العراق....رئيس الوزراء العراقي يخوض معركة «الفرصة الأخيرة» مع القوى السياسية والمتظاهرين.....العراق: أيام للتآمر والفساد والطفولية الثورية..الجميع ينتظر من «المرجعية» تصرفاً مسؤولاً...

تاريخ الإضافة الإثنين 14 تشرين الأول 2019 - 4:47 ص    عدد الزيارات 1719    القسم عربية

        


رئيس الوزراء العراقي يخوض معركة «الفرصة الأخيرة» مع القوى السياسية والمتظاهرين...

دعوات لتقليل الاعتماد على النفط وتنويع مصادر الدخل للخروج من الأزمة...

الشرق الاوسط.... الذي صاحبته لأول مرة أمطار وعواصف رعدية تنذر بموسم أمطار جديد. أمطار العام الماضي أنقذت الحكومة من مظاهرات شهر يوليو (تموز) السنوية التي تبدأ في البصرة وتنتهي في بغداد بسبب اللسان الملحي في شط العرب والانقطاع المتواصل للكهرباء. ليس هذا فقط؛ فإن تلك الأمطار أدت إلى شبه اكتفاء ذاتي من محصول القمح، فضلاً عن زيادة الخزين المائي في البلاد بما يكفي لسنتين مقبلتين بلا أمطار. لكن كرم الطبيعة لم ينقذ الحكومة ورئيسها المفكر الاقتصادي عادل عبد المهدي من استحقاقات متراكمة فجرها غضب شعبي بدا مفاجئاً لكل الطبقة السياسية، وهو ما فتح كل الملفات التي بقيت الحكومات المتعاقبة تؤجل فتحها دورة بعد أخرى عبر نمط من السياسات الترقيعية التي لم تعد تقنع شباباً ما زالوا يخوّفونهم بصدام حسين بينما كان معظم شباب المظاهرات حين سقط صدام حسين عام 2003 في بطون أمهاتهم ولا يعرفون عنه شيئاً إلا عبر ما تبقى من ذاكرة آبائهم. عبد المهدي الذي جاءوا به لكي ينقذ النظام السياسي الذي وصل إلى طريق مسدودة عبر ما أطلقوا عليها هم أنفسهم «حكومة الفرصة الأخيرة»، تركوه الآن وحده يقاتل على جبهتين؛ الأولى جبهة المتظاهرين الذين أعلنوا أنهم بدأوا يحشدون لمظاهرات جديدة يوم الخامس والعشرين من هذا الشهر بعد يوم من إكمال سنة على ولاية عبد المهدي، والثانية جبهة الكتل والقوى السياسية التي بدأت، بدعوى التوازن، تضع العراقيل أمام عزمه إجراء تعديل وزاري حتى لو كان محدوداً. البرلمان منح نفسه عطلة إلى ما بعد «زيارة الأربعين» التي تبلغ ذروتها السبت. أما عبد المهدي فلا يزال يسهر إلى ساعة متأخرة حتى منتصف الليل يتابع تطورات لا أحد يعرف حجم المفاجآت فيها، وشكل لجنتين في غضون يومين لتفادي تحذيرات المرجع الشيعي الأعلى علي السيستاني ومهلته له بالكشف عن المسؤولين عن قمع المظاهرات خلال أسبوعين، التي إن لم يلتزم بها فقد تدفع المرجعية إلى رفع الغطاء عنه ليصبح في مواجهة مفتوحة مع شارع غاضب يريد كل شيء دفعة