تحليل سياسي

أول يوم جمعة «سياسي»: من يروّض الغضب السوري؟

تاريخ الإضافة الجمعة 1 تموز 2011 - 8:43 ص    عدد الزيارات 3221    القسم عربية

        


 
منذ أول صرخة سورية، اتضح اختلاف أسباب الغضب ودوافعه. مع امتداد «الثورة» الريفية شمالاً، بدأت المحافظات تكتسب شخصياتها المختلفة. تكرّس التنوّع أكثر. مع تقدم الأشهر الثلاثة الأخيرة بات في الشارع أسماء وأنواع معارضة تحت التقييم وقيد العمل وفي المبارزة مع التاريخ... في مطلع تموز، وفوق اقتصاد يسير في الخسارة، أصبحنا في مرحلة الثلاثية السياسية: معارضة اللقاء التشاوري، ومعارضة الأحزاب، ومعارضة الخارج. لكن أحداً من تلك الثلاثية لا يحرك الشارع. أي جناح من المعارضات يروّض موجة الغضب الريفي الجامحة؟ بدأ عهد جديد في تاريخ سوريا المعاصر لحظة عزف النشيد الوطني في فندق «سميراميس» للمعارضين المستقلين. اليوم هو يوم الجمعة السياسي الأول في العهد الجديد. فمن سيحصد علامات أكثر في الامتحان الأول؟
المستقلون المعارضون:
التنظير في الثورة
لؤي حسين، قبل مؤتمر المعارضة وبعده، لا يمثل الشارع، ولا يدعي ذلك. ميشيل كيلو، قبل اجتماعاته ومقالاته وبعدها، لا يمثل الشارع ولا يدعي ذلك. جميع المعارضين المستقلين كذلك: لا برهان غليون ولا طيب تيزيني ولا فايز ساره ولا سلامة كيلة ولا احد. وهذا بات معلوماً. ولكن منذ ثلاثة أشهر، وحتى اليوم، تلك أسماء رددها العقل السوري في جميع المناطق، وتابع مقالاتها على ضفاف الحل الأمني، وتعاطف معها في اعتقالها، وتنفس الصعداء مع خطواتها السياسية. تلك الأسماء العلمانية الناشطة، والتي لا تمثل فئة المتظاهرين، عبرت منذ آذار حتى اليوم إلى الشارع الأكبر في سوريا: شارع الصامتين.
في جامعة دمشق، وفي جامعة البعث في حمص، وفي جامعة اللاذقية، وفي دور العقول السياسية والقيادات التاريخية وبقايا الأحزاب الوطنية، أصبحت تلك الأسماء تمثل شيئاً ما. لديها شهادات نضال سياسي: «اعتقال» بتهمة إبداء الرأي لسنوات، «منع سفر» على الجواز ليكرّس معارضتها، مقالات في الصحف وكفاح سياسي... تحاول اللحاق بالغضب ومجاراته، تحاول أن تركض بسرعة الشارع.
وبفضل الدماء السورية، أصبح بإمكانها أن تجتمع وتعلن معارضتها أمام الكاميرات في عاصمة النظام البعثي بعنوان «سوريا للجميع». لكنها لا تزال كالرأس المنفصل عن الجسد. مشروعها واضح: حرية وسلطة ودولة وحق حقيقي على مقاس الوطن والشعب لا النظام ولا الأسماء. تناشد الشارع أكثر مما تمثّله.
الحزبيون المعارضون:
أرض الثورة
تحت المطلب ذاته، والهدف ذاته، تستجمع المعارضة الحزبية شارعها هي الاخرى. لأحزابها امتداد موجود أصلاً في الأرض. وبرغم ترهّلها عمراً وفعلاً، فإن لها جسرا اقرب وضلعا اكبر في الحراك الشعبي. وقد ازدادت شعبيتها وعادت للتداول السياسي بقوة مضاعفة مع بدء العقل السياسي السوري مواكبة الصراخ ثم المشاركة به.
هناك فروع لأحزاب في الجبهة، تبشّر باستقلال عن الجبهة، وعن مركز حزبها. هناك رؤوس لأحزاب المعارضة يعتقلون فيستعيدون شعبيتهم من الذاكرة السورية السياسية. هناك أحزاب تجمّع ما تبقى من أرضها وتقف فوق عقائدها وتنطلق من مبادئها: قوميون وناصريون واشتراكيون يعيدون نفض الغبار عن ثوابت أحزابهم، ويرفعون السقف في بياناتهم: نحن لا نحاور، لدينا شروط، أوقفوا القتل، واسمحوا بالحياة السياسية، أخرجوا الأمن من خلف عتباتنا. أعطونا إعلاماً صادقاً... أعطونا العلمانية والاشتراكية والقومية التي تزعمون في دولة مدنية محترمة تليق بالمجتمع السوري الغني والمتنوع.
تلك الأحزاب لها معارضة مختلفة عن معارضة المستقلين في الشكل، ولكنها تتفق على الهدف والمضمون. المشروع الواحد بأسماء مختلفة، ساحات للحياة السياسية تفتح مع كل نقاش حول تلك الأحزاب ودورها ما قبل الصراخ السوري وما بعده. آفاق لبلورة مستقبل سوريا الجديدة ترسمها حواراتهم في المقاهي. يشدون على أيادي بعضهم: نحن نصنع استفاقة الحياة السياسية السورية اليوم، ولن نتراجع ولن نخرج من الشارع ولن نرفع قلوبنا عن الأرض. إما أن تدوسوا عليها، فتصبح أقوى ونهلك وتهلكون، وإما أن تعطونا الدولة التي نريد. ما دامت ساحة الغضب مفتوحة، ووصلنا إلى هنا، لن نتراجع. ما دام الدستور قابلاً للتغيير، فنحن نريد أن نغيّره بما يتفق مع رؤيتنا. المعارضة الداخلية أولى بالمعروف من الموالاة المقنعة ومن المعارضة الخارجية، فافسحوا لنا الدرب.
الإخوان المسلمون:
خارج الثورة

