حسين مروة ومهدي عامل كرمزين ضد الفكر الغيبي

تاريخ الإضافة الأربعاء 22 نيسان 2009 - 6:13 ص    عدد الزيارات 1458    التعليقات 0

        

لم يكن الثوريان اليساريان، والمفكران الماركسيان، حسين مروة ومهدي عامل يدريان أن ثمة أيادي غادرة، لقاماتٍ خاوية هاماتها إلا من الفكر الغيبي، ستطلق الرصاص في رأس الأول في شباط 1987 وفي صدر الثاني في أيار من بعده، ظناً منها أنه بإسكاتهما إلى الأبد تستطيع اغتيال الفكر المستنير الولاّد، والعقلانية الإبداعية لكليهما، والتي أودعاها لنا في كتب ومقالات عديدة، تشكِّل إرثاً فكرياً وثقافياً وسياسياً قيِّماً. ولكنها عن غير وعي منها، رفدتهما بكبار المفكرين والسياسيين الذين طبعوا كل مراحل التاريخ العربي بطابع الثورية، وقضوا غيلة ًعلى يد القوى المتمثِّلة إن بالسلطة السياسية الاستبدادية، وإن بمجموعات ظلامية، لا تجيد سوى الإعدام لغة للحوار.
في كتابه " تراثنا، كيف نعرفه"، تخطّى حسين مروة الطريقة السلفية في معرفة التراث باعتباره قضية الماضي لذاته، وإسقاطه على الحاضر وإعادة إنتاجه بالتالي بصورته الغيبية، ليقدم سبل معرفة له، تقوم على الفكر العلمي الديالكتيكي، وتنظر إليه في تاريخيته، وتُصوّر الحاضر كحركة صيرورة تتفاعل من داخلها منجزات هذا الماضي وتؤسس للمستقبل.
بهذا النمط من المعرفة العلمية، هدف حسين مروة إلى:
• إبراز الوجه الإشراقي، الإنساني والثوري لتاريخ الحضارة العربية في تفاعلاتها مع الحضارات الأخرى وانعكاساتها فيها.
• الكشف عن كنوز الإرث الثقافي العربي الذي طُمس عمداً في بعض أدوار التاريخ من قِبل السلطات الحاكمة ومن قِبل المستشرقين، وأُحرِق وأُغرِق على يد المغول والصليبيين.
• تبيان فضائل الشخصية العربية الأصيلة ذات الطبع الإنساني الصافي ونبذها رذائل الخيانة والمخادعة والطغيان.
• إثبات أن القصة العربية والقَصَص الشعبي والملاحم كألف ليلة وليلة، وسيرة عنترة وبني هلال، وقصة ذات الهمة والبطال، وسيف بن ذي يزن وغيرها، فيها من العناصر الميثولوجية والأُسطورية والملحمية، بما يضعها في مصاف تراث الأدب العالمي، فكراً وبياناً ووصفاً.
• التركيز على الاضطهاد والقتل الذي لقيه المفكرون والفلاسفة والادباء في عهود النهضة العقلية من قِبل الدولة الإستبدادية بغية إسكات لغة العقل والإبداع.
• دحض النزعة الشعوبية، أي نزعة التعصب العنصري ضد العرب، من قِبل العناصر غير العربية، من أجل تحريف التاريخ الثقافي العربي والانتقاص من قيمته، وسلخ النَّسب العربي عن مبدعيهم، وإخلاء هذا التراث من بدائع أعلام الأدب والفكر والفلسفة.
ونفذ من خلال دراسة وتحليل الآثار الأدبية والفكرية والعلمية لأدباء ومفكرين وفلاسفة، طبعت أعمالهم المرحلة الممتدة من العصر الجاهلي إلى العباسي، مروراً بصدر الإسلام والأُموي، بطابع الثورية، كالصعاليك، وابن سينا، وابن المقفّع، والجاحظ، والمتنبي، وأبي العلاء المعرِّي، وأبي نواس، وجابر بن حيّان، وابن سعد، واخوان الصفاء، والمتصوفة، وابن حزم وغيرهم، نفذ إلى تأريخ أمرين أساسيين: أولهما الصراع الطويل الذي خاضته اللغة العربية كأداةٍ تعبيرية حيّة للفكر والأدب والفلسفة، بين القديم والجديد، أي بين النُّقاد واللغويّين والنحوييّن المحافظين، وبين حاملي راية التمّرد، على التقاليد