واحدة. وبدأ عبد المهدي، الذي اعترف بأنه لا يملك عصا سحرية، باتخاذ إجراءات عملية لعلها تساعد في تخفيف حدة التوتر وامتصاص جزء من الغضب. فقد أعلنت وزارة المالية أمس أن نحو ربع مليون منتسب سيعادون إلى الخدمة في وزارتي الداخلية والدفاع. وقال وكيل الوزارة ماهر حماد في بيان إن «وزارته عملت بصورة سريعة على إنجاز الملف المتعلق بعودة منتسبي وزارتي الدفاع والداخلية قبل أشهر، وكانت بانتظار القرار المناسب من الوزارتين لإنجاز المعلومات الأمنية المتكاملة عن الذين يعادون، لذلك كانت الاستجابة من قبل الوزارة في نفس اليوم الذي وردت فيه معلومات من وزارة الدفاع عن 108 آلاف عسكري تمت إعادتهم إلى الوظيفة»، مضيفاً أن «الوزارة أطلقت أيضاً «ملف إعادة العسكريين للمناطق المحررة بواقع 47 ألف درجة»، لافتاً إلى أن «أعداد الذين تمت إعادتهم أو سيعادون إلى وزارة الدفاع قد تصل إلى 200 ألف، إضافة إلى ما يقارب 20 ألف درجة لوزارة الداخلية، وإضافة إلى وجود درجات أخرى بأكثر من هذا العدد لوزارة الداخلية من خلال إعادة منتسبيها في المناطق المحررة». من جهته، أكد عضو البرلمان، عبد الله الخربيط، في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «الوقت حان لكي نبدأ سياسة اقتصادية جديدة تقوم على مبدأ تنويع مصادر الدخل عبر عدم الاعتماد على واردات النفط التي لم تحسن كل الحكومات استثمارها لصالح العراقيين»، مبيناً أن «كل ما يجري الآن من دون استراتيجية صحيحة للمستقبل سيكون مجرد إبر تخدير لا أكثر، لأن الناس تريد فرص عمل وسكناً لائقاً». وأوضح الخربيط أن «هناك دعوات لإقالة الحكومة أو إجراء انتخابات، وهو أمر يعكس عدم قدرة الجهات التي تدعو إلى ذلك على معرفة مفاتيح الأزمة الحقيقية التي يعانيها الشعب العراقي، وهي عدم التوزيع العادل للثروة». أما السياسي يزن الجبوري فيقول لـ«الشرق الأوسط» إن «سبب الفشل الرئيسي يكمن في الاعتماد على عائدات النفط وتحويلها لأوراق نقدية توزع رواتب لملايين الموظفين غير المنتجين في وزارات هي عبارة عن (شركات خاسرة) تستنزف موارد الدولة». ويضيف الجبوري أن «سوء الإدارة، والبيروقراطية المعطلة لكل شيء، فضلاً عن تضارب القوانين والابتزاز عبر الأحزاب، مع استبعاد الخبرات لحساب الولاء وعلى حساب الكفاءة... هي العوامل التي أدت إلى ما حصل مؤخراً». وأوضح أنه «من دون اعتماد سياسات صحيحة، فإن الوضع مرشح للانفجار أكبر، وأي محاولة للوقوف في وجهه ستكون بمثابة عملية انتحار، لا سيما أن العملية السياسية كلها تلعب الآن في الوقت الضائع»...

