ياسين الحاج صالح لـ «الراي»: بنية النظام في سورية مضادة للإصلاح

الأسد يعفي محافظ حمص من منصبه ويصدر مرسوم إعادة الجنسية لأكراد جرّدوا منها عام 1962

تاريخ الإضافة السبت 9 نيسان 2011 - 6:08 ص    عدد الزيارات 2522    القسم عربية

        


دمشق - من جانبلات شكاي

ضمن حزمة الإصلاحات التي تشهدها سورية وتلبية لمطالب المتظاهرين، أصدر الرئيس بشار الأسد أمس، مرسومين تم بموجب الأول إعفاء محافظ حمص، ونص الثاني على منح الجنسية السورية لأجانب الحسكة المقدرين بنحو 250 ألف كردي، وسط ردود فعل مرحبة من الشارع الكردي الذي طالبت قيادته السياسية باستكمال الخطوات عبر «إزالة كل الإجراءات الاستثنائية على الأكراد والمطبقة منذ الستينيات»، مع استمرار دعم التظاهرات السلمية التي دعت إليها مجموعات «شباب الانتفاضية» الكردية المتوقع لها أن تخرج اليوم في العديد من المدن التي يتواجد فيها الأكراد، كما من المقرر أن تشهد مدينة دوما في ريف دمشق تظاهرة سلمية اليوم أيضا.
ويأتي المرسومان الأخيران، وسط معلومات تشير إلى أن لجنة دراسة رفع حالة الطوارئ أنهت عملها وهي ربما رفعت نتائج عملها إلى القيادة تمهيدا لطرحها على النقاش العام للتوصل إلى أفضل صيغة تجاه قانون مكافحة الإرهاب المزمع سنه قبل رفع حالة الطوارئ، وتحدثت تقارير إعلامية محلية عن أن الأسد ينوي الجلوس إلى عدد من ممثلي المجتمع المدني للاستماع إلى آرائهم قبل إقرار القانون الجديد، وقد يتطرق الحديث إلى قانوني الأحزاب والإعلام المتوقع إقرارهما إلى جانب الإصلاحات الأخرى بما فيها ربما تعديل المادة الثامنة من الدستور تمهيدا لإنهاء احتكار السلطة من حزب البعث خلال الجلسة الاستثنائية لمجلس الشعب في الأسبوع الأول من مايو المقبل.
وفي الإطار ذاته، توقعت صحيفة «الوطن» الخاصة، أن ترى الحكومة الجديدة النور منتصف الأسبوع المقبل، موضحة أن الاستشارات التي يجريها رئيس الوزراء المكلف عادل سفر تركز على آليات عمل الحكومة وسياساتها أكثر مما تركز على الأسماء والمرشحين لشغل المناصب الوزارية على اعتبار أن حكومة سفر سيقع على عاتقها تنفيذ الإصلاحات المتوقع إقرارها وقيادة البلاد خلال فترة انتقالية حساسة إلى حين إجراء انتخابات برلمانية وفق قانون الأحزاب الجديد.
من جهتها، أشارت وكالة الأنباء السورية «سانا» الى إن سفر «يواصل اجتماعاته ولقاءاته مع أحزاب الجبهة الوطنية التقدمية والفعاليات والنقابات المهنية والمنظمات الشعبية وعدد من أساتذة الجامعات وبعض الفعاليات الاقتصادية والصناعية والعديد من الشخصيات المستقلة من مختلف شرائح المجتمع ويناقش معهم ملاحظاتهم وتوقعاتهم ويستمع إلى رؤيتهم والأولويات المتوقعة من الحكومة الجديدة وبرنامج العمل الذي يستجيب لطموحات الناس».
واعلنت أن «اختيار الأسماء والإعلان عن الحكومة سيتم خلال الأسبوع المقبل».
وفي عودة للمرسومين، فقد أصدر الأسد المرسوم الرقم 136 القاضي بإعفاء محمد إياد غزال من مهمته كمحافظ لمحافظة حمص، وهو المطلب الرئيس الذي كان رفعه المتظاهرون في مدينة حمص وسط البلاد خلال الأيام الماضية.
