أوباما يرفض الاجتماع بالأسد واشنطن: سوريا ليست صديقة لنا وسياساتها خطرة

تاريخ الإضافة الجمعة 2 تشرين الأول 2009 - 1:57 م    عدد الزيارات 3623    القسم دولية

        


"المسؤولون الاميركيون منزعجون ومستاؤون من نظام الرئيس بشار الاسد لان هذا النظام اساء التعامل مع الانفتاح الاميركي المشروط عليه واراد استغلاله لمحاولة تحقيق مطالب واهداف ترفضها ادارة الرئيس باراك اوباما وتتعلق بلبنان والعراق وفلسطين والمنطقة عموما. والرئيس الاسد يشعر بدوره بانزعاج من الادارة الاميركية لانها رفضت تلبية مطلبين اساسيين قدمهما لها، احدهما يتضمن عقد قمة بينه وبين اوباما، لان الادارة الاميركية تستخدم الملفات الاقليمية للضغط عليه وليس للاستجابة لمطالبه، ولانها تتجاهل الى حد كبير الدور السوري على صعيد عملية السلام وتعتمد على ادوار دول عربية اخرى، ولانها تضع لبنان في صلب حوارها مع دمشق وتحمّل النظام السوري المسؤولية الاولى في منع تشكيل حكومة وحدة وطنية برئاسة سعد الحريري. كما ان ادارة اوباما، وفقا للاسد، تتضامن بصورة غير معلنة مع القيادة العراقية التي تريد تدويل نزاعها مع النظام السوري وتؤيد مطالب بغداد الداعية الى انهاء دور سوريا قاعدة خلفية اساسية للنشاطات والاعمال المعادية للنظام العراقي".
هذا ما كشفته لنا مصادر ديبلوماسية اوروبية في باريس وثيقة الاطلاع على تطور العلاقات الاميركية – السورية التي انتقلت من مرحلة "الانفتاح الاميركي الواعد" الى مرحلة "التأزم الصامت وخيبة الامل المتبادلة". واوضحت "ان نظام الاسد لم يفهم معنى انفتاح ادارة اوباما عليه واهدافه وأبعاده، ذلك انه يتصرف حتى الآن، وعلى رغم زيارات عدة قامت بها وفود اميركية سياسية وديبلوماسية وعسكرية وأمنية الى دمشق خلال الاشهر الاخيرة، على اساس ان هذا الانفتاح يؤمن شرعية اميركية ودولية للمطالب والسياسات السورية الاقليمية. وهذا يتناقض كليا مع الواقع والحقائق، اذ ان ادارة اوباما تريد استخدام الحوار المباشر والصريح مع نظام الاسد لإفهامه ان سياساته خاطئة وخطرة وتلحق أضرارا بسوريا وبدول اخرى، ولإقناعه بان المصالح الحيوية لبلده تتطلب تغييرات جذرية وحقيقية وليس شكلية في مواقف الاسد وتوجهاته حيال العراق ولبنان وفلسطين وايران وفي طريقة تعامله مع عملية السلام الفلسطينية – الاسرائيلية وملف النزاع العربي – الاسرائيلي عموما".
 

لا قمة بين أوباما والأسد

وأكد ديبلوماسي غربي بارز معني مباشرة بملف العلاقات الاميركية – السورية "ان المسألة الاساسية في هذه العلاقات هي ان ادارة اوباما ترفض رفضا واضحا وحازما كل المطالب والاعمال السورية المتعلقة بلبنان والعراق وفلسطين والمنطقة عموما وهي لن تقبل ان يستغل نظام الاسد حوارها معه لمحاولة تحقيق هذه المطالب. وفي رأي ادارة اوباما ان سياسات الاسد وممارساته السلبية المستمرة في لبنان ليست مشروعة اطلاقا لانها تهدف الى تهديد استقلال هذا البلد وإضعافه كدولة ومؤسسات ومجتمع من الداخل وبالتعاون مع حلفائه من اجل دفع واشنطن الى عقد صفقة مع دمشق يحصل بموجبها النظام السوري على تفويض اميركي – دولي لادارة شؤون هذا البلد. وهذا المطلب السوري مرفوض كليا لدى ادارة اوباما التي ترفض ايضا عقد اي صفقة مع نظام الاسد في شأن المحكمة الخاصة بلبنان تؤمن الحماية لمسؤولين سوريين يمكن ان يتهمهم المدعي العام للمحكمة بالتورط في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه.


