فاشيو بريطانيا يتصدون لـ"أسلمة أوروبا" و"معركة هارو" بداية الحرب

تاريخ الإضافة الثلاثاء 22 أيلول 2009 - 6:48 ص    عدد الزيارات 3449    القسم دولية

        


لندن ـ رانيا كرم

التاريخ الآن يعيد نفسه، على ما يبدو، في بريطانيا. فبعد اليهود في الثلاثينات، والسود في السبعينات، ها هم الفاشيون يحاولون مجدداً جمع صفوفهم للتصدي لـ "خطر" جديد، في نظرهم، يتمثّل هذه المرة في الإسلام. "معركة كيبل ستريت" لا يذكرها كثيرون بالطبع. فقد وقعت في خريف العام 1936 عندما نزل الفاشيون إلى هذا الحي، الذي تقطنه نسبة كبيرة من اليهود في شرق لندن، للاحتجاج على ما اعتبروه سيطرة من هؤلاء على مقاليد الاقتصاد في بريطانيا. في المقابل، نزلت حشود ضمّت مناوئين للفاشية واشتراكيين وايرلنديين لمساعدة اليهود في الدفاع عن حيّهم، فوقعت مواجهات بين الطرفين نال رجال الشرطة نصيبهم منها.
كما حاول الفاشيون مجدداً تكرار تحرّكهم في نهاية الخمسينات ومطلع الستينات من القرن الماضي. هذه المرة كان السود محور غضبهم. فهؤلاء، في نظرهم، يتحملون مسؤولية البطالة المرتفعة في بريطانيا بعدما جاؤوا بالآلاف في موجات هجرة متتالية، خصوصاً من بلدان الكاريبي، للعمل بأجور زهيدة وبدء حياة جديدة. شهدت سنوات الستينات صدامات متعددة ذات طابع عنصري تركزت على السود الذين أخذت عصابات من البيض تلاحقهم في الشوارع على وقع هتافات "اقتلوهم اقتلوهم". واختُتم ذلك العقد بالطبع بالتحذير الشهير الذي أطلقه السياسي اليميني المحافظ إينوك باول من أن بريطانيا ستغرق في "أنهار من الدم" جراء المواجهات بين البيض والمهاجرين "الغرباء" السود.
ربما اختلفت أمكنة المواجهات الآن، لكن "تكتيكات الفاشيين هي نفسها، كما كانت في الثلاثينات"، على ما قال قبل أيام وزير المجتمعات البريطاني جون دنهام، الذي كان يتحدث عقب صدامات وقعت بين متشددين ينتمون إلى "رابطة الدفاع الإنكليزية" ومجموعة "أوقفوا أسلمة أوروبا"، من جهة، وبين مسلمين ومتعاطفين معهم من اليساريين و"معارضي الفاشية"، من جهة ثانية. وقعت تلك الصدامات يوم 11 أيلول (سبتمبر) أمام مسجد ضخم يتم بناؤه في هارو، في شمال غربي لندن. وقالت "رابطة الدفاع الإنكليزية" إنها اختارت التظاهر في الذكرى الثامنة لهجمات 11 ايلول للاحتجاج على ما وصفته بأنه "أسلمة بريطانيا".
أثار الفاشيون فوراً بتحركهم هذا غضب المسلمين، الذين احتشدوا أمام المسجد "للدفاع عنه". انضم إلى سكان هارو المحليين مسلمون من مناطق أخرى جاؤوا للتضامن مع إخوتهم في الدين. كما انضمت إليهم جماعات غير مسلمة لكنها تتضامن مع حقوق المسلمين وتعارض المس بمقدساتهم، وكان على رأسها جمعية "اتحدوا ضد الفاشية" التي يقودها عمدة لندن السابق كن ليفنغستون، الذي حذّر من خطورة تنظيم تظاهرة أمام مركز ديني إسلامي، قائلاً إن الرأي العام البريطاني كله كان ثار لو كانت التظاهرة ستنظّم ضد كنيس يهودي أو كنيسة مسيحية، وإن الأمر ذاته يجب أن يُطبّق في حال استهداف مركز ديني إسلامي.
لم يمر يوم 11 ايلول بسلام. فقد اشتبك الفاشيون والعنصريون مع المسلمين ومناصريهم، وبالتحديد مع جزء من المتظاهرين المسلمين الذين انشقوا عن الجسم الرئيسي لتحركهم وبدأوا في ملاحقة العنصريين في الشوارع المحيطة بالمسجد. وعندما تدخل رجال الشرطة نالوا نصيبهم من الحجارة والقارورات التي استخدمها طرفا الاشتباك. لكن الأمر لم يقتصر على ذلك، بل تطور إلى قيام مجموعات يُعتقد أنها على صلة بالأوساط اليمينية المتشددة بمهاجمة المسلمين من أصول آسيوية وتحطيم نوافذ سيارات يملكها مسلمون.