وبعين مفتوحة على الحراك وتقويضه، يسهر الخارج ومعارضاته وأنواعها وأطماعها... في الغضبة السورية، للإخوان المسلمين أيضاً ضلع من الأرض. هناك إرث عاطفي وارتباط مذهبي ومشروع إقليمي. يحاول تنظيم «الإخوان المسلمين» الذي يمثل التيار «الإسلامي المسيّس» كنموذج مرحب به خارجياً أن يقف على العاطفة والطائفة بمشروعه. الإخوان كتنظيم هو الخاصرة الخارجية بامتياز، لكنه أمر واقع في تاريخ سوريا المعاصر. العالم وإعلامه العربي والأجنبي معه هو أيضاً ويسمع صوته هو أيضاً... وهو أيضاً لديه أدوات وعقول. في مؤتمر انتاليا، وفي بروكسل، سمع صوته. وهذا الصوت، مثله مثل صوت «سميراميس»، نبض يغازل الشارع ويريد ترويضه.
ولكن من انتاليا إلى بروكسل، لا تملك المعارضة الخارجية أن تجتمع بأبنائها في دوما مثل حسن عبد العظيم، ولا تملك أن تتظاهر في حي الميدان في دمشق مثل لؤي حسين. وغداً إن كان للحموي خيار حزبي آخر، أو حرية تقولب مطالبه في مكان آخر ومفهوم اجتماعي آخر، سيتخلى عن التطرف. الشارع السوري عطش إلى الحرية لا إلى التطرّف. الحقيقة السورية تريد الدولة، لا تريد الخلافة الإسلامية. العقل السوري يريد حصة من السلطة لا يريد جلب الخارج. الوعي السوري يريد مخرجاً من عنق الزجاجة، لا يريد حصة لنفسه. هذا ما برهنته معارضة دمشق الواعية، القديمة الجديدة.
تحاول المعارضة الداخلية أن تتحدى مشروع الخارج وعقلية الموالاة والتخوين. فوق جسد الحراك السوري الجامح، هي الرأس الداخلي، وعلى هذا الرأس أن يتصل بالجسد لتكتمل مسيرة بعث الحياة في سوريا السياسية.
التحدي بعد صفحة سوريا الجديدة، كبير. اليوم وغداً في الشارع، وحدهم المتظاهرون يملكون قوة تصنع القرار، من يروّضهم؟ إذا كان النظام مستعداً للتغيير، وإذا كانت المعارضة تقرّ بمخاطر الفوضى، فلدى الفريقين أرض للتلاقي. عيّن موعد الحوار الوطني في العاشر من تموز. وخرجت مبادرتان معارضتان، مؤتمر وبيان من قلب دمشق. وتحت السياسة وفرقائها الجدد والقدامى، يمشي الشارع سريعاً اليوم، وكل يوم جمعة. واللسان السوري يناقش كل الأشياء وكل الأسماء. منذ أول تظاهرة واليوم وغداً: الشارع السريع يمشي وتمشي خلفه المعارضة. بالأمس خرجت المعارضة الوطنية إلى التحدي المعلن والمواجهة، فهل يمشي الشارع خلفها؟
 
