لماذا العراق على موعد مع صيف سياسي طويل وحار؟

تاريخ الإضافة الجمعة 16 نيسان 2010 - 7:14 ص    عدد الزيارات 3325    القسم عربية

        


موقع «ناشونال انتريست»
بقلم كينيث بولوك «مدير مركز سابان في معهد بروكينغز لسياسة الشرق الاوسط»:
تعريب نبيل زلف:
على الرغم من مرور اكثر من شهر على انتهاء انتخابات العراق البرلمانية، لا يمكن القول بثقة من هو الذي سيتمكن من تشكيل الحكومة المقبلة. هل هو إياد علاوي رئيس «القائمة العراقية» التي جاءت في المقدمة بعد فرز الاصوات ام هو رئيس الحكومة الحالي نوري المالكي الذي جاء تآلف دولة القانون الذي يقوده في المرتبة الثانية؟
الحقيقة ان هذه المسألة تنطوي على درجة كبيرة من التعقيد، فانتصار علاوي الذي حصلت قائمته على 91 من اصل عدد مقاعد البرلمان البالغة 325 مقعدا، لم يكن حاسما لانه حصل بذلك على اقل من الثلث مقابل 89 مقعدا لدولة القانون بينما توزعت بقية المقاعد على الاحزاب الاخرى.
بالاضافة لهذا، من المتوقع الآن بعد ان انتهت الانتخابات ان تنقسم التآلفات التي تشكلت قبلها، وتظهر تآلفات وتحالفات جديدة غيرها في الصراع للحصول على العدد الكافي في المقاعد (163) اللازم لتشكيل الحكومة.

الجزء الصعب من المهمة
ولاشك ان هذه العملية سوف تكون صعبة جدا لاسباب كثيرة منها ان الكثيرين - هذا ان لم نقل معظم - من كبار زعماء الاحزاب اللاعبة على الساحة العراقية يكرهون بعضهم بعضا ولا يكترثون باتخاذ مواقفة ودية.
ثانيا: سوف يشهد العراق الكثير من المساومات المطولة لان نظام التمثيل النسبي الذي يتبناه يمكّن الاحزاب الاصغر من اللعب على حساب الاحزاب الاكبر.
لذا، اذا حاول علاوي تشكيل الحكومة سيتعين عليه اتخاذ العديد من الخيارات الصعبة فهو يستطيع على نحو ما الدخول بتحالف مع المجلس الاسلامي الاعلى والتحالف الكردي، لكن مثل هذا التحرك يعني عمليا تخليه عن شركائه في التآلف الذين يهيمنون على الموصل ثالث اكبر مدينة في العراق ويناهضون الاكراد بشدة، كما يعني استبعاد الصدريين من حكومته لان سياستهم لا تتفق مع الاكراد والمجلس الاسلامي الاعلي.
بل ثمة نقطة خلاف اخرى تتمثل في منصب الرئاسة. ففي الوقت الذي يتعين فيه على الرئيس دستوريا تكليف اعضاء البرلمان بتشكيل الحكومة، يتعين على البرلمان الجديد اختيار الرئيس.
وما يزيد الطين بلة هو ان الرئيس بحاجة لثلثي اصوات اعضاء البرلمان لكي يتم اختياره. لكن من حسن الحظ ان معظم الاحزاب السياسية في العراق تميل على ما يبدو لتجديد ولاية الرئيس الراهن جلال طالباني، رئيس الاتحاد الوطني لكردستان، لفترة رئاسية اخرى.
لكن - وهذه مشكلة اخرى - مع حصوله على 89 مقعدا في البرلمان، يتمتع المالكي وتآلف دولة القانون الذي يقوده بموقف ممتاز لمنع اعادة انتخاب طالباني، وهذا خيار افضل بالنسبة للمالكي من محاولة منع علاوي من تشكيل الحكومة الجديدة.
لذا ربما يقرر المالكي وتحالفه منع انتخاب الرئيس في محاولة منهم لارغام الاحزاب الاخرى على الانصياع لرغباتهم او وضع الجميع ببساطة امام عقدة مستعصية يتطلب حلها عقد انتخابات جديدة.
باختصار، ثمة اسباب عدة تجعلنا نتوقع الا تتشكل الحكومة الجديدة الا بعد اشهر.