ولم يحدد المرسوم اسم المحافظ الجديد، في إجراء مماثل لما تم مع محافظ درعا فيصل كلثوم الذي أعفي من منصبه أولا ثم كلف الأسد بعد أكثر من أسبوع محافظها الجديد محمد الهنوس.
وذكرت «سانا» أن المكتب التنفيذي لمجلس محافظة حمص كلف أمس الوحدات الإدارية والبلديات إعادة النظر بالأسعار الرائجة للعقارات والفضلات التي تباع للمواطنين وتخفيضها بنسبة لا تتجاوز 50 في المئة وخلق فرص عمل إضافية، كما عمد إلى إصدار الكثير من القرارات التي تم بموجبها طي قرارات سابقة كان قد أصدرها المحافظ المعفى ودفعت الأهالي إلى الاحتقان والمطالبة بإقالته.
كما أصدر الأسد، المرسوم التشريعي رقم 49 القاضي بمنح المسجلين في سجلات أجانب الحسكة الجنسية العربية السورية، على أن يصدر وزير الداخلية القرارات المتضمنة للتعليمات التنفيذية لهذا المرسوم في وقت لاحق.
ووصف رئيس المبادرة الوطنية للأكراد السوريين عمر أوسي المرسوم بـ«القرار التاريخي الذي أعاد الحق لأصحابه بعد معاناة إنسانية دامت خمسين عاما».
وقال لـ«الراي» إن المرسوم «سيعزز الوحدة الوطنية، وله بعد اجتماعي وإنساني وجاء شاملا لكل أجانب الحسكة الذي يقدر عددهم بـ250 ألفاً وكلهم مسجلون في أمانات السجل المدني، إضافة إلى أن التعليمات التنفيذية التي سيصدرها وزير الداخلية لاحقا ستشمل على الأغلب المكتومين الأكراد غير المسجلين، لا في سجلات العرب السوريين ولا في سجلات الأجانب ويقدر عددهم بما بين 10 - 15 ألفاً».
وطالب بأن «يتم فتح الباب أمام الكرد السوريين الأجانب والمكتومين منهم في الخارج بما فيهم الممنوعون رسميا من دخول القطر، لتقديم طلبات الحصول على الجنسية عبر السفارات السورية في الخارج»، موضحا أن عدد الأكراد الأجانب في الخارج يقدر ببضعة آلاف أما المكتومون فيقدر عددهم بالمئات.
وتوقع أن تتضمن التعليمات التنفيذية فترة زمنية لإغلاق الملف لا تزيد على 60 يوما.
ويشكل الأكراد في سورية ما نسبته 13 في المئة، حسب الأوساط الكردية، أي ما يعادل ما بين 2.5 - 3 ملايين، ونتيجة لإحصاء تم عام 1962 تم تجريد نحو 30 ألفا من الجنسية السورية، يقدر أن عددهم بات اليوم مع احتساب الزيادة السكانية أكثر من 250 ألفا، وأكثر ما تظهر مشكلة الأكراد الأجانب في محافظة الحسكة إضافة إلى مدينة عين العرب والقرى المحيطة بها في محافظة حلب.
من جهته، وصف عضو المكتب السياسي لحزب «يكيتي» الكردي في سورية فؤاد عليكو مرسوم منح الجنسية لأجانب الحسكة، بأنه «خطوة في الاتجاه الصحيح»، موضحا أن «القوى السياسية الكردية متفقة على ضرورة استكمال الأمر عبر الاستجابة لباقي المطالب من قبيل إزالة كافة الإجراءات الاستثنائية على الشعب الكردي والمطبقة منذ الستينات مثل إلغاء سياسية التعريب وإعادة النظر بمشروع الحزام العربي ورفع الحظر الأمني عن الشباب الكردي للعمل في وظائف الدولة، وإعادة المفصولين من الشباب الكردي لأسباب سياسية إلى وظائف، وتثبيت فلاحين كرد في أراضيهم حيث صدر العام الماضي قرار بنزع أراضي نحو ألف عائلة كردية في منطقة المالكية».
وبين أن الأكراد «يطالبون في المرحلة الثانية الاعتراف بالحركة السياسية الكردية كممثل للشعب الكردي وفتح حوار جدي معها على قاعدة الشراكة الوطنية في كافة الحقوق والواجبات والاعتراف بوجود الشعب الكردي كثاني قومية في البلاد وشريك أساسي للشعب العربي في سورية وفق صيغة دستورية جديدة».