عراقي يعود لأسرته بعد انتهاء مراسم دفنه وعزائه

أصيب برصاصة قناص وعائلته تسلمت جثة متظاهر آخر

الشرق الاوسط..بغداد: فاضل النشمي....خلّفت المظاهرات الاحتجاجية التي انطلقت مطلع شهر أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، وراءها مئات وربما آلاف المآسي والقصص المؤلمة وحالات الفقد الناجمة عن الاستهداف المتعمد وبالرصاص الحي للشباب المتظاهرين، من قبل القوات الأمنية ومجاميع القناصين الذين تحقق الحكومة حتى الآن في الجهات التابعين لها. وما زالت مراسم العزاء قائمة في منازل الشباب الذين سقطوا، وما زالت الأحاديث الحزينة متواصلة عن عمليات الفتك والقنص التي طالت رؤوس وصدور المحتجين العارية. وحتى هذه اللحظة ثمة عوائل غير قليلة تبحث عن أبنائها المفقودين، في المستشفيات ودوائر الطب العدلي وأقبية السجون للدوائر الأمنية المختلفة على أمل معرفة مصير أبنائهم. وتتفاعل منذ نحو أسبوع قضية الاختطاف من قبل جهة مجهولة التي تعرض لها اختصاصي الأمراض الجلدية الدكتور ميثم الحلو دون أسباب واضحة، كذلك قضية اعتقال المهندس وعضو مجلس السلم والتضامن عقيل التميمي، رغم عدم مشاركتهما الفاعلة في الاحتجاجات. ولعل من بين أغرب القصص التي خلفتها احتجاجات العراق وما نجم عنها من حالات قتل وإصابة زادت على الستة آلاف حالة، قصة الشاب المراهق ذي السبعة عشر ربيعاً؛ مسلم عباس زاير، الذي يسكن مع عائلته في حي الأمين الشعبي بمنطقة بغداد الجديدة شرق العاصمة؛ إذ إنه عاد إلى الحياة بعد أن أتمت عائلته مراسم الدفن والعزاء! أما كيف حدث ذلك، فبحسب فلاح حسن زاير، عمّ المراهق مسلم، الذي روى القصة الكاملة لـ«الشرق الأوسط»، فإن مسلم المنقطع عن الدراسة ويعمل على عربة «توك توك» صمم على الالتحاق بالمتظاهرين يوم الجمعة الموافق 4 اكتوبر (تشرين الأول) الحالي وسط غياب والده الملتحق بوحدته العسكرية وعدم قبول عمه، إلا إن مسلم كان متحمساً، وقد أجاب عمه الرافض لذهابه... وبالفعل توجه مسلم برفقة بعض أصدقائه بعد ظهر الجمعة، للالتحاق بالمظاهرات التي انطلقت، وعند الساعة السابعة مساءً وبعد تواتر الأنباء عن القوة المفرطة التي جوبه بها المتظاهرون من قبل الأجهزة الأمنية، تلقت عائلة مسلم خبر وفاته بعد تعرضه لرصاصة قناص في الرأس. هرعت العائلة، والكلام للعم فلاح حسن زاير، إلى مستشفى «الكندي» العام لقربه من ساحة المظاهرات واحتمال وجود جثمان مسلم فيه، ويضيف: «كان مشهداً رهيباً... عشرات العوائل تبحث عن أبنائها، وسيارات الإسعاف لم تتوقف عن نقل الجرحى والقتلى، حتى إننا علقنا داخل المستشفى ولم نتمكن من الخروج إلا بصعوبة بعد أن فشلنا في إيجاد جثمان مسلم». بعد ذلك «تلقينا اتصالاً من أبناء عمومته القريبين من مدينة الطب التي تقع على ضفاف نهر دجلة، وأبلغونا خلاله بأنهم تمكنوا من العثور على جثمان مسلم وهو مهشم الرأس في مدينة الطب، فهرعنا إلى هناك في حدود الساعة العاشرة مساءً». في تلك الأثناء كان أبو مسلم قد عاد من مقر وحدته العسكرية بعد سماعه نبأ وفاة ابنه، وكان حاضراً في الإجراءات الضرورية في المستشفى لاستخراج شهادة الوفاة وتسلم الجثة وما إليها. تسلمت العائلة الجثمان وعادت به فجر اليوم التالي إلى المنزل تمهيداً لتشييعه ثم نقله إلى مقابر النجف ليدفن هناك. ويضيف العم: «كان أبواه يقبلان يديه ورجليه في المغتسل، ولم يخطر على بال أحد أن الجثة ليست لمسلم. كانت لحظات عصيبة، غيب الحزن الشديد فيها لحظة التبصر المفترضة للتأكد من الجثمان بصورة دقيقة، لكن الأضرار الكبيرة التي لحقت بالوجه والرأس لم تترك لنا فرصة للتعرف على مسلم، ثم إن أجساد المراهقين تتشابه وأغلبهم لا يحملون بطاقة تعريف الهوية». بعد ذلك، عادت العائلة بجميع أحزانها إلى بغداد عقب إتمام مراسم الدفن، وباشرت بإقامة مجلس العزاء. استمر استقبال المعزين من أصدقاء وأبناء قبيلة مياح الضخمة التي تنتمي إليها أسرة المراهق الفقيد المفترض، في اليومين التاليين، وقبل لحظات من انتهاء مراسم التعزية مساء يوم الأحد، جاء أحد الشباب ليخبرهم بأن مسلم على قيد الحياة وما زال يتلقى العلاج في مدينة الطب! يقول فلاح زاير: «كانت لحظات لا توصف، وبين مصدقين وغير مصدقين ومندهشين من سماع الخبر هرعنا مسرعين إلى مدينة الطب». وجدوا مسلم بشحمه ولحمه هناك! بعد أن كان غائباً عن الوعي 3 أيام نتيجة عيار ناري اخترق أذنه واستقر في منطقة قريبة من الفك. ما زال مسلم يتلقى العلاج في المستشفى وبات قادراً على السير والتكلم ببطء. عائلة الضحية الأصلي التقت بعائلة مسلم وعرفت أنهم دفنوه في النجف بعد أن شرحوا لهم أوصافه وأعطوهم الصور التي التقطوها له أثناء مراسم الغسل وقبل الدفن.

