غروب كل يوم بسبب الحصار الذي يفرض بشكل شبه يومي من الساعة الثامنة مساء إلى ما بعد صلاة الفجر، مع ما يتخلل ذلك من مداهمات وتفتيش للمنازل واعتقال من يعثر عليه من الشباب والرجال ممن هم دون الخمسين سنة». ولفتت المصادر إلى «وصول جريح منتصف ليل أول من أمس إلى لبنان، قادما من سوريا بعد أن أصيب أثناء مطاردته من قبل عناصر أمن في بساتين بلدة القصير، وقد أدخل هذا المصاب إلى مستشفى رحال في عكار للمعالجة».
وأشارت المصادر الميدانية إلى أن «القرى اللبنانية تتحضر لتنظيم تظاهرات بشكل يومي بعد صلاة التراويح، مع بدء العشر الأواخر من شهر رمضان وبمشاركة كثيفة من المصلين، وربما يشارك فيها مئات السوريين النازحين، تضامنا مع الشعب السوري المحاصر ورفضا لما يتعرض له من قتل وانتهاكات».
والتقت «الشرق الأوسط» بعض النازحين السوريين إلى لبنان، لكن السواد الأعظم منهم يرفض الإدلاء بتصاريح أو الظهور في الإعلام، خوفا مما سموه «الانتقام»، لكن البعض تجرأ على التفوه ببعض الكلمات من دون التقاط صورة له، فيؤكد علي خلف أحد أبناء بلدة هيت السورية الواقعة على حدود بلدة أكروم اللبنانية، أن بلدته هيت، وبلدتي البويت والسماقيات «تتحول إلى شبه مقفرة كل ليلة، بحيث يهجرها أهلها قاصدين بلدات أكروم، النصوب، حلواص، ووادي خالد اللبنانية، تجنبا لوقوع ضحايا جراء المداهمات شبه اليومية للقوات السورية». ويقول خلف لـ«الشرق الأوسط» «إن أبناء هذه البلدات باتوا شبه مهجرين من بيوتهم في شهر الصوم، ومحرومين من تناول طعام الإفطار والسحور على موائدهم، باعتبار أن غالبية المداهمات شبه اليومية تبدأ مع حلول الظلام وغالبا ما تستمر حتى صباح اليوم التالي».
ويقول محمد الجاسم، أحد أبرز وجهاء هيت أيضا وهو أحد النازحين إلى بلدة النصوب، لـ«الشرق الأوسط» «نحن نعيش أصعب مرحلة في حياتنا، لكن ليس لنا إلا الصبر، لا نملك إلا الدعاء إلى الله بهذا الشهر الكريم، أن يخلصنا من كل طاغية ومجرم». ويثني الجاسم على «احتضان أهلنا اللبنانيين لنا ومواساتنا في هذه المحنة». ويشير إلى «أننا نخلي بيوتنا في الليل لنجنب شبابنا وأبناءنا القتل أو الاعتقال على يد الأمن السوري وشبيحته، ظلما وبتهم ليس لهم فيها شيء، ونحن نترقب ما ستصير إليه الأمور، لكن لن نتركهم يستبيحون بيوتنا وأرزاقنا إلى ما لا نهاية، وبالنتيجة سنعود إليها قريبا ونحميها حتى لو كلفنا ذلك دما، نحن لسنا أفضل ممن يقتلون يوميا في الداخل السوري بالعشرات من أجل كرامتهم».
ويوضح مشهور اليوسف من بلدة البويت، وهو أحد النازحين إلى أكروم، أن «حياتنا تحولت إلى كابوس ننام ونصحو على أخبار القتل الذي يقع في بلدات قريبة منا سواء في حمص ومحيطها، أم في القصير»، ويؤكد لـ«الشرق الأوسط»، أن «الناس تخاف على حياتها وأبنائها، وكل يوم تأتينا الأخبار عن حملة ستتعرض لها بلدتنا، مما يدفعنا إلى النزوح إلى داخل الأراضي اللبنانية هربا من الموت».
 