سارعت الحكومة البريطانية إلى إدانة تصرف الفاشيين، لكن وزير المجتمعات جون دنهام كان أوضح للمسؤولين في مقارنة ما يحصل اليوم بما شهدته ثلاثينات القرن الماضي من تحركات استهدفت اليهود على وجه الخصوص. وقال دنهام: "الجماعات اليمينية المتطرفة التي تدعي أنها تعارض التطرف الإسلامي تحاول إثارة العنف في شوارع بريطانيا". أضاف: "إنهم يحاولون استفزاز الجالية الآسيوية. نحن نعلم من الماضي القريب أن مثل هذه الاستفزازات يمكن أن تؤدي إلى تقسيم المجتمع وإلى رد فعل مبالغ فيه ما لم نقض عليها في مهدها وبسرعة".
لم تكن "معركة هارو" الأولى بين الفاشيين والعنصريين وبين المسلمين. فقد شهدت شوارع أكثر من مدينة بريطانية في الأشهر الأربعة الأخيرة مواجهات بين مؤيدين لشعار "أوقفوا أسلمة أوروبا" وبين شبان مسلمين. بدأت التوترات تظهر إلى العلن في أيار (مايو) 2009 عندما تظاهرت مجموعة صغيرة من المسلمين المناهضين للحرب في مدينة لوتون، شمال لندن، ضد جنود بريطانيين كانوا عائدين من مهمتهم في العراق. رفع المتظاهرون لوافت أثارت غضب المرحّبين بعودة القوات. فقد كان بين الشعارات المرفوعة "جزارو البصرة"، في إشارة إلى الجنود البريطانيين العائدين من قاعدتهم في هذه المدينة العراقية. كذلك رفع المتظاهرون شعار "جنود أنغليا.....إذهبوا إلى الجحيم" (الكتيبة العائدة كانت من مقاطعة أنغليا الشرقية). فرد مؤيدو الجنود بتنظيم صفوفهم بسرعة، وجمعوا المئات من أنصار منظمات بريطانية يمينية متشددة توحدوا وأطلقوا على أنفسهم في ما بعد "رابطة الدفاع الإنكليزية" ونظّموا تظاهرة مضادة رفعوا فيها شعارات عنصرية وهتفوا "إمنعوا طالبان في لوتون" و"إرهابيون ... إرحلوا عن شوارعنا".
وما لبثت ظاهرة لوتون أن تشعبت، فامتدت لتشمل مدينتي مانشستر (كبرى مدن الشمال) وبرمنغهام (عاصمة وسط انكلترا) حيث انضم إلى "رابطة الدفاع الإنكليزية" جماعة تُطلق على نفسها إسم "المواطنون البريطانيون ضد المتطرفين".
ويؤكد المسؤولون عن "رابطة الدفاع الإنكليزية" عبر موقعهم على شبكة الإنترنت أنهم ليسوا ضد المسلمين بل ضد "التطرف الإسلامي". ويشيرون إلى أنهم لم يتحركوا سوى بعدما ضاقوا ذرعاً بما آلت اليه الأوضاع في لوتون ويؤكدون أن أهل هذه المدينة (من البيض) ليسوا راضين عن المتطرفين المسلمين منذ أن استخدمها أربعة انتحاريين انطلقوا منها للوصول إلى لندن حيث هاجوا نظام النقل العام (ثلاثة قطارات أنفاق وباص) وقتلوا 52 شخصاً وجرحوا المئات يوم 7 تموز (يوليو) 2005. ويقول مسؤولو الرابطة أيضاً إن الغضب كان يعتمر في نفوسهم منذ ما قبل 7 تموز بسنوات وتحديداً منذ العام 2001 عندما نزل المسلمون إلى الشوارع للاحتجاج على ضرب أفغانستان.
وعلى رغم أن التحركات التي يقوم بها الفاشيون والعنصريون حتى الآن ما زالت محصورة ببضع مئات فقط، إلا أن الواضح أن التأييد عموماً لليمين المتطرف في ازدياد مستمر. فقد استطاع الحزب القومي البريطاني (أكبر أحزاب اليمين القومي المتشدد) أن يحقق نتائج لافتة في السنوات الأخيرة توّجه في الانتخابات الأخيرة لاختيار النواب البريطانيين في البرلمان الأوروبي عندما نجح في إيصال زعيمه نيك غريفينث والقيادي فيه أندرو برونز إلى قبة البرلمان الأوروبي، للمرة الأولى في تاريخ الحزب. وفي حين حصد غريفينث 132 ألف صوت في دائرة شمال غربي إنكلترا، فاز برونز بـ 128 ألف صوت في يوركشاير ودنبر (شمال إنكلترا). وكان لافتاً أن الحزب القومي سارع إلى النأي بنفسه عن "رابطة الدفاع الإنكليزية" وصداماتها من المسلمين، وإن كان من الواضح أن الرابطة تستمد التأييد لتحركاتها من الأوساط ذاتها التي يعتمد عليها الحزب القومي. ولكن في حين يقول الحزب القومي إن معركته هي للدفاع عن "السكان الأصليين" البيض لبريطانيا في مواجهة "المهاجرين الغرباء"، فإن الرابطة تجهر بأنها تتحرك للدفاع عن هؤلاء "السكان الأصليين" من خلال استهداف من تعتبرهم "المسلمين المتطرفين".