المأزق الأمريكي
لكن على الرغم من كل هذه المشكلات تُشكل الانتخابات العراقية انتصارا مهما جدا للشعب العراقي وللولايات المتحدة، وهزيمة لايران واحزاب الميلشيات القديمة التي لعبت دورا اساسيا في حرب العراق الاهلية.
صحيح ان الدعم الذي يتمتع به حزبا المالكي وعلاوي يأتي من مصدرين متباينين، الاول شيعي والثاني سني الا ان الكثيرين يرون هذين الحزبين من اكثر المجموعات السياسية وطنية، تقدمية وعلمانية على الساحة السياسية في العراق.
كما يرى كثيرون ايضا في تحالف العراقية كيانا مقربا من الولايات المتحدة بينما استفادت حكومة المالكي كثيرا من الدور الامريكي في العراق. ومن الملاحظ ايضا ان اداء هذين الحزبين كان افضل من اداء منافسيهما الاكثر ميلا للطائفية، وافضل من اولئك الذين يتمتعون بأعلى مستوى من التأييد من ايران.
لكل هذا، يتمثل التحدي الذي تواجهه الولايات المتحدة الآن في عدم خسارة مكاسب هذه الانتخابات في عملية تشكيل الحكومة، وهذا تحد خطير جدا لان المأزق الذي ستواجهه واشنطن الآن يتمثل في حاجتها لتعجيل العملية السياسية في العراق من جهة والتحلي بالصبر من جهة اخرى.
فاذا لم يتمكن ساسة العراق، كما هو متوقع على نطاق كبير، من تشكيل الحكومة الجديدة بسرعة يمكن ان يتحول الوضع الراهن في العراق نحو الاسوأ.
ان استمرار الجمود يعني اولا ان رئيس الحكومة المالكي سيبقى في منصبه كرئيس حكومة لتصريف الاعمال. واذا تذكرنا مشكلات العراق الصعبة التي واجهها المالكي قبل الانتخابات حينما كان يتمتع بسلطة شرعية كاملة والوضع الراهن بعدها، لتبين لنا مدى استحالة ان يقوم المالكي بأي عمل مهم الآن كرئيس لحكومة مؤقتة.
بل سوف يفترض خصومه السياسيون أن كل ما تفعله حكومته الحالية هو بقصد استغلال المداولات الجارية لتشكيل الحكومة لمصلحة تآلفه.
ومن المفيد الاشارة هنا الى شهرة المالكي في الاستياء بسهولة من الاساليب الديموقراطية في العمل، واسراعه في اتخاذ اجراءات اضافية بل غير دستورية احيانا لتجاوز العقبات السياسية.
ولاشك ان قيامه بمثل ذلك خلال هذه الفترة من عملية تشكيل الحكومة سوف ينطوي على اخطار كثيرة الآن.
ثانيا: على الرغم من اضعاف دور ميلشيات العراق خلال السنتين او الثلاث سنوات السابقة، الا ان هذه الميلشيات لم تضمحل بالكامل. وثمة احتمال لان تشعر باستياء شديد من المفاوضات السياسية التي لا نهاية لها في عملية تشكيل الحكومة. لذا كلما تأخر ظهور الحكومة سيزيد احتمال ان تحاول هذه الميلشيات بل وعصابات الرعاع استخدام القوة للتأثير في عملية تشكيل الحكومة. وما ان تبدأ احدى هذه الميلشيات بالتدخل حتى تلحق بها مثيلاتها. بمعنى آخر، كلما طال امد المفاوضات زاد احتمال العنف. وبما ان هناك احتمالاً لان يعتبر المالكي قوات العراق المسلحة كميلشيا له خلال هذه الفترة «استخدمها بالفعل مرة لمصلحة اجندته السياسية» سوف يقع عبء السيطرة على العنف عندئذ على عاتق ما تبقى من جنود امريكيين في العراق.
اخيرا، ان العراق بحاجة ماسة لحكومة فاعلة تستطيع التنفيذ فهناك عقود يتعين ابرامها وبنية تحتية تحتاج للاصلاح وصناعات بحاجة للانعاش بالاضافة لتوفير الوظائف ومكافحة المسلحين والمصالحة مع الاعداء.
ان عدم فعالية الحكومة السابقة كانت عائقاً رئيسياً امام التقدم في العراق. وهذا يعني ان العراق لا يستطيع ان يبقى لفترة طويلة دون حكومة قادرة على القيام بالعمل الحاسم.

