العراق: «المارد الشيعي» يتقهقر تحت وطأة الأهواء الشخصية والمصالح الحزبية

تاريخ الإضافة الجمعة 10 حزيران 2011 - 6:59 ص    عدد الزيارات 2338    القسم عربية

        


بغداد - من حيدر الحاج
تعصف رياح الخلافات الحزبية والصراعات على «كعكة» المناصب بين حلفاء الامس واليوم في التحالف الشيعي الحاكم في العراق، بجذور العلاقة الضاربة في عمق التاريخ بين آقطاب السياسيين ممن ينتمون للون حزبي ومذهبي واحد.
تضاف الى ذلك الاختلافات الحادة في الرؤى والافكار المؤطرة بالاهواء الشخصية والمصالح الحزبية، التي ساهمت هي الاخرى في توتير العلاقة بين هؤلاء الاقطاب الذين كانوا يقاتلون في خندق المعارضة للنظام البعثي السابق، ويعتمدون في نهجهم الحزبي ايديولوجية دينية موحدة.
وفي تعقيبه على ذلك يقول الشيخ جلال الدين الصغير، ان «الاولويات التي كانت مطروحة في السابق كان بامكانها ان توحد الفرقاء مثل خطر الارهاب واستهداف الوجود السياسي برمته... لكن بعد زوال هذا الخطر شيء طبيعي ان تبرز الخلافات الثانوية».
وأضاف القيادي في «المجلس الاعلى الاسلامي» بزعامة عمار الحكيم، أن «الخلافات الموجودة حاليا ليست بالجديدة وإنما هي صورة عن الوضع السابق.. لاسيما وان تغير الاوضاع امكن رؤية اختلاف ما بين الفريقين في برنامج حفظ العملية السياسية».
هذه الخلافات القائمة في السر والعلانية والتي أدت الى انفراط عقد «البيت الشيعي» ليست بالامر الجديد، فقد حدثت للمرة الاولى أثناء انتخابات المجالس المحلية التي جرت عام 2007، وبالتالي أفرزت قوى شيعية جديدة على انقاض «الائتلاف الشيعي الموحد» الذي كان يمتلك 128 مقعدا في انتخابات 2005، من مجموع 250 مقعدا العدد الكلي لنواب البرلمان.
البيت الشيعي في الدورة البرلمانية الحالية تمثل في «التحالف الوطني» الذي تكوّن من جناحين الاول هو «الائتلاف الوطني» الذي بقي محافظا على صورته الشيعية وبزعامة متوارثة لعمار الحكيم، و«ائتلاف دولة القانون» بزعامة رئيس الوزراء الحالي نوري المالكي الذي نجح نسبيا في ضم فئات متعددة وركز على أوساط العرب السنة.
هذان الجناحان، دائما ما تبادلا ضربات «تحت الحزام» تنحصر صورتها في انتقادات حول طريقة الاداء الحكومي، لتتخطى احيانا المستوى المحدد وتصل الى مستوى توجيه لكمات مباشرة الى حلفاء المذهب الواحد، وهو ما يتمثل في الاتهامات المتبادلة حيال قضايا شتى منها الفساد الاداري والمالي المتهم بارتكابه وزراء من كلا الطرفين.
هذه المواجهة تتضح جليا وان كانت على فترات متلاحقة، في العلاقة بين «المجلس الاعلى»، وحزب «الدعوة الاسلامية» بزعامة المالكي وأيضا بين المجلس والتيار الصدري الذي يقوده رجل الدين الشاب مقتدى الصدر، او بين التيار وحزب المالكي.
آخر الدلائل على ذلك تجلت في الانتقادات المبطنة التي اطلقها الحكيم أخيرا وفهم بأنها موجهة نحو المالكي على خلفية تصريحات الاخير التي حاول فيها التقليل من مساعي حلفائه المقربين ومحاولاتهم لسحب البساط من تحت اقدامه.خصوصا عندما هددوا بطرح الثقة عنه بعد نهاية مهلة تقييم الاداء الحكومي التي انتهت قبل يومين، وهو ما يلتقون به مع قوى اخرى مثل كتلة «العراقية» النيابية.