ذكريات وأحزان من مفكرة سوريا الشهيدة
غسان الإمام
وفاء لذكراه وتقديرا له، دفنت سوريا طبيبها وقائد ثورتها الدكتور عبد الرحمن الشهبندر، في جوار ضريح البطل صلاح الدين الأيوبي. عَزّ على الرئيس حافظ الأسد أن يكون لسوريا زعيم كبير حتى في الممات، فأمر بنقل رفات الشهيد الشهبندر بعيدا عن ضريح صلاح الدين.
كنت في الخمسينات أذهب إلى من بقي حيا من رجال ثورة الشهبندر. أسمع كيف دَوّخَ بضع مئات من الثوار أكبر جيش أوروبي آنذاك، في ثورة الغوطة (غابة الأشجار المثمرة الكثيفة التي كانت تتحلق دمشق في دائرة من الخضرة قطرها 12 كيلومترا).
كما هي سُنَّة العمر والحياة، راح هؤلاء الثوار الطيبون. المجهولون يغيبون الواحد تلو الآخر، من دون أن يطلبوا أجرا أو تكريما. على بساطتهم، وبعضهم لا يقرأ ولا يكتب، كانوا يقولون لي يكفينا أن يعيش أبناؤنا وأحفادنا أحرارا.
ما معنى أن ينزل إنسان مدني إلى الشارع، وهو يعرف أنه قد لا يعود حيا؟ ها هم الأبناء والأحفاد يواجهون، بلا خوف، بصدورهم العارية رصاص «ابن أبيه»، وقذائف جيشه ونظامه، لأنهم لم يعرفوا طعم الحرية. الكرامة. العدالة، على مدى خمسين سنة من حكم الطائفة والعائلة.
بعد متاهة عسكرية استغرقت عامين في غابة الغوطة، تمكنت دولة الانتداب من تقويض ثورة الشهبندر (1925 - 1927). حكمت عليه بالإعدام، فلجأ إلى مصر. في عام 1983، كنت في لارناكا القبرصية، أحضر ندوة فكرية لمثقفي العرب عن الديمقراطية (رفضت العواصم العربية استضافتها). التقيت هناك فتحي رضوان الذي كان أول وزير للإرشاد (الإعلام) في الدولة الناصرية.
في شباب شيخوخته، حدثني «الفتوّة» فتحي رضوان عن ذلك المثقف السوري الذي استقطب وبهر الشباب والمثقفين المصريين، في أندية الثلاثينات الثقافية، وهو يحدثهم بالتفصيل عن المذاهب الفكرية والسياسية في القرن العشرين.
لم يكن فتحي رضوان قوميا عربيا. كان مناضلا وطنيا. ومثقفا مصريا صميما. كان يعزّ عليه أن يبشر سوري بالعروبة في مصر «الفرعونية». أحرجته شيخوخته. فنسي اسمه. سألني. قلت: الدكتور عبد الرحمن الشهبندر. نفض فتحي رضوان الكرسي من تحته. هب واقفا. صائحا بصوته الفرعوني العريض: «آه. أيوه. الطبيب ده كان أخطب من سعد زغلول. كان يتميز عن خطيبنا، بأن لديه فكرا يقوله».
لو عاش الدكتور الشهبندر لما شهدت سوريا الانقلابات العسكرية التي عصفت بديمقراطيتها الوليدة، في الأربعينات والخمسينات. كان قادرا بجاذبيته السياسية والشعبية، على استقطاب الشباب والناس العاديين. بعد العفو عنه، عاد الشهبندر إلى سوريا الثلاثينات. بدأ النضال السلمي فورا ضد معاهدة الاستقلال المنقوص التي عقدها زعماء الكتلة الوطنية (هاشم الأتاسي. جميل مردم. سعد الله الجابري. شكري القوتلي) مع دولة الانتداب (1936).
التف السوريون حول الشهبندر. حلموا معه بالوحدة العربية، قبل أن يحلم بها عفلق والبيطار. رفضوا المعاهدة. ضاقت حكومة فيشي الفرنسية الفاشية بالرجل. فدفعت المتزمتين في المؤسسة الدينية إلى تكفيره. وتصفيته. اغتيل الشهبندر في عيادته الطبية. لطخ دمه الأحمر القاني ثوبه الأبيض، على مشهد من الفقراء الذين كان يعالجهم مجانا.
كان الشهبندر وفارس الخوري المثقفين الوحيدين بين قادة النضال الوطني. قرن الشهبندر العروبة بالديمقراطية. فكان أول ضحية للاغتيال الديني السياسي (1940). ذلك قبل أن يغتال الإخوان المسلمون أحمد ماهر رئيس وزراء مصر (1945). ثم رئيس الوزراء الآخر محمود فهمي النقراشي (1948). وقبل أن يحاولوا اغتيال (الكافر) عبد الناصر في الخمسينات.