وإن كان المرسوم سيحول دون خروج تظاهرات كردية اليوم، قال عليكو إن «هناك دعوة شبابية للتظاهر في بعض المدن الكردية مثل ديريك وقامشلي وعامودا والدرباسية وعين العرب»، مشددا على أن «الدعوة إلى التظاهر لم تخرج من الحركة السياسية الكردية وإنما من الشباب عبر مواقع التواصل الاجتماعي والانترنت»، وموضحا أن القيادة السياسية الكردية «تدعم أي تجمع ديموقراطي وتدين أي تدخل أمني عنفي من جانب السلطة وهو موقف يجمع عليه المجلس السياسي الكردي المكون من تسعة أحزاب».
كما دعا للتظاهر في مدينة القامشلي «حزب الاتحاد الديموقراطي PYD» وهو الجناح السوري لحزب العمال الكردي والذي يقدر عدد سجنائه في سورية بأكثر من 500 بينما لم يعد لباقي الأحزاب الكردية سوى 15 سجينا.
وحسب بيان الحزب فإن الهدف من «المسيرة الجماهيرية هو مطالبة السلطات السورية بإطلاق المعتقلين الكرد وجميع معتقلي الرأي والضمير. كما وتأتي المسيرة تضامناً مع انتفاضة الشعب في مختلف المدن والمناطق السورية، والتي تطالب النظام برفع حالة الطوارئ وإطلاق المعتقلين السياسيين وإنهاء ملف الاعتقال السياسي وتبييض السجون، والسماح بالحياة السياسية الحقيقية ولجم أجهزة الاستخبارات والشرطة ووضع حد لتدخلها في حياة المواطنين، ومحاربة الفساد وإنهاء حكم الحزب الواحد».
وفي موضوع متصل، عملت «الراي» أن أهالي مدينة دوما يخططون اليوم أيضا لتنظيم تظاهرة بعد صلاة الظهر ولكن في حي آخر يبعد عن مركز المدينة الذي شهد تظاهرتين خلال الجمعتين الماضيتين وسقط في الجمعة الأخيرة 11 شهيدا.
وحسب مصادر فضلت عدم كشف اسمها، فإن أهالي المدينة توصلوا لاتفاق مع السلطات الأمنية يقوم على ألا تتجاوز الشعارات المرفوعة في سقفها الحكومة وألا تشهد تمزيق صور وما إلى ذلك، مقابل تعهد بعدم اقتراب الأمن من التظاهرة التي ستكون سلمية وتشرف عليها لجان من أهالي المدينة ستحرص على عدم مشاركة متضامنين من مدن أخرى في الريف بالتظاهرة تحسبا لأي أعمال شغب يمكن أن تتم باسم المتظاهرين.
واجتمع أول من أمس، وفد من الرئاسة مع مئات من أهل المدينة في إحدى المزارع لأكثر من ثلاث ساعات وتم خلالها تسليم الوفد مطالب المدينة التي من بينها: فتح تحقيق نزيه وشريف بخصوص جرائم القتل التي حصلت في أكثر من مدينة وتحديدا في دوما، على أن يشارك في التحقيق ممثلون منتخبون من أهل دوما. الافراج عن معتقلي الرأي وعودة المنفيين، ورفع حالة الطوارئ دون برنامج زمني، وإلغاء الأحكام العرفية الصادرة من الحاكم العرفي أو نائبه، السماح بالتظاهر السلمي الذي كفله الدستور، وإلغاء الامتيازات الحزبية خلال الانتخابات، وتعديل قانون الانتخاب وحرية الإعلام واستقلال القضاء وإصلاحه، ووضع قانون للأحزاب وجمعيات المجتمع المدني وإلغاء المادة الثامنة من الدستور، ومحاربة الفساد بشكل علني، وإنهاء ملف المفقودين وتسوية حقوقهم، وتعديل الدستور بشكل يتناسب وتطلعات الشعب، والسماح بتأسيس نقابات مستقلة عن السلطات السياسية، وتحديد برنامج زمني لتنفيذ كافة المطالب السابقة.
 