العراق: أيام للتآمر والفساد والطفولية الثورية

الاخبار..... ابراهيم الأمين

الجميع ينتظر من «المرجعية» تصرفاً مسؤولاً بطريقة لا تقلّ عما قامت به يوم اشتداد خطر تنظيم «داعش»

نهاية آذار الماضي، زار الرئيس نبيه بري العراق. قبل سفره، عُقد اجتماع، ظل بعيداً عن الاعلام، بينه وبين الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، جرى خلاله البحث في دور يمكن لرئيس المجلس أن يلعبه مع القوى والشخصيات العراقية عموماً، ومع «أركان البيت الشيعي»، كما يحلو للعراقيين توصيف قواهم السياسية ذات القواعد الطائفية. وانطلاقاً من دوره المحوري في الملف الاقليمي، ولا سيما العراقي منه، أطلع السيد نصر الله الرئيس بري على تفاصيل مهمة وحسّاسة حول الواقع السياسي العراقي ومستوى التقاطعات القائمة مع الوضع في الاقليم. واتفق الرجلان على وجهة مفتاحية، انطلاقاً من تجربة لبنان، السياسية الداخلية منها أو في ما يتعلق بالعلاقة مع الجوار ودول الاقليم. واتفقا على أهمية الاستفادة من تجربة المصالحة والتحالف بين حركة أمل وحزب الله، ودعوة العراقيين، لا سيما القوى الشيعية، الى التعامل معها كنموذج قابل للأخذ به لمنع الانقسامات الحادة والخلافات المدمرة، والمحافظة على كل تنوع وتمايز خاص، وكذلك الاستفادة من تجربة هذا الثنائي في التعامل مع بقية المكوّنات السياسية في البلاد، خصوصاً أن العراق يعيش اليوم ظروفاً مشابهة للانقسامات اللبنانية، على خلفية طائفية ومذهبية.

بعد عودته الى بيروت، لم يكن الرئيس بري أقل قلقاً، بعدما لمس مستوى التوتر القوي بين القوى السياسية الشيعية، والذي يخفي انقسامات واختلافات تحتاج الى علاج مكثف وسريع. وهو أبدى استعداداً للعب أي دور ممكن للمساعدة في التوفيق بين المتخاصمين، معوّلاً على معرفة جيدة بالوضع العراقي نتيجة نقاشات سابقة مع عدد غير قليل من المسؤولين العراقيين، إضافة الى هوامشه التي تتيح له لعب دور مع دول الاقليم، ولا سيما إيران.

ما يجري اليوم في العراق يعيد الى الاذهان صورة القلق التي تكوّنت لدى الرئيس بري، والموجودة أصلا لدى قيادة حزب الله، وغالبية دول وقوى محور المقاومة في المنطقة، خصوصاً أن للعراق موقعه الاستراتيجي في المواجهة القائمة مع المحور الذي تقوده أميركا والسعودية وإسرائيل. وما يزيد من هذا القلق هو ما يغلب على هواجس القادة العراقيين وحساباتهم وتقديمهم التنافس في ما بينهم على السلطة ومراكز النفوذ في الدولة، فيما لا يجري التوافق إلا نادراً على مواجهة التحديات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