الاشاعات السارية التي يتحدث فيها من يطلقها عن «تجهيز» عادل عبد المهدي وهو قيادي بارز في حزب الحكيم - المستقيل حديثا عن منصبه كنائب اول لرئيس الجمهورية - لمسك زمام السلطة التنفيذية خلال المرحلة المقبلة في حال حصل «توافق زعاماتي» على تغيير صورة الخريطة الوزارية الحالية بما فيها رأس الهرم بعد نهاية المهلة الحكومية.
هذه التوجهات محتملة الحدوث تؤكدها تصريحات الرئيس جلال طالباني التي توقع فيها اخيرا حصول تغيير حكومي وشيك في بغداد. بينما البعض يذهب الى ابعد من ذلك بدعوته لاجراء انتخابات مبكرة كفيلة بتغيير كامل الخريطة السياسية برلمانيا وحكوميا.
ورغم استبعاد الصغير لمثل هكذا سيناريوهات مفترضة، الا ان نداءات ترشيق الجسد الحكومي قد تلقى صداها في الفترة المقبلة خصوصا وان المراقبين يؤكدون ان مماطلة المالكي باتجاه ابقاء بعض المناصب شاغرة حتى اللحظة رغم مرور اكثر من 7 شهور على تشكيل الحكومة يفهم بانها محاولة لتلبية تلك النداءات التي دعا اليها هو شخصيا قبل غيره من اقطاب السياسة.
الحديث يتواتر داخل اوساط المراقبين، حول مساعي شركاء وخصوم المالكي في هذه الفترة بالذات لوضع العصي في دواليب العربة الحكومية التي يقودها، في سبيل زيادة الأزمات الداخلية وبالتالي الإطاحة بالحكومة المترهلة.
طبيعة الصراع الدائر بين القوى السياسية ذات الطابع الشيعي على سدة الحكم، ساهم الى درجة كبيرة في الانشقاقات والخلافات التي شهدها «البيت الشيعي» قبل اربع سنوات تقريبا ابان انتخابات مجالس المحافظات وما بعدها.
وعلى سبيل المثال فان حزب الحكيم كان يسيطر على المجالس المحلية في المحافظات الجنوبية حتى الانتخابات المحلية التي جرت عام 2007، قبل ان تنقلب الطاولة ويحقق ائتلاف المالكي فيها فوزا ساحقا وتسيد الساحة الى جانب الصدريين في تلك المحافظات.
كما ان رئيس الوزراء السابق ابراهيم الجعفري فك ارتباطه بحزب «الدعوة الاسلامي» وأسس «تيار الاصلاح» بعد اعتراضه على نتائج انتخابات حزبية اختير على اثرها المالكي أمينا عاما للحزب.
تلك الخلافات تتجلى كذلك في التصريحات النارية التي اطلقها وزير التربية السابق خضير الخزاعي وهدد فيها بـ«تفجير الوضع السياسي في عموم البلاد، و تدمير التحالف الوطني، في حال لم تتم المصادقة على ترشيحه لمنصب نائب رئيس الجمهورية».
هذه التصريحات التي اثارت في حينها الجدل السياسي والسخط الشعبي، جوبهت بامتعاض وانتقاد شديدين من قبل زملاء الخزاعي (القيادي في حزب الدعوة الاسلامية - تنظيم العراق-) في التحالف الشيعي قبل غيرهم في الكتل النيابية الاخرى.
اصرار الخزاعي على تولي نيابة رئيس الجمهورية، وهو ما تحقق له في نهاية المطاف بموجب «صفقة مشبوهة» عقدت بين الكتل النيابية، احدث شرخا في العلاقة بين مكونات التحالف الحاكم.
ساسة ونواب ينتمون الى جناحي التحالف الوطني كانوا دعوا الخزاعي لسحب ترشيحه بعد ان خلق ازمة سياسية في البلاد استمرت أشهرا، لكن صلة القرابة العائلية التي تربطه مع المالكي هي التي ساعدته في تبوؤ منصبه الجديد، وفقا لتسريبات نيابية.
