تحليل من رام الله

الفلسطينيون الى خيار أحادي جديد

تاريخ الإضافة الإثنين 10 كانون الثاني 2011 - 6:05 ص    عدد الزيارات 2724    القسم عربية

        



 

تحليل من رام الله
الأمل بين "أسطورية" الرحلة وواقعية النتائج
الفلسطينيون الى خيار أحادي جديد

طوى الفلسطينيون سنة جديدة وعقداً جديداً غابت خلاله رموز ثقافية ووطنية رفيعة، أسست وعي الفلسطينيين بأنفسهم وقضيتهم، وشكلت عزاء لتشتتهم ورحلتهم "الاسطورية" بين الغياب القسري والبقاء على المسرح الانساني والسياسي، و"تربية الأمل" في الحرية،  مثل الشاعر محمود درويش الذي رحل مع  آخرين بينهم المفكر العالمي ادوارد سعيد والزعيم ياسر عرفات ومعظم مؤسسي الحركة الوطنية المعاصرة: جورج حبش وسمير غوشة واحمد ياسين وغيرهم، ودخل الفلسطينيون عهداً جديداً لا تنقصهم فيه رمزية التأسيس ولا ثورية المؤسسين لهذه المسيرة وواقعيتهم بكل ابعادها ومستوياتها، بل لديهم امل في أنهم سيصلون.
كثر هم الذين لايثقون بهذه المسيرة. وكثر لديهم شكوك أصيلة  في قدرة الرئيس الفلسطيني محمود عباس على حمل هذا الارث والهدف على غير مستوى خارجي وداخلي، على رغم انه  واحد من ذلك الجيل. مع اضافة خبرته وتصميمه على تحدي الثقافة الشعبوية السائدة اليوم ونبذه العنف وسيلة للاعتراف بالحقوق وابدالها بوسائل اخرى لتحصيل الحقوق مثلما يفعل اليوم بفتحه خيار بناء مؤسسات دولة قادرة على الاستقلال والبقاء والنمو والاستعداد لتحررها من السيطرة الاسرائيلية بوسائل تؤيدها الأسرة الدولية و الفلسطينيون وهم  ذاهبون الى اختبار جديد للارادة  الدولية  في تأييد نتائج هذه العملية لا تأييد المسيرة والرحلة فقط.
اعتراف تشيلي  بفلسطين دولة "حرة ومستقلة"، بعد الارجنتين والبرازيل وبوليفيا والاكوادور، لا يعتبره الفلسطينيون مسألة شكلية لسببين: الاول أنه يأتي في سياق خطة عملية للفلسطينيين لنزع الشرعية عن الاحتلال الاسرائيلي للاراضي الفلسطينية التي احتلت عام 1967 وهو الوجه الثاني لخطة بناء دولة فلسطينية من أسفل الى أعلى، والثاني ان هذا الاعتراف يوفر مناخاً في المعركة السياسية لاعلان هذه الدولة في وقت مناسب قد يكون اواخر السنة الجارية، وقد تؤجل اذا نجح خيار جديد لاعلان الدولة من طريق التفاوض على مسار أول او على مسار ثانٍ، وهناك اتصالات فلسطينية اسرائيلية غير رسمية بعيدة عن الاضواء لتوفير شريك اسرائيلي لاعلان دولة فلسطينية لا تستبعد اقطاباً معتدلين من تكتل "ليكود" الى حزب "كاديما" المعارض وبعض اقطاب حزب العمل.
من دون كثير أمل ان ينجح مثل هذا المسار، لكنه قد يوفر ضغوطاً ما على رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو تجعله أكثر مرونة واستعداداً في لحظة ما قد تدعوه الادارة الاميركية والاتحاد الاوروبي الى تطبيق ما اعلن موافقته عليه في خطاب بار ايلان، اذ وافق على حل الدولتين. وانهى بذلك خيار "ارض اسرائيل الكاملة" الذي نادت به احزاب اليمين الاسرائيلي التقليدية.
الرهان الفلسطيني الرسمي  اليوم على دعم واشنطن خيار الدولتين لم يمت. لكنه تراجع بفعل تغيير سلم الاهتمام الرسمي الاميركي بعد الانتخابات النصفية. مع ان "النهار" سمعت من مسؤولين فلسطينيين رفيعي المستوى ان "الرئيس باراك اوباما وعدهم بدولة فلسطينية خلال ولايته"، وأسمعهم القول: "انتظروني بعد الانتخابات النصفية". وعلى رغم خيبة الامل الفلسطينية من تراجع اهتمام اوباما بقضيتهم، لكنهم يعولون على إمكان معاودة الجهود مع فريق  المبعوث الأميركي جورج ميتشل بدعم من كبير مستشاري اوباما  دنيس روس لملاقاة جهود الفلسطينيين الاحادية لاعلان دولة فلسطينية، وعدم الاعتراض عليها، وعرقلتها في اي محفل