ويبدو ان الوضع اليوم «شديد الحساسية» وينذر بـ«احتمالات قاسية إذا لم يتم إيجاد آلية لتنظيم الخلافات في الايام القليلة المقبلة، حيث يتصرف الجميع على أنهم أمام هدنة مرتبطة بمناسبة إحياء ذكرى أربعين الإمام الحسين التي تتحول الى مناسبة عامة في العراق». هذا ما يقوله معنيون مباشرة بالاتصالات الجارية. ويوافقون على تقدير جهات محايدة، بأن «القوى الشيعية على وجه الخصوص، لا تتصرف بمسؤولية كبيرة في هذه المرحلة، ولا تدرك أنها الآن الجهة الحاكمة في العراق أو الأكثر نفوذاً، وأن الخلافات القائمة في ما بينها من شأنها فتح الباب أمام حالة من الفوضى تشبه الحروب الاهلية، يكرر العراقيون فيها أخطاء ما هو قائم في دول المنطقة العربية، وغالباً ما تنتهي من دون رابح، بل يكون المستفيد الوحيد فيها من خارج دائرة المتنافسين، بمعزل عن كل اتهام لهذا الطرف أو ذاك بالتعاون مع الخارج. وهذه الفوضى ستؤذي كل العراقيين وليس الشيعة فحسب، خصوصاً أن القوى المعارضة للحكم الحالي تلجأ الى استخدام كل ما تصل اليه يدها لزرع الفوضى، وغايتها لا تتصل بالداخل العراقي، بقدر ما تتصل بصراعات المنطقة والمحاور. كما أن خصوم إيران والحكم العراقي لا يوفرون استخدام قواعد شعبية واجتماعية تتأثر بقيادات وكوادر من حزب البعث، كأداة للانتقام من الخصوم لا أكثر».

كلما استغرق القائمون على الملف في سياسة الانكار، كلما تعمقت الازمة

في حالة القوى الشيعية، هناك وقائع باتت واضحة لكنها قاسية على الجميع. وكلما استغرق القائمون على الملف في سياسة الإنكار، تعمّقت الأزمة. فحال القوى الاساسية ليست جيدة على الإطلاق؛ فحزب الدعوة يواجه مشكلة كبيرة، على صعيد الفكرة والبرنامج والتنظيم والهيئات القيادية، وسط إصرار من قياداته على البقاء في المربع نفسه، متجاهلة أن تجربة 15 سنة من النفوذ الأكبر داخل مؤسسات الدولة، تسبّبت في أزمات كبيرة للبلاد، وجعلت الدعوة الى إقصاء الحزب عن السلطة مطلباً عاماً، وتحول الرجل القوي في الحزب، نوري المالكي، الى عنصر خلاف على صعيد العراق ككل وليس فقط عند الشيعة؛ وحيدر العبادي لا يريد الإقرار بأنه لم يعد مؤهلاً لادّعاء لعب دور محوري؛ وعمار الحكيم يغرق في سياسة انتهازية مكشوفة، فيتنقل بين الغرف عارضاً خدماته على الجميع، في وقت تتآكل قاعدته الشعبية، ويخسر هو عنصر الثقة من القوى الداخلية وحتى من قبل القوى الاقليمية، ووصل به الأمر الى حد أن إيران وقوى محور المقاومة لا تجد فيه شريكاً جدياً، بينما يئس منه الطرف الآخر لعدم قدرته على إحداث تغيير جدي.

على أن الجميع يتوقف عند الحالة الخاصة بالسيد مقتدى الصدر، وارث أكبر تيار جماهيري عند الشيعة في مرحلة ما بعد الاحتلال الاميركي. وهو تيار معقد من كل النواحي التنظيمية والسياسية وحتى الفكرية، إذ ليست فيه مؤسسة وآليات لإنتاج قرار ووجهة. وحاله رهن ما يقرره الزعيم الأوحد، الذي يخسر مع الوقت كل الكوادر المفيدين. لكن الخطير، أن واقع التيار الصدري اليوم يسمح لكل القوى المتنافسة في البلاد وخارجها باستخدامه في هذه المعركة أو تلك. وصار التيار جامعاً لكل أنواع المتناقضات على الصعيد السياسي، وصولاً الى تعاظم نفوذ «تيارات المرحلة السابقة» التي ترفع شعار «العراق أولاً»، وهدفها الفعلي ليس القطع مع محاور المنطقة، بل مواجهة ما تسميه «النفوذ الفارسي» في العراق.

