حراسها «أمناء» وجدرانها خشبية ومداخلها «أعين»

تاريخ الإضافة السبت 24 كانون الثاني 2009 - 9:25 ص    عدد الزيارات 5112    القسم عربية

        


رفح (قطاع غزة) - حازم الأمين 

 الرجل الواقف على مدخل النفق في المنطقة الحدودية بين رفح الفلسطينية ورفح المصرية، قال ان ما بقي من الأنفاق العاملة، بعد تعرض شبكتها للقصف الإسرائيلي ليس اكثر من 15 نفقاً، علماً ان الأضرار متفاوتة بين تدمير كامل وتصدع وأضرار باشر أصحابها بترميمها.  
على الجانب الآخر من الحدود تقع «الأعين» المصرية لأنفاق رفح، وهي هناك أقل إعلاناً عن نفسها من الجانب الفلسطيني، اذ ان للأنفاق في المنطقة الفلسطينية من رفح خيماً بيضاً تغطيها، ومعدّات كثيرة منتشرة في محيط «العين». وعلى امتداد اكثر من ثلاثة كيلومترات من اصل الحدود الفلسطينية - المصرية، البالغة نحو 14 كيلومتراً، تنتشر على الجانب الفلسطيني تلك الخيم البيض وتحتها يعمل مَنْ يسمونهم في رفح «أصحاب الخطوط» الذين يتولون نقل البضائع المختلفة من مصر الى قطاع غزة.
الأنفاق فلسطينية وليست مصرية، على رغم ان لها «عيوناً» في الجانب المصري، وعلى رغم أن لكل «عين» في مصر «أميناً» مصرياً يستفيد من خدمته في حراسة «العين» وفي نقل البضائع اضعاف ما يستفيد الفلسطيني، كما قال «صاحب الخط» الفلسطيني لـ «الحياة».
النفق فلسطيني وليس مصرياً، لأن من يحفره هو «الأمين» الفلسطيني الذي يأتي بعمال محترفين، يجيدون تحديد الاتجاهات فيبدأون بالحفر من الجهة الفلسطينية، ويبلغ عمق الحفرة من «عين النفق» الى قعره عمودياً نحو 15 متراً، ثم يبدأون بالحفر أفقياً باتجاه الأرض المصرية مستعملين ادوات كهربائية، فيما يتولى عمالٌ مهمة نقل الأتربة والرمال الناجمة عن الحفر الى خارج النفق المغطى بالخيمة البيضاء. ويستمر الحفر لمسافة تراوح بين 300 و1500 متر.
وهناك في الجانب المصري يكون «الأمين» المصري منتظراً وصول الحفّارين الى النقطة المتفق عليها، والتي يجيد الحفّارون الفلسطينيون الوصول اليها وفق خرائط ترسم أثناء تصميم خريطة النفق، وغالباً ما تكون «العين المصرية» من النفق محددة داخل منزل، لأن الرقابة الأمنية المصرية تفترض قدراً من الخفر في عملية بناء الأنفاق. وطور «المؤنفقون» في رفح، تقنيات نقل عبر الأنفاق استعملوا خلالها سككاً حديداً تندفع عليها عربات داخل الأنفاق محمّلة بالبضائع الثقيلة، وتسرّع عملية نقلها، وهي تعمل كهربائياً من خلال مولدات صغيرة.
الأنفاق المتضررة بالقصف الإسرائيلي العنيف لشريط الأنفاق في رفح تراوح بين سبعمئة وألف نفق، كما يؤكد اصحاب «الخطوط» الذين نكبتهم الغارات. فكلفة النفق الواحد قد تصل الى نحو مئة الف دولار، وبعض الفلسطينيين يملك عينين في دارته، احداهما للمواد الغذائية والثانية للماشية، علماً ان الأنفاق تبنى استناداً الى تصور مسبق لنوع الوظيفة التي ستؤديها. وهي متفاوتة الكلفة بحسب طولها وعمقها ومساحتها ونوع التربة، خصوصاً ان ثمة مساحات واسعة على الحدود لا تصلح لاختراقها بالأنفاق بسبب نوع تربتها، ما يفسر اقتصار منطقة الأنفاق على طول 3 كيلومترات فقط.
ورغم ما اثارته ظاهرة الأنفاق، من التباس في العلاقات المصرية والإسرائيلية والفلسطينية، فهي تشكل الرئة الوحيدة التي يتنفس منها القطاع. لا شيء في غزة وأسواقها وفنادقها ومنازلها إلا وهُرِّب عبر الأنفاق. وتهريب السلاح قد يكون هامشياً في نشاطات أصحاب «الخطوط»، وهو من دون شك ليس مهمة أصحابها «التقليديين»، الذين يتولون عبر انفاقهم «المدنية» تزويد القطاع بكل ما يحتاجه من سلع على الإطلاق، بدءاً بحفاضات الأطفال، مروراً بالسلع الغذائية وصولاً الى المحروقات. لا شيء يصل الى غزة الا عبر هذه الأنفاق، وثمة قاموس كامل موازٍ لأسماء السلع يستعمله اصحاب «الخطوط» في كلامهم على أنفاقهم.
شبكة الأنفاق اليوم متصدعة، وما ينقله هؤلاء اليوم منها، هو ما كان عالقاً فيها أثناء قصفها، أو ما يمكن الوصول اليه من هذه البضائع بعدما تحطمت الجدران الهشة. وهناك أخطار فعلية يتعرض لها هذه الأيام المغامرون بالنزول الى الأنفاق المتصدعة، وهي على كل حال أخطار مشابهة لتلك التي تعرضوا لها أثناء حفرها. إذ مات اكثر من 50 مواطناً من القطاع نتيجة انهيار الأنفاق أثناء حفرها العام الماضي، عام ازدهارها وتعاظم أعدادها.
الدمار في منطقة الأنفاق في رفح هو ذروة الدمار في قطاع غزة كله، والمساحات الترابية التي تفصل طرفي الحدود هي اليوم بمثابة حفر يختلط فيها التراب بالأخشاب التي كانت تسند جدران الأنفاق.
الرجل صاحب النفق قال ان الخسائر هنا تفوق خسائر المباني المدمرة في محيطه. واختتم بلغة يختلط فيها الغضب بـ «شطارة» المهرّب: «لن نستسلم... سنعيد بناءها قريباً، فهي مصدر حياة سكان القطاع كله».


المصدر: جريدة الحياة

ملف الصراع بين ايران..واسرائيل..

 الخميس 18 نيسان 2024 - 5:05 ص

مجموعة السبع تتعهد بالتعاون في مواجهة إيران وروسيا .. الحرة / وكالات – واشنطن.. الاجتماع يأتي بعد… تتمة »

عدد الزيارات: 154,044,088

عدد الزوار: 6,932,082

المتواجدون الآن: 89