أحكام بالسجن على 5 معارضين

دمشق - ا ف ب - صرح المحامي خليل معتوق، بأن خمسة معارضين سوريين بينهم الناشطة راغدة حسن حكم عليهم، امس، بالسجن «لنشرهم انباء كاذبة».
وقال رئيس المركز السوري للدفاع عن معتقلي الرأي والضمير لـ «فرانس برس»، ان «المحكمة العسكرية في حمص حكمت على المعارضين راغدة حسن وعمار الشيخ حيدر بالسجن سنتين لنشرهما انباء كاذبة توهن نفسية الامة».
كما حكم على ثلاثة معارضين آخرين هم فائق مير أسعد واحمد مولود طيار وسمير الدخيل، بالسجن ثلاث سنوات لكل منهم.
وكان الخمسة نظموا في يناير 2010 استطلاعا للرأي حول الوضع الاقتصادي والسياسي والاجتماعي، كما قال معتوق.

 

ياسين الحاج صالح لـ «الراي»: بنية النظام في سورية مضادة للإصلاح

بيروت - من ريتا فرج

ستة عشر عاماً امضاها هذا المعارض اليساري السوري في السجن. ياسين الحاج صالح صاحب كتاب «سورية في الظل: نظرات داخل الصندوق الأسود» لم يكن بعيداً من البانوراما الثورية العربية التي بدأت في تونس وحطت رحالها في أكثر من بلد عربي.
صالح المنشغل بالثورات، أدرك أن بلاده لن تكون في منأى من الحراك الاحتجاجي، «سورية لن تبقى غير متأثرة بالتفجرات الاجتماعية الجارية في عدد من الدول العربية». بعد سقوط زين العابدين بن علي ورحيل حسني مبارك ووصول أصداء الثورة الى اليمن وليبيا دخلت سورية في المحظور، وفي هذا السياق وضعت جريدة «ايكونوميست» البريطانية هذا البلد في المرتبة الرابعة بين قائمة الدول العربية المرشحة للتغيير بعد اليمن وليبيا ومصر، وهذه القائمة أشار اليها صالح في مقال له تحت عنوان «في شأن الثورات العربية والاحتمالات السورية».
اليوم بعد الأحداث التي شهدتها درعا واللاذقية وبعد خطاب الرئيس بشّار الأسد ورزمة الاصلاحات التي وعد بها النظام، تحدثت «الراي» إلى ياسين الحاج صالح المعارض الممنوع من السفر واجرت معه الحوار الآتي:

• الخطاب الذي توجّه به الأسد لم يتطرق في شكل تفصيلي الى الخطوات الاصلاحية بل تمّ التركيز على «المؤامرة» التي تتعرض لها سورية. ما تفسيرك لذلك؟
- السلطات السورية غير مؤهلة في تقديري لتطوير حلول سياسية جدية للمشكلات الوطنية. تفضل تصوير هذه المشكلات مؤامرات خارجية من أجل أن تسوغ التعامل الأمني العنيف معها، وهو ما تجيده أكثر من غيره. إذا كان هناك مؤامرة خارجية فالشيء الصحيح هو سحقها وتحطيم المتآمرين، وتالياً لا شرعية للاحتجاجات الشعبية، ولا داعي لأي تغيير سياسي جدي. أقصى ما يلزم هو «إصلاحات» معيار صلاحها يحدده النظام وحده. علماً أن النظام لا يعتبر نفسه صالحاً فقط، وإنما هو الصلاح بالذات.
• أشار الاسد الى أن الاصلاح يجب أن يكون سريعاً وليس متسرعاً، وأُخذ عليه انه لم يحدد الخطوات التي من شأنها برمجة عملية الاصلاح التي ينتظرها كثير من السوريين. لماذا في رأيك؟
- لن نرى غير «إصلاحات» شكلية لا مضمون لها. بنية النظام في سورية مضادة للإصلاح. ولذلك فالإصلاح الوحيد الممكن هو تغيير هذه البنية عبر طي صفحة نظام الحزب الواحد وحال الاستثناء والأجهزة الملحقة بها، وتطبيع الحياة السياسية في اتجاه الاعتراف بقوى سياسية مستقلة، وقبل كل شيء الانتهاء من مبدأ الحكم الأبدي والوراثي، والتحول نحو نظام سياسي قائم على الانتخابات الحرة على كل المستويات، من المحلي إلى البرلماني إلى الرئاسي.
• وسط تفاقم الحركات الاحتجاجية في العالم العربي إلى أي مدى يستطيع النظام السوري تخطي أزمته البنيوية؟
- دخلنا عربياً مرحلة تاريخية عنوانها «الاستقلال الثاني»، أو التخلص من الاستبداد والتحول نحو الديموقراطية. تتفاوت المسارات والإيقاعات والكِلَف، لكن لن يبقى أحد خارج هذا التحول إلا بكلفة عالية قد تؤدي إلى تحطيم المجتمع المحكوم، والبلد ككل. وما تسمونه «أزمة النظام البنيوية» مرشح فقط للتفاقم بفعل مقاومة النظام للتحول الديموقراطي.
وارى ان لا سبيل لتخطي الأزمة على أرضية الذهنية السياسية التي تسببت به أصلاً. والمثل الشعبي السوري يقول: «اللي يجرب المجرب، عقله مخرب!». لذلك لا مجال لتخطي الأزمة من دون تخطي النظام ذاته.
• هل سيؤثر الحراك الثوري في العالم العربي في تطور الوعي الديموقراطي عند المجتمع السوري؟
- هو مؤثر منذ الآن. لا شك أن اهتمام السوريين بالشأن العام لبلدهم أوسع اليوم من أي وقت سبق منذ أربعين عاما. المواقف متنوعة ومتعارضة، لكن قاعدة التفكير والنقاش واسعة، ويكاد لا يبقى أحد خارجها. غير أننا نفتقر في سورية إلى أطر صحية للتفكير والنقاش الوطني العام. ولا ريب أنكم ترون المستوى المخجل للإعلام السوري، ومحاولة الناطقين باسم النظام تخوين الأصوات المعارضة التي تتكلم عبر منابر إعلامية عربية. هذا التطرف من النظام وأتباعه يثير اشمئزاز قطاعات متسعة من السوريين، حتى ممن لم يكونوا معارضين يوما.