دولي، اذا ما واصلت تل ابيب رفضها وقف الاستيطان والعمل ميدانياً لاحباط اقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة في الضفة الغربية المحتلة بما فيها شرق القدس، من طريق توسيع الاستيطان ومصادرة الاراضي وفتح خيار مواجهة عسكرية مع الفلسطينيين بدأت بوادرها تتضح من خلال عمليات القتل السهلة لفلسطينيين يقوم بها الجيش الاسرائيلي في مدن الضفة وقطاع غزة على حد سواء. وتريد اسرائيل من ذلك توجيه رسالة بأن ردّها على خيارات الفلسطينيين لن يقتصر على الجمود السياسي فقط، وبانها قد تجرهم الى مواجهة ربما تغيّر خططهم لاقامة الدولة، وتفسح في المجال امام خيارات أخرى  ليس بينها اقامة دولة فلسطينية الى جانب اسرائيل، يؤيدها معظم دول العالم وربما كل دوله ماعدا اسرائيل. ولذلك يرى فلسطينيون أن التصعيد الاسرائيلي العسكري الأخير في قطاع غزة و الضفة قد يكون اشارة أولى الى نيات اسرائيل فرض معادلة جديدة لايستطيع خلالها الفلسطينيون الحصول  على اعترافات دولية بهم دولة مستقلة كما بدا المشهد من جنوب القارة الأميركية خلال الشهر الفائت من السنة الفائتة من العقد الفائت.
ثمة تحديات أخرى، غير اسرائيلية في العقد الجديد لتغيير هذه الخطة: فالانقسام الفلسطيني يهيمن ويضعف الأمل في زواله ويقوي حجج الاسرائيليين في " فرية" غياب شريك سلام فلسطيني. كما يضعف الأمل في عدالة الولاية الفلسطينية على الاراضي المحتلة عام 1967 ما دامت غزة خارج هذه الولاية بعد انسحاب اسرائيل منها وابقاء سيطرتها على حدود القطاع البرية والجوية والبحرية.
وثمة تحدٍ ثانٍ يقوي التوترات الفلسطينية الداخلية انطلاقاً من اعتماد الرئيس عباس على شريك داخلي هو رئيس الحكومة سلام فياض. ويختلف الفلسطينيون على مضمون خططه العملية لبناء مؤسسات دولة بمساعدة عربية واوروبية وأميركية بين من يرى فيه خياراً لانقسام الفلسطينيين بين  حركتي "فتح" وانصارها من جهة، وحركة المقاومة الاسلامية "حماس" وانصارها من جهة ثانية، في مقابل من يرى في فياض وهماً يباع الى الفلسطينيين للانخراط في مسيرة لا تؤدي الى انتاج نفسها بصورة او بأخرى ولا تؤدي الى اقامة دولة فلسطينية انطلاقاً من أن اقامة دولة والحصول على سيادة والتخلص من السيطرة والاحتلال لا يمكن ان تتم من دون قوة محلية او دولية تجبر اسرائيل على ذلك وما دامت واشنطن لاتستطيع اجبار اسرائيل على وقف الاستيطان موقتاً خلال المفاوضات التي ولدت ميتة فكيف يمكن اجبارها على انهاء سيطرتها على الشعب الفلسطيني؟ ولا يقلل معظم هؤلاء من قيمة العمل المؤسسي الذي يقوم به فياض والشفافية التي يدير بها المال العام والنتائج الايجابية لتحسين الموارد الذاتية العامة للسلطة.
والتحدي الثالث امام خطط الفلسطينيين لاقامة الدولة هو وحدة حركة "فتح" خلف الرئيس عباس على هذا الخيار، اذ لا تقارن اي تشويشات (لاغيرها) على اداء الفلسطينيين من اي جهة كانت أكثر من التشويش الذي تقوم به حركة "فتح" على نفسها وادائها، تارة من خلال اثارة موضوع خلافة عباس، وأخرى من خلال افتراض وجود صراع بين الرئيس عباس ورئيس حكومته. واخرى بين الرئيس عباس ومساعدين له في ادارة شؤون منظمة التحرير الفلسطينية مثل ياسر عبد ربه الذي عيّن مشرفاً على الاعلام الرسمي الفلسطيني وعمل نقلة ملحوظة في اداء تلفزيون فلسطين واذاعتها.

رام الله - من محمد هواش     


المصدر: جريدة النهار

ملف خاص..200 يوم على حرب غزة..

 الأربعاء 24 نيسان 2024 - 4:15 ص

200 يوم على حرب غزة.. الشرق الاوسط...مائتا يوم انقضت منذ اشتعال شرارة الحرب بين إسرائيل و«حماس» ع… تتمة »

عدد الزيارات: 154,186,168

عدد الزوار: 6,939,474

المتواجدون الآن: 146