المرجعية... آخر الحكام

في حالة القوى الشيعية المعنية اليوم بالتحديات الكبرى، تبقى المرجعية الدينية والسياسية في النجف، بقيادة السيد علي السيستاني، محط أنظار الجميع داخل العراق وخارجه. والكل مقتنع بأنها أمام التحدي الأكبر في واقع العراق. والجميع ينتظر منها تصرفاً مسؤولاً بطريقة لا تقل عمّا قامت به يوم اشتداد خطر تنظيم «داعش». لأنه في حالة العراق، اليوم، فإن ترك الأمور على ما هي عليه، واللجوء الى علاجات على شكل دعوات ونصائح، سيؤدي إلى انفلات هذه الامور حتى من يد المرجعية، وسيكون من الصعب عليها ضبط حراك القوى المتآلفة في الحكم، خصوصاً أنها الحاكم والحكم الآن، ولا يجرؤ أي طرف داخلي أو خارجي على مواجهتها، وتقع على عاتقها مسؤولية تنظيم حتى الاحتجاجات على السلطة القائمة، خصوصاً أن بعض الخارج يستهدف ضمناً المصالح الاستراتيجية التي تمثلها المرجعية. وهنا، يجب لفت الانتباه الى أن داعمي الحراك المعارض من خارج العراق، يتعاملون مع الذي يجري على أنه «ثورة عربية ضد الإسلام السياسي الشيعي وضد الاحتلال الفارسي». ولا يمكن للمرجعية حصر دورها واتصالاتها مع القوى الشيعية، بل تقع على عاتقها مسؤولية إدارة حوار منطقي وعادل مع سنّة العراق، الذين ارتفع منسوب الغضب لديهم جرّاء سياسة الإقصاء المنظمة التي قادها من تولى الحكم من شيعة العراق خلال السنوات الماضية، سيما أن السنّة اليوم يرون أن الفرصة مناسبة لخوض «معركة استعادة الحقوق» داخل الدولة وداخل دائرة القرار السياسي، بعدما تعرضوا للاستبعاد تارة بذريعة حل الجيش وتجديد المؤسسات، وتارة أخرى تحت تأثير قانون «اجتثاث البعث» الذي يقول مسؤول نافذ في الحكم العراقي إنه تحول الى قانون «اجتثاث السنّة» من الدولة.

الطفولية الثورية ودور الخارج

لكن الجانب الأكثر سلبية في المشهد العراقي، يتركز على كيفية تعامل الخارج مع الاحداث الجارية. والخارج هنا، فيه تيار قوي ينتمي فعلياً الى المحور الحليف للولايات المتحدة وسياساتها في المنطقة. ورغم وجود تناقضات داخل هذ الفريق في أماكن كثيرة، إلا أنه يمكن ملاحظة تطابق في المساعي لدفع العراق نحو الفوضى، بين القطريين والأتراك والسعوديين والإماراتيين، إضافة الى الدور الأمني والتحريضي الكبير الذي تقوده الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا في العراق. ولكل من هؤلاء أجندته وأهدافه، من الغرب الذي لا يريد قيام دولة في العراق، الى حكام الجزيرة العربية الذين انتقلوا الى موقع التخريب في كل الأمكنة، مروراً بقوى الاسلام السياسي السنّي، بتياراتها «المعتدلة» أو «السلفية» التي لا ترى في العراق سوى شيطان يحكم يجب التخلص منه بأي ثمن.

على ان السذاجة التي تخفي خبثاً وسوء نوايا لا سوء تقدير فقط، تجدها عند الذي يتعاملون مع الحدث العراقي على أنه مناسبة لتجديد الربيع العربي. هؤلاء الذين يجيدون نسج الروايات الخيالية عن القوى الثورية التي تقود الجماهير نحو تغيير ديموقراطي، هم أنفسهم الذين لا يزالون يسكنون الغرفة نفسها منذ عام 2011، ولا يريدون الإقرار بعدم صوابية ما نظّروا له في مصر وتونس وليبيا وسوريا واليمن. وهم أنفسهم الذين قرروا تقديم أولوية الصراع مع إيران على مواجهة الاحتلال الاسرائيلي. وهم الذين تنفق عليهم الاموال الطائلة لخلق رأي عام يسوده الخوف من كل حكم قائم.