القديمة، وإثبات أن عملية تطويرها، لم تكن لتتم بطريقة ميكانيكيّة، بل كان ذلك إنعكاساً للتحّولات السياسية والانقلابات التي شهدتها المراحل كافة. والثاني، هو تأريخ مفاصل تمرحل التاريخ السياسي العربي وتطوره من العصر الجاهلي بنظامه القبلِّي المنبثق من حياة البداوة البسيطة إلى ما بعد العصر العبّاسي بنظامه الإقطاعي- التجاري- الثيوقراطي الأكثر تعقيداً وتطوراً، مرتكزاً لذلك على دراسةً ديالكتيكيّة، لحركة تطور وتفاعل الواقع الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والثقافي بمجمله، وتبيان ارتباطه بتطور حركة القوى الاجتماعية المنتجة وعلاقتها بالأشكال التاريخية المسيطرة، إن في زمن حكمها أو في زمن تحولاتها وانتقالها إلى مرحلة أكثر تطوراً.
أما مهدي عامل فقد وضع منظومة فكرية نظرية لتحليل الواقع اللبناني، قائمة على المنهج العلمي الماركسي والصراع الطبقي، إنطلاقاً من خصوصيته البنيوية ومن دون إسقاط النموذج الماركسي الأوروبي عليه.
ففي كتابه" في الدولة الطائفية" عالج مسألة الطائفية والنظام السياسي بعقده حواراً فكرياً مع بعض منظّري الإيديولوجيا الطائفية اللبنانية من جهة، ومع آخرين ماركسيين من جهة أخرى، معتمداً النقد اساساً للحوار، باعتبار أن أي صراع في الفكر يقوم على هذا الأساس يفضي إلى إنتاج المعرفة، وشرطه الاختلاف بين الفكر الناقد والمنقود وامتلاك أدواته. وقد ميّز بين نقدين ، أولهما نقد الأشكال المتجددة في الفكر الطائفي، وثانيهما نقد لما اعتبره انزلاقات البعض إلى مواقع الخصم في شكله الطائفي المسيطر.
بالنسبة للنقد الأول فقد استعرض مهدي عامل المفاهيم الأساسية للفكر الطائفي المؤسِّس لصيغة النظام السياسي- النموذج، والضامن لاستمراريته، والقائم على اعتبار أن الطائفة تشكِّل جوهر المجتمع، الذي يتعدّد بتعدّدها، ويشكل إطاراً خارجياً لمجموعة أقليّات متعايشة، قائمة بذاتها، ضمن نظام طائفي يؤمِّن مشاركتها عبر الديموقراطية التوافقية، ويُحكم بدولة محايدة عن الطوائف، تشرع لها الوجود المؤسسِّي وتلعب دوراً تحكيمياً وموازناً بينها، فهي تقوى بهذا التوازن وتضعف باختلاله.
وكتب في نقده يقول إن الطائفة هي علاقة سياسية محدّدة بشكل تاريخي من حركة الصراع الطبقي في شروط البنية الاجتماعية الكولونيالية، ومجموعها يشكِّل كيانات سياسية مستقلة، قائمة بالدولة عبر ارتباطٍ تبعي بها، وتكون في آن معطِّلة لوجودها كدولة مركزية. إن النظام السياسي هو نظام بورجوازي طائفي لأنه يقوم على أساس علاقة تَلازم بنيوي بين السيطرة الطبقية للبورجوازية، وبين شكله الطائفي الذي هو شكل تاريخي محدّد للنظام السياسي. أما التوازن فهو وهمي وهيمنيّ يؤدي بحسب الديموقراطية التوافقية إلى هيمنة أقلية معينة عبر استخدامها حق "الفيتو" في مواجهة الاقليات الأُخرى (الأكثرية)، مما يعطل الدولة. وأي إصلاح لهذا التعطيل من خلال حلٍ يكون فيٍ ممارسة طائفية، للمشاركة في السلطة (مزدوجة أم مثلثة أم أكثر)، إنما يعبِّر عن طموح تلك الأطراف إلى تعزيز مواقعها في هذه السلطة واقتسام الهيمنة، ويعيد اتساق الدولة كدولة طائفية. وبذلك، يكون هذا التوازن عامل تفكيك للنظام ويقود إلى إلغاء تعدّدية المجتمع الطائفي، مما يعني أن هذه التعدّدية التي هي بالنظام تعددية سياسية، ليست شرطاً للديموقراطية بل نفياً لها ومولداً للفاشية الطائفية.
