بعد انتقاد "هيومان رايتس" سحب الجنسية الأردنية من فلسطينيين..هي مشكلة 2700 فلسطيني أم أزمة شعب وهوية ؟

تاريخ الإضافة الأحد 7 شباط 2010 - 4:58 ص    عدد الزيارات 3650    القسم عربية

        


حظي تقرير منظمة "هيومان رايتس ووتش" الأميركية الأخير الذي انتقد سحب الحكومة الأردنية الجنسية من 2700 فلسطيني مدى أربع سنوات (2004- 2008) بمساحة واسعة من أحاديث الشارع الأردني، لم ينافسه فيها إلا حلول الزائر الأبيض (الثلج) وانتقاد تقارير المتنبئين الجويين طوال الأسبوع الماضي، ليطغى عليهما الخطأ الذي ارتكبته امس وزارة التربية والتعليم في إصدار بعض نتائج امتحانات الثانوية العامة (البكالوريا).
أحاديث الثلج تبخرت سريعا مع ذوبانه، ومشكلة الامتحان جرى حلها سريعا ايضاً، وهي على أهميتها ستأخذ من وقت الأردنيين يومين أو ثلاثة.
لكن موضوع سحب الجنسية سيعود مجددا، ليس بسبب مشكلة الألفين وسبعمئة، بل لأن وراءها مشكلة متجددة على قدمها، هي مسألة إشكالية الهوية المرتبطة بوجود نحو  ثلاثة ملايين فلسطيني على الأرض الأردنية، وخصوصا أن الخوض في هذه الإشكالية يعدّ من "المحرمات" على الصعيد الرسمي، وقد يتعرض من يناقشها علنا للاتهام بالإساءة إلى "الوحدة الوطنية" و"التحريض على إثارة الفتنة الإقليمية"، مهما حسنت نياته.
 هذا التحريم اوجد في الأردن لغات ثلاثاً (تدور في المجالس المغلقة): واحدة بين الأردنيين من أصل أردني، والثانية بين ذوي الأصول الفلسطينية، والأخيرة  في الحوارات بين الطرفين (مع أن أيا منهما لا يشكل مكونا يختلف عن الآخر حضاريا أو عرقيا  أو حتى جغرافياً، إلا إذا اعتبرنا السيل المقدس الذي يطلق عليه مجازا اسم "نهر" الأردن عائقا جغرافيا بين شرق الضفة وغربها".
 واللافت في الرد الحكومي، الذي جاء على لسان وزير الدولة لشؤون الإعلام والاتصال الناطق باسم الحكومة نبيل الشريف، أنه لم يجب عن التقرير، بل تحدث عن كونه مليئا بـ"مغالطات" لم يذكرها، واتهمه وواضعيه بأنه "مسيّس".
 ويصف الكاتب السياسي في "العرب اليوم" فهد خيطان رد الشريف  بأنه "جاء بتصريحات اتهامية خلت من أي رد واضح ومفصل على ما ورد في التقرير من توصيات واقتراحات ، على رغم أن التقرير مليء بالثغرات".
 وذهب الوزير الشريف إلى ابعد من ذلك عندما طالب "مؤسسات المجتمع المدني والقوى السياسية بالرد على هذه الافتراءات وإطلاق هبّة من الجميع ...". وهو ما جعل خيطان يرى أن الحكومة "وضعت نفسها في موقع دفاعي افقدها القدرة على الإقناع"، وطالبها بـ"الابتعاد عن الأسلوب التقليدي وأن تتعامل بلغة مقنعة وغير عدائية مهما كانت نيات الطرف الآخر".
 