 

وكشف هذا الديبلوماسي الغربي ان الانزعاج الاميركي من استمرار التدخل السوري السلبي والخطر في الشؤون اللبنانية، خلافا للوعود التي قطعتها دمشق للاميركيين، دفع ادارة اوباما الى اتخاذ ثلاث خطوات محددة هي الآتية:


 

اولا – توجيه انذار ديبلوماسي مباشرة وعبر طرف ثالث الى نظام الاسد مفاده ان تحسن العلاقات الاميركية – السورية مرتبط الى حد كبير بوقف كل الاعمال والممارسات السورية السلبية والخطرة التي تهدد لبنان ومرتبط كذلك بالعمل الجدي على اقامة علاقات طبيعية معه كدولة مستقلة بدءا بتسهيل تشكيل حكومة وحدة وطنية وترسيم الحدود بين البلدين وتأكيد لبنانية منطقة شبعا رسميا وخطيا.


 

ثانيا – التباطؤ بصورة غير معلنة في تعيين سفير اميركي جديد في دمشق.


 

ثالثا – تجميد اي اتصال اميركي رفيع المستوى بالقيادة السورية الى ان يتم تنفيذ المطالب الاميركية المتعلقة بلبنان والمدعومة فرنسيا ودوليا وعربيا على نطاق واسع، وابقاء الملف اللبناني بندا رئيسيا في اي حوار اميركي – سوري مقبل. وفي هذا الاطار حرص المبعوث الاميركي الخاص الى الشرق الاوسط جورج ميتشل على زيارة لبنان خلال جولته الاخيرة في المنطقة، لكنه امتنع عمدا عن زيارة دمشق التي زارها مرتين في الاسابيع الاخيرة من غير ان يتوصل الى اي تفاهم محدد مع الاسد على اي قضية من القضايا المطروحة.


 

وفي هذا المجال افادت مصادر ديبلوماسية اوروبية وثيقة الاطلاع ان الاسد يريد ان يتوصل الى تفاهمات محددة على القضايا المطروحة مع اوباما شخصيا وليس مع مبعوثيه ويرغب في ان يتعامل معه الرئيس الاميركي كما يتعامل مع قادة عرب بارزين كالملك عبدالله بن عبد العزيز والرئيس حسني مبارك والملك عبدالله الثاني وزعماء دول عربية اخرى تتميز سياساتها بالاعتدال وتربطها علاقات جيدة بالولايات المتحدة والمجتمع الدولي. وعلى هذا الاساس ابدى الاسد رغبة في الاجتماع بأوباما في نيويورك على هامش انعقاد الجمعية العمومية للامم المتحدة في دورتها الحالية. ونقلت هذه الرغبة السورية الى اوباما عبر اتصالات مباشرة سورية – اميركية احيطت بالكتمان، وكذلك عبر طرف ثالث. لكن الرئيس الاميركي رفض الاجتماع بالاسد في نيويورك او في اي مكان آخر وذلك لثلاثة اسباب اساسية هي:


 

اولاً - ان الحوار الاميركي – السوري لم يحرز اي تقدم حقيقي ولم يحقق النتائج الملموسة التي تسمح بتحسين العلاقات بين واشنطن ودمشق.