لم تَقْوَ أسرة الشهبندر على تحمل عداء «الكتلة الوطنية»، وتجاهل نظام شكري القوتلي لذكراه. جمعت الأرملة الأم أطفالها. وقفلت بهم راجعة إلى مصر. فالقاهرة يتسع قلبها لكل العرب. وإذا لم تخنّي الذاكرة، فقد لقيت خلال إحدى زياراتي للقاهرة نجلا للشهبندر كان طبيبا مثله. وتطالعني في الصحف المصرية، بين الحين والآخر، أسماء صحافيات. ومحاميات (شهبندريات)، أعتقد أنهن من سلالة الأسرة المتمصِّرة.
زرت، كصحافي في الخمسينات، روابي الجولان البركانية مرارا. رأيت حصونا محفورة في الصخر، فوق الأرض وباطنها. أطللت منها على سهل الجليل منبسطا كالكف تحتها. لم يملك جيش في العالم ميزة جغرافية على عدوه، كما امتلكها الجيش السوري. إلى الآن، ما زلت مذهولا. كيف سقطت تلك المرتفعات. والجبال. والحصون، كأوراق الشجر، عندما كان حافظ الأسد وزيرا للدفاع؟!
في حرب النكسة (1967)، رأيت شبيحة نظام صلاح جديد ينقلون ليلا صناديق من المصرف المركزي بدمشق. راودني الشك. سألت صديقا مديرا في المصرف. قال لي بحزن ساخر: «إنهم ينقلون رصيد المصرف الذهبي شمالا، يخشون أن يتقدم الجيش الإسرائيلي نحو دمشق. ثورة البعث بحاجة إلى تمويل. هي عندهم أغلى من الوطن».
نتحدث عن الأب والابن. ننسى صلاح جديد. هذا الضابط الغامض المغامر كانت له مآثر. كان اللواء جديد أول من أرسى هذا النظام الطائفي (1966)، بعدما غدر بشركائه المستقلين والقوميين في انقلاب (1963). سرح هو وحافظ الضباط العسكريين المحترفين. ملأ هو ودكاترة البعث الثلاثة (نور الدين الأتاسي. يوسف زُعَيِّنْ. إبراهيم ماخوس) الحزب بشباب وطلبة مهووسين بالتروتسكية والماركسية. الأحياء من هؤلاء هم اليوم من المروِّجين للانتفاضة الديمقراطية!
استدار جديد نحو العرب، ليزايد على أنظمتهم وتنظيماتهم بشعار «التقدمية» الزائفة. اضطهدت أجهزته الفلسطينيين. اعتقل جورج حبش. قاطع لبنان. أرسل بمكر الخديعة الأديب القومي سامي الدروبي سفيرا لدى عبد الناصر. نجحت الخديعة. حالف عبد الناصر (عدوه القديم) صلاح جديد ضد السعودية، في ذروة الأزمة اليمنية.
ثم... ثم ورط جديد الزعيم المصري في حرب غير متكافئة، بينما جيشه يقاتل في اليمن، على بعد ثلاثة آلاف كيلومتر. كانت هزيمة النكسة مدوية. إلى اليوم، لم يقدم نظام الشبيحة مراجعة تاريخية، ونقدا ذاتيا، لحرب مضت عليها 44 سنة.
لم تكن هزيمة النكسة درسا رادعا. دفع جديد وزيره الأسد إلى شن حرب حقيقية على الأردن! كانت الذريعة أن الأردن يضطهد الفلسطينيين! وصلت القوات السورية إلى إربد، متكبدة خسائر فادحة، بينما كان الإسرائيليون يتفرجون من مرتفعات الجولان المحتلة على حروب الأشقاء.
للمفارقة، اعتذر ديفيد كاميرون للبريطانيين والعالم، عن تهديده برش الانتفاضة الإنجليزية بالمياه. ليته يرى جيش (حماة الديار) وهو يرش مواطنيه الذين يمولونه بعرق جباههم، بالرصاص. ويهدم في رمضان مساجد دير الزور وحماه، بقذائف الدبابات.
لم تهنأ دولة الانتداب يوما واحدا في سوريا، على مدى 25 سنة. كانت حماه ودير الزور (عاصمة العشائر السورية) أول من يثور على الاستعمار. وآخر من يهدأ. هذه العشائر التي عرّبت سوريا منذ ألوف السنين. لكن إهمال الأب والابن، دفع شبابها إلى الهجرة، فاحتضنهم أهل لهم في السعودية. والكويت. والإمارات.
لذلك، لم يكن غريبا أبدا أن يسحب الخليجيون سفراءهم من دمشق. هؤلاء الخليجيون هم عرب أيضا. يتذكرون القُربى. فتسيل دموعهم. وتهب نفوسهم ثأرا للحَمِيَّة القومية.

المصدر: جريدة الشرق الأوسط اللندنية

ملف الصراع بين ايران..واسرائيل..

 الخميس 18 نيسان 2024 - 5:05 ص

مجموعة السبع تتعهد بالتعاون في مواجهة إيران وروسيا .. الحرة / وكالات – واشنطن.. الاجتماع يأتي بعد… تتمة »

عدد الزيارات: 153,774,082

عدد الزوار: 6,914,327

المتواجدون الآن: 130