 

 ارتباك

 هذا الارتباك الواضح في رد الحكومة الأردنية غير المدروس  لم يأت من فراغ، وإنما لأنها "لا تمتلك مشروعا وطنيا للتعامل مع البعد الديموغرافي للصراع  العربي مع إسرائيل، وقضية اللاجئين الفلسطينيين في الأردن"، كما يعتقد الباحث السياسي جمال طاهات. وهو ما يشاطره اياه الناشط الفلسطيني إبرهيم عجوة، أمين سر "فتح الانتفاضة" سابقا، الذي يرى أن المشكلة "ليست في 2700 فلسطيني سحبت جنسياتهم كما هو ظاهر وما يجري التركيز عليه حاليا"، وإنما هي في" 3 ملايين فلسطيني في الأردن مفروض عليهم التوطين".
 عجوة، الذي تنبه لـ "توقيت" إعلان التقرير في ظل المناخ الدولي السائد، اذ "بينما يتحدث عن حل القضية الفلسطينية، تخفت الأصوات عن حق العودة". وحذر في حديثه إلى "النهار" من أن ينتقل "خط المواجهة من أردني - فلسطيني ضد المشروع الصهيوني إلى مواجهة بين الأردني والفلسطيني". ويشرح ذلك بالقول: "عندما نغرق في مناقشات جانبية وفرعية حول حقوق مدنية مكتسبة لـ2700 شخص نكون اختزلنا المشكلة فيهم وتناسينا هوية وقضية ثلاثة ملايين فلسطيني في الأردن أخرجوا من ديارهم". 

 

 إشكالية الدولة والهوية

 ثمة جدلية تحكم المملكة الأردنية منذ نشوئها أتاحت في أحيان كثيرة اتهامها بأنها "كيان مصطنع".
هذه الجدلية تكمن في النظرة إلى أسباب نشوئها، فهي من وجهة نظر عربية (تبناها الهاشميون والأردنيون والأحرار العرب الذين لجأوا إلى شرق الأردن عقب سقوط الحكم الفيصلي في دمشق عام 1919) نقطة ارتكاز لإنشاء الدولة العربية الكبرى، بينما أراد الغرب أن تكون "منطقة عازلة"  بين الحواضر العربية آنذاك، وبين هذه الحواضر والكيان اليهودي الذي تشكل عام 1948.
وتنامي قوة هذا الجانب أو ذاك على حساب الآخر كانت في أحيان كثيرة رهناً بالأحداث الدولية وصراع القوى الإقليمية والدولية. لكن الأكيد أن الهاشميين والأردنيين كانوا مع الخيار الأول (خيار الوحدة). وكان أبرز تجليات هذا الخيار في مؤتمر "أم قيس" عام 1920، قبيل مجيء عبدالله بن الحسين مؤسس المملكة الأردنية الهاشمية إلى شرق الأردن.
في هذا المؤتمر الذي حضرته زعامات أردنية وسورية، ولبنانية من قضاء بنت جبيل، أعلن رفض وعد بلفور وبيع أي أرض لليهود ومنع الهجرة اليهودية إليها، ودعا المؤتمرون إلى تأليف حكومة عربية من الأردن والجولان وجنوب لبنان.
وبمجيء عبدالله بن الحسين والمفاوضات التي أجراها مع الانتداب البريطاني اتفق على تأسيس إمارة شرق الأردن، لتخرج بذلك من بنود وعد بلفور.
وعلى حلم الوحدة تأسست الدولة الأردنية. غير أن هذا الحلم أضر بالدولة عندما جرى ضم الضفة الغربية إليها، والتي كانت تحت حماية الجيش الأردني آنذاك، في ما عرف بـ"توحيد الضفتين" عام 1950 وبموجب هذه الوحدة، صار فلسطينيو الضفة أردنيين، وتاهت الهوية الفلسطينية، وتعمقت أزمة الدولة عندما أنشئت منظمة التحرير الفلسطينية في أواسط الستينيات لتنازع الأردن تمثيل الشعب الفلسطيني، إلى أن جرى عام 1988 فك الارتباط الإداري والقانوني بالضفة،  تمهيدا لجعل تمثيل الفلسطينيين  محصورا بمنظمة التحرير الفلسطينية.
وعليه، عاد الفلسطينيون في الضفة الغربية فلسطينيين، بينما بقي فلسطينيو الأردن محافظين على الجنسية الأردنية.
لكن تعليمات فك الارتباط الإداري مع الضفة الغربية لم تكن واضحة بصورة نهائية وبقيت حتى الآن مشوبة ببعض الغموض، مما أفسح في المجال لإعادة منح الجنسية لبعض سكان الضفة الغربية وحجبها عن آخرين.
 
