تشكّل الندوة التي عقدها معهد الاعلام الأردني التابع لجامعة الأردن حول موضوع: "دور وسائل الاعلام في التحوّل الديموقراطي"، في 26/5/2012، مدخلاً لصوغ قواعد مهنية وخلقية تُساهم في نشر الثقافة الديموقراطية في البلدان العربية التي تمر بمرحلة انتقالية.

شملت الندوة مداخلات اعلاميين وباحثين من تونس ومصر والاردن ولبنان. طُرحت الإشكالية بوضوح: "هل ننظر بجدية من أجل اداء اعلامي أفضل وهل حصل تغيير في منظومة الاعلامية"؟
ينبع تنظيم الندوة من الملاحظة العملانية ان الاعلاميين الذين هم في الصدارة وبشجاعة نادرة دفاعًا عن الحريات قد يستمرون في التعامل مع الأوضاع المستجدة بذهنية لا تجاري مسؤولية المرحلة. كان الإنسان العربي، وربما لا يزال، يتعامل مع الشرطة طوال ثلاثة أجيال بصفة شرطة النظام والحكّام في حين يُنتظر من الإنسان المواطن في مرحلة التحوّل إدراك أنّ الشرطة مسؤولة عن أمن المواطنين والمجتمع.
تمحورت المداخلات والمناقشات حول التحوّلات المُستجدة في الإعلام العربي والتوجُّهات المهنية والخلقية في سبيل التحوّل الديموقراطي.

 

أبرز التحوّلات في بعض وسائل الاعلام بعد الربيع العربي أربعة:
1. تعددية الوسائل: يُلاحظ في حالة مصر "زيادة وتعددية في وسائل الاعلام ونشوء محطات جديدة" (نائله حمدي، مصر) "وتطور كمي ونوعي وكيفي في الشكل والمضمون" (نبيله حمزه، تونس).
2. مضامين جديدة: يُلاحظ دخول في "دنيا ثانية" وشمولية الاعلام "فئات لم نكن نسمع عنها قبلاً ولم يكن لها صوت في جوانب مختلفة وتوسع نحو مناطق لم تكن نسمع عنها وفي كل المحافظات؟" (نائله حمدي، مصر) و"توسع الاهتمام بالشأن المحلي" (مروان كريدي، لبنان)، و"مصالحة بين الاعلام والشعب الذي يستعيد الثقة بالاعلام" (نبيله حمزه، تونس).
3. تنظيم حقوقي: يحصل في حالة مصر نقاش حول المنظومة الحقوقية للإعلام وامكان إنشاء مجلس قومي للإعلام وتبرز"الحاجة الى إعادة نظر في الاعلام الذي هو أيضًا في مرحلة انتقالية".
4. قبلية جديدة بأشكال عصرية: يظهر "تسييس برامج ترفيهية" وانتشار خطاب "تهجم وغالبًا غياب المعايير" (مروان كريدي، لبنان) و"تخبط في مستنقع من الفوضى وتصفية الحسابات قد يعيد انتاج الاستبداد وغياب المهنية والأمانة". طُرح السؤال: "كيف يدير الاعلام الفترة الانتقالية؟" (مروان كريدي، لبنان). ويلاحظ "ركوب على الثورة وتسيب واستمرارية تصرف اعلام عام كإعلام رسمي في حين ان الإعلامي في الإعلام العام ليس بوقًا للحكومة" (نبيله حمزه، تونس).

 

طُرح في المناقشات السؤال: هل الاعلام يخدم الثورة؟ وهل هو قائد للرأي أم يخدم غالبًا دون دراية الاختصاصيين في الحروب الأهلية أو الداخلية؟ يُستخلص من المداخلات والمناقشات ان الاعلام هو في "مرحلة تأهيلية" (نائله حمدي، مصر) وستة توجهات مهنية وخلقية:
1. "البدء بالناس": غالبًا ما يستمر الاعلام في نقل اخبار البنيات الفوقية في حين ان الحاجة تكمن في "البدء بالناس" (جان كرم، لبنان)، بخاصة في الشؤون المحلية حيث المواطن قادر على الفعل والمبادرة والتأثير.
2. مقاومة ذهنية النق: يلاحظ تنامي ذهنية النق والتذمر والتشكي مع اظهار هذا المنحى وكأنه ممارسة مواطنية في المراقبة والمحاسبة. يؤسس هذا المنحى لديكتاتوريات سياسيين انتهازيين مخادعين يلعبون بعقول الناس تحت شعار مقاومة الفساد ويعدون بمستقبل زاهر. المواطنية هي فعل وثقة بالقدرة المواطنية ومبادرة وليست ردة فعل وتذمر.
3. التمكين: تتطلب تنمية الثقة بالقدرة المواطنية اعادة النظر في مفهوم الحدث الذي لا يقتصر على الظواهر السلبية والشاذة على نمط "اذا عض رجل كلبًا". ان الاعمال الايجابية النموذجية والمعيارية التي تثير التماثل والاقتداء هي أيضًا حدث. اذا اقتصر الحدث على الشرور والإثارة فهذا يُعمم الشذوذ ولا يساهم في التنمية.
4. اعادة تأهيل السياسة: ليست السياسة استعراضًا ومماحكة ومشاكسة واصطفافًا بل هدفيتها ادارة الشأن العام. الحاجة الى التوفيق بين تعددية الآراء ووحدة المجتمع وبين الجديّة والتحفيز والعمل على "مواجهة ومعالجة الاحتقان" (نبيله حمزه، تونس) وصياغة برامج في النقاش العام بخاصة على المستوى المحلي.
5. ثقافة القاعدة الحقوقية: عندما تقتصر السجالات في الاعلام على المشاكسة وعندما تغيب المعايير فالبديل هو العنف.
6. مقاربة الشؤون الدينية والمذهبية: ان إضفاء صفة مذهبية وطائفية على كل حدث هو اختزال لطبيعة الحدث الديني في المجال العام الذي يخفي غالبًا مصالح خاصة وسلطوية لا علاقة لها بالأديان والمذاهب.
 

يعني هذا التوجُّه "الابحار غالبًا عكس التيار السائد" ومقاومة "طغيان الرأي"، بخاصة أنه يمكن تحقيق التحوّل الديموقراطي في حوالى خمس سنوات في حال الاستفادة من مكتسبات الديموقراطية وترشيد الممارسة. يمارس كل اعلامي اليوم وظيفة تربوية وهو سقراط صغير في عالم يجتاحه التضخم الاعلامي وسوبرماركت قيم.


"تطور كمي ونوعي في وسائل الاعلام في زمن "الربيع العربي".
(أرشيف "النهار")