من حقيبة "النهار" الديبلوماسية

تقرير أوروبي: لا أزمة حكم خطرة في لبنان المعارضة اللبنانية في مأزق والتعطيل ليس انتصاراً

تاريخ الإضافة الجمعة 21 آب 2009 - 7:14 ص    عدد الزيارات 3260    القسم دولية

        


أكد تقرير جديد أعده فريق ديبلوماسي أوروبي ورفعه الى حكومته ان لبنان ليس مهددا بأزمة حكم خطرة يمكن ان تؤدي الى انفجار الاوضاع الامنية فيه، بل يواجه أزمة سياسية معقدة تخضع لضوابط داخلية وخارجية تحد من انعكاساتها المدمرة لكنها تؤدي الى عرقلة تشكيل حكومة وحدة وطنية جديدة برئاسة سعد الحريري في هذه المرحلة. وهذه الازمة ناتجة من العوامل الاساسية الثلاثة الآتية:
أولا: المعارضة اللبنانية تواجه مأزقا حقيقيا ناتجا من خياراتها الداخلية والخارجية ومن أولوياتها المرفوضة من الغالبية الواسعة من اللبنانيين، وهي تبحث عن دور لها يتجاوز دور الاقلية التي أفرزتها نتائج انتخابات السابع من حزيران الماضي ويمكن ان يشكل تعويضا لهزيمتها السياسية في هذه الانتخابات.
ثانيا: نظام الرئيس بشار الاسد لم يتقبل بشكل كامل الاستقلال اللبناني وحق اللبنانيين المشروع والمعترف به دوليا وعربيا في التمتع بقرارهم السيادي الحر، بل انه لا يزال يتعامل مع لبنان على أساس انه ورقة مساومة ومقايضة في يديه، يساعده في ذلك حلفاؤه. ويحاول نظام الاسد بوسائل مختلفة استغلال الانفتاح الاميركي والفرنسي والسعودي المشروط عليه لتعزيز دوره ونفوذه  في الساحة اللبنانية، لكن هذه المحاولات تصطدم برفض سائر الدول البارزة والمؤثرة لها، وهو ما يعقّد او يؤجل تسوية عدد من المشاكل والملفات في لبنان.
ثالثا: النظام الايراني "لا يزال حيا" وهو يرفض انهاء دور لبنان كساحة مواجهة مفتوحة مع اسرائيل تخدم مصالحه ومصالح سوريا، ولذلك يساند بشكل كامل كل ما يعزز موقع "حزب الله" وحلفائه وما يجعل هذا الحزب يحتفظ بسلاحه وبقرار الحرب خارج سلطة الدولة. وهذا ما يساهم في تعقيد عملية تشكيل الحكومة الجديدة بصورة غير معلنة"، هذا ما كشفته لنا مصادر ديبلوماسية أوروبية وثيقة الاطلاع في باريس وأوضحت ان هذا التقرير الديبلوماسي استند الى معلومات خاصة حصل عليها واضعوه