على أن مسألة الوعي الديموقراطي وثيقة الصلة بتعميم قيم المساواة والحرية والتسامح في التعليم والحياة العامة. ما يمكن أن نكسبه سياسيا علينا أن نعاود كسبه ثقافيا من أجل تثبيته ومأسسته. لذلك فإن مسألة الوعي الديموقراطي تتجاوز الطور الحالي من المعركة الديموقراطية، وهي منوطة بدور أكثر إيجابية للمثقفين المستقلين وللدولة والمؤسسات العامة.
• المعارضة في سورية في حال من النزاع الدائم مع النظام. كيف تفسر اليوم الافراج عن سجناء الرأي الذين يُقال أن القسم الأكبر منهم من الاسلاميين؟
- لم يفرج إلا عن سجناء قدامى من سجن صيدنايا أنهى بعضهم أحكامه وزيادة. أكثرهم إسلاميون فعلا، وبينهم عدد من الناشطين الكرد. في المقابل، اعتقل المئات في سورية أثناء الانتفاضة في الأسابيع الماضية. يفرج عن بعضهم بعد وقت قصير، لكن كثيرين منهم في السجون اليوم.
وليس هناك أي مؤشر الى أن النظام يعتزم أن يتعامل باحترام مع الشعب ويكف عن اعتقال الناشطين السياسيين المعارضين وإذلالهم وترويع المجتمع ككل. هذه هي النقطة الملموسة الحاسمة في رأيي لكشف صدقية وعود النظام. كي نصدق أي شيء منها ينبغي الإفراج فورا عن جميع المعتقلين، الجدد والقدامى، مع التعهد الرسمي الصريح بالإعلان الفوري في وسائل الإعلام لاعتقال أي شخص وسبب اعتقاله.
• لماذا يعتمد النظام خطاباً يوحي أن التغيير في سورية سيؤدي إلى الفوضى الطائفية؟
- لأن هذا يمنحه موقعا تحكيميا ويضعه فوق المجتمع. وفي العموم، أرى أن الطائفية استراتيجية سيطرة سياسية مجربة تمنع تكون الشعب، وتمنع استقلال الأفراد وولادة المواطن المستقل، وتجعل الحكم أمرا أقل مشقة على الحاكمين.
• أي تغيير للنظام في سورية كان يقابل بالمشروع الاسلامي كما حدث في مصر وتونس. ولكن حركة «الاخوان المسلمين» في سورية أعلنت مشروع الدولة المدنية. هل يدل ذلك على تحول ايديولوجي عند الحركة على مستوى المشروع السياسي؟
- ليس جديدا كلام الإسلاميين على الدولة المدنية، لكنه كلام متناقض في رأيي. يقولون إنهم يريدون دولة لا يحكمها رجال الدين، لكنها تستمد قوانينها من الشريعة. هذه دولة دينية مموهة لا أكثر ولا أقل. وفي اي حال، أرى أن الثورات العربية، ومنها الانتفاضة السورية، غير ذات حساسية إسلامية بالمعنى السياسي للكلمة، وإن استندت إلى الإسلام كأحد أكبر أعمدة الشخصية الوطنية في بلداننا. ولأن الدين هو حد الفقر السياسي في مجتمعاتنا فحشد المصلين في المسجد هو «التجمع الشرعي» الوحيد الذي لا يمكن فضّه، والقرآن، والنصوص الدينية عموما هي «الرأي الشرعي» الوحيد الذي لا يمكن منع التعبير عنه.
لكن ما ينطبق على الإسلام لا ينسحب تلقائيا على الإسلاميين، ولا يعني مكاسب مضمونة لهم. أقدر أن الإسلاميين، التنويعة الإخوانية خصوصا، سيكونون في موقع مستفيد من التغيرات السياسية العربية، لكنهم مجرد عنصر واحد، مهم ومنظم أكثر من غيره، وسط طيف أوسع من المستفيدين، يشمل أيضا تيارات علمانية، ليبرالية ويسارية وقومية غيرها.
وإذا استندنا إلى المثال المصري يبدو أن سقوط نظام الاستبداد يحرر ديناميات التمايز داخل الإسلاميين أنفسهم، فنرى تمايزا بين الشباب والشيوخ، وضمن الشيوخ أنفسهم رأينا عبد المنعم أبو الفتوح، القيادي المتمرس، يعمل على تشكيل حزب إسلامي مغاير يبدو أكثر «ليبرالية».