الغريب في حسابات هؤلاء، ليس ما يقصدونه في ما يقولون، بل في تجاوزهم لحقائق ووقائع قاسية تخص العراق. هم يتجاهلون عمداً المآسي التي قامت خلال الحكم الاستبدادي لصدام حسين، ويتجاهلون حالة العوز والفقر التي سادت فئات كثيرة من الشعب العراقي خلال مرحلة تثبيت صدام لحكمه في بغداد. وهم يتجاهلون مسؤولية الغرب وعرب أميركا عن الحرب التي شنّها صدام ضد إيران وأدخلت العراق في أزمات لم يخرج منها. ثم هم يتناسون الجنون الذي أصاب الجميع يوم دخل صدام الى الكويت وما تلاها من حرب أميركية مدمرة، ظلت تحاصر العراق وتقتل أهله حتى يوم الغزو الكبير في العام 2003، عندما شرعت الولايات المتحدة وبريطانيا ومعهما حشد من حكومات وقوى وشخصيات عميلة في أكبر عملية تدمير لبنى الدولة العراقية. ثم هم يتجاهلون أن الحصار لم يرفع بصورة جدية بعد الحرب، وأن فترة الاحتلال الاميركي، وبروز التيارات التكفيرية المدمرة المدعومة من ممالك القهر في الجزيرة العربية، لعبت دوراً لا يقل خطورة عن دور السلطات الفاسدة التي تعاقبت على حكم بغداد خلال 15 سنة.

ومع كل هذه الوقائع، فإن غالبية الذين يتحدثون ويحرّضون ويكتبون عن الثورة الشعبية، ليس بينهم شخص واحد على صلة حياتية مباشرة بالناس المساكين في العراق، كما لم يكن لهم أي علاقة فعلياً بفقراء ومساكين سوريا واليمن وليبيا ومصر والسودان. لكن هؤلاء الذين يطلق عليهم وصف «النخب»، لا يزالون ينهلون من عطاءات شيوخ يتحكم فيهم الحقد والانانية والغرور، وهم يجلسون على عروش تعتاش من مقدرات الجزيرة العربية. وليس هناك اليوم ما يميز قطر عن الإمارات العربية أو الكويت أو السعودية. كلهم في العهر سواء!



السابق

اليمن ودول الخليج العربي.....مقتل 6 قيادات حوثية بارزة في الضالع وصعدة... وأسر اثنين في معقل الانقلابيين.....بوتين في السعودية اليوم.. توقيع اتفاقيات وتعزيز التعاون...منتدى سعودي ـ روسي اليوم لزيادة التعاون في مختلف المجالات....الجبير: الرياض وموسكو تعملان على تعزيز مصالحهما المشتركة..

التالي

مصر وإفريقيا...قمة مصرية ـ إثيوبية مرتقبة في روسيا لحلحلة أزمة «سد النهضة»....سيناء تشيّع 9 قتلى ضربت قذيفة «مجهولة» حافلتهم ...توقيف صحافيين مصريين ودعوات للإفراج عن نشطاء..غضب في الشارع الجزائري ضد قانون المحروقات واتهامات بـ "رهن" القطاع النفطي....تونس.. من هو قيس سعيد..المغرب: حزب معارض يدعو الحكومة لوضع ميثاق اجتماعي جديد...مقتل 5 شرطيين بهجوم مسلح في النيجر..

ملف خاص..200 يوم على حرب غزة..

 الأربعاء 24 نيسان 2024 - 4:15 ص

200 يوم على حرب غزة.. الشرق الاوسط...مائتا يوم انقضت منذ اشتعال شرارة الحرب بين إسرائيل و«حماس» ع… تتمة »

عدد الزيارات: 154,222,650

عدد الزوار: 6,941,074

المتواجدون الآن: 115