وفي مقابل هؤلاء اليمينيين القوميين المتشددين والفاشيين، تنشط في بريطانيا مجموعات إسلامية عدة تحاول التصدي لأفكارهم والدفاع عن مصالح الجالية. وأهم هذه الجماعات المجلس الإسلامي البريطاني، الذي برز دوره عندما انبرى للدفاع عن صورة الجالية الإسلامية التي غالباً ما صارت الأوساط المتشددة اليمينية تصفها بالتطرف أحياناً وبالإرهاب أحياناً أخرى، وهو أمر ساهم بالتأكيد في ازدياد حدة الاعتداءات العنصرية ضد المسلمين. وسجّلت الاحصاءات الحكومية الرسمية تصاعداً قياسياً في الاعتداءات العنصرية في السنوات القليلة الماضية والتي راوحت بين اعتداء بالألفاظ النابية إلى الاعتداء بالطعن (ارتفعت نسبتها في السنوات الخمس الأخيرة 28 في المئة). وقُدّر عدد هذه الاعتداءات بين 2006 و2007 بـ 61 الفاً.
وعلى وقع تزايد الاعتداءات، عمل المجلس الإسلامي على تحقيق اندماج أكبر للجالية المسلمة في المجتمع البريطاني، وهو يشجع المسلمين على الإنخراط في مؤسسات الدولة بما في ذلك الأجهزة العسكرية والدخول في الأحزاب السياسية المختلفة. وقد أبدى المجلس أيضاً تعاوناً كبيراً مع سلطات الأمن بهدف التصدي للأفكار المتشددة التي تنتشر في بعض أوساط الجالية. وحاول المجلس في ظل تنامي الحركات الفاشية تهدئة الغضب في أوساط الجالية المسلمة عبر ارسال توجيهاته إلى المؤسسات والمساجد الإسلامية بضرورة توخي الحذر وضبط النفس وعدم الانجرار وراء "الاستفزازات والإعتداءات الصادرة عن اليمين المتطرف والهجمات العنيفة الأخيرة على المصلّين خارج المساجد". وشدد المجلس "على أن الخطر حقيقي فعلاً، لكن على المسلمين اللجوء إلى وسائل قانونية وسلمية وتصالحية لضمان سلامة مؤسساتهم ومجتمعاتهم". وواضح أن هدف المجلس في هذا الإطار هو تفادي أن تنجر الجالية إلى "الاستفزاز" الذي يحاول العنصريون جرها إليه.
لكن في مقابل هذا الاعتدال الذي يظهره المجلس الإسلامي، فإن هناك بالفعل جماعات إسلامية أقل ما يُقال فيها إنها متطرفة، إذ يصل بعضها إلى حد تكفير ما يدعو إليه المجلس الإسلامي نفسه من اندماج في المجتمع ومؤسسات الدولة البريطانية كونها "كافرة"، على ما يقول هؤلاء. وحاولت السلطات البريطانية في السنوات الماضية، وخصوصاً في أعقاب اعتداءات 11 ايلول 2001 سن تشريعات تمنع هذه الجماعات من حق النشاط على أراضي المملكة المتحدة وتتيح اعتقال أفرادها، الذين ينشطون في السر حالياً بعدما أدرجتهم السلطات في لوائح الإرهاب البريطانية. وذهب رئيس الوزراء السابق توني بلير إلى حد التلويح بحظر حزب التحرير الإسلامي، الذي ينادي بعودة الخلافة ويتبنى موقفاً يكفّر نظام الحكم في بريطانيا، لكن السلطات القضائية نصحت الحكومة بعدم محاولة حظر هذا الحزب، الذي يكرر دائماً في أدبياته رفضه استخدام العنف لتحقيق أهدافه.
 

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك..

 الأحد 24 آذار 2024 - 2:34 ص

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك.. الحرة – واشنطن.. منذ السابع من… تتمة »

عدد الزيارات: 151,086,590

عدد الزوار: 6,752,121

المتواجدون الآن: 106