أما بالنسبة للنقد الثاني، فقد حدّد الكاتب اختلاف وجهة نظره مع بعض المفكرين الماركسيين، في مقاربة المسألة الطائفية. وبعد نقاش مستفيض معهم من خلال نصوصهم حول تاريخيتها وارتباطها بانماط الانتاج، وفي الشروط التاريخية لنشوء وشكل الرأسمالية في لبنان، وفي العلاقة بين الطائفية والدين والطبقية، وفي الموقع الطبقي وأشكال وعيه وغيرها، يخلص إلى القول أن تكوين الطائفية في لبنان كظاهرة اجتماعية يعود إلى تكُّون النظام السياسي من السيطرة الطبقية البورجوازية كنظام طائفي، متمفصل اقتصادياً ومتلازم لتكوين البنية الاجتماعية التاريخية المحدَّدة زمن تكوُّن علاقات الانتاج الرأسمالية في ظِل التبعية الامبريالية وتغلغلها في لبنان بشكلها الكولونيالي (وهو زمن أزمة الرأسمالية الاوروبية وانتقالها إلى الامبريالية)، وإقامة بنية علاقات إنتاجية كولونيالية (هي نقيض شكلها الاوروبي الامبريالي). هذه العلاقات الكولونيالة رأت في الحفاظ على أنماطٍ من العلاقات الانتاجية السابقة على تكوُّنها، ضرورة من أجل تبعيتها واستمرار هذه التبعية. مما يؤكد أن هذه التبعية هي العائق البنيوي أمام تحوُّل الانتاج إلى إنتاج رأسمالي، وأمام القضاء على علاقات الانتاج السابقة للرأسمالية.
ومما اعتبره انزلاقاً نحو الفكر الطائفي، هو التماثل بين الطائفية والطبقية، والذي لايستقيم، كون الطائفية في البنية الكولونيالية هي غيرها في البنى السابقة عليها. أما بالنسبة لربط الموقع الطبقي وأشكال وعيه، فيوضح بأن الوعي الطائفي هو شكل من الوعي الطبقي بشكله البورجوازي المسيطر، فليس هناك من طائفية وطنية مناضلة وأُخرى عكسها لأنه في سياق ممارسة سياسية ما، لقضية معينة، إذا لعبت الطائفية دوراً وطنياً، فهو كذلك ليس من كونها طوائف تحمل شكلاً إيديولوجياً محدّداً من الوعي الطائفي، بل تبعاً لموقعها الفعلي من الصراع الطبقي لهذه القضية، التي من خلاله تمارس صراعها الوطني. هذا التناقض بين موقعها في الصراع الطبقي وبين الشكل الطائفي الذي فيه تعي علاقتها بموقعها هذا، يصبح في شروطٍ تاريخيةً أُخرى عائقاً للدور الوطني بل ويرتّد عليه.
حسين مروة ومهدي عامل، ربّما أصابا ببعض تحليلاتهما ونظرياتهما، وربّما أخطآ، لكنهما اجتهدا ونقدا حتى الاستشهاد. أين الفكر، والفكر الناقد اليوم الذي طالما اضطلع بدورٍ محرِّك في المجتمع، إن لم يكن لتغييره بل لتفسيره، وخاصةً بعد فشل التجربة الاشتراكية الأم بصيغتها السوفياتية، أين المعوِّقات النظرية التي كانت ترى بحتميّتها؟ هل هي أزمة النظرية، أم أزمة في التطبيق؟ أم أزمة انعقاد النظري على السياسي التطبيقي؟ أين الاجتهادات الفكرية اليسارية، الملحة اليوم من أجل إعادة تفعيل دور اليسار المغيّب؟ هل هو القحط الفكري، أو الخوف، أو اليأس؟
تجربة اليسار اللبناني تستأهل إعادة نظر وتجديد.

أغتيل الدكتور حسين مروة في 18 شباط 1987 واغتيل الدكتور حسن حمدان (مهدي عامل) في 18 أيار 1987.


(طبيبة)

ملف الصراع بين ايران..واسرائيل..

 الخميس 18 نيسان 2024 - 5:05 ص

مجموعة السبع تتعهد بالتعاون في مواجهة إيران وروسيا .. الحرة / وكالات – واشنطن.. الاجتماع يأتي بعد… تتمة »

عدد الزيارات: 153,757,765

عدد الزوار: 6,913,283

المتواجدون الآن: 119