 

ثانيا – إن اوباما ليس مستعدا للاجتماع بالاسد او لاجراء محادثات مباشرة معه في شأن القضايا ذات الاهتمام المشترك كما يفعل مع زعماء عرب آخرين ما لم ينفذ النظام السوري مجموعة من المطالب الاميركية الاساسية المتعلقة بلبنان والعراق وفلسطين وبالنزاع مع اسرائيل وبمسار العلاقات السورية – الايرانية.


 

ثالثا – ترى الادارة الاميركية ان سوريا في عهد الاسد ليست دولة صديقة للولايات المتحدة ولم تظهر حتى الآن اي استعداد حقيقي للمساهمة في تعزيز الامن والاستقرار والسلام في الساحات الاقليمية الساخنة وان من الافضل ان يتم التوصل اولا الى تفاهمات بين المبعوثين الاميركيين والرئيس السوري على القضايا العالقة قبل التفكير جديا في عقد قمة بين رئيسي البلدين. ونتيجة لموقف اوباما الرافض الاجتماع به امتنع الاسد عن التوجه الى نيويورك للمشاركة في اعمال الجمعية العمومية للامم المتحدة كما فعل زعماء آخرون كالرئيس ميشال سليمان الذي التقى اوباما وعددا من رؤساء الدول العربية والاجنبية. وفي السياق ذاته رفضت هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الاميركية الاجتماع بوليد المعلم وزير الخارجية السوري الذي تباحث مع بعض مساعديها.



 

الوساطة الفرنسية

وقال ديبلوماسي غربي مطلع "ان المسؤولين الاميركيين يواصلون الحوار مع المسؤولين السوريين لتحقيق اهداف ادارة اوباما، لكنهم يرفضون التسريبات السورية التي تعطي الانطباع ان الادارة الاميركية صارت راضية عن سياسات نظام الاسد. وهذا يتناقض كليا وحقائق الامور، ذلك ان الصفحة الجديدة لم تفتح بين سوريا واميركا كما ان الخلافات لا تزال عميقة ومتعددة بين البلدين على مختلف القضايا المطروحة والقلق الاميركي من الدور السوري الاقليمي لا يزال كبيرا".


 

وضمن هذا الاطار رفضت واشنطن طلبا آخر قدمه الرئيس السوري. فقد اكد ديبلوماسي غربي مطلع "ان الاسد طلب من ادارة اوباما ارسال الجنرال ديفيد بترايوس قائد القيادة المركزية الاميركية والمسؤول الاول عن القوات الاميركية في الشرق الاوسط، الى دمشق كي يناقش مع الرئيس السوري مباشرة قضايا المنطقة عموما ومسار الاوضاع في العراق خصوصا وسبل تعزيز التعاون الامني والاستخباري بين البلدين. لكن ادارة اوباما رفضت تلبية هذا الطلب على اساس ان الوقت لم يحن بعد لقيام الجنرال بترايوس بزيارة سوريا على رغم انه زار لبنان. وبدلا من ذلك اوفدت الادارة الاميركية الى دمشق وفدين عسكريين وامنيين تقنيين خلال الاسابيع الاخيرة ناقشا خصوصا مع المسؤولين السوريين الاوضاع في العراق وضرورة التوصل الى تفاهمات وآليات محددة اميركية – سورية – عراقية تضع حدا نهائيا لاستخدام الجهاديين المرتبطين بتنظيم "القاعدة" ومجموعات من العناصر العراقية المعادية للنظام في بغداد الاراضي السورية ساحة انطلاق لنشاطاتها ولتنفيذ عمليات ارهابية وتخريبية في الساحة العراقية، لكن زيارتي هذين الوفدين لدمشق لم تحققا اي نتائج ملموسة ولم يتم التوصل خلالهما الى تفاهم محدد في موضوع العراق. وتمّت هاتان الزيارتان قبل تفجيرات الاربعاء الدامي التي شهدتها بغداد يوم 19 آب الماضي وادت الى وقوع اكثر من مئة قتيل و600 جريح واستهدفت وزارتي الخارجية والمال ومؤسسات حكومية اخرى، ودفعت الحكومة العراقية الى شن حملة عنيفة على نظام الاسد واتهامه بالتورط في هذه التفجيرات وبايوائه الجهاديين والعناصر المعادية للنظام في بغداد، كما دفعتها الى اللجوء الى مجلس الامن لتدويل النزاع مع سوريا. وقال هذا الديبلوماسي الغربي إن المسؤولين السوريين طلبوا من ادارة اوباما التدخل لدى الحكومة العراقية لوقف حملاتها عليهم واتهاماتها لهم ولتجميد اي مسعى لنقل ملف النزاع العراقي – السوري الى مجلس الامن. لكن الادارة الاميركية رفضت هذا الطلب السوري، بل نصحت المسؤولين السوريين بالعمل على تلبية المطالب العراقية لانها "مشروعة" وتلقى دعما من واشنطن، خصوصا انها تهدف الى وضع حد نهائي لكل النشاطات والاعمال المعادية للعراق والمنطلقة من الاراضي السورية. واكد المسؤولون الاميركيون لنظام الاسد، وفقا لما قاله هذا الديبلوماسي الغربي، "انه اذا اراد النظام السوري تجنب تدويل نزاعه مع العراق فيجب ان يتوقف عن انكار الحقائق وان يتعاون عوض ذلك مع المسؤولين العراقيين لوقف كل الاخطار والتهديدات التي تستهدف العراق، خصوصا ان الادارة الاميركية اثارت مع القيادة السورية مرارا المطالب العراقية ذاتها ولم تستجب".