السياسة الامريكية الداخلية
بالطبع، للولايات المتحدة ايضا اسبابها التي تحبذ من خلالها الاسراع في تشكيل حكومة عراقية جديدة، فالسياسة الامريكية الداخلية معنية على نحو غير مباشر بهذه العملية لان الرئيس اوباما كان قد التزم بسحب الجزء الاكبر من القوات الامريكية من العراق ليبقى منها فقط 50.000 جندي بحلول اغسطس المقبل. لكن من الواضح ان هذا الانسحاب سوف يحدث ليس فقط خلال هذه الفترة التي تتسم بتوتر متزايد بسبب الخلافات الدائر حول تشكيل الحكومة بل ويأتي ايضا في مستهل فترة الانتخابات الامريكية نصف الفصلية في نوفمبر المقبل.
والمشكلة عند الرئيس هي ان قاعدته الديموقراطية متمسكة بموعد سحب القوات الامريكية بصرف النظر عما يمكن ان يحدث في العراق. ولاشك ان الجمهوريين يشحذون سكاكينهم استعدادا للاعلان ان اوباما يخسر الآن الحرب التي كان قد كسبها بوش في حين يوضح المستقلون انهم لا يحبذون البقاء في العراق ولا يريدون الخسارة هناك.
من هنا ان آخر شيء يريده البيت الابيض هو استمرار الصراع بلا نهاية حول تشكيل الحكومة العراقية، وذلك لان هذا لن يمكنه من الاحتفاظ بتأييد قاعدته الديموقراطية وولاء المستقلين له.
لذا، اذا لم يتمكن العراقيون من تشكيل حكومتهم بحلول يونيو او يوليو المقبل، سيدخل البيت الابيض مرحلة فقدان الصبر. بالطبع لن تتخلى الادارة الامريكية عن موعد الانسحاب، لكنها ستشعر بصعوبة متزايدة في شرح كيف يمكن الالتزام به. لذا، ربما تلجأ عندئذ للضغط بقوة على كريس هيل السفير الامريكي في بغداد لكي يعمل هو وفريقه على ايجاد حكومة تستطيع ان تحكم، تستعيد النظام، تدخل في مفاوضات حول المسائل المرتبطة بالمصالحة الوطنية وتمهد الطريق امام استمرار الانسحاب الامريكي.
لكن حتى في عام 2005 حينما كانت الولايات المتحدة قوة احتلال، وكان العراقيون معتمدين على واشنطن بالكامل، استغرق الامر خمسة اشهر حتى تشكلت الحكومة العراقية آنذاك.
واليوم لم تعد الولايات المتحدة سوى مجرد شريك للعراق وتتناقص قوتها ومساعداتها الاقتصادية له بسرعة.
صحيح ان واشنطن لاتزال تتمتع بقدر كبير من التأثير والنفوذ في العراق، لكن هذا التأثير اصبح اقل مما كان عليه من قبل وهو في تراجع يوميا.
وعلى الرغم من اختلاف آراء العراقيين حول الوجود الامريكي في العراق، ثمة اسباب كثيرة تدعو للاعتقاد بأن العراقيين سيعتبرون اي تحالف حاكم يتم تشكيله بضغط امريكي هو كيان غير مشروع.
والبديل الاسوأ من هذا هو ان تطلب واشنطن من السفير هيل المساهمة في تشكيل حكومة وحدة وطنية كوسيلة لتجاوز المفاوضات السياسية المعقدة.
لكن وعلى الرغم من ان هذا الخيار جيد بالنسبة لواشنطن لانه يمكنها من الاشارة الى الحكومة الجديدة باعتبارها انتصارا للوحدة الوطنية العراقية، ومبررا لاستمرار الانسحاب الامريكي، الا انه يمكن ان يشكل كارثة للعراق وامريكا على المدى الطويل. فمثل هذه الحكومة لن تمثل في هذه الحالة المجموعات السياسية الحقيقية بل ستكون غطاء مؤقتا يخفي كل الانقسامات العميقة السائدة بين الاحزاب السياسية العراقية بل ويمكن ان تتأثر هذه الحكومة بتلك الاختلافات مما يجعلها مشلولة.
لذا، ان اكثر ما يثير القلق الآن هو ان يجد السفير هيل نفسه في يونيو او يوليو في موقف يفرض عليه ابلاغ واشنطن ان امامها ثلاثة خيارات.
الاول ان بالامكان استخدام ما تبقى من نفوذ امريكي لتشكيل تآلف عراقي جديد. غير ان القيام بذلك سيؤدي الى بروز حكومة غير مشروعة، ويقوض دور امريكا كوسيط نزيه وصانع سلام بل وربما يضر قدرتها على لعب دور بناء في السياسة العراقية على المدى الطويل. الثاني استعمال نفس قوانا السابقة في الاقتناع لتشكيل حكومة وحدة وطنية ضعيفة غير قادرة على حكم البلاد مما سيهدد كل التقدم الذي تحقق خلال السنوات الثلاث الماضية او التحلي بالصبر، وهو الخيار الثالث والاخير. الا ان الرئيس وفريقه سيدفعان في هذه الحالة ثمنا من نوع ما وسط الانتخابات المفصلية في الولايات المتحدة.
بالطبع، لا ادري ما هو الخيار الذي سيتبناه البيت الابيض بالنهاية، لكني آمل ان يختار الاخير مهما كان صعبا ومؤلما لان العراق على موعد مع صيف سياسي طويل وحار.
 

 


المصدر: جريدة الوطن الكويتية

ملف خاص..200 يوم على حرب غزة..

 الأربعاء 24 نيسان 2024 - 4:15 ص

200 يوم على حرب غزة.. الشرق الاوسط...مائتا يوم انقضت منذ اشتعال شرارة الحرب بين إسرائيل و«حماس» ع… تتمة »

عدد الزيارات: 154,160,072

عدد الزوار: 6,937,501

المتواجدون الآن: 107