المعارض حسن عبد العظيم لـ«السفير»: «الحـوار» مرهـون بإنهاء الحـل الأمني
زياد حيدر
يربط المتحدث باسم التجمع الوطني الديموقراطي المعارض في سوريا حسن عبد العظيم بين الشروع في الحوار الوطني وبين توفير البيئة المناسبة لذلك، والتي تقول المعارضة بانسجام أنها تتمثل في إنهاء الحل الأمني وإطلاق الحريات السياسية.
ويرفض عبد العظيم في حوار جرى منذ أيام مع «السفير» أن يكون رفض المعارضة للحوار حاليا يعمق الأزمة، ملقيا بهذه التهمة على السلطات، معتبرا أنها أخطأت في «تشخيص الأزمة»، مبينا أن المعارضة بدأت بتنظيم صفوفها بإعداد وثيقة سياسية تضع تصورها لسبل الخروج من الأزمة التي تعيشها سوريا منذ حوالي 100 يوم. وفي الآتي المقابلة التي أجريت مع عبد العظيم:
÷ قال الرئيس السوري بشار الأسد إن «هذه المرحلة هي مرحلة الحوار الوطني»، فهل أنتم مستعدون للمشاركة في هذا الحوار، وما هي آفاقه برأيكم؟
- ما تضمنه خطاب رئيس الجمهورية بأن «هذه المرحلة هي مرحلة حوار وطني» يتطلب إعداد الظروف لهذا الحوار الوطني، وأهمها وقف الحلول الأمنية والعسكرية، بسحب الجيش والأمن من المدن والمناطق وإنهاء دورة العنف ونزيف الدماء والجراح وإطلاق سراح السجناء السياسيين ومعتقلي الرأي بشكل نهائي، وإفساح المجال للحلول السياسية وحدها، ولا يمكن للمعارضة الوطنية المشاركة في أي حوار لعدم اتخاذ قرار واضح بسحب الجيش والأمن والسماح بالتظاهر السلمي.
÷ كيف تنظرون إلى الدعوة لتشكيل هيئة تأسيسية لتعديل الدستور، وهل أنتم مع تغييره أو تعديله، وما هي أهم الجوانب الدستورية التي تحتاج الى نقاش؟
- لا بد من تغيير الوضع القائم إلى مرحلة انتقالية تمهد لقيام نظام جديد يستند إلى التعددية السياسية، وانتخاب هيئة تأسيسية لوضع دستور جديد يحقق فصل السلطات والتوازن بينها وتحديد صلاحيات رئيس الجمهورية وعدم تجديد ولايته لأكثر من دورتين كل منها بحدود أربع أو خمس سنوات، وعدم هيمنة السلطة التنفيذية على السلطة التشريعية، وضمان استقلال القضاء.
÷ لقد سبق واعتذرتم عن الاستجابة لدعوة اللقاء التشاوري لوضع أسس الحوار الوطني، هل تبينون لنا أسباب ذلك وما هي الشروط التي تجدونها مناسبة لهذا الحوار؟
- لقد اعتذرنا عن الاستجابة للقاء لجنة الحوار لسببين: الأول، أن مناخ وبيئة الحوار لم يتوفرا بسبب الوجود العسكري والأمني، ويكون الحوار تغطية للحلول الأمنية، والثاني أن في اللجنة ممثلين عن الجبهة (التقدمية) والحزب (البعث)، وكلاهما جزء من المشكلة وليسا جزءا من الحل. أما اللقاء التشاوري فهو سابق لأوانه لعدم توفر بيئة الحوار الوطني أساساً.
÷ ألا ترون أن رفضكم للحوار يعمق الأزمة بدلا من أن يساهم بانفراجها، وهل مخاطر تعميق الأزمة بما يحمله هذا من نذر على السلم الأهلي يمكن أن تكون من المخاطر التي تقبل المعارضة الداخلية باتخاذها مقابل تحقيق شروطها للحوار؟