 

وفي هذا المجال، اعلنت مصادر ديبلوماسية اوروبية وثيقة الاطلاع في باريس ان المسؤولين السوريين طلبوا سرا وساطة الرئيس نيكولا ساركوزي لدى اوباما وتمنوا عليه ان يقنع الرئيس الاميركي بتنشيط عملية الحوار والتقارب بين واشنطن ودمشق وبدء العمل على رفع العقوبات الاميركية المفروضة على سوريا واعادة السفير الاميركي الى دمشق في اقرب وقت ممكن. واوضحت المصادر ان المسؤولين الفرنسيين ناقشوا هذا الطلب السوري مع الاميركيين، بل ان ساركوزي بحث فيه مع اوباما شخصيا، لكن الرد الاميركي كان واضحا وصريحا ويمكن تلخيصه بالآتي: "نحن انفتحنا على سوريا لكن الاسد لم ينفتح فعلا علينا. ادارة اوباما تريد اقامة علاقات جيدة مع سوريا لكن نظام الاسد هو الذي يعرقل التقارب من خلال تمسكه بسياسات ومواقف تتعلق بلبنان والعراق وفلسطين وايران وقضايا اخرى تتناقض كليا مع ما تريده الولايات المتحدة بل مع ما يريده المجتمع الدولي وكذلك المجموعة العربية عموما ونظام الاسد يريد استغلال حواره مع واشنطن من اجل محاولة تحقيق اهداف ومطالب وطموحات تهدد الامن والاستقرار والسلام في العراق ولبنان وفلسطين وفي المنطقة عموما. واذا ما وصل الحوار الاميركي – السوري فعلا الى طريق مسدود، فان نظام الاسد هو الذي سيتحمل مسؤولية فشل سياسة الانفتاح الاميركي عليه، ويجب ان يتحمل تالياً عواقب هذا الفشل ونتائجه".


 

بقلم عبد الكريم أبو النصر     


المصدر: جريدة النهار

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك..

 الأحد 24 آذار 2024 - 2:34 ص

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك.. الحرة – واشنطن.. منذ السابع من… تتمة »

عدد الزيارات: 151,178,488

عدد الزوار: 6,759,180

المتواجدون الآن: 115