في صورة عامة، أرى أنه ليس من المناسب النظر إلى التغيرات السياسية العربية ومستقبلها من زاوية تحولات الإسلاميين، أو مكاسبهم السياسية المحتملة في الفترة الباكرة من التحول السياسي.
• النظام السوري تعاطى مع الحركة الاحتجاجية تارة على أنها تعكس مطالب محقة وتارة أنها من فعل الأصوليين والخارج. هل ثمة ارباك معين في مقاربة النظام لما يحدث؟
- نعم، وأرجح أن مصدر الارتباك هو كون الاحتجاجات غير مسبوقة نطاقا وحجما، وإن كانت لا تزال غير معادلة لما شهدنا في مصر وتونس واليمن. يفسر آخرون هذه الارتباك بانه استقطاب بين توجهين في مراتب السلطة العليا، توجه متطرف وآخر معتدل.
• هل تعتقد أنه تمّ احتواء الحركة الاحتجاجية عبر وعود النظام بالاصلاح والحديث عن الفوضى المذهبية؟
- أبداً. احتجاجات يوم «جمعة الشهداء» في الاول من ابريل تلت الوعود الإصلاحية المزعومة وشهدت احتجاجات واسعة وشهداء ومعتقلين. وقد رسخ ذلك أزمة الثقة بين الشعب والنظام. من يعتزم الإصلاح لا يقتل ولا يعتقل مواطنيه. ما يقلق هو سيناريو «الفوضى المذهبية».
• غالباً ما كان يشاع أن اسرائيل تحرص على استقرار النظام في سورية تفادياً لبديل غامض. هل ما زالت هذه الفرضية قائمة؟
- سورية في مواجهة مع إسرائيل أيا يكن نظام حكمها. هذا لا يمنع حسابات عقلانية باردة من الطرفين. وفي تقديري لا مسوغ لإقحام العامل الإسرائيلي في النقاش حول الاحتجاجات الشعبية في سورية اليوم. هذا منطق «الممانعة»، وهو أوثق صلة ببنى السلطة الاستبدادية منه بأي شيء ذي صلة بصراع وطني أو قومي.
• وزيرة الخارجية الأميركية قالت إن تعاطي المجتمع الدولي مع سورية يختلف عن ليبيا. الى اي مدى يرتبط ذلك بموقع سورية الاستراتيجي؟
- إذا تغيرت سورية سياسيا فلن يبقى شيء في المشرق الشامي العراقي على حاله. وهذا قد يطلق ديناميات سياسية وفكرية وسيكولوجية واستراتيجية وأمنية، تؤثر في الخليج والجزيرة العربية معا. وهذا شيء يتحسب له الأميركيون. لكن يبدو لي تصريح الوزيرة الأميركية مجانيا اليوم. فببساطة، لا مجال للمقارنة حاليا بين الوضع السوري والوضع الليبي. ومن شأن الكلام على أي تدخل أميركي في الشؤون السورية أن يستثير إجماعا سورية واسعا ضده.
إسرائيل والموقف من إسرائيل، والرعاية الأميركية لها، عنصر راسخ في السياسة والثقافة السياسية السورية. ولا يريد أحد في سورية أن يسمع شيئا عن تدخل أميركي. فمن شأن شيء كهذا أن يكون مجهضا بالفعل للحراك الديموقراطي السوري. في شروطنا العيانية اليوم، أميركا أقل، ديموقراطية أكثر، والعكس صحيح.

 


المصدر: جريدة الرأي العام الكويتية

ملف الصراع بين ايران..واسرائيل..

 الخميس 18 نيسان 2024 - 5:05 ص

مجموعة السبع تتعهد بالتعاون في مواجهة إيران وروسيا .. الحرة / وكالات – واشنطن.. الاجتماع يأتي بعد… تتمة »

عدد الزيارات: 153,619,202

عدد الزوار: 6,904,326

المتواجدون الآن: 101