من بيروت ودمشق وطهران وعواصم أخرى. وذكر التقرير أن النظامين السوري والايراني يساهمان الى حد كبير في تعقيد عملية تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة ولكن ليست لديهما حاليا أي مصلحة في تفجير الاوضاع الامنية في لبنان او تكرار تجربة 7 ايار 2008 لأن ذلك سينعكس سلبا على الحوار السوري – الاميركي – العربي وعلى المعركة التي تخوضها الجمهورية الاسلامية مع الدول الكبرى بشأن برنامجها النووي في الوقت الذي تواجه اوضاعا داخلية بالغة الصعوبة.
وشدد التقرير على ان المعارضة اللبنانية تواجه مأزقا حقيقيا ناتجا من الامور الاساسية الآتية:
أولا: المعارضة تريد ان تتمتع بدور سياسي أكبر من الدور الذي منحها اياه الناخبون إذ أنهم أبقوها كأقلية. وتعتمد المعارضة فعلا، لمحاولة تضخيم حجم دورها على سلاح "حزب الله" القابل للاستخدام في الداخل وعلى تحالفها مع المحور السوري – الايراني الذي يلجأ، حين تسنح له الظروف، الى زعزعة الامن والاستقرار في لبنان وساحات أخرى لمحاولة تأمين مصالحه وتحقيق أهدافه. لكن التجربة أثبتت فشل هذا الرهان، اذ أن استخدام السلاح في الداخل أتاح للمعارضة، مؤقتا، امتلاك الثلث المعطل في حكومة فؤاد السنيورة التي تشكلت نتيجة اتفاق الدوحة، لكن المعارضة دفعت ثمن خيارها العسكري هذا، اذ انها خسرت الانتخابات مما أدى الى انتهاء مفعول الثلث المعطل.
ثانيا: المعارضة ليست قادرة، لأسباب مختلفة داخلية وخارجية، على ان تحسم المعركة السياسية لمصلحتها بالوسائل العسكرية، وعلى أن تتسلم الحكم بقوة السلاح لأن ذلك يهدد لبنان بأخطار كبرى منها داخليا الحرب الاهلية التي يخسر فيها الجميع، ومنها خارجيا الحرب المدمرة مع اسرائيل التي ترفض تحول هذا البلد قاعدة عسكرية مدججة بالصواريخ ومرتبطة كليا بايران وحلفائها في حال سيطر "حزب الله" عليه. كما أن لجوء المعارضة الى الخيار العسكري في الداخل ليس قرارا تستطيع أن تتخذه وحدها بل هي تحتاج الى موافقة سوريا وايران عليه، ولهاتين الدولتين حسابات اقليمية ودولية مختلفة عن حسابات حلفائها، مما يحد من فاعلية استخدام سلاح "حزب الله" في الصراع السياسي الداخلي.
 