- إن مسؤولية تعميق الأزمة تقع على عاتق السلطة، وإصرارها على الحلول الأمنية هو الذي يطيل أمد الأزمة وتصاعدها ويفسح المجال للتدخل الخارجي، في حين أن إصرار تيار المعارضة الوطنية على وقف الحلول الأمنية، التي تأكد فشلها، هو الذي يمهد للحوار وإيجاد الحلول السياسية للأزمة بمعالجة أسبابها وتصفية ملفاتها، ونحن ندرك المخاطر التي تترتب على استمرار الأزمة وتهديد السلم الأهلي بسبب خطأ السلطة في تشخيص الأزمة، واعتبارها مؤامرة والإصرار على الحلول الأمنية.
÷ بدأتم كأقطاب معارضة في الداخل العمل على إيجاد هيئة تنسيق، فكيف تتم هذه العملية وأين وصلت، وهل توافق عليها السلطات أم تغض النظر، وما هي أهدافكم؟
- إن توحيد جهود المعارضة في الداخل من خلال هيئة تنسيق أو ائتلاف واسع بالتفاعل مع شخصيات وفعاليات المعارضة السورية في الخارج مهمة كامل قوى المعارضة والشخصيات الوطنية انجازها للتكامل والتفاعل مع الحراك الشعبي المطالب بالحرية والديموقراطية والكرامة والعدالة الاجتماعية. وقد تم إنجاز تشكيل لجنة تحضيرية مؤقتة لإعداد مشروع وثيقة سياسية، وللاتصال بمن لم يحضر اللقاء السابق للمشاركة في مناقشة وإقرار الوثيقة، واختبار هيئة تنسيق للتغيير الوطني الديموقراطي في الأيام المقبلة. ونحن، بدلالة المصلحة الوطنية ومساندة الحراك الشعبي الذي نشكل جزءا منه، لم نتوقف عن اللقاء والنشاط في أصعب الظروف.
÷ ما هي أجندة المعارضة الداخلية برأيكم، وهل تنسجم مع أجندة المعارضة الخارجية؟
- المعارضة الوطنية في الداخل تعمل منذ أواخر السبعينيات لتحقيق التغيير الديموقراطي بوسائل سلمية، والمعارضة في الخارج هي امتداد لمعارضة الداخل ومكملة لها، وقد شاركت بعض شخصياتها الأساسية في صياغة مشروع الوثيقة السياسية ولا بد أن يكون لها ممثلون في هيئة التنسيق، ونعمل لنفس الأهداف.
÷ كيف تنظرون إلى المعارضة الخارجية، خصوصا وأنها تتفرع بين من تمت رعايتهم أميركيا أو من هو منفي سياسيا طوعا أو قسرا أو حتى مطلوب جنائيا أو ناشط حقوقي وسياسي، وهل تميزون بين هؤلاء؟
- إن تيار المعارضة الوطنية، أحزابا وشخصيات وطنية، معروف بوطنيته وإخلاصه ورفضه للتدخل الخارجي، وان وجود بعض العناصر ممن يثبت أن لهم علاقة بجهة خارجية أو مشروع خارجي لا يمكن حسابه على تيار المعارضة الوطنية فنحن نقرن الديموقراطية بالوطنية، ونعمل على عودة المنفيين إلى وطنهم بشكل آمن.
÷ ما هو تمثيل المعارضة الداخلية المنظمة على الأرض في ما يجري من أحداث واحتجاجات؟
- المعارضة الداخلية، من أحزاب سياسية منظمة وفعاليات ثقافية وشخصيات وطنية ومنظمات حقوقية، تشارك في الحراك الشعبي نضاليا وفكريا وإعلاميا بحسب إمكانيات كل حزب وانتشاره في المحافظات، وهي تشكل جزءا من الحراك الواسع ولا هيمنة لها عليه.

المصدر: جريدة السفير

ملف خاص..200 يوم على حرب غزة..

 الأربعاء 24 نيسان 2024 - 4:15 ص

200 يوم على حرب غزة.. الشرق الاوسط...مائتا يوم انقضت منذ اشتعال شرارة الحرب بين إسرائيل و«حماس» ع… تتمة »

عدد الزيارات: 154,255,296

عدد الزوار: 6,942,298

المتواجدون الآن: 121