 

 فلسطيني أم أردني؟

 غير أن مشكلة الفلسطينيين المقيمين على الأرض الأردنية ظلت قائمة، بقيت إشكالية الهوية التي أزّمت علاقتهم مع القضية ومع الدولة الأردنية ومع الأردنيين (شرق الضفة)، إذ برزت قضية "الولاء والانتماء": لمن الأولوية؟ للأردن ونظامه السياسي أم للهوية الفلسطينية؟
 إحدى الإجابات الفضلى تجلت في "الميثاق الوطني الأردني" الذي وضعه الأردنيون من مختلف المشارب والأصول والمنابت عام 1990، عندما أفرد فصلا كاملا للعلاقة الأردنية – الفلسطينية، إذ ركّز الميثاق على أن "الهوية العربية الفلسطينية هوية نضالية سياسية، وهي ليست في حالة تناقض مع الهوية العربية الأردنية ويجب ألا تكون، فالتناقض هو فقط مع المشروع الصهيوني الاستعماري.
 وكما ان الهوية الوطنية الفلسطينية هي نقيض للمشروع الصهيوني وتكافح من اجل هدمه، فان الهوية الوطنية الأردنية من هذا المنظور هي أيضا نقيض للمشروع الصهيوني وتحصين للأردن من مخططات الصهيونية ومزاعمها المختلفة . وبهذا المفهوم يصبح الأردن وفلسطين حالة عربية واحدة ، بنضالهما المشترك في التصدي للمخطط الصهيوني التوسعي ورفضهما الحازم لمؤامرة الوطن البديل".
 هذا ما يدعو إليه عجوة، وكذلك الطاهات، الذي كان واحدا من مطلقي "مبادرة الملكية الدستورية" العام الماضي، والتي ركزت في أحد أبرز مفاصلها على هذا الموقف.
 
 

 ما الحل؟

 يتفق عجوة والطاهات على أنه آن الأوان لتشكّل البعد السياسي الفلسطيني في الأردن.
كيف؟ يجيب عجوة عن هذا السؤال بأن "من حق الفلسطينيين، وهو واجب على الدولة الأردنية وعلى الفلسطينيين أنفسهم والأردنيين كذلك، التعاون معا لتشكيل جبهة العودة ليكون همها الأساسي الاشتباك مع المشروع الصهيوني، وكذلك الدفاع  في الوقت عينه عن الكيان السياسي والهوية الأردنيتين". ويشدد على أن الفلسطينيين "يجب ألا يسمحوا بمقايضة حقوق مدنية بالحقوق الأساسية (الدولة الفلسطينية وحق العودة)"، ويرى أن "أي تساهل في هذا الامر يصب في مصلحة العدو".
 ويلاحظ الطاهات أن الوجدان الفلسطيني، وكذلك الأردني، هما مع خيار المقاومة ومن يدافع عن الأرض، مستشهدا بالحالة التي أوجدتها الحرب الأخيرة على غزة.
وبينما يؤكد أن الشعب الأردني، كما كان تاريخيا، سيصطف مع خيار النضال الذي يحمي الهوية الفلسطينية والأردنية، يعتقد عجوة أن الفلسطيني إذا ما ارتكز إلى حالة واضحة تبقي على جذوة القضية، فسيكون أكثر مطمئنا (بقناعته) "ولن تكون هناك مشكلة تقلقه". 
 

عمان- من عمر عساف     


المصدر: جريدة النهار

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك..

 الأحد 24 آذار 2024 - 2:34 ص

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك.. الحرة – واشنطن.. منذ السابع من… تتمة »

عدد الزيارات: 151,172,325

عدد الزوار: 6,758,777

المتواجدون الآن: 119