التعطيل ليس انتصارا

ثالثا: أثبتت المعارضة، من خلال أعمالها وممارساتها خلال السنوات الاربع الماضية،  انها قوة معطلة وليست قوة بناءة. فالمعارضة تملك قدرة على التعطيل، ولكن لم تثبت فعلا انها تملك قدرة على البناء وعلى نقل لبنان من موقعه الحالي الى موقع متقدم افضل. وتحاول المعارضة الايحاء لانصارها ولخصومها معا ان مجرد امتلاكها القدرة على التعطيل وعلى استخدام السلاح والعنف يؤمن لها انتصاراً سياسياً، ويحسّن بالتالي موقعها التفاوضي مع الافرقاء الآخرين. لكن هذا التصور ليس صحيحاً. ذلك ان التعطيل ليس انتصارا، اذ ان سياسة التعطيل لم تحقق للمعارضة ولقاعدتها الشعبية وللوطن مكاسب وانجازات حقيقية، بل زادت من حدة الاحتقان السياسي والطائفي، كما ساهمت في تعقيد الاوضاع واوصلت البلد الى حافة الحرب الاهلية، وجعلت المعارضة تخسر الانتخابات النيابية التي كانت تعلق عليها آمالا كبيرة، كما جعلتها تفقد القدرة على اقناع الغالبية الكبرى من اللبنانيين بصواب خياراتها وصحة مواقفها.
رابعا: المعارضة بقيادة "حزب الله" تعطي الاولوية لخدمة مشروعها الاقليمي وليس لخدمة مصالح اللبنانيين الحيوية او لتأمين الاستقرار والسلم الداخلي في البلد ومشروع المعارضة الاقليمي يشمل إضعاف الاستقلاليين الى اقصى حد، وانهاء الحماية الدولية والعربية للبنان المستقل، والعمل على تأمين مصالح سوريا وايران، على اساس ان ذلك يخدم مصالحها وابقاء لبنان قاعدة انطلاق لمواجهة عسكرية مع اسرائيل قد تنفجر نتيجة قرار سوري او ايراني، او وفقا لما يقرره الاسرائيليون في اطار تعاطيهم مع الملف النووي الايراني. وقد اكد اللبنانيون في غالبيتهم الواسعة رفضهم مشروع المعارضة الاقليمي هذا في الانتخابات الاخيرة بتأمينهم فوز القوى الاستقلالية فيها. ولو ان المعارضة كانت تريد فعلا اعطاء الاولوية لتأمين مصالح اللبنانيين الحيوية لكان "حزب الله" وضع سلاحه في تصرف الجيش وتخلى عن قرار الحرب لمصلحة الدولة، كما هي الحال في كل دول العالم، وخصوصا ان اي حرب مع اسرائيل تمس وتعني جميع اللبنانيين وليس فقط الحزب وحده، مما يتطلب مشاركة الجميع في اتخاذ قرار الحرب والسلم.
خامسا: المعارضة تملك مشروع حرب وليس مشروع سلام. فالمعارضة تدعم، موحدة وبكل مكوناتها، مشروع "حزب الله" القاضي بتعزيز المقاومة المسلحة وضمان استقلالها عن الدولة عسكريا وتنظيميا، وتأمين الاستعداد الكامل للمواجهة مع اسرائيل بقرار يتم اتخاذه بالتنسيق مع دمشق وطهران وليس مع السلطة الشرعية اللبنانية. ويرفض "الحزب في هذا المجال الاقتداء بالتجربة السورية بل يريد اعطاء لبنان دوراً عسكريا اكبر واخطر من الدور الذي تقوم به سوريا. اذ ان نظام الاسد اختار منذ عام 1974 استراتيجية الحوار والتفاوض مع اسرائيل لاستعادة الجولان المحتل وليس استراتيجية الحرب معها. والخيار الديبلوماسي السلمي هو الذي يحمي لبنان من دمار هائل واخطار جسيمة. فالمعارضة، اذن، تملك مشروع حرب وليس مشروع سلام، وليس لديها ايضا مشروع موحد متفق عليه بين مختلف اطرافها لتطوير النظام اللبناني ولإيجاد صيغة جديدة لتقاسم السلطة بين المسلمين والمسيحيين بدلا من صيغة الطائف، ولإنشاء تركيبة حكم جديدة افضل من تركيبة الحكم الحالية، وللتقدم باقتراحات وحلول قابلة للتطبيق من اجل تحسين الاوضاع اللبنانية وتطويرها. ولذلك تفتقر حملات المعارضة على الغالبية الى الصدقية لان المعارضة لم تثبت انها افضل من الغالبية لادارة شؤون البلد، بل اثبتت نقيض ذلك واللبنانيون يدركون هذا الامر في غالبيتهم الواسعة.
 