تمرير «صفقة» نواب الرئيس داخل قبة البرلمان، لم تساهم فقط في زيادة حجم الهوة بين القوى الشيعية التي تجاهلت توصيات المرجع الديني اية الله العظمى علي السيستاني التي دعا فيها الى ترشيق مناصب الدولة، بل جعلتهم يخسرون فيء المرجعية الدينية الذي كانوا يستظلون به سابقا، حيث تشير الانباء الواردة من النجف الى ان المرجع الشيعي الكبير رفض استقبال عدد من الساسة والمسؤولين الذين ينتمون الى التحالف الوطني وغيرهم من مسؤولي الدولة.
ولا تنحصر الخلافات فقط في الصراع على المناصب بل تتوقع دوائر المراقبة والتحليل حدوث شرخ كبير اذا لم يتم التوافق بين اقطاب التحالف الحاكم حول مسألة التمديد للقوات الاميركية، لاسيما وان كتلة الصدر تعارض بمفردها رغبات التمديد التي تضمرها في الخفاء والعلن اطراف عراقية مختلفة.
الشيخ الصغير الذي يرتأي عدم شغل مقعد نيابي في البرلمان الحالي لكي «لا يحسب في خانة المتصارعين على المناصب»، يحاول التخفيف من حدة الأزمة، عندما يقول: «لايوجد هناك خلاف مما يخشى منه، لكن التخلص من الخلافات الطائفية وتحويل الامور الى الخلاف السياسي امكن الناس من رؤية اختلاف في برنامج ادارة العملية السياسية».
وبسؤاله عن امكان لعب ايران دورا من اجل لم شمل التحالف الشيعي اذا ما حدث الاسوأ في المستقبل، أجاب: «ايران دولة صديقة وهي تبذل مساعي مثلها مثل بقية البلدان لتأمين مصالحها التي تتركز على وجود عراق مستقر، لكن في شكل عام نحن لا يعنينا ما يفكر به الاخرون».
الخلاف بين الأحزاب والشخصيات الشيعية برز الى العلن منذ سنوات، وباتت حسابات المصالح والصراع على السلطة وكيفية ادارة الأمور السياسية تشكل عناوين مهمة للخلافات، لاسيما وانه لم يعد الانتماء المذهبي هو المسيطر على تماسك تلك الاحزاب ومحرك العلاقة بينها.
ورغم تحول هؤلاء الساسة الذين باتوا كـ«الاخوة الاعداء» الى خانة العمل المشترك داخل قبة البرلمان وفي الحكومات المتعاقبة على ادارة شؤون البلاد طيلة السنوات الثماني الماضية، الا ان جوهر هذه الخلافات المتمثل بالصراعات الحزبية والفئوية وحتى الشخصية، لم يغب تماما عن تصريحاتهم حيث شهدت علاقاتهم موجات من المد والجزر وتخللتها انتقادات واتهامات متبادلة.
حالة الخصام السائدة بين الفصائل الشيعية التي يتسنى للجميع ملاحظتها بيسر وسهولة من خلال التصريحات المتضادة لاعضائها، لا تمثل اطلاقا ما كانت عليه الحال في السنوات الاولى التي تأسس فيها التحالف الشيعي، فالخزاعي والصغير وقفا جنبا الى جنب في مؤتمر صحافي عقده ممثلو كتلتهم النيابية عام 2005، ليتصديا بحزم لما وصف في حينها بـ«محاولات استفزازية» مارستها واشنطن لتحييد «المارد الشيعي».


المصدر: جريدة الرأي العام الكويتية

ملف الصراع بين ايران..واسرائيل..

 الخميس 18 نيسان 2024 - 5:05 ص

مجموعة السبع تتعهد بالتعاون في مواجهة إيران وروسيا .. الحرة / وكالات – واشنطن.. الاجتماع يأتي بعد… تتمة »

عدد الزيارات: 153,717,437

عدد الزوار: 6,910,089

المتواجدون الآن: 96