المعارضة وجنبلاط

ويطرح التقرير الاوروبي السؤال الآتي: هل ان المعارضة تريد المساهمة فعلا في تشكيل حكومة وحدة وطنية برئاسة سعد الحريري؟
وجاء في التقرير، ردا على هذا السؤال: "لان المعارضة تتصرف حاليا كأنها ليست راغبة في الدخول في شراكة حقيقية مع الغالبية تقوم على التعاون الصادق وليس على العداء المستمر، وتؤدي الى تشكيل حكومة وحدة وطنية معها تحترم في وقت واحد الدستور والنظام الديموقراطي ومتطلباته وصيغة العيش المشترك وارادة الناخبين الذين منحوا ثقتهم واصواتهم في الانتخابات الاخيرة للقوى الاستقلالية التي يمثلها فريق 14 آذار وحلفاؤه وجعلوا من هذه القوى الغالبية النيابية والشعبية. ذلك ان الدستور ينص صراحة ليس فقط على ضرورة احترام ميثاق العيش المشترك، بل ينص ايضاً على ان "الشعب مصدر السلطات وصاحب السيادة يمارسها عبر المؤسسات الدستورية"، مما يعني ان مخالفة قرار الشعب تشكل انتهاكاً للدستور، وان استخدام اي فريق وسائل اخرى لفرض مطالبه خارج اطار المؤسسات الدستورية يشكل ايضاً انتهاكاً للدستور".
واضاف التقرير: "ان الشراكة الوطنية الحقيقية تتطلب من المعارضة ان تتقبل وجود غالبية اختارها الشعب وتتمتع بحقوق وصلاحيات دستورية وسياسية واضحة، مما يعني الامتناع عن استغلال رغبة هذه الغالبية في تشكيل حكومة وحدة وطنية مع المعارضة، وفي الحفاظ على السلم الاهلي من اجل فرض شروط تعجيزية او متناقضة مع الدستور ومع ارادة الشعب عليها، ومما يعني ايضاً الامتناع عن التعامل مع عملية تشكيل الحكومة وكأن المعارضة هي التي فازت في الانتخابات. فالمعارضة تعطي الانطباع بأنها تريد خوض معركة مستمرة مع الغالبية ومحاولة تسجيل الانتصار عليها، اياً يكن الثمن، وان ادى ذلك الى تعطيل الحياة السياسية او احداث شلل فيها لفترة زمنية طويلة، مما ستكون له انعكاسات سلبية للغاية على اللبنانيين عموماً".
واكد التقرير "ان المعارضة تبدو، من خلال اعمالها وقراراتها، انها ليست راغبة في التعايش السلمي مع الغالبية وادارة شؤون البلد معها في اطار حكومة وحدة وطنية، بل تريد مواصلة العمل على اضعافها وتقليص نفوذها وتأثيرها والثأر من نتائج الانتخابات ومحاولة تغيير قواعد اللعبة الديموقراطية بقرار منها وحدها من خلال التمسك بمطالبها وشروطها المتشددة او التعجيزية، وقد ظهر بوضوح من طريقة تعامل المعارضة مع مواقف رئيس "اللقاء الديموقراطي" وليد جنبلاط الاخيرة، إذ ان ما تريده هذه المعارضة ليس تعزيز التقارب والتفاهم والمصالحة الوطنية بين الافرقاء اللبنانيين كما يتمنى جنبلاط وآخرون، بل انها تريد تفكيك الغالبية واضعافها. كما تريد اضعاف الرئيس ميشال سليمان الاستقلالي التوجهات، وفي النهاية اضعاف جنبلاط نفسه. ولذلك رحبت المعارضة بانفتاح جنبلاط الجديد عليها واعطته تفسيرات منسجمة مع اهدافها. فرأت ان فريق 14 آذار انتهى، لكنها في الوقت نفسه انزعجت ضمناً من اصرار جنبلاط على البقاء ضمن الغالبية، وعلى مواصلة التحالف الوثيق مع الحريري، وعلى التمسك بخياره الاستقلالي السيادي وعلى دعمه الرئيس سليمان".
وشدد التقرير على ان "مسؤولية تشكيل حكومة وحدة وطنية يتحملها جميع الافرقاء وليس فقط الحريري او الغالبية. ولذلك فإن المعارضة ستعاقب ذاتها وقاعدتها الشعبية واللبنانيين عموماً اذا ما رفضت انفتاح الغالبية عليها وتمسكت بمطالب متشددة كإصرارها على امتلاك حصة في الحكومة اكبر مما يحق لها وفقاً لنتائج الانتخابات وللدستور. فالمعارضة أقلية وليست لديها صلاحية دستورية لان تفرض على الغالبية مطالب تتناقض مع كونها اقلية. وستكون المعارضة، حينذاك، هي المسؤولة امام الرأي العام اللبناني والاقليمي والدولي عن فشل الجهود لتشكيل حكومة وحدة وطنية جديدة".

بقلم عبد الكريم أبو النصر

 



المصدر: جريدة النهار

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك..

 الأحد 24 آذار 2024 - 2:34 ص

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك.. الحرة – واشنطن.. منذ السابع من… تتمة »

عدد الزيارات: 151,099,486

عدد الزوار: 6,752